مقتل “رابين” وهوية دولة إسرائيل

نشر في جريدة الحياة – شباط 1996

مقتل رابين و«هوية» إسرائيل (1 من 2)
اغتيال رئيس الوزراء فتح ملف هوية الدولة العبرية ومستقبلها
عبد الله عبد الدائم(*)
لا شك أننا نستنكر العنف (وهو غير النضال المشروع والواجب من أجل حق سليب أو ضد محتل غاصب) سبيلاً لعلاج المشاكل في أي زمان ومكان. ونستنكر بالتالي «قتلة» رابين، على الرغم من أن الكيان الصهيوني قد مارس قبل فرض دولة إسرائيل وبعد ذلك أشرس ألوان العنف وأبشع أنواع الاغتيال والقتل والمذابح على أهل فلسطين وعلى العرب بوجه عام. بل حتى على بعض اليهود والصهاينة أنفسهم( ). وعلى الرغم من أن رابين نفسه (ومثله بيريز وشامير وبيغن وسواهم من قادة الصهاينة) كان إرهابياً (في عصابة «بالماح» Palmach التي كانت وحدة تضم الصفوة من عصابة «هاغانا» Haganah الشهيرة). وأنه طرد ببندقيته عام 1948. كما يعترف في مذكراته خمسين ألف عربي من قراهم، وكان «كاسر عظام» أيام الانتفاضة، بل على الرغم من أن يهود الشتات قد اتخذوا العنف (إلى جانب المال) عبر تاريخهم الطويل القديم والحديث سلماً لأغراضهم (ولا سيما من أجل إقامة الكيان الصهيوني). وعلى الرغم من أن بروتوكولات حكماء صهيون، قد أوصت باصطناع القتل والدمار في الحرب مع العرباء.
على أن الذي يعنينا أكثر من «القتلة» دلالتها المضمرة وما تحمله من معان أساسية تتصل بطبيعة الكيان الصهيوني.
مقتل رابين وهوية إسرائيل
يكشف مقتل رابين على نحو فاضح مشكلة عميقة، حاولت إسرائيل تجاهلها واجتناب طرحها، قوامها التساؤل عن هوية دولة إسرائيل. أما الآن، بعد مقتل رابين الذي عبّر عن عمق القلق والاضطراب اللذين يخيمان على المجتمع الإسرائيلي، فلا بد أن تسقط «التعميه» ويسقط «التمويه». ولا بد من تسمية الأشياء بأسمائها، وطرح المشكلات طرحاً واضحاً حاسماً.
فلقد حاول القادة الإسرائيليون حتى الآن اجتناب طرح تلك المشكلة التي كان لا بد من طرحها عملياً منذ حرب حزيران (يونيو) 1967 على أقل تقدير، تلك الحرب التي قادها رابين نفسه، وهي مشكلة أخذت تؤرق الكثير من الإسرائيليين منذ الثمانينات بوجه خاص. وبدأت بالتفجر على نحو ظاهر أو مضمر بعد مفاوضات السلام ونعني بتلك المشكلة التساؤل عن «هوية دولة إسرائيل»: هل هي، كما جاء في حيثيات إعلان قيامها عام 1948 دولة للشعب اليهودي كله، أم هي مجرد دولة مواطنين، هل هي، بتعبير أخر، دولة صهيونية دينية، تدعي حق السيطرة على أرض إسرائيل المزعومة كلها، حرباً أو سلماً، وتقيم من نفسها المهيمن على منطقة الشرق الأوسط وما وراءها وما أمامها، أم أنها (في حدود عام 1948) دولة كسائر دول المنطقة، تريد أن تعيش مع جيرانها آمنة مطمئنة، غير عادية ولا مستعدية ولا مسيطرة.
حرب حزيران وهوية إسرائيل
لقد كان الجواب على هذا التساؤل وما يزال، كما ذكرنا، بالهروب منه غالباً، أو باصطناع لغة مزدوجة في معظم الأحيان. ولقد طرح هذا السؤال نفسه بعد معركة الخامس من حزيران عام 1967 بوجه خاص، وبعد أن تم احتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان فقد رأى القليل من الإسرائيليين في هذا الحدث الذي تم فيه احتلال أراض جديدة تفوق ما تم احتلاله من قبل أضعافاً مضاعفة، مجرد نصر عسكري، بينما اعتبره معظم اليهود في إسرائيل والعالم نصراً من الله ورسالة من السماء وبداية عملية لتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» وبعد أن تقلصت المشاعر الصهيونية بعد قيام إسرائيل، بل بعد أن يئس بعض اليهود من قدرة دولة إسرائيل على البقاء، أدى ظفر إسرائيل في معركة الخامس من حزيران إلى دعوة المعادين للصهيونية أنفسهم إلى ربط هويتهم بدولة إسرائيل، وإلى اشتداد المنازع الصهيونية، وانتشار التأويلات الدينية، وإلى عودة رأس المال اليهودي العالمي للاستثمار في مشروعات إسرائيلية أو مشتركة مع إسرائيل، ولقد كانت هذه النتيجة من أهم أسباب إعداد إسرائيل لإيقاع العرب في حرب حزيران 1967، وجرهم إليها خدعة ومن وراء ستار، كما بينته دراسات كثيرة بعد الحرب، بل وقبلها.
وقد غذي هذا التفسير الأسطوري الديني قادة إسرائيل على اختلاف منازعهم وأصحاب المال داخل إسرائيل وخارجها، كما غذته الكثرة الكاثرة من الكتاب والمحللين والمنظرين.
وهكذا رأى معظم اليهود المتدينين أن ما تم من «استرجاع أرض إسرائيل» حدث الهي مقدس لا رجعة عنه، وعلى هذا النحو أخذ الحزب الديني الصهيوني الصغير (الذي كان حتى ذلك الحين معتدلاً بعض الشيء. ومعنياً بالتربية الدينية للشبيبة، وحليفاً مخلصاً لحزب العمل) ينزلق شيئاً بعد شيء نحو المواقف الصهيونية المتطرفة. وحل تدريجياً محل السياسيين الدينيين الذين كانوا من أصدقاء بن غوريون سياسيون شبان متطرفون يؤمنون بالاحتلال الأبدي للأراضي العربية. وقد رفض هؤلاء الزعماء الجدد أي حل وسط وانضموا إلى اليمين وزعيمه مناحيم بيغن. وعادوا حليفهم القديم. نعني حزب العمل. وما لبث هؤلاء المتدينون الشبان الذين أذكى تعصبهم بعض الحاخامات. أن أيدوا القول بالعمل. فمضوا إلى الأراضي العربية المحتلة يذبحون أبناءها، ويقيمون فيها، ويبنون المستوطنات اليهودية، تساعدهم في مهمتهم هذه الحكومات اليمينية في إسرائيل والمساعدات الخارجية، المالية والعسكرية وسواها.
هوية إسرائيل واليسار الإسرائيلي في التسعينات
مع ذلك، وبعد تطور العقول بعض الشيء بفعل الواقع العملي خلال التسعينات في العالم وإسرائيل، وبتأثير «الانتفاضة الفلسطينية» بوجه خاص، بدأ طرح مسألة «هوية إسرائيل» من جديد، وأخذ طرف من اليسار الإسرائيلي ومن الوسط الليبيرالي يجنح إلى القول – بصوت هامس أن على إسرائيل (في حدود عام 1948) أن تصبح دولة لمواطنيها، بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، وأن تكف عن أن تدعي أنها دولة لليهود أنى كانوا، وأن تخلف وراءها ظهريا حلم «إسرائيل الكبرى» وما وراءه من معتقدات دينية مزيفة، وان تغدو بالتالي دولة ديموقراطية حقاً كسائر الديموقراطيات الحديثة في العالم.
ويمكننا أن نطلق على هذا المنزع الجديد الذي أخذ في الظهور لدى قلة من أبناء إسرائيل اسم «نزعة ما بعد الصهيونية». وما تزال هذه النزعة هامشية حتى اليوم لأنها تناقض، في رأي معظم الإسرائيليين، المنطلقات والأسس التي قامت عليها دولة إسرائيل.
النزعات الدينية المتطرفة بعد محادثات السلام
في مقابل ذلك اشتد ساعد النزعات الدينية والصهيونية المتطرفة. ولا سيما بعد مرحلة محادثات السلام واتفاقي «أوسلو» بوجه خاص، على أن هذه الاتجاهات الدينية «المسيحانية» أن صح التعبير، بدأت بالنشاط والحركة منذ حرب حزيران 1967 كما ذكرنا. وبدأت تمارس العنف على نطاق متزايد في الأراضي المحتلة وسواها، مدعومة من قبل الجيش الإسرائيلي ومن منظمات يهودية عديدة داخل إسرائيل وخارجها. وهكذا ولدت وتكاثرت حركات يمينية متطرفة، يأخذ أصحابها بأعنف أشكال العمل السياسي، من بينها حركات كالآتية: «موليديت» «تيحيا» «تسوميت» وحركة «كاخ» الشهيرة وعلى رأسها الحاخام مائير كاهانا – ملحن ومغني التعصب ضد العرب – الذي انتخب عضواً في الكنيست عام 1984 قبل أن يقتل في نيويورك بتاريخ 5 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1990، دون أن ننسى حركة «غوش ايمونيم» الشهيرة والخطيرة وسواها من الحركات الأخرى التي أخذت تتوالد. وقد اشتد ساعد هذه الحركات المتطرفة في الولايات المتحدة وفي فرنسا. بوجه خاص. وفي ديار الشتات اليهودي بوجه عام. وحسبنا أن نذكر في الولايات المتحدة «كاهانا حي» (أي كاهانا لا يزال حياً) التي تحمل اسم الحاخام المتطرف الشهير مائير كاهانا الذي قتل في نيويورك (في الشهر واليوم نفسه تقريباً الذي قتل فيه رابين. الذي سقط في الساعة التاسعة والدقيقة الخمسين من مساء الرابع من تشرين الثاني. وأن نذكر أن رئيس يهود فرنسا جاك كوبفر (Jacques Kuqfer) أسس «صندوقاً خاصاً لإنقاذ أرض إسرائيل (الكبرى)» وذلك بعد التوقيع على اتفاق أوسلو مباشرة. في الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) عام 1993.
ازدواجية موقف اليسار الإسرائيلي
وبين طرفي العصا، بين «نزعة ما بعد الصهيونية» ونزعات اليمين الديني والصهيوني المتطرف، وقف الزعماء الإسرائيليون الذين قادوا عملية السلام من أمثال رابين وبيريز. وقد تبنوا منهجاً قوامه الازدواجية والغموض، ولئن كان بعضهم قد وصف تلك الازدواجية بأنها ازدواجية «بناءة» فإن مقتل رابين والتأزم الفكري والسياسي الذي عرفته إسرائيل في السنوات الأخيرة، يكشفان عن مخاطرها وحدودها. لا سيما إذا ذكرنا أن بنية الجيش الإسرائيلي. وبنية قياداته بوجه خاص، قد تغيرت، وأن صفوة وحدات هذا الجيش قد اخترقتها في السنوات الأخيرة وعلى نحو متصاعد عناصر قريبة من الاتجاهات القومية والدينية المتطرفة، بعد أن كانت من قبل مكونة من أبناء «الكيبوتزات» بوجه خاص.
مخاطر النزعة «الملفقة» التي يتبناها اليسار الحاكم
لا أدل على خطر هذا الموقف «الملفق» الذي تبناه ساسة اليسار الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، من مقتل رابين نفسه. فمقتل رابين، كما استبان من التحقيق. وليد جو الحقد والكراهية الذي خلقه الاتجاه الديني الصهيوني على مختلف ألوانه، بل وليد «اللعنة» التي أطلقها بعض حاخامات إسرائيل، والفتوى المباشرة (داموموتا، على حد التعبير اليهودي) التي صدرت سراً عن حاخامين (أحدهما دوق تيور من مستوطنات كريات أربع قرب الخليل، وثانيهما حاييم رابينوفتش من مستوطنة معالي أدوميم في ضواحي القدس الشرقية). ولا بد أن نذكر أن اللعنات والفتاوى فضلاً عن الشتائم والاتهامات التي تناولت رابين قبل مقتله جاءت على نحو أشد بعد خطابه الأخير الشهير أمام تجمع للقادة اليهود في الولايات المتحدة، قال فيه: «إن التوراة ليست إدارة حصر وتحديد للأراضي Cadastre ولا هي خارطة جغرافية» وأضاف «لو كنا نود أن نكون أمناء على ما رسمته الحدود التوراتية، لكان علينا أن نغادر عسقلون وأشدود، لأنهما كانتا تنتسبان في عصر التوراة إلى الفلسطينيين الأقدمين (Philistins)».
ولا ننسى كذلك أن قاتل رابين، نعني ييغال أمير قد صرح بأنه تلقى تعليماته من الله، وأن أباه حاخام، وأنه تلقى تعليمه في مدرسة «تلمودية» قبل انخراطه في فرقة المشاة المسماة «جولاني» وهي وحدة مختارة من صفوة الجيش الإسرائيلي. وأنه كان طالباً في السنة الثالثة يدرس الحقوق والمعلوماتية في جامعة «بار ايلان» الواقعة في إحدى ضواحي تل أبيب وهي جامعة يقصدها بوجه خاص الطلاب ذوو الاتجاه الديني ويتم فيها غالباً توزيع المنشورات الجهنمية التي تصدرها الجماعة الدينية المتطرفة «ايال Eyal» وهي إحدى شعاب حركة «كاخ» وقد وجد رجال الشرطة في صدر مكتبته كتاباً عن باروح غولد شتاين المستوطن ذي الأصل الأميركي الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في شباط (فبراير) من عام 1994، التي ذهب ضحيتها تسعة وعشرون من الفلسطينيين الذين كانوا يصلون في الحرم.
ويقول موجز، التهمة التي أباحت دم رابين في نظر طائفة كبيرة من الإسرائيليين ومن يهود الشتات، تهمة تتصل اتصالاً مباشراً بالمعضلة الأساسية التي واجهت وتواجه دولة إسرائيل، معضلة «هوية دولة إسرائيل». فقد رأى أصحاب النزعات الدينية المتطرفة، ودعاة التوسع الصهيوني، وكثير من يهود الشتات، ولا سيما في الولايات المتحدة حيث يقيم معظمهم (حوالي خمسة ملايين ونصف مقابل 3.2 مليون في إسرائيل) وفي فرنسا، أنه «خان المثل العليا للصهيونية».
ومن هنا فلا سبيل اليوم إلى إنكار هذه المعضلة أو إهمالها، أو التلفيق بشأنها. ولزام أن تشهد إسرائيل، في رأينا، عاجلاً أو أجلاً، طرحاً جلياً وواضحاً لهذه المشكلة، مهما يحاول بعضهم الهروب منها. وإلا كان البديل على مر الأيام – الامتثال الأعمى بين أبناء الشعب اليهودي في داخل إسرائيل وخارجها، والتطويح بالسلام وسواه( ).
وليس من دليل على أهمية طرح هذه المسالة طرحاً واضحاً أبلغ مما قادت إليه التعبئة الكاذبة والمزيفة للشعب اليهودي من قبل زعمائه، منذ قيام الحركة الصهيونية ثم نشوء دولة إسرائيل. فزعماء إسرائيل والصهيونية يحصدون اليوم ما زرعوا. لقد أدت الدعاوى الكاذبة التي لفقها زعماء الصهيونية، والحجج الدينية المزيفة التي قدموها لشعبهم وبرروا بها قيام كيان صهيوني على حساب ملايين الفلسطينيين وملايين العرب، بل سوغوا بها إقامة إسرائيل الكبرى، إلى تعبئة أيديولوجية خطيرة ومخيفة، كانت نتائجها المريعة تصيب الفلسطينيين والعرب في البداية، وهاهي ذي تصيب قلب إسرائيل، وسوف تحرق بنارها أولئك الذين أوروها وأذكوها، أن لم يقم جهد عقلاني وأيديولوجي واعٍ وسليم لاجتناب المحنة( ).
دور دعاة السلام في إسرائيل
ينطلق هذا الجهد في نظرنا من المسلمة الآتية: لابد لدعاة السلام في إسرائيل – أن صدقوا- من أن يقوموا بتعبئة مضادة إذا أرادوا حقاً أن يواجهوا الآثار المدمرة لتلك التعبئة الأيديولوجية الخطيرة التي ولدتها أكذوبة «إسرائيل الكبرى» والتي روج لها دعاة الصهيونية، لأسباب كثيرة، على رأسها إخفاء أغراضهم الاستعمارية ومطامعهم الاقتصادية وأهدافهم السياسية.
ونعني بالتعبئة المضادة أن يملك دعاة السلام الحق في إسرائيل (ولاسيما المفكرون والكتاب والمؤمنون بالديموقراطية السلمية) الجرأة على كشف الحقائق ومحو الزيف، فيبينوا لمواطنيهم وللعالم (باللغة التي يرتضونها وبالأسلوب الذي يؤثرونه) أن إسرائيل لا تملك أي حجة تاريخية أو دينية أو دولية تبرر احتلال الأراضي العربية، وأن دولة إسرائيل ولدتها دعوة صهيونية استعمارية شرسة ساعدتها على ترويج أكذوبتها وتحقيقها دول كبرى رغبة أو رهبة. ولا بد لهذه التعبئة المضادة أن تبين أن الفلسطينيين والعرب يُجبرون كارهين، أمام الواقع العالمي الظالم وأمام عجز الكيان العربي، على الاعتراف بإسرائيل ضمن حدود عام 1948( )، وإنهم بذلك لا يكرهون على تقديم أقصى التنازلات فحسب بل يطلب إليهم أن ينكروا ذاتهم وأن يفعلوا ما لم يفعله أي شعب في العالم، مهما تكن منزلته، نعني إنكار جزء من أرضه.
دور العرب في التعبئة المضادة
من المفارقات التي قد تبدو غريبة أن في وسع العرب أنفسهم بل من واجبهم أن يسهموا في هذه التعبئة المضادة. ويتم ذلك في نظرنا عن طريق وقوفهم موقفاً صلباً رافضاً لأي مساومة على الأراضي العربية المحتلة وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، وعن طريق هذا الموقف الرافض الحاسم يستطيعون أن يبينوا لمواطني إسرائيل المعنى الحقيقي للسلام. دون ما لبس وغموض، وإن يدفعوهم إلى أن يدركوا إدراكاً صحيحاً وفعالاً وحاسماً سبيل السلام الصادق والعملي والمثمر، وإن يتخلوا عن الأوهام التي تخلقها الدعاية المضللة. وكل وهن عربي في المطالبة بالأراضي العربية المحتلة بكاملها وبحقوق الشعب الفلسطيني، لابد أن يخلق لدى الإسرائيليين آمالاً مغلوطة وكاذبة، وإن يقود إلى «مساومات» مسمومة محملة بالمخاطر وأن يولد في قلب إسرائيل قلقاً واضطراباً وحيرة، ما تلبث آثارها المخربة حتى تصيب إسرائيل والعرب في آن واحد.
القابلون بالمساومة على الحق العربي يسيئون إلى العرب وإلى الإسرائيليين في آن واحد: ومن هنا لم يكن من الغلو أن نقول إن الذين يقبلون بالمساومة على الأراضي العربية المحتلة وعلى حقوق الشعب الفلسطيني لا يسيئون إلى الحق العربي وحده، بل يسيئون إلى إسرائيل نفسها وإلى السلام نفسه في معناه العميق والصادق. فالسلام المبني على الزيف والخداع والظلم وفرض الأمر الواقع لن يكون إلا سلاماً كاذباً موقتاً.
وعلى رأس ما ينبغي أن يبينه دعاة السلام هؤلاء لمواطني إسرائيل أن الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب العربي من أقصى الوطن العربي إلى أدناه ترفض أي مساومة مع إسرائيل حول الأراضي المحتلة وحول حقوق الشعب الفلسطيني، وأنها ترفض في أعماقها الاعتراف بإسرائيل في حدود عام 1948 وترى أن هذا الاعتراف المهين تم انتزاعه بسبب الظروف الدولية والعربية الشاذة والقاهرة.

مقتل رابين و«هوية إسرائيل» (2 من2)
لماذا إنكار مزاعم التطرف الصهيوني والديني؟

صدقت حقاً النبوءات التي أطلقها خلال عقود عدة بعض شرفاء اليهود حين بينوا أن الصهيونية تعني في خاتمة المطاف خراب إسرائيل وزوالها كما جاء في الكتاب الشهير «الصهيونية ضد إسرائيل». وصدقت كذلك ضروب النقد التي وجهها عدد من الكتاب اليهود وسواهم إلى اليهودية الحديثة حين اتهموها بالضلال حين تنكرت لذاتها ومبادئها وقيمها وتراثها الثقافي.
وما يجب التوقف عنده بهذا الصدد مواقف فيلسوف إسرائيل الأول وأستاذ الكيمياء البيولوجية في جامعة القدس ييشايا هوليبوفيتس (Yeshayahu Leibouvitz) الذي توفي في شهر أب (أغسطس) عام 1994 عن عمر ناهز 91 سنة. وهو متدين وصهيوني (على طريقته الخاصة).
ومع ذلك دعا إسرائيل إلى أن تغادر حالاً ومن جانب واحد الأراضي التي احتلتها عام 1967. وأن لم تفعل أدت سيطرتها على شعب آخر، هو الشعب الفلسطيني، إلى تراجع وانهيار تدريجي للدولة اليهودية نفسها، وإلى تفككها على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الخلقي المعنوي بوجه خاص. ومن هنا لا نعجب حين نراه يصرخ بعد حرب تشرين (أكتوبر) ناعياً القيم اليهودية، متهماً إسرائيل، بعد محاصرة بيروت، بأنها دولة «يهودية نازية»( ).
ومن المهم أن نذكر أن هذا الفيلسوف طرح على نحو واضح مسألة «الهوية اليهودية»، ورأى في خاتمة المطاف أن هذه الهوية تتجلى في الثقافة اليهودية والإرث اليهودي المشترك. فاليهودية، كما يرى، ليست «أرضاً» ولم تكن أرضاً في يوم من الأيام، والشعب اليهودي كان دوماً شعباً في المنفى واليهودية، كما يقول ليست «دولة» كذلك ولم تكن يوماً دولة عبر تاريخها كله. وإنما هي عنده وعي وارتباط بالثقافة الذاتية اليهودية وبقيمها، تلك القيم التي ترفض أن يكون من حقها أن يسيطر على المنطقة. وعنده أن الأطروحة الأساسية التي تأخذ بها الصهيونية، حين ترى أن الشعب اليهودي شعب مرتبط بأرض أطروحة مغلوطة، ويقترح عوضاً عن ذلك تحويل دولة إسرائيل إلى إطار سياسي حيادي يتولى خدمة مواطنيه، والفصل الكامل بالتالي بين الدولة الإسرائيلية وبين التعريف الديني والقومي لمواطنيها. فهذه الدولة لا تعدو أن تكون أداة للسلطة يتم في داخلها وإطارها تكوين شعب جديد. أما أرض إسرائيل فيستحيل تحديدها سواء على المستوى الجغرافي الموضوعي (لأنها لا تملك حدوداً طبيعية) أو على المستوى التاريخي. وهو يلخص وجهة نظره قائلاً: «أن الخطر الأساسي يأتي من أن تكون دولة إسرائيل أداة سلطة وحكم لشعب لا يعدو أن يكون جمهرة من الناس لا تملك أي قيم قومية مشتركة»، وترجمة هذا عنده أن صورة دولة إسرائيل رهن بالهوية الحالية والمقبلة للشعب اليهودي، هذا الشعب الذي يعاني من أزمة هوية عميقة، منذ القرن التاسع عشر. ذلك أن الشعب اليهودي، في نظره، لم يكن يحدده، عبر التاريخ، العرق أو اللغة، بل كان يحدده أمر واحد هو القيم اليهودية التي أتت بها التوراة ووصاياها، تلك القيم التي تتناقض، كما سبق أن ذكرنا نقلاً عنه، مع احتلال أراضي الآخرين واضطهاد الشعوب الأخرى.
من هنا كانت الصهيونية في نظره، على نحو ما تم تطبيقها، «إنكاراً لليهودية».
ويذهب ليبوفيتس إلى أبعد من هذا، ويكشف عن خطورة مشكلة الهوية الإسرائيلية على نحو صارم، حين يكتب في كتابه بالألمانية «أحاديث عن الله والعالم» ما يأتي( ):
«إذا نحن تابعنا مسيرتنا على هذه الطريق، فإنها سوف تقودنا لا محالة إلى سقوط دولة إسرائيل، وذلك خلال سنوات معدودة، دون أن يحتاج الأمر إلى أجيال، ففي الداخل سوف تصبح إسرائيل دولة تعج بمعسكرات الاعتقال لأناس مثلي، إذ ما وصل إلى السلطة فيها ممثلو الأحزاب القومية اليمينية، مثل كاهانا (Kahane) ورافول (Rafoul) ودروكمان (Druckmann) وشارون (Sharon). وفي خارج إسرائيل ستخوض إسرائيل حرباً قاتلة مع العالم العربي كله، من المغرب إلى الكويت، تلك هي الصورة المتوقعة في «المستقبل القريب».
رابين وهوية إسرائيل
لا ندري إن كانت عبارة رابين نفسه التي وردت في خطابه الشهير أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، أمام عدد من قادة اليهود هناك، كما سبق أن ذكرنا، تعني ما يقترب مما عناه «ليبوفيتس» وأمثاله. قال رابين في ذلك الخطاب، بعد أن بين أن التوراة ليست كتاب تحديد للأراضي ولا خارطة جغرافية: «إن التوراة تعلمنا القيم». وما نخاله يذهب مذهب «ليبوفيتس» حين قال هذا إن هذه القيم ترفض احتلال شعب لشعب.
والحق أن الأيديولوجية الصهيونية، الداعية إلى استعادة «أرض إسرائيل» إيديولوجية كانت في طريقها إلى الزوال على نحو طبيعي بعد خلق دولة إسرائيل. غير أن ثمة عوامل عدة حالت دون إمحائها، من بينها التغذية المستمرة لها من قبل زعماء إسرائيل في الداخل وزعماء اليهود في العالم، ومن بينها انتشار الحركات الدينية المتطرفة، وعلى رأسها أن دولة إسرائيل كانت في حال حرب مع جيرانها.
الصراع بين إسرائيل كدولة والصهيونية
أما الآن وقد أصبح السلام مطروحاً فإن على دعاة السلام في إسرائيل أن يقوموا بجهد موصول من أجل أن يدرك أبناء إسرائيل جميعهم أن الصهيونية لم يعد لها ما يبررها، وأن دولة إسرائيل لا يمكن أن تبقى إلا إذا أصبحت دولة ديموقراطية كسواها من الدول، لا تفرق بين مواطنيها، ولا تقبل أن يكون ولاء هؤلاء المواطنين ولاء مزدوجاً ومتناقضاً: نعني الولاء للدولة وقوانينها من جانب، والولاء في الوقت نفسه لقانون إلهي مزعوم.
وما جدوى الدولة وما جدوى الديموقراطية وما جدوى مئة وعشرين نائباً في «الكنيست» إن كان الولاء للقانون الإلهي المزعوم حائلاً دون التنازل عن شبر من «أرض إسرائيل».
هذا الصراع بين الدولة وبين المزاعم الدينية الصهيونية، تجلى في كثير من تصريحات الجماعات الدينية المتطرفة في السنوات الأخيرة. وقد عبر عنه أصرح تعبير، قبل مقتل رابين بفترة وجيرة، ناحوم ايليزر رابينوفيتش (Nahum Elizar Rabinovitch)، عضو مجلس حاخامات «يهودا والسامرة» حين قال بالحرف الواحد، مخاطباً الجنود الإسرائيليين: أيها الجنود المتدينون لا تطيعوا أوامر الحكومة. إن من حقكم أن تلجأوا إلى العصيان المدني إذا طلب إليكم رؤساؤكم أن تخالفوا ضمائركم فوق الأرض المقدسة «لإسرائيل الكبرى».
لابد لإسرائيل إذن أن تحزم أمرها، ولابد لقادتها أن يتخلوا عن الغموض والازدواجية والمغالطة، فلقد مضى أوان هذا كله. ولا ندري إن كان من شأننا أن نقول ما قاله أيلان غريسمر (Jlan Greilsammer) أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار أيلان (Bar- Jlan) في إسرائيل (التي سبق أن أشرنا إليها) في مقال له حديث، بعد مقتل رابين (نشرته جريدة «لموند» الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 13/11/95: «آن الأوان لحل الجماعات المتطرفة، ولوضع أعضائها حالاً في أقفاص السجون، ولتفكيك خلاياها الإرهابية دون ما تردد أو رحمة». غير أن ما يحق لنا ويجب علينا قوله وتكراره، في نظرنا، هو أن قادة إسرائيل لابد أن يختاروا بوضوح بين نظرتين: نظرة ترى في إسرائيل دولة دينية صهيونية تبتلع سواها، ونظرة ترى فيها دولة ديموقراطية تعيد الحق إلى أصحابه، ويتعايش فيها مواطنون من عروق وأديان مختلفة، شأن سائر الديموقراطيات في العالم»( ).
ولا حاجة إلى القول أن النظرة الثانية هي التي تؤدي إلى السلم في داخل إسرائيل. ويمكن أن تؤدي إلى السلام مع جيرانها إذا لم تخالط هذا السلام مطامع الهيمنة الإسرائيلية الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية. أما النظرة الأولى فمصيرها الاحتراب داخل المجتمع الإسرائيلي، واستمرار الحرب مع دول المنطقة العربية.
لا مناص من طرح مسألة الهوية
مسألة الهوية إذن، هوية دولة إسرائيل، كما قلنا منذ البداية، أصبحت اليوم مطروحة، ولم يعد من الممكن اجتنابها أو القفز فوقها أو تعميتها. ولعل الذي حال دون طرحها قبل الآن، ولا سيما في السنوات الأخيرة، ودون التمهيد لها وإنضاجها التدريجي في المجتمع الإسرائيلي، التسرع الشاذ الذي رافق إطلاق محادثات السلام، وذلك بسبب التعجل الأميركي وبحث الرئيس «بوش» عن نظام عالمي جديد مزعوم، وتحيّن أفضل فرصة في نظره لفرض تنازلات على العرب، نعني ما أصاب العرب من ذهول وضعف وتمزق بعد حرب الخليج الثانية.
لقد ذهب مع رابين جيل بناة دولة إسرائيل، ولم يبق من هؤلاء إلا بيريز. وستكون الفترة الآتية إذن فترة نقل الأمانة إلى الجيل الجديد الذي سوف يتولى القيادة بعد جيل البناة الأوائل. ومن المفترض بالتالي أن يكون جوهر هذه الأمانة التحديد الواضح لهوية إسرائيل والتمهيد لذلك تمهيداً واعياً، أو بتعبير أصح الانطلاق الجريء نحو رسم معالم دولة إسرائيل الجديدة والديموقراطية البعيدة عن أحلام الصهيونية وما جرته من ماسِ.

ولا ندري أن كنا بقولنا هذا، نحمل قادة إسرائيل الحاليين أكثر مما يسمح به تكوينهم وماضيهم( ).
ولكن لابد مما ليس منه بد على حد تعبير الشاعر العربي.
ولعل من المفيد أن نعيد هنا ما قاله بيريز نفسه، في حديث له مباشرة مع القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي مساء الأحد في 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، حين كرر مرتين أن «من الخير للإنسان ألا يخاف ويموت من أن يموت خوفاً».
لا سلام مع بقاء الهوية الصهيونية
أياً كان الأمر، كيف يمكن أن يقوم سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل بوجه خاص، وكيف يمكن أن يستمر هذا السلام، إذا كان الفلسطينيون سيظلون مهددين دوماً من قبل الجماعات الدينية الإرهابية المتطرفة المزودة بالسلاح. وإذا كانت المستوطنات ستبقى ويبقى معها أصحابها الرافضون والعازمون على اصطناع شتى وسائل الإرهاب ضد السكان الفلسطينيين المحيطين بهم( ).
لن يكون السلام إذن حقيقياً ودائماً إلا إذا حدث تغير حقيقي في السياسة الإسرائيلية بحيث يتم التخلي نهائياً عن القول بالهوية الصهيونية لإسرائيل وعما يؤدي إليه هذا القول من عنف متزايد. ومن مطامع جغرافية واقتصادية وسياسية تتستر بستار السلام، وبحيث تتمكن الأكثرية الراغبة في السلام بين سكان إسرائيل من التغلب على الجماعات المتطرفة وتعطيل دعواتها ونشاطاتها وإبطال إيديولوجيتها بوجه خاص.
مسألة هوية دولة إسرائيل إذن مسألة راهنة لها انعكاساتها السياسية الواسعة، لا سيما في ما يتصل بالسلام، وليست مسألة نظرية أو فكرية. ولئن كان كتّاب اليهود ومفكروهم منذ القرن التاسع عشر قد تفرقوا شيعاً ومذاهب في ما يتصل بتحديد «الهوية اليهودية» ولا سيما في ما يتصل بعلاقتها بالدين اليهودي( )، فإن الواقع اليوم قد زاد في الشقاق بين اليهود حول هذا الموضوع من جانب، وأيد وجهة نظر القائلين بالفصل بين دولة إسرائيل وبين اليهودية الصهيونية من جانب آخر. وفي هذا يقول ديفيد هارتمان (David Hartman) أحد أبرز المفكرين في إسرائيل في كتابه «التعددية داخل التقاليد اليهودية المنقولة( )،: «إن أخطر مسألة في إسرائيل هي أن يعرف المرء في ما إذا كان من الممكن أن تؤدي الخلافات المزمنة بين اليهود إلى حرب أهلية. ذلك أن عملية الاستقطاب بين اليهود الدينيين واليهود العلمانيين عملية مستمرة. والمشاكل الدينية الخلافية تثير دوماً الغضب والكراهية بين الأخوة اليهود الذين عادوا إلى ديارهم، بعد أن صلوا طويلاً من أجل الخلاص من منفاهم، وما يزال السؤال الكبير، القديم الحديث كما يقول، بلا جواب: ويعني به. من هو اليهودي» و«من هو المواطن الإسرائيلي»( )؟.
إسرائيل والأمن والسلام والهوية
معنى هذا كله أن الأمن الذي تتحدث عنه إسرائيل والذي تعتبره حجر الزاوية في مباحثات السلام مهدد من داخل إسرائيل نفسها قبل أن يكون مهدداً من خارجها. وإذا لم تقدم إسرائيل بجرأة وحزم على توضيح هويتها بحيث تنفي عن هذه الهوية المنازع الصهيونية والتفسيرات الدينية المحرفة الكاذبة، فإنها ستعرض نفسها لانفجار من داخلها، يصيب شره جيرانها أنفسهم.
ثم أن محاربة هذه النزعة الدينية الصهيونية المتطرفة, فكرياً وسياسياً وعسكرياً، ليست فقط شرطاً لا مناص منه لأمن إسرائيل، بل هي شرط لقيام سلام حقيقي صادق مع جيرانها العرب وكل حديث عن علاقات طبيعية مع العرب. سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، باطل إذا لم تنزع إسرائيل عن نفسها أولاً إرهاب التطرف الديني الصهيوني القادر على إفساد أي علاقة ومن غير المجدي، بل من قصر النظر إن لم يكن من الخداع. أن تتحدث إسرائيل عن «شرق أوسط جديد» إذا لم يتم التخلي الواضح والفعلي عن المنازع العنصرية والدينية المتطرفة والصهيونية، تلك المنازع التي لا يمكن أن يكون “الشرق الأوسط الجديد” في ظلها إلا مسرحاً للهيمنة الإسرائيلية، بشتى أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، بل مسرحاً للهيمنة الصهيونية الشاملة من ورائها، الممتدة عبر البحار والمتجلية لدى القوى البارزة في الشتات اليهودي. فهل يكون مقتل رابين صدمة كهربائية تؤدي إلى صحوة إسرائيلية( ) تسمي الأمور بمسمياتها، وتحارب النزعات الصهيونية والدينية المتطرفة – منقذة بذلك نفسها وسواها – وتعمل على بناء سلام حقيقي، تتخلى فيه عن الجمع المتعذر وغير البريء بين إدعاء العمل للسلام مع جاراتها وبين “مغازلة” الحركات الصهيونية والدينية المتطرفة أو التهاون معها؟ هل يؤدي مقتل رابين إلى اتجاه إسرائيل نحو بناء دولة ديموقراطية غير عنصرية، وغير صهيونية، ترفض المنطلقات الأيديولوجية للتطرف الديني، وتسلك داخل حدودها ومع جيرانها سلوك أي دولة ديموقراطية في العالم؟