التخطيط للتعليم العالي وعلاقته بخطة التنمية

بحث قدم إلى المؤتمر التربوي للتعليم العالي والجامعي الذي عقد بدمشق من 28-31 آب/ أغسطس 1971 التعليم العالي وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي
(بالتركيز على موضوع التعليم العالي ومشكلات سوق العمل)
عبد الله عبد الدائم
أولا- مدخل:
1- من طبيعة التربية في أي عصر ومصر أنها محافظة غير مجددة، وأنها مقصرة بالتالي عن اللحاق السريع بالتغير الاقتصادي والاجتماعي، بل أن معظمهم يرى في التربية أداة لإعادة بناء عين النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي أوجدها. ويذهب فريق من المربين إلى القول أن قطاع التربية يكاد يفوق قطاع الزراعة في روحه المحافظة، رغم ما عرف عن هذا القطاع الأخير من جمود تقليدي لا سيما في البلدان النامية. وقد يكون لهذا التثاقل في حركة تغير التربية جوانبه الإيجابية، إذ يحمي المجتمع من بعض الطفرات المفرطة، كما يحفظ له هويته واستمراره حين تعصف بها رياح تعرضهما للهزات.
غير أن لهذا البطء في التغير جوانبه السلبية الغالبة، إذ يزيد من الفراق والطلاق بين النظام التربوي الذي يكاد يغدو غاية في ذاته وبين حاجات المجتمع المتجددة، ويعزل هذا النظام عن المجتمع وعن الحياة من حوله، بل يقدم لهذا المجتمع نتاجاً من الخريجين الذين لا يستجيبون لحاجاته الحقيقة، ولا يضطلعون بدورهم في تنميته تنمية حقة شاملة. ومن المفارقات التي يذكرها بعض الباحثين أن التربية التي كانت رائدة التقدم العلمي التكنولوجي ومنطلق شرارة التجديد والإبداع فيه، لم تلتفت إلى ذاتها ولم تطور بناها وأساليبها وتقنياتها، وظلت تعمل بالأساليب التقليدية الحرفية إلى حد بعيد، كأن شيئا لم يكن.
ويزداد خطر هذا التباطؤ في التغير، حين يواجه النظام التربوي، شأنه اليوم، تغيرات مذهلة في شتى جوانب الحياة، وحين تخلق مثل التغيرات الجذرية العميقة حاجة ماسة إلى تغيير إعداد القوى العاملة اللازمة تغييراً جذرياً.
2- ومن مكرور القول أن نتحدث عن التغيرات الجذرية الأساسية التي أحدثتها الثورة العلمية التكنولوجية، تلك الثورة التي يصفها بعض ثقات الباحثين بأنها تختلف عن الثورة الصناعية الأولى في الطبيعة لا في الدرجة. وحسبنا أن نشير – في حدود بحثنا المتصل بالتعليم العالي – إلى ما طرأ من تغيرات ضخمة في مجال العلوم والمعارف، وإلى بزوغ اختصاصات جديدة، لاسيما في مجال الصناعات الإلكترونية وكل ما يتعلق بالاتصال والمعلومات، وفي مجال الصناعات النووية والهندسة البيولوجية، وعلوم البحار وعلوم الفضاء وسواها.
ومن الجدير بنا أن نذكر كذلك التغيرات الجوهرية التي حدثت فيما يتصل بعلاقة الإنسان بالآلة وبوسائل الإنتاج (لاسيما بعد انتشار الأتمتة وحلول الآلة محل الإنسان)، وفي طبيعة المهن والأعمال، وفي نمط الطلب على القوى العاملة، نوعها وكمها وتوزعها على قطاعات النشاط الاقتصادي والمهن.
3- ولاشك أن هذه التغيرات الكبيرة في حياة العصر بوجه عام، وفي بنية العلوم والأعمال والمهن بوجه خاص، أملت وتملي على التربية مطالب محدثة لا عهد لها بها من قبل. وأهم ما تفرضه هذه التغيرات السريعة، تخلي النظم التربوية عن صلابتها وجمودها وأخذها بقدر متزايد من المرونة والتنوع. وبتعبير آخر لا بد أن تنطلق التربية اليوم من منطلق قوامه أن مفهوم النظام التربوي الثابت مفهوم قد مات، وسنرى معنى ذلك وتفصيله بعد حين. وحسبنا أن نقول الآن أن أهم مظاهر هذه المرونة المطلوبة من التربية، ولا سيما في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي وفي مرحلة التعليم العالي، تنويع التعليم وتشعيب أشكاله عن طريق الربط الوثيق بين هياكله ومحتواه وبين حاجات سوق العمل بوجه خاص.
4- وإذا التفتنا إلى التعليم العالي بوجه أخص، واجهتنا مشكلة التغير هذه على نحو أقسى وأخطر. فالتعليم العالي (ولا سيما الجامعي) تعليم يصعب عليه أن يفارق تقاليده. وما تزال مهمة هذا التعليم، في نظر كثير من بلدان العالم، تقديم المعرفة والعلم والثقافة، دون النظر إلى الصلة بين مضمون هذه كلها وبين حاجات المجتمع بوجه عام وحاجات سوق العمل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بوجه خاص. ومن هنا نجد أن حركات التجديد في التعليم العالي في العالم كله – استجابة لحاجات المجتمع – ما تزال محدودة تسير على استحياء، بل هي حركات تتولاها غالباً معاهد ومؤسسات للتعليم العالي غير مرتبطة بالجامعات.
5- وفي البلدان العربية، تواجه التربية بوجه عام كما يواجه التعليم العالي بوجه خاص مثل هذه الأزمة، بل يواجهها على نحو أشد وأقسى. فحاجات المجتمع وحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحاجات سوق العمل في البلدان العربية تتغير وتتطور تطوراً سريعاً، بتأثير التغير العالمي نفسه، وبتأثير عوامل أخرى ذاتية تضاف إليه. والتربية – رغم الجهود التي بذلت في العديد من الدول العربية – ما تزال في الجملة تتأبى على التغيير اللازم. والتعليم العالي – رغم بعض التجارب الإيجابية المحدودة التي ظهرت في العديد من البلدان – ما يزال يتقي التغيير ويخافه حيناً، أو لا يجد السبيل السوي إليه حيناً آخر.
ولكي تتضح لنا حدة المشكلة، لا بد أن نقدم عرضاً خاطفاً سريعاً لواقع التعليم العالي في البلاد العربية والمشكلات الأساسية، ولاسيما ما اتصل منها بحاجات التنمية والعمالة.
ثانياً – التعليم العالي في البلاد العربية: الواقع والمشكلات
في تحليلنا للتعليم العالي في البلاد العربية، كشفاً عن مشكلاته، سوف نتوقف عند الجانب الكمي منه، ثم عند الجانب النوعي الكيفي، وأخيراً عند الصلة بينه وبين حاجات التنمية وحاجات سوق العمل، وهو جوهر موضوعنا.
1- التطور الكمي للتعليم العالي في البلاد العربية ومشكلاته:
لا شك أن أهم هذه العوامل التي تدعو إلى إعادة النظر في التعليم العالي في البلاد العربية – هيكلاً ومحتوى وربطاً بحاجات سوق العمل – التزايد الطلابي الكبير في أعداد الذين يرتادون التعليم العالي (أو المرحلة الثالثة من التعليم كما يفضل بعضهم أن يسميه). وقد كان هذا التزايد – في البلاد العربية وفي العالم – وما يؤدي ِإليه من مشكلات البطالة وسواها، من الدوافع الأساسية التي دفعت إلى التفكير الجاد في ربط هذا التعليم ربطاً وثيقاً بحاجات التنمية وحاجات سوق العمل. فما هي أهم سمات هذا التطور الكمي في أعداد طلاب التعليم العالي في البلاد العربية؟
1-1 يلخص الجدول التالي( ) رقم (1) اتجاهات القيد حسب المستوى والجنس في البلاد العربية بين عام 1970 و 1984. كما يبين الجدول (رقم 2) المستخلص من الجدول (1) متوسط نسب النمو السنوي للقيد حسب التعليم العالي والجنس في المنطقة العربية بين عام (1970 – 1984). والجدول التالي (رقم 3) يقدم صورة مجملة لهذا كله فيبين نسب الطلاب الملتحقين الإجمالية في المنطقة العربية حسب مستوى التعليم العالي خلال الفترة نفسها (بالنسب المئوية).
الجدول رقم (1): اتجاهات القيد (الطلاب الملتحقين) حسب المستوى والجنس في المنطقة
العربية – من 1970 إلى 1984. (بالآلاف)
1984 1980 1975 1970 المستوى الجنس
2402411309188237215 206408720144130801 16637572989723263 12621357144616638 الأولالثانيالثالثالإجمالي ذكوروإناث
139636883125422100 12195546199618652 10335378064114756 8032250234110875 الأولالثانيالثالثالإجمالي ذكور
10061442962815115 8445325944512149 630214492568507 458910671055763 الأولالثانيالثالثالإجمالي إناث
الأرقام الخاصة بالسنة 1984 هي تقديرات مكتب اليونسكو للإحصاءات.
الجدول رقم (2): متوسط نسب النمو السنوي للقيد (الطلاب الملتحقين) حسب مستوى
التعليم والجنس في المنطقة العربية: 1970-1984
1970/84(%سنوية) 1980/84(%سنوية) 1975/80(%سنوية) 1970/75(%سنوية) المستوى الجنس
4.78.610.85.9 3.96.76.94.8 4.48.89.95.8 5.79.9156.9 الأولالثانيالثالثالإجمالي ذكوروإناث
47.59.75.2 3.465.94.3 3.47.69.24.8 5.28.613.56.3 الأولالثانيالثالثالإجمالي ذكور
5.810.713.67.1 4.5895.6 610.811.77.3 6.512.819.58.1 الأولالثانيالثالثالإجمالي إناث
الجدول رقم (3) نسب الطلاب الملتحقين الإجمالية في المنطقة العربية حسب مستوى التعليم
1970-1984 (بالنسب المئوية)
1984% 1980% 1985% 1970% المستوى
83.544.112.353.3 80.937.99.448.3 74.328.66.942 63.720.84.234.9 الأولالثانيالثالثالإجمالي
وأخيراً يبين الجدول التالي رقم (4) نسب الطلاب الملتحقين حسب فئات العمر في المنطقة العربية بين عام 1970و1984.
الجدول رقم (4) نسب الطلاب الملتحقين حسب فئات العمر في المنطقة العربية 1970-1984
1984% 1980% 1975% 1970% الجنس فئة العمر
72.681.363.5 68.978.958.6 61.173.348.3 51.56339.4 ذكور وإناثذكورإناث 6-11
49.357.740.4 42.251.332.5 35.244.925 29.539.217.7 ذكور وإناثذكورإناث 12-17
18.222.613.5 15.920.610.8 13.518.68.1 8.312.54 ذكور وإناثذكورإناث 18-23
49.847.242.1 45.553.636.9 40.149.630.1 32.341.722.4 ذكور وإناثذكورإناث 6-23
1-2 ومن تقري هذه الجداول وسواها نستخلص جملة من الحقائق أهمها:
أ. إن مجموع الطلاب المقيدين في المستوى الثالث بلغ 1.9مليون طالب عام 1984.
ب. إن معدل النمو السنوي للقيد في التعليم العالي بين عامي 1970 و1975 هو (15%) سوى أنه انخفض إلى (9.9) خلال الفترة الواقعة بين عام 1975 وعام 1980.
ج. إن نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم العالي إلى فئة العمر المقابلة (18-23سنة) بلغت 12.3% عام 1984 (وهي نسبة إجمالية غير صافية).
1-3 ولا شك أن هذه الأرقام تدل على تطور سريع في أعداد الملتحقين بالتعليم العالي في البلاد العربية. وتشير الإسقاطات التي قام بها مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في البلاد العربية إلى أن مجموع الملتحقين بالتعليم العالي عام 2000 في جملة البلاد العربية ممن هم في فئة السن (18-23)، سوف يبلغ (32.4) مليون طالب (مقابل 22 مليون تقريباً اليوم). على أن الفروق بين الدول العربية المختلفة في هذا كله ما تزال كبيرة. ولا شك أن تطور أعداد الطلاب في التعليم العالي في المنطقة العربية على هذا النحو تطور سريع. ومع ذلك لا نستطيع أن نصفه بأنه تطور كاف. فالعدد الإجمالي لطلاب التعليم العالي عام 1980 لم يكن يمثل أكثر من 70% من فئة السن (17-23) ولا يتجاوز 0.8% فقط من جملة سكان المنطقة، أو 815 طالباً مقابل كل مائة ألف من السكان( ). وهذه المؤشرات كلها دون نظيراتها بكثير في الدول المصنعة، وإن تكن قريبة مما نجده في كثير من بلدان العالم الثالث.
1-4 هذا التزايد الكمي في أعداد طلاب التعليم العالي- رغم أنه لم يبلغ الشأو المطلوب- يطرح أمام مؤسسات التعليم العالي في البلاد العربية مشكلات جادة، ويحملها كما سبق أن ذكرنا إلى أن تعيد النظر في هياكلها واختصاصاتها ومحتواها والصلات بينها وبين عالم العمل. هذا فضلاً عما سوف يطرحه التزايد الكمي في المستقبل من مشكلات كمية، تتصل بتوفير الجامعات والمؤسسات اللازمة، ومن مشكلات إدارية وتعليمية (متصلة بتوفير الأعداد اللازمة من أعضاء هيئة التدريس بوجه خاص) بالإضافة إلى المشكلات المالية. وحسبنا أن نذكر أنه على الرغم من أن عدد الجامعات في البلاد العربية بلغ عام 1985 أكثر من ستين جامعة (مقابل سبع مؤسسات للتعليم العالي فقط في المنطقة كلها بعد الحرب العالمية الثانية) فإن الإسقاطات تدل على أنها ستكون في حاجة إلى (155) جامعة عام 2000 على أقل تقدير.
2- الواقع الكيفي للتعليم العالي في البلاد العربية ومشكلاته:
من العسير أن نتريث عند مختلف جوانب التطور الكيفي للتعليم العالي في البلاد العربية وعند أمهات مشكلاته. غير أننا نكتفي بإشارات خاطفة إلى أهم خصائص هذا التطور، مركزين بحثنا حول ما يرتبط منها بحاجات التنمية وسوق العمل.
2-1 وأول ما يبرز للعيان هو توزع الأعداد الغفيرة من الطلاب التي أشرنا إليها توزعاً غير متوازن وغير ملائم لأغراض التنمية ومطالب العمالة. الأمر الذي يجعل من التوسع الكمي الذي ما يزال مقصراً عن مداه، كما ذكرنا، توسعاً غير فعّال، بل توسعاً يطرح مشكلات جادة تتصل بمصير خريجي التعليم العالي ومجالات عملهم وما يتعرضون له من بطالة حقيقية أو مقنعة، وما يضطرون إليه في كثير من الأحيان من الاشتغال بأعمال ومهن ووظائف تباين اختصاصاتهم وإعدادهم. وسنرى أسباب ذلك ووسائل الخروج من هذا المأزق فيما بعد. وحسبنا أن نقول ههنا بإيجاز أن مرد ذلك إلى غلبة ذلك النمط من التعليم العالي الذي تسيطر عليه الجامعات وتقاليدها، والذي يستهدف تخريج طاقة عاملة رفيعة المستوى، دون ما عناية بالأشكال الأخرى من التعليم العالي التي تمتد سنوات قد تطول وقد تقصر، وتتلقى الطلاب بعد التعليم الثانوي أو قبل نهايته، والتي تستهدف تكوين فئات متباينة من الطلاب تكويناً أكثر ملاءمة لحاجات العمالة المتجددة والمتغيرة.
2-2 كذلك مما يجأر أمام الأعين عند تحليل واقع التعليم العالي في البلاد العربية. غلبة الدراسات الإنسانية على الدراسات العلمية والتقنية. إذ نجد أن حوالي 61% من الطلاب عام 1983 كانوا يتخصصون في الدراسات الإنسانية، موزعين بين التربية (9%) والعلوم الاجتماعية (52%). بينما كانت نسبة الذين يدرسون دراسات علمية تطبيقية (39%) موزعين على النحو الآتي: 17% في العلوم الطبيعية والهندسية، 11% في العلوم الطبية، 9% في العلوم الزراعية، 2% في مجالات أخرى. وقد حدث تطور في هذا المجال في الستينات، ثم ما لبث حتى حدث تراجع في السبعينات. وفي الثمانينات بذلت جهود كبيرة لتصحيح عدم التوازن هذا، ووصلت العديد من الدول العربية إلى نتائج إيجابية جيدة بهذا الشأن، ولكنها مقصرة عن المطلوب.
2-3 ولا ننسى، ونحن نتحدث عن أهم قسمات الواقع الكيفي للتعليم العالي في البلاد العربية، ما نجده من خلل في سياسة القبول والالتحاق بالتعليم العالي، ذلك الخلل الذي يلعب دوراً أساسياً في إفساد الصلة بين حاجات العمالة وبين مدخلات نظام التعليم العالي ومخرجاته. وقد أولى المؤتمر الثاني لوزارة التعليم العالي في الدول العربية الذي انعقد في تونس من 20-23 أكتوبر/تشرين الأول عام 1983 أهمية خاصة لهذا الموضوع، وقدم له دراسات هامة، كما اتخذ قرارات إيجابية، ومع ذلك ما يزال المعيار الأساسي للقبول في فروع الدراسة المختلفة في معظم البلاد العربية هو معيار مجموع العلامات في شهادة الدراسة الثانوية، وهو معيار ضعيف تربوياً فضلاً عن كونه غير ملائم لحاجات القوى العاملة وإن أدى في ظاهر الأمر إلى عدالة في سياسة القبول( ). ولا يغير من هذا الواقع كثيراً ما أخذت تلجأ إليه العديد من الدول العربية من الجمع بين الاختيارات العديدة التي يبديها الطالب وبين معدل علاماته في شهادة التعليم الثانوي، وذلك باللجوء إلى الحاسب الإلكتروني لهذه الغاية.
2-4 ومن معالم الواقع الكيفي للتعليم السائد في البلاد العربية، ضعف الاهتمام بالدراسات العليا التالية للمرحلة الجامعية الأولى، لأسباب عديدة. الأمر الذي يضعف من دور التعليم العالي في البحث العلمي بشكل خاص، وفي تكوين الاختصاصيين من خلال دراسات مرتبطة بحاجات المجتمع العربي الفعلية، وثيقة الصلة بحاجات التنمية الشاملة ومطالب سوق العمل.
2-5 ومن الثغرات البارزة التي يشكو منها التعليم العالي في البلدان العربية تقصيره في ميدان البحث بوجه عام. وفي ميدان البحث الموجه نحو التنمية بوجه خاص، ثم في ميدان الخدمة العامة التي يقدمها للمجتمع (سواء عن طريق العناية بخريجيه ومتابعتهم بعد تخرجهم، أو عن طريق الجمع بين البحث والعمل المنتج، أو عن طريق قيام أساتذة الجامعة وطلابها بخدمات لمجتمع المدينة أو الريف خارج أسوار الجامعة، أو غير ذلك).
3- نظرة خاطفة إلى التعليم العالي في صلته بمطالب التنمية وسوق العمل في التجربة العالمية:
3-1 واضح أن ما أتينا على ذكره من مشكلات التطور الكمي والكيفي للتعليم العالي في البلاد العربية (وهي قليل من كثير) يومئ إلى كثير من المشكلات المتصلة بواقع هذا التعليم العالي من حيث صلته بحاجات المجتمع وحاجات العمالة. فالتزايد الكمي الكبير من جانب وما يرافقه من توزع هذا التزايد توزعاً سلبياً على أنواع التعليم العالي ومراحل التعليم العالي، وعلى الفروع والاختصاصات العلمية والإنسانية المختلفة وما يصاحبه من سياسة قبول غير مستندة إلى حاجات المجتمع، هذه كلها وسواها بعض مظاهر الخلل والاضطراب التي يشكو منها التعليم العالي في البلاد العربية فيما يتصل بمدى استجابته لحاجات التنمية وحاجات العمالة.
3-2 على أن الأمر يتجاوز هذه النقائص التقليدية المعروفة إلى ما هو أهم وأعمق. ولكي نرى الفراق المتزايد بين التعليم العالي وحاجات التنمية والعمالة، لا بد أن ننطلق من مسألة المسائل، المسألة التي طرحناها منذ البداية، وهي البون الكبير بين خطوات التغير العملاقة التي تمت في عصرنا في شتى مجالات الحياة، وبين الإصلاحات الجزئية المحدودة والخجولة التي يقتصر عليها نظام التعليم بوجه عام ونظام التعليم العالي بوجه خاص.
3-3 ومن أجل ذلك، لا بد من مقدمة عن صورة التغيير العالمي في مجال الربط بين التعليم العالي وبين التنمية والعمالة، كي ننطلق منها نحو ما نجده في هذا المجال في البلاد العربية. وتتوقف الدراسات التربوية الحديثة في العالم المتقدم في السنوات الأخيرة عند المحاولات الجديدة بهذا الصدد. وأهم ما تنتهي إليه هذه المحاولات، ما يلي:
أ. يواجه التعليم العالي في العالم مشكلات لم يخلق في الأصل لمواجهتها. إنها مشكلات العلاقات الجديدة التي نشأت، بحكم طبيعة العصر وطبيعة التطور العلمي والتكنولوجي، بين العلم والثقافة والإنتاج.
ب. ونتيجة لهذا، ونتيجة لضغوط عالم العمل ولضغوط الجماهير المتزايدة من الطلاب الذين يلتحقون بالتعليم العالي، يجد التعليم العالي نفسه أمام مطلب لا بد منه، وهو تجديد نظام التعليم العالي تجديداً مستمراً بحيث يستجيب لحاجات سوق العمل.
ج. ويأخذ هذا التجديد منحى يطلق عليه أحياناً اسم “تمهين التعليم العالي” (إن صحت هذه التعدية)، نعني ربطه ربطاً أوثق بالعمل والاستخدام. ويزيد في نزعة “التمهين” هذه أن الطلاب أنفسهم يدفعون بها إلى أمام.
د. ويزيد في أهمية هذا الاتجاه الذي يأخذ به الطلاب من أجل تمهين التعليم العالي تغير بنية الطلاب أنفسهم، خلال فترة وجيزة من الزمن. فإلى جانب الطلاب المنتظمين في التعليم العالي (الذين ينتسبون إليه كل الوقت خلال السنوات المطلوبة) أصبح هنالك فئة جديدة من الطلاب، يطلق على بعضهم اسم الطلاب “غير المألوفين”. وتضم هذه الفئة الجديدة فئات متعددة تتابع التعليم العالي أو بعض مساقاته وبرامجه فترة تطول أو تقصر، وتضم في الغالب فئات أربعاً:
– أولئك الذين يلتحقون بالتعليم العالي أو يعاودون الانتساب إليه، من أجل متابعة مناهج عادية تؤدي إلى الحصول على درجة تعليم عال أولي أو على دبلوم.
– أولئك الذين يعاودون الدراسة ليجددوا معلوماتهم المهنية أو ليحصلوا على مؤهلات إضافية تساعدهم على تغيير مهنتهم أو على الحصول على ترقية.
– أولئك الذين لم يسبق لهم أن قاموا بدراسات عليا، والذين ينتسبون إلى التعليم العالي لأسباب تتعلق بمهنتهم، لا سيما في الدورات الدراسية القصيرة.
– أولئك الذين لم ينتسبوا من قبل إلى التعليم العالي ويرغبون في متابعة بعض الدراسات من أجل تفتحهم الشخصي وثقافتهم العامة المحضه.
وبوجهٍ عام تمثل هذه الفئات “العاملين” من جهة، أي الذين مارسوا عملاً معيناً، ويرغبون في متابعة الدراسة لتطوير معارفهم، “والكبار” من جهة ثانية سواء أكانوا عاملين أم غير عاملين، الراغبين في القضاء على أميتهم أو في توسيع آفاق ثقافتهم.
هـ. وفي مقابل ذلك تتغير هياكل التعليم العالي، فيصبح شاملاً لطائفة متنوعة من المعاهد والمؤسسات تختلف نظمها وأساليبها بل أوضاعها القانونية. الأمر الذي يؤدي إلى ظهور مصطلح جديد، بدلاً من التعليم العالي، هو مصطلح الدراسات التالية على التعليم الثانوي أو المرحلة الثالثة من التعليم. فهنالك إلى جانب الجامعات معاهد التعليم العالي بأنواعها، وهنالك التنظيم المنهجي لبرامج في التربية المستمرة ملائمة للحاجات المحددة لبعض الفئات (كالبرامج القصيرة أو الدورات الخاصة التي تتم بالتعاون مع الاتحادات المهنية والنقابات والمؤسسات الاقتصادية والهيئات الرسمية وسواها). وهنالك المعاهد المتخصصة التي تنظم دورات من الدراسة قصيرة المدى أو تنظم برامج تدور حول محور معين، أو تقدم تعليماً بعض الوقت أو تعليماً عن “بعد”، وهكذا.. لقد لقيت برامج الدراسة القصيرة (ستة شهور إلى سنتين أو ثلاث سنوات) رواجاً خاصاً في العديد من الدول (كالولايات المتحدة والسويد وفرنسا وإنجلترا وسواها).
ومن أبرز الصيغ الجديدة التي انتشرت في معاهد التعليم العالي في الكثير من البلدان المتقدمة (ولا سيما الولايات المتحدة) الصيغ الآتية:
– تقديم تعليم في وقت واحد لعدد من فئات الطلاب يختلفون في مستوى استعدادهم وإعدادهم، وذلك تحت إشراف أستاذ “منشط”. ويطلق على هذه الصيغة الجديدة من التعليم اسم “الخطة الهرمية”، وقد كانت جامعة بنسلفانيا أول من طبقها.
– تقديم تعليم لفئات طلابية صغيرة.
– التعليم استناداً إلى عقود دراسة تعقد بين الطالب والجامعة تشمل فترات دراسته كلها.
– الاضطلاع – من خلال فترة الدراسة – بإعداد عدد من “المشروعات” حول مختلف جوانب المعرفة، تحت الإشراف المشترك للأستاذ ولممثل للشركات الصناعية أو التجارية.
و. ومن مظاهر التحول كذلك تجاوز الاختصاصات التي تدور حول مادة واحدة، وقيام اختصاصات تدور حول مادتين مترابطتين (كالإعداد الحقوقي الذي يكمله إعداد لغوي، أو الدراسات الفلسفية التي تكملها دراسات فيزيائية)، وقيام اختصاصات أخرى تجمع بين عدة مواد (كما في إعداد الاختصاصيين العاملين في مجال حماية البيئة).
ز. وقد أدى طرح شعار ربط التربية بالعمل المنتج صيغاً تعليمية جديدة أيضاً في التعليم العالي وسواه، وأدى بوجه خاص إلى قيام ترابط وثيق بين التعليم العالي ومؤسسات الإنتاج المختلفة، بل إلى تولي هذه المؤسسات في بعض البلدان وفي بعض الحالات مهمة إعداد الاختصاصيين أو تدريبهم أو إعادة إعدادهم وتدريبهم.
ح. ومثل هذا يقال عن الشعار الذي ذاع في السنوات الأخيرة، شعار إفساح مجال التعليم العالي للعاملين( ). ويقصد بالعاملين الأشخاص الحاصلون على عمل والذين عملوا خلال زمن كاف (دون أن يكونوا بالضرورة من فئة العمال). وبعض الجامعات أو الكليات أو مؤسسات التعليم العالي تقبل هؤلاء العاملين دون أن تشترط حصولهم على شهادة الدراسة الثانوية. وثمة مؤسسات أخرى لا تزعم أنها جامعية أو عالية، لأنها تقبل العمال الذين لم ينهوا مرحلة التعليم الثانوي ولا تقدم لهم أي شهادة بعد تخرجهم، رغم قيمة الدراسات التي تقدمها ورغم أنها تقدم حلاً مناسباً للعمال الذين يرغبون في العمل دون أن ينقطعوا عن ممارسة نشاطهم المهني. ومن المعاهد التي تعنى بإعداد هؤلاء العاملين الجامعة المفتوحة، والجامعة العمالية في يوغسلافيا، والكلية الشعبية (Folkejskol) في البلدان الاسكندنافية ولا سيما النروج، وحلقات الدراسة.
ط. ولزام علينا أن نذكر أخيراً أن الدراسات العالية الحديثة، حين أشارت إلى هذه الاتجاهات التي تسير قدماً نحو مزيد من “تمهين” التعليم العالي وربطه بعالم العمل، بينت في الوقت نفسه محاذير الإفراط في هذا الاتجاه، وأكدت أهمية التوازن بين مطلب ربط التعليم بحاجات القوى العاملة وبين المهمات العلمية والثقافية الأساسية للتعليم العالي.
ي. وهكذا نرى من هذا العرض الخاطف أن التفجر لم يصب أعداد طلاب التعليم العالي فحسب بل أصاب بنى هذا التعليم وهياكله ومحتواه بحيث لم نعد أمام نظام تعليمي بسيط يضم الجامعات أولاً ويضم إلى جانبها بعض معاهد التعليم العالي (التقليدية أيضاً)، بل أصبحنا أمام شبكة من المؤسسات تختلف في غاياتها وأساليبها ومدة الدراسة فيها، كما تضم أنماطاً مختلفة من الدارسين، وتلتقي جميعها عند قاسم مشترك واحد، هو المزيد من ربط التعليم العالي بأغراض التنمية وحاجات سوق العمل، عن طريق المزيد من تفريعه وتنويعه، وعن طريق توفير قدر كبير من المرونة وسرعة التغير والتغيير، تتلاءم مع إيقاع التغير السريع في بنية سوق العمل وفي حاجات التنمية الشاملة.
4 – التعليم العالي في صلته بمطالب التنمية وحاجات سوق العمل في البلاد العربية:
4-1 والبلاد العربية تواجه المشكلة عينها، وهي مدعوة إلى تقديم الحلول المرنة لواقع تعليمي ينأى يوماً بعد يوم عن حاجات المجتمع وعن مطالب سوق العمل. فالبنية التقليدية غدت عاجزة عن أن تستجيب لحاجات المجتمع ولحاجات التنمية ولمستلزمات العمالة، وغدت مكتوفة الأيدي أمام ظاهرة البطالة التي تنتشر انتشاراً واسعاً في أوساط المثقفين أنفسهم حتى في البلدان النفطية، ومواجهة المشكلة لن يكون بالمعالجة الآنية المؤقتة بل لا بد من معالجة تنطلق هي أيضاً من ذلك الفراق المتزايد الذي طالما أشرنا إليه بين تغير حاجات العمل والإنتاج وتطور ميادينهما وأساليبهما، وبين نظام تعليمي لا يقوى على رسم سياسة تلبي حاجات سوق العمل المتجددة والمتغيرة وتروي في الوقت نفسه مطامح المجتمع العلمية والثقافية (والأمران مترابطان متداخلان).
4-2 لمحة عن واقع القوى العاملة في البلاد العربية في صلتها بنظام التربية:
ومما يساعد على إدراك أهمية هذا المنطلق أن نتريث قليلاً عند أهم ما يتصف به واقع القوى العاملة في البلاد العربية من حيث صلته بواقع التعليم بوجه عام وواقع التعليم العالي بوجه خاص. وههنا تواجهنا منذ البداية حقيقة مرة وهي أن التنمية في البلاد العربية، في شتى مجالاتها، قصرت عن مداها، لأسباب عديدة على رأسها عدم توافر القوى البشرية المدربة القادرة على الاضطلاح بهذه المهمة، أو عدم تنظيم استخدامها استخداماً فعالاً:
أ. ويوضح الجدول التالي رقم (5) الحالة التعليمية للسكان (25سنة فأكثر) في بعض الدول العربية، خلال سنوات تتراوح بين عام 1970 وعام 1980. ومنه نرى أن نسبة السكان الحاصلين على التعليم العالي ما تزال نسبة ضئيلة في معظم الدول العربية. ولا شك أن هذا الوضع ينعكس على الحالة التعليمية للقوة العاملة.
ب. تشير الإسقاطات على أن عدد السكان النشيطين اقتصادياً (والذين يمثلون حوالي 27% من جملة السكان في البلاد العربية) يمكن أن يرتفع من 40مليون عام 1980 إلى ما يقرب من 69مليون في نهاية القرن الحالي. ومعنى هذا أن عدد الملتحقين بسوق العمل خلال هذه الفترة سيتزايد بمقدار 29مليون عامل. فإذا أضيف إلى هؤلاء حوالي 11مليون شخص يمثلون العمال العاطلين جزئياً أو كلياً، يتضح أن من اللازم خلق فرص للعمالة لحوالي 40مليون شخص. وهذا يعني أن تزداد القوى العاملة سنوياً بمقدار 3.5% تقريباً، أي بمعدل يزيد قليلاً على معدل نمو السكان المتوسط والمقدر له أن يتراوح بين 2.8% و 3% سنوياً حتى نهاية القرن( ). ولا شك أن استيعاب هذه الأعداد الجديدة الكبيرة من الملتحقين بسوق العمل مهمة صعبة، تستلزم أولاً وقبل كل شيء إعادة النظر في بنية القوى العاملة وتوزعها على قطاعات النشاط والمهن، في بنية التعليم، ولا سيما التعليم الثانوي والعالي.
جدول رقم (5)
الحالة التعليمية للسكان 25سنة فأكثر في بعض الدول العربية
النسبة المئوية للسكان 25سنة فأكثر وفقا للحالة التعليميةالمرحلة الأولى المرحلة الثانية المرحلة الثالثة% % % السنة الدول العربية
0.33.41.04.42.83.810.13.11.36.0 2.25.74.04.412.09.224.412.04.316.7 13.04.722.33.118.99.76.739.325.95.2 1971197619731971197119711980197019701975 الجزائرمصرالجماهيرية الليبيةالمغربتونسالبحرينالكويتلبنانسورياالإمارات العربية المتحدة
المصدر: الكتاب الإحصائي السنوي لليونسكو 1986.
ويوضح هذا الجدول رقم (5) أن أعداد الطلاب المسجلين في مرحلة التعليم الثالثة (العالي والجامعي) ارتفعت أربع مرات. بينما ارتفعت نسبة المسجلين في المرحلة الثانية للتعليم حوالي ثلاث مرات. أما في مرحلة التعليم الأولى فقد تضاعفت أعداد الطلاب.
ج. ويزيد في إدراكنا للخلل القائم في واقع القوى العاملة في البلاد العربية كماً وكيفاً (وهو خلل يرجع في جانب كبير منه إلى الفجوة بين نظام التعليم وسوق العمل)، أن ننظر في توزع هذه القوى العاملة تبعاً لقطاعات النشاط الاقتصادي. والجدول رقم (6) يبين هذا التوزع في جملة البلاد العربية وفي مجموعة من المجوعات الثلاث التي جرت قسمة البلاد العربية إليها (تبعاً لمستوى مواردها الطبيعية والبشرية). وهذه المجموعات الثلاث هي: المجموعة الأولى التي تشمل البلدان المصدرة للنفط ذات الإنتاج الاقتصادي المتنوع نسبياً، والمجموعة الثانية التي تشمل البلدان المصدرة للنفط والمعتمدة عليه اعتماداً أساسياً، والمجموعة الثالثة التي تشمل البلدان غير النفطية.
ومن هذا الجدول ندرك أن قرابة نصف القوى العاملة في البلاد العربية ما تزال تعمل في قطاع الزراعة، بينما يعمل في قطاع الصناعة 21% منها وفي قطاع الخدمات 35% منها. ومن المهم أن نلاحظ أن نمو عدد العاملين في قطاع الخدمات لا ينبئ عن نمو في البنية الاقتصادية (كما في الدول المتقدمة) بل هو نتيجة لفرص العمل التي خلقتها الثروة النفطية، وفي كثير من الأحيان نتيجة لكون هذا القطاع قد غدا في كثير من البلدان العربية مستودعاً للعمالة الفائضة.
د. وإذا نظرنا في مقابل ذلك إلى توزع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية تبعاً للقطاعات الاقتصادية خلال الفترة بين عام 1965-1984 وجدنا أن نسبة الناتج الإجمالي الناجم عن الزراعة (التي يعمل فيها نصف القوى العاملة كما رأينا) لا يتجاوز 8% عام1984. وهذه الأرقام، تشير بوجه خاص إلى التناقض الفاضح بين نسبة من يعمل في قطاع الزراعة (50% من القوى العاملة) وبين المردود الضئيل لهذا القطاع (8%).
جدول رقم (6)
نسبة توزع القوى العاملة في الدول العربية حسب القطاعات الاقتصادية 1970-1980
(بالنسبة المئوية)
الخدمات الصناعة الزراعة النشاطات الاقتصادية
1980 1970 1980 1970 1980 1970 المجموعات
404830 354425 262519 202216 342751 453459 المجموعة الأولىالمجموعة الثانيةالمجموعة الثالثة
35 30 21 18 44 52 مجموع الدول العربية
هـ. وواضح أن مثل هذا التوزع لقطاعات النشاط الاقتصادي والناتج الإجمالي تبعاً لقطاعات النشاط توزع غير سليم، لا سيما إذا ذكرنا أن جانباً من النمو النسبي في قطاع الصناعة يرجع إلى نمو الصناعات البتروكيماوية (بينما تضمر الصناعات التحويلية)، وأن جانباً من النمو في قطاع الخدمات نمو زائف وتضخمي إلى حد كبير. ولا سبيل إلى تصحيح هذا التوزع غير السليم للقوى العاملة في قطاعات النشاط من أجل زيادة إنتاجيتها، إلا عن طريق خطة للتنمية الشاملة تنبثق منها خطة لإعداد القوى العاملة اللازمة، تؤيدها خطة تربوية تشكل النظام التربوي – ولا سيما في التعليم الثانوي والعالي- تشكيلاً جديداً، وتربطه ربطاً وثيقاً بحاجات التنمية وسوق العمل.
و. ولا يتسع المجال للحديث عن واقع القوى العاملة وواقع مؤهلاتها التربوية وإعدادها العلمي في شتى قطاعات النشاط الاقتصادي. وحسبنا أن نقول أننا إذا استعرضنا واقع القوى العاملة من حيث مؤهلاتها وإعدادها سواء في الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، وجدنا أنه واقع مقصر عن الحاجات المطلوبة، تقصيراً كمياً أحياناً، وتقصيراً كيفياً نوعياً في معظم الأحوال. ويرجع ذلك مرة أخرى إلى ضعف الصلة بين نظام التربية والإعداد وبين حاجات القوى العاملة.
ونكتفي ببعض الإشارات الخاطفة، بلغة برقية، إلى بعض سمات هذا الواقع:
– ترتفع نسبة الأمية ارتفاعاً ملحوظاً لدى العاملين في قطاع الزراعة.
– ثمة نقص واضح في الأطر المتخصصة والفنية ولا سيما في مجال الإرشاد الزراعي (فضلاً عن الأطباء البيطريين والأخصائيين في كافة العلوم الزراعية بمعناها الواسع).
– لا تتوافر لدى العاملين في القطاع الزراعي الخبرة اللازمة، لا سيما فيما يتصل بالأساليب الحديثة في الإنتاج الزراعي، كما تسود فيه معتقدات وتقاليد ومواقف تعيق الجهود المبذولة.
– انتشار الأمية بين أوساط العاملين في قطاع الصناعة أيضاً.
– ضعف العناية برفع الكفاءة الإنتاجية ومعدلات الأداء لدى أفراد القوى العاملة في الصناعة حالياً، ونقص الاهتمام بتكوين القوى العاملة الجديدة تكويناً ملائماً.
– فقدان الترابط العضوي الوثيق بين التخطيط الصناعي والتخطيط التربوي، مما يؤدي إلى عدم الاتساق بين التخصصات والمستويات وبين المطالب الفعلية للصناعة حاضراً ومستقبلاً.
– التخبط في السير نحو إدخال التكنولوجيا الحديثة في الصناعة وسواها.
(ثالثاً) الاتجاهات المأمولة للتعليم العالي في البلاد العربية من أجل الاستجابة لحاجات التنمية الشاملة ومطالب سوق العمل:
1- كشف لنا التحليل السابق لواقع التعليم العالي في البلاد العربية من حيث صلته بأهداف التنمية الشاملة ومطالب سوق العمل، عن أن هذا التعليم في حاجة إلى إعادة نظرة شاملة في هياكله ومحتواه واختصاصاته ونوع الطلاب المنتسبين إليه. ومنطلق هذه المراجعة الشاملة مواجهة الأزمة التي بدأت تنتشر والتي يخشى أن تستفحل في السنوات القادمة، أزمة مصير خريجي التعليم العالي وتوفير فرص العمل لهم. ومن شأن مواجهة هذه الأزمة أن تقود بالضرورة إلى دراسة شاملة لحاجات القوى العاملة حالياً ومستقبلاً، ولوسائل تنميتها وإعدادها، بحيث يتم تفصيل نظام للتعليم العالي يوفر تلك الحاجات، بالإضافة إلى اضطلاعه بالمهمات العلمية والثقافية العامة التي هي من صلب مهماته.
2- ولا حاجة إلى القول إن نظام التربية، وعلى رأسه نظام التعليم العالي، لا يقوى وحده على معالجة مشكلات القوى العاملة، ولا بد في هذا المجال وسواه من عمل متكامل. لابد، بتعبير آخر، من خطة شاملة للتنمية تنبثق منها خطط القوى العاملة وخطط التربية والإعداد والتدريب. على أن مثل هذه الخطة الشاملة بدورها ينبغي أن تعنى في شتى جوانبها عناية جوهرية وأساسية بتطوير أعداد القوى العاملة اللازمة لمشروعاتها المختلفة وبما يلحق ذلك من عناية بتطوير نظام التعليم بوجه عام والتعليم الثانوي والعالي بوجه خاص. ومن المكرور أن نقول إن الصلة بين جوانب التنمية المختلفة (وبالتالي بين جوانب الخطة المختلفة) صلة دائرية وليست خطية، وأننا لا نستطيع أن نحمل النظام التربوي أعباء إعداد القوى العاملة وتنميتها إن لم تسعفه في ذلك خطة اقتصادية واجتماعية تتجاوب معه وتتكامل. والعكس صحيح أيضاً دون شك.
3- ثم أن علينا ألا ننسى فوق ذلك، بل قبل ذلك، أن للتعليم العالي وللتربية أهدافاً علمية وثقافية عامة، وأن عنايتها بإعداد ما تحتاج إليه سوق العمل من اختصاصات ومهن شرط لازم لكنه غير كاف. فهنالك التنمية الثقافية المحضة (التي تؤدي ولو على المدى البعيد إلى تنمية اقتصادية) سواء اتصلت بتكوين الأفراد بصرف النظر عن المهن التي سوف يمتهنونها (كما في حال ربات البيوت مثلاً) أو اتصلت بغرس القيم الأخلاقية والروحية والإنسانية (وهي بدورها عامل من عوامل التنمية على المدى البعيد والعميق) أو بتأكيد الهوية الثقافية والأصالة والإبداع والحرص على اللغة العربية، أو بالثقافة الأدبية والفنية (التي أصبحت عاملاً هاماً من عوامل تجويد الصناعات نفسها في عصرنا)، الخ..
4- ولكن لا بد من ترك هذا الاستطراد والاستدراك الذي لا بد منه والمضي إلى صلب الموضوع. وصلب الموضوع أن التعليم العالي في البلاد العربية شأنه، في معظم بلدان العالم، يواجه أزمة واقعية ملموسة، أزمة إيجاد فرص العمل للأعداد المتزايدة من خريجيه، بالإضافة إلى أزمة العجز عن تلبية مطالب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. أهم أسباب هذه الأزمة عدم توافر القوى العاملة المدربة القادرة على خلق الثروة. وكلتا الأزمتين تفترضان خطة مزدوجة جديدة ومتكاملة لتطوير التعليم العالي (والنظام التربوي كله) وتنمية القوى العاملة.
ولا حاجة إلى القول إن سبيل مواجهة الأزمات الاقتصادية المادية كانت دوماً وأبداً سبيل استخدام الطاقات البشرية استخداماً أمثل، والإفادة من طاقات الخلق والإبداع لديها. وطاقات الخلق والإبداع الكامنة في الثروة البشرية العربية مهددة بالهدر والضياع. بل مهددة بالأزمات العاصفة الخطيرة التي يمكن أن تولدها بطالة المثقفين. وحين تستشري هذه البطالة ، كثيراً ما يغدو التعليم العالي بالقياس إلى العديد من الشبان مجرد عمل يستهدف تأجيل البطالة سنوات أربعاً أو خمساً أو أكثر, بل كثيراً ما تكون حصيلته رفع مستوى البطالة من بطالة جاهلة أو نصف متعلمة إلى بطالة رفيعة المستوى التعليمي! هذا إذا تركنا جانباً الآثار الاجتماعية بل والسياسية التي تنجم عن مثل هذه البطالة المثقفة.
5- ولقد اتضح من استعراضنا للتجربة العالمية في التعليم العالي ولواقع التعليم العالي في صلته بواقع القوى العاملة في البلدان العربية، أن نظام التعليم العالي القائم ما يزال عاجزاً عن مواجهة هذه الأزمة، لأسباب عديدة أشرنا إلى بعضها وسوف نذكرها بشيء من التفصيل، أهمها طابعه التقليدي وعجزه عن الخروج على الهياكل والأطر التقليدية التي سار عليها.
ولا يعني هذا أننا ننكر شأن بعض التجارب الجديدة التي تمت في التعليم العالي في معظم البلدان العربية: كليات المجتمع في الأردن وتكوين الأطر الفنية المتوسطة – بعض التمهين للتعليم العالي في اليمن الديمقراطية – جامعة الجزيرة في “واد مدني” بالسودان وسعيها لربط المناهج بحاجات المنطقة – جامعة جوبا (السودان) التي أنشئت مؤخراً لتلبية احتياجات المجتمع المحلي- الجامعة العمالية في مصر- الجامعات التكنولوجية في ليبيا والعراق والسعودية وسوريا – معاهد التعليم العالي في سوريا – الهيئة العامة للمعاهد التطبيقية في الكويت- جامعة البحرين والكلية التكنولوجية – معهد تدريب الأخصائيين في الزراعة والتنمية الريفية بالجزائر- الخ.. غير أن الأمر، كما رأينا، يحتاج إلى خطوات أبعد، لا تكتفي بإنشاء مؤسسات جديدة، بل تحقق تطويراً جوهرياً في مؤسسات التعليم القائمة كلها، من أجل تحقيق المزيد من الربط بينها وبين حاجات التنمية ومطالب القوى العاملة. الأمر يحتاج، كما رأينا في استعراضنا الموجز للتجربة العالمية، إلى نظام للتعليم العالي يتصف بقدر كبير من المرونة. وفي وسعنا أن نلخص أهم الاتجاهات التي يحتاج التعليم العالي في البلاد العربية إلى الأخذ بها لهذه الغاية في الأمور التالية:
أ- المرونة المتزايدة في هياكل التعليم العالي وبناه، عن طريق إحداث أنواع متعددة من الدراسات والاختصاصات والبرامج، تختلف في مدتها ومحتواها باختلاف الأهداف المرجوة منها ( وهي أهداف تحددها غالباً مؤسسات العمل وحاجات الطلاب ورغباتهم).
ب- تنويع التعليم العالي وتشعيبه وإعادة النظر في اختصاصاته، وتوليد اختصاصات جديدة تستجيب لمطالب التغير السريع في المعارف العلمية والتكنولوجية في العالم، ولمطالب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية.
ج- انفتاح التعليم العالي على عالم العمل وعلى العمل المنتج بوجه خاص، واشراك المؤسسات الإنتاجية المختلفة في خططه وبرامجه واضطلاعها بالقسط اللازم من تدريب العاملين حاضراً ومستقبلاً عن طريق التعليم العالي نفسه، أو في مواقع العمل والإنتاج نفسها.
د- فتح التعليم العالي للملتحقين الجدد، من عمال وكبار ودارسين بعض الوقت، ووضع برامج خاصة تلائم كل فئة منهم، ونشر النظم التي توفر التناوب بين فترات الدراسة وفترات العمل، في إطار تربية “مستمرة” متجددة.
هـ- اهتمام مؤسسات التعليم العالي اهتماماً خاصاً ومركزاً بتعزيز التنمية العلمية الذاتية وبناء القدرات التكنولوجية العربية، واعتبار هذا الهدف من أهم الأهداف التي يرتبط فيها دور التعليم العالي ارتباطاً وثيقاً بحاجات التنمية في البلاد العربية وبمطالب تنمية القوى العاملة واستخدامها استخداماً فعالاً.
و- وواضح أن هذا كله يفترض عناية التعليم العالي بالبحث العلمي بأشكاله المختلفة. ومما ييسر هذه المهمة الاهتمام بالمرحلة الثانية من التعليم الجامعي، وهي مرحلة ما يزال نموها بطيئاً لأسباب مختلفة. ومن شأن هذا الاهتمام بالمرحلة الثانية من التعليم الجامعي أن يساعد على نمو الدراسات التي تعنى بتطبيق العلم والتكنولوجيا من أجل حل مشكلات التنمية.
ز- ومن الاتجاهات الهامة الجديرة بالعناية، إنشاء معاهد تعليمية عليا، مهنية واختصاصية، للشبان الراشدين، كما يسمونهم اليوم، الذين تتراوح أعمارهم بين 16-24 سنة. ومعنى ذلك أن يلتحق بهذه المعاهد طلاب لم ينهوا دراستهم الثانوية، واتجهوا منذ السنة الأخيرة أو السنتين الأخيرتين منها نحو معاهد متخصصة ومهنية، تشتمل على اختصاصات عديدة ودقيقة يتابعون فيها الدراسة عدداً من الأعوام (تتراوح بين عام أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أعوام)، وتتكون منهم في النهاية تلك الحلقة الوسطى بين الأطر العليا والأطر المتوسطة، التي هي ضالة البلاد النامية، والتي استطاعت بفضلها كثير من الدول المتقدمة أن تخطو خطوات سريعة في طريق الاستجابة لحاجات سوق العمل ولمطالب التنمية.
ح. وغني عن القول أن تغير هياكل التعليم العالي وتطوير اختصاصاته وسياسة القبول فيه وغير تلك من الاتجاهات اللازمة لربط هذا التعليم بحاجات التنمية ومطالب سوق العمل، أمور لا تتخذ معناها إلا إذا صحب ذلك كله تغيير جذري في محتوى المناهج الدراسية، بحيث تستجيب لمطلبين متكاملين: مطلب تطوير المناهج تطويراً تمليه الثورة العلمية التكنولوجية بوجه خاص وما نجم عنها من معارف جديدة سريعة التطور، ومطلب تطوير هذه المناهج تطويراً تستلزمه حاجات سوق العمل المتجددة، ولا سيما تطور وسائل الإنتاج والمواصفات المتطورة للمهن والأعمال.
ولا شك أن المنطلق الأساسي لهذا التطوير اللازم لمحتوى التعليم العالي ومناهجه، هو الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة. فلقد تركت هذه الثورة آثاراُ عميقة في جميع مظاهر حياة المجتمعات، وأسهمت في النمو المتسارع لقوى الإنتاج، وأحدثت تحولات أساسية في بنية الإنتاج وفي سائر ميادين النشاط الإنساني، ومن بينها التعليم، وفرضت مطالب جديدة على القوة المنتجة الأساسية، نعني الإنسان. ومن أهم مظاهر هذه الثورة تحول العلم إلى قوة إنتاجية مباشرة. ويبدو أثر هذا التحول واضحاً في النمو السريع للمعرفة العلمية والتقنية، وفي تقادم المعلومات بسرعة، بما في ذلك المعلومات المكتسبة أثناء مرحلة الدراسات العليا، وفي بزوغ فروع جديدة للمعرفة والبحث والصناعة وسائر مجالات النشاط الإنساني.
ط- وأخيراً، وليس آخراً، لا بد من إعادة النظر بمعايير الالتحاق بالتعليم العالي وفروعه المختلفة، كما بينا من قبل. ويستلزم ذلك إقامة نظام للتوجيه التربوي المدرسي يبدأ منذ المرحلة المتوسطة، ويمتد عبر المرحلة الثانوية فالجامعة، ويكون أساساً لتوجيه الطلاب (توجيهاً اختيارياً ولكنه مؤيد بالاختبارات العلمية) نحو فروع الدراسة الجامعية التي تؤهلهم لها قابلياتهم. وفي الوقت نفسه، لا بد أن تنشىء مؤسسات التعليم العالي مركزاً للإعلام والإرشاد التربوي، يتم عن طريقه تعريف الدارسين وأوليائهم بالدراسات التي يحتاج إليها المجتمع وبمجالات العمل في فروع الاختصاص المختلفة. وقد يستلزم الأمر إجراء اختبار خاص بكل فرع من فروع الدراسة الكبرى، يجتازه الراغبون في فروع الدراسة العليا المختلفة، ويتم في ضوئه اختيارهم لهذه الغاية.
6- ولا شك أن هذه المهمات كلها، تستلزم أولاً وقبل كل شيء أن تكون هنالك خطة للتعليم العالي. ولقد كان التعليم العالي، وما يزال حتى اليوم في كثير من بلدان العالم ومن بينها البلدان العربية، يتأبى على مثل هذا التخطيط، سوى ما لجأ إليه في السنوات الأخيرة من تقديم بيانات عن مخرجاته المتوقعة خلال سنوات الخطة الشاملة للدولة. وبعد الأزمات التي أخذ يواجهها نظراً لتكاثر أعداده وعدم توافر فرص العمل لكثير من خريجيه، بدأ يشعر بالحاجة الماسة إلى تخطيط منهجي سليم. غير أن هذا التخطيط لن يكون علمياً ولن يقوى على مواجهة المشكلات إن لم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخطة القوى العاملة التي تضعها الدولة في إطار خطة التنمية الشاملة. وقد بدأت بعض الجهود في كثير من البلدان العربية بهذا الشأن. غير أن أكثرها ما يزال بعيداً عن أن تتوافر فيه الشروط العلمية والفنية اللازمة. ذلك أن البيانات الخاصة بواقع القوى العاملة (توزعها على قطاعات النشاط وعلى المهن ومستوياتها التعليمية) ما تزال ناقصة. ومن هنا كان من العسير وضع اسقاطات علمية فنية سليمة. وتضاف إلى هذا صعوبة أخرى تتصل بعدم توافر بيانات حول المواصفات الصحيحة والحديثة اللازمة لمختلف المهن. الأمر الذي يجعل الربط بين الخطة التربوية وخطة القوى العاملة ربطاً ناقصاً.
يضاف إلى هذا أن التخطيط السليم الذي يتوخى الربط بين خطة التعليم العالي وحاجات تنمية العمالة لا بد أن يكون تخطيطاً بعيد المدى وتخطيطاً متوسط المدى أو قصير المدى في آن واحد. بل لا بد، حين تتقدم التجربة وتتطور، من البدء بالتخطيط البعيد المدى ليكون منطلق التخطيط على المدى المتوسط أو القصير. ففي التربية بوجه خاص، لا يمكن تغيير الاتجاهات الحالية إلا عن طريق القيام بإسقاطات بعيدة المدى حول الحاجات المقبلة. ومثل ذلك يصدق على القوى العاملة، فالتخطيط لها ينبغي أن ينطلق من اسقاطات مستقبلية بعيدة، تضاف إلى دراسة الواقع الحالي للقوى العاملة. ومع ذلك، فالجهود في طريقها إلى الاكتمال، ولا بد أن تستكمل نقائصها الفنية شيئاً بعد شيء، حين تتوافر العزيمة الصادقة والدراية الفنية، وحين نحكم بناء ذلك الجسر الذي يربط بين الدراسات والإسقاطات الخاصة بالتربية وبالتعليم العالي وبين الإسقاطات الخاصة بالقوى العاملة، انطلاقاً من أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن هنا كان خير رديف لخطة القوى العاملة ولخطة التربية المتكاملة معها، اتصاف نظام التربية نفسه ونظام إعداد القوى العاملة بالمرونة والتجديد، لا سيما في عصر تتقدم فيه المعارف والاختصاصات وتتقادم سريعاً. ولعل شعار التربية المستمرة (التربية من المهد إلى اللحد كما جاء في تراثنا) حين يفهم فهماً صحيحاً، من أفضل السبل لمواجهة ما قد يكون في الخطط المرسومة من نقائص وأخطاء، ولمواجهة التغير الذي يحدث في المهن والأعمال ووسائل الإنتاج في الوقت نفسه. فالتدريب المستمر وإعادة التدريب وتجديد التدريب حسب مقتضى الحال، بل تغيير الإعداد الأصلي، أمور من شأنها أن تحقق انطباقاً متزايداً بين مخرجات النظام التربوي كما تم التخطيط لها وبين الواقع المتجدد لحاجات القوى العاملة.
7- وقد كان بودنا أن نتعرض بالتفصيل لخطط التنمية الشاملة في البلدان العربية، لنلقي نظرة تحليلية نقدية على ما تضمنته من خطط إعداد القوى العاملة، وما يلحق بها من خطط تربوية. غير أن مثل هذا المطلب – فضلاً عن كونه مطلباً عسيراً – يحتاج إلى بحث، بل إلى مجلد بكامله. وحسبنا أننا أشرنا بشكل موجز، من خلال خبرتنا بالكثير من خطط التنمية الشاملة في البلاد العربية، إلى ثغراتها الأساسية، وعلى رأسها عدم توافر الشروط العلمية الكافية في كثير من الخطط الخاصة بالقوى العاملة من جانب، وعدم الارتباط الوثيق بين خطط القوى العاملة وخطط التربية( ولا سيما التعليم العالي) من جهة ثانية.
8- كذلك كان بودنا أن نستعرض – بالإضافة إلى أوضاع البلاد العربية مجتمعة فيما يتصل بالصلة بين التعليم العالي وبين التنمية وحاجات سوق العمل – أوضاع كل بلد عربي على حدة. غير أن مثل هذا الأمر يخرج بنا عن مقاصد هذه الدراسة، كما لا تتسع له حدودها. غير أن في وسعنا أن نقول دون ما سرف إن أوضاع البلدان العربية في هذا الشأن، تكاد تكون متشابهة، وأن مشكلاتها تكاد تكون واحدة، رغم ما لكل منها من ظروف خاصة به. يضاف إلى هذا أننا حين أشرنا إلى الاتجاهات المأمولة التي يجدر بالبلاد العربية أن تأخذ بها من أجل الربط بين التعليم العالي وحاجات التنمية والعمالة، اقتصرنا في واقع الأمر على الاتجاهات الكبرى المشتركة، وتركنا لكل بلد عربي تفصيل تلك الاتجاهات وتشكيلها وترجمتها إلى مشروعات عملية إجرائية، وتكييفها مع أوضاعه الخاصة.
وحسبنا في هذا كله أننا طرحنا المسألة، وأشرنا إلى الاتجاهات اللازمة لمواجهتها. ولعلنا بذلك مهدنا الطريق أمام جهود تالية تحيل ذلك كله إلى مشروعات وبرامج وواقع فعلي.
( رابعا) خاتمة وتلخيص:
1- لعل الفكرة المحورية التي تحلّق حولها بحثنا في العلاقة بين التعليم العالي في البلاد العربية من جانب وبين حاجات التنمية ومطالب سوق العمل من جانب آخر، تنبثق من ذلك الواقع الذي تشير إليه التجربة العالمية والعربية: وهو أننا أمام عالمين ما يزالان حتى اليوم يعيشان جنباً إلى جنب ويتجاهل كل منهما صاحبه. وقد قادنا التحليل كما قاد سائر الباحثين إلى أن مطالب الإعداد والدراسة في التعليم العالي أصبحت اليوم مطالب مباينة جذرياً لما كانت عليه بالأمس. ومصدر هذه المطالب الجديدة فئتان ضاغطتان: فئة الشباب أنفسهم الذين ينتظرون من التعليم العالي إعداداً مباشراً للحياة العملية، ويطمحون أن يجنبهم مخاطر البطالة أو الإعداد الناقص أو غير الملائم، وفئة أصحاب المؤسسات والشركات الزراعية والصناعية والتجارية وسواها الذين يواجهون التغيرات الكبرى التي تحدث في العلوم والتقنيات مع كل ما ينجم عنها من تحولات في حاجات العمل.
إنهم يدركون أن عليهم أن ينتجوا على نحو مختلف وعلى نحو أفضل. وهذه الحاجة إلى نمط جديد من التعليم العالي الرفيع المستوى، السديد الإنتاج، تجعلهم يحرصون على الحصول على طلاب يمكنهم الإعداد الذي تلقوه من التكيف مع الأوضاع المهنية المعقدة والمتطورة دوماً وأبداً.
2- وأمام هذه الضغوط يجد التعليم العالي نفسه مضطراً إلى أن يتجدد ويتغير. غير أن ثمة قيوداً (من داخله وخارجه) ما تزال تجره إلى الخلف ومع ذلك يتجه يوماً بعد يوم إلى مزيد من الارتباط العضوي بحاجات مؤسسات العمل المختلفة ويسير شيئاً بعد شيء نحو “التمهين”. كما أن المؤسسات الإنتاجية تسير نحو مزيد من “الاعتماد على الفكر والعلم”، وأنهما بذلك في طريقهما نحو اللقاء. ومثل هذا اللقاء ضروري في أيامنا هذه، لأنه لا يستند إلى المصلحة الشخصية أو الفكر الإيديولوجي، وإنما ينطلق من حاجة علمية واجتماعية ملموسة واقعية.
3- وعندما أقبلنا على دراسة واقع التعليم العالي في البلاد العربية من حيث صلته بحاجات التنمية والعمالة، وجدنا عوامل مشابهة تملي على هذا التعليم أن يغير هياكله ومحتواه. بالإضافة إلى عوامل أخرى ينفرد بها الواقع العربي. فالتفجر الطلابي في البلاد العربية (وهو تفجر آخذ في التزايد) والذي يرافقه توزع غير سليم لأعداد الطلاب على فروع الدراسات العالية، والذي تتجلى فيه بوجه خاص غلبة الدراسات الإنسانية على الدراسات العلمية والتقنية والمهنية، عامل أساسي من عوامل الضغط من أجل تطوير التعليم العالي بل “تمهينه”. وبطالة المثقفين الناجمة عن هذا التزايد الطلابي التائه، تحمل الأجيال الجديدة على دفع التعليم بوجه عام والتعليم العالي بوجه خاص إلى تطوير من شأنه أن يجعل من هذا التعليم إعداداً فعلياً للعمل، بل كثيراً ما يحمَّل التعليم العالي (والتعليم عامة) ما تواجهه معظم المجتمعات العربية من بطالة ومن أزمات اقتصادية (رغم أن لهذه البطالة ولتلك الأزمات أسباباً أخرى، بالإضافة إلى الأسباب التي يتحمل التعليم وزرها).
ومن جانب آخر وبالإضافة إلى التفجر الطلابي، كشف لنا التحليل عن الضغوط الناجمة عن حاجات سوق العمل ومطالب المؤسسات الاقتصادية المختلفة ومستلزمات التنمية الشاملة، فههنا أيضاً يواجه التعليم العالي ضغوطاً من عالم العمل ومن المعنيين بالنمو الاقتصادي، تدفعه إلى إعادة النظر في ذاته. ويبرر هذه الضغوط الواقع السيء للقوى العاملة من حيث الكم والكيف، على نحو ما بيَّنا في الأقسام السابقة، ولا سيما عدم التوازن في توزيع مخرجات التعليم العالي تبعاً للاختصاصات والمهن المختلفة، وضعف المستوى التعليمي لأفراد القوى العاملة، سواء في قطاع الزراعة أو الصناعة أو الخدمات.
وهكذا يؤدي اللقاء بين هذه الضغوط الناجمة عن المصدرين: الطلاب من جهة، وحاجات التنمية والعمالة من جهة ثانية، إلى المطالبة بجهد يستهدف الربط الوثيق بين حاجات الميدانين المعنيين: ميدان التعليم بوجه عام والتعليم العالي بوجه خاص، وميدان خطط التنمية بوجه عام وخطط القوى العاملة بوجه خاص وما يلحق بها من خطط تربوية.
4- غير أن هذا الإيمان المتزايد بضرورة اللقاء بين الميدانين، تحول دون تحقيقه عوامل عديدة (بعضها يرجع إلى مقاومة التغيير في كلا الميدانين).
وفي رأينا أن مما ييسر عملية اللقاء أن تتضح السبيل وأن ترسم الخطوات اللازمة لبلوغه ولهذا تريثنا في بحثنا عند أهم الاتجاهات التي يرجى أن يأخذ بها التعليم العالي في البلاد العربية من أجل تحقيق مثل هذا الربط العضوي المتزايد بينه وبين حاجات التنمية وحاجات العمالة. كما أشرنا أيضاً إلى العكس، نعني الجهد الذي يجب على خطط التنمية وخطط القوى العاملة أن تبذله، سعياً وراء هذا اللقاء.
5- وفي الجملة وجدنا أن الاتجاهات المرجوة للقاء، والتي عددناها في بحثنا، يكاد يضمها اتجاه أساسي (أو روح شاملة جامعة): هو اتجاه التعليم العالي نحو قدر متزايد من المرونة في هياكله، وفي نوع الطلاب الذين ينتسبون إليه، وفي البرامج المختلفة التي يسوقها، وفي الاختصاصات الجديدة التي يحدثها وفي محتوى مناهجه ومواد التعليم فيه، الخ… وهدف هذه المرونة المتزايدة إفساح المجال للإعداد المتنوع والمستمر والمتعدد الأشكال للأفراد الذين يعدون لدخول سوق العمل أو للأفراد العاملين، للشبان وللكبار، للحاصلين على الشهادة الثانوية ولغير الحاصلين عليها، للدارسين كل الوقت وللدارسين بعض الوقت، للدورات الطويلة والدورات القصيرة وحلقات الدراسة، الخ… وذلك كله من أجل مجاراة التغير السريع الذي يطرأ على حاجات سوق العمل والذي يتطلب أعداداً مستمرا ومتعدد الأشكال فضلا عن تجديد الإعداد أو تغييره.
ومن هنا أفردنا مكانة خاصة للتربية المستمرة (التربية من المهد إلى اللحد) ووجدنا فيها شكلاً أساسياً من أشكال الربط المستمر والمتجدد بين حاجات سوق العمل المتجددة ومستلزمات الأعداد والتكوين.
6- غير أن هذا كله ينبغي إلا يوقعنا في وهم الاعتقاد بأن التعليم العالي هو الذي ينبغي عليه أن يخضع لحاجات سوق العمل، فالعكس صحيح أي أن التعليم العالي ينبغي أن يلعب دوراً قيادياً وريادياً، ولا سيما في مجال العلم والتكنولوجيا في تطوير سوق العمل وأساليبها وأدواتها وميادينها، وفي توجيه مسيرة التنمية بالتالي. ولهذا انصب حديثنا في الفقرات السابقة على اللقاء بين ميدان التعليم العالي وميدان التنمية والقوى العاملة، وهو لقاء تفاعل وتأثر وتأثير متبادلين. ولعلنا نلخص جوهر هذا اللقاء إن نحن قلنا إن مهمة التربية (والتعليم العالي بوجه خاص) في عصرنا غدت مهمة ذات أبعاد ثلاثة: أولها أن تتكيف مع تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأن تستجيب لحاجاتها. وثانيها أن تلعب دوراً في هذا التطور وأن تعمل على تقويمه وتصحيح مسيرته إن لزم الأمر. وثالثها أن تعمل على تطوير طبيعة عملها نفسه، بسبب هذا التطور في الأوضاع العامة، وبسبب ما يوفره لها التقدم العلمي والتكنولوجي من إمكانيات جديدة.
7- هذا الأخذ والعطاء بين ميداني التعليم العالي والتنمية، وهذا التأثير المتبادل بينهما، يمليان على التعليم العالي أن يحتفظ بدوره المزدوج والمتكامل، نعنى تنمية المعرفة والثقافة من جانب، والإعداد لعالم العمل (تمهين التعليم العالي) من جانب آخر.
ومن غير الجائز أن يؤدي الأمر إلى رد فعل مغال، يحمل التعليم العالي على التخلي عن وظيفته الأساسية في تطوير المعرفة الإنسانية والثقافية، لا سيما أننا في عصر يتم التقدم فيه “عن طريق العلم” لا مع العلم فحسب، على حد تعبير “غارودي” بل نحن بوجيز العبارة في عصر تضامن المعرفة وتضامن النظر والعمل والتواصل بين العلم والإنتاج.
ولهذا أشرنا في الفقرات السابقة إلى أن أهم أهداف التعليم العالي في البلاد العربية- وفي سواها- تنمية الثقافة القومية والحفاظ على الهوية الذاتية والأصالة، وطبع التقدم في شتى جوانبه، بما في ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي، بطابع أصيل وحديث معاً، ذلك أن الهدف النهائي للتعليم العالي وسواه وللتنمية ولسائر الجهود التي تبذل في سبيل تطوير المجتمع العربي، هو بناء الحضارة العربية الذاتية وتوليد المشروع الحضاري العربي، ولا حاجة إلى تكرار القول بأن التنمية الثقافية أنى كانت، في ما انتهت إليه الدراسات العالمية بهذا الشأن، أصبح ينظر إليها على أنها وسيلة التنمية وغايتها في آن واحد.
ومن هنا كان للتعاون العربي، والتفاعل العربي، والعمل العربي المشترك دور أساسي في هذه المهمة الشاملة بوجه عام، وفي مهمة بناء التربية والتعليم العالي بناءً خصيباً منتجاً بوجه خاص. ومن هنا نجد مؤتمر القمة الذي عقد في عمان عام 1980، والذي أقر وثيقة العمل القومي واستراتيجية العمل الاقتصادي المشترك في عام2000، يولي إعداد القوى العاملة وتنميتها شأناً خاصاً، ويرسم لها سبلها وأساليبها (ولا سيما في القسم الخاص بالأهداف وفي القسم الخاص بالبرامج في تلك الوثيقة).
كذلك أولى المؤتمر الأول لوزراء التعليم العالي في البلاد العربية الذي عقد بدعوة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بمدينة الجزائر في شهر أيار/مايو 1981، أهمية خاصة للتكامل العربي في ميدان التعليم العالي، وقدم جملة من التوصيات بهذا الشأن. والمهم في الأمر أن يتم هذا التعاون العربي في إطار الجمع العضوي المتلاحم بين مهمات التعليم العالي وبين حاجات التنمية ومطالب القوى العاملة.
8- وأخيراً وليس آخراً ينبغي ألا ننسى، ونحن نتحدث عن الربط بين التعليم العالي وحاجات التنمية والعمالة، أن موقد هذا الربط ومحركه هو قوى الخلق والإبداع التي نتعهدها ونرعاها لدى الناشئة وأن تفتيح هذه القوى في حاجة إلى تضامن مؤسسات تربوية وإعلامية وثقافية واجتماعية عديدة. وعلى رأس المؤسسات التربوية ينبغي ألا ننسى ما يبدو وكأنه أسفل الهرم، نعني التربية السابقة على المدرسة الابتدائية. ففي بوتقة هذه التربية تأخذ إمكانيات الأطفال سبيلها إلى التفتح، وتأخذ المواقف العلمية والتكنولوجية طريقها إلى التكوين، ويتخذ طفل اليوم صورته شبه النهائية إلى حد كبير في كثير من الاتجاهات والمواقف والتعامل مع الأشياء والناس. فهل ننأى عن الموضوع إذن أن قلنا إن أخر الهرم التربوي (التعليم العالي) موصول بأوله (التربية السابقة على المدرسة الابتدائية) وإن حديثنا عن رأس الهرم ينبغي إلا ينسينا جذوره البعيدة الأصلية، وأننا واجدون في الشاب الراشد الذي نعده في التعليم العالي الطفل الذي بدأ تكوينه منذ ميعة الصبا ونعومة الأظفار.
أهم المراجع
1- اليونسكو: اجتماع كبار المسؤولين عن التربية والتعليم في الدول العربية (عمان 22-26 يونيو1987). وثيقة العمل الرئيسية والبيانات الإحصائية.
2- منظمة العمل العربية: ندوة إستراتيجية تنمية القوى العاملة العربية (بغداد 4-6كانون الأول/ديسمبر 1982) في جزأين.
3- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: التعليم العالي والتنمية في الوطن العربي، المؤتمر الأول للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي في الوطن العربي (الجزائر، مايو 1981).
4- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: واقع التعليم العالي في الوطن العربي. المؤتمر الثقافي للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي. (تونس: 2-22 تشرين الأول/ أكتوبر 1983). المجلد الثاني.
5- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: تنمية الكفايات البشرية العربية في التعليم العالي والبحث العلمي. المؤتمر الثالث للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي (بغداد 22-25تشرين الأول/ أكتوبر 1985).
6- مركز دراسات الوحدة العربية: العقد العربي القادم، المستقبلات البديلة، بيروت 1986.
7- عبد الله عبد الدائم: التربية وإستراتيجية تنمية القوى العاملة. بحث مقدم إلى ندوة استراتيجية القوى العاملة العربية (بغداد 4-6 كانون الأول/ ديسمبر 1982).
8- عبد الله عبد الدائم: التربية والموارد البشرية في الوطن العربي، بحث مقدم إلى ندوة تنمية الموارد البشرية في الوطن العربي. (الكويت 28-29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987)، التي عقدت بالتعاون بين الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعهد العربي للتخطيط بالكويت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
9- عبد الله عبد الدائم: التعليم العالي والجامعي في مواجهة التغير السريع في البنى الاقتصادية والاجتماعية للعالم الحديثة وفي مواجهة وعود المستقبل، بحث مقدم إلى مؤتمر اتحاد الجامعات العربية الخامس (عدن 19-21 شباط/ فبراير 1985) وقد نشر في مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد العشرون، أيلول / سبتمبر 1985.
10. O.M.Osman : Prespectives Of the Development of the University in the Arab Region.
UNESCO Papers on Higher Education. NO.4.
11. UNESCO: International Yearbook of Education. Volume XXXV11-1985.
12. OE.C.D: Education in Modern Society.Paris.1985.
13. O.E.C.D:Education and Training after Basic Education. Paris.1985..
14. O.C.D.E: Quel Avenir Pourles Universités. Paris.1687.
15. UNESCO: L’Eseignement Superieur et l e Monde de Travail.Table Ronde.Cahiers sur L Enseignement supérieur. Paris, Décembre 1981.
16. I.Werdelin: L’Accés des Travailleurs a L A Enseignement Supérieur.Paris. Décember 1981.