أمهات العوامل التي أثرت على مسيرة التربية في البلاد العربية خلال العقدين الأخيرين

المركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها للبلاد العربية – 23 شباط 1971
دراسة قدمت إلى اللجنة الدولية لتطوير التربية، بتاريخ 23 شباط 1971
الدكتور عبد الله عبد الدائم
أمهات العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفلسفية
وسواها من العوامل التي أثرت في مسيرة التربية في البلاد العربية خلال العقدين
الأخيرين
مقدمة:
لاشك أن دراسة أي نظام تربوي لا تعني مجرد البحث الوصفي في الصورة الحالية التي يأخذها، كما لا تعني مجرد وصف التطور الذي أصابه خلال عدد من السنوات.
وإنما هي تعني بالإضافة إلى هذا كله، الكشف عن البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفلسفية وسواها، التي تثوى وراء ذلك النظام ووراء تطوره. فمثل هذه الدراسة التحليلية التي تنظر إلى التربية بوصفها ظاهرة اجتماعية تتأثر وتؤثر في جملة الظواهر الاجتماعية الأخرى، والتي تحاول بالتالي أن تفهم الأسباب التي أدت إلى تكون النظام التربوي بهذا الشكل أو ذاك، هي التي تستطيع أن تقدم لواضعي السياسات التربوية أساساً علمياً وموضوعياً يستندون إليه في أي محاولة يقومون بها لتطوير النظام التربوي القائم.
من مثل هذه النظرة نود أن ننطلق في دراستنا لتطور التربية في البلاد العربية خلال العقدين الأخيرين. غير أن من الواضح أن الدراسة المتعمقة في هذا المجال تستلزم بحوثاً طويلة وصعبة لا يتسع لها الوقت الذي بين يدينا، ولا تتوافر مصادرها دوماً، نظراً لنقص الدراسات التاريخية الاجتماعية عن تطور المجتمع في البلاد العربية.
ولهذا سوف نكتفي فيما يلي بتقديم تحليل أولي نستند فيه إلى بعض المصادر المحدودة، ونستند فيه خاصة إلى خبرتنا المباشرة ومعاناتنا الشخصية.
وسوف نقسم موضوعنا – كما ورد في رسالة السيد “أوكس” – إلى قسمين:
أولهما استعراض للتغيرات التي تمت في التربية في البلدان العربية خلال العقدين الأخيرين، نتيجة لمختلف العوامل التي أشرنا إليها.
وثانيهما دراسة تحسبية تبين بعض الاتجاهات التي ينتظر أن تأخذها التربية خلال السنوات العشر الآتية.
التغيرات التي تمت في التربية في البلاد العربية خلال العقدين الأخيرين وأسبابها:
لقد كان من المفيد أن نميز في هذا المجال بين التغيرات الكمية والتغيرات الكيفية، وأن نبحث في العوامل التي وراء كل منهما. غير أننا فضلنا – رغبة في الإيجاز الذي تفرضه علينا حدود هذه الدراسة – أن نبحث في كلا النوعين من التغيرات في آن واحد، مع الإشارة عند الاقتضاء إلى ما يمكن أن يكون للعوامل المختلفة من آثار متباينة تبعاً للجانب الكمي أو الجانب الكيفي. وسوف نبدأ أولاً باستعراض سريع لأهم ملامح التطور الذي حدث في التربية – في جانبيها الكمي والكيفي- خلال العقدين الأخيرين، وباستخلاص أهم اتجاهات هذا التطور، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تحليل العوامل التي فعلت فعلها في ذلك التطور.
(أولا) استعراض سريع لتطور التربية في البلاد العربية:
من الصعب أن نبدأ بسنة معينة أو عقد معين من السنوات، كأساس لدراستنا التاريخية. ذلك أن التغيرات الأساسية التي حدثت في نظم التربية، ترجع إلى تواريخ تختلف اختلافا واضحاً بين بلد عربي وآخر. فالانطلاقة التربوية حدثت في بعض البلدان العربية منذ الربع الأول من هذا القرن (مصر، لبنان، سورية) بينما لم تحدث مثل هذه الانطلاقة في بلدان عربية أخرى ألا في الستينات (المملكة العربية السعودية – ليبيا – الكويت – قطر- وأخيراً اليمن).
ومع ذلك، وإذا استثنينا هذه البلدان الأخيرة، نستطيع أن نقول بوجه تقريبي أن أكبر منعطف لتطور التربية في معظم البلدان العربية، كان بعد الحرب العالمية الثانية، وبوجه خاص بعد عام 1950. ولا ننسى أن معظم هذه البلدان حصلت على استقلالها خلال الفترة التي تتراوح بين السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية (سورية – لبنان) وأوائل الخمسينات (تونس- المغرب- السودان).
ولا ننسى كذلك أن بعض هذه البلدان شهدت تغيرات جذرية في نظامها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وبوجه خاص بعد عام 1948، أي بعد بروز المشكلة الفلسطينية (سورية منذ عام 1949، مصر عام 1952، الأردن عام 1948، السودان عام 1958، العراق عام 1958).
لهذا، لن يكون صنعيا أن نعود في استعرضنا للتطور الذي حدث في التربية في البلدان العربية، إلى عام 1950، وأن نتحدث بالتالي عن هذا التطور خلال عقدين من الزمن.
والحق أن التربية في معظم البلدان العربية عرفت خلال هذين العقدين سرعة في التطور تفوق بشكل واضح وصارخ سرعة التطور التي عرفتها قبل ذلك.
ويكفي أن نذكر على سبيل المثال الأرقام التالية التي تشير إلى تطور أعداد الطلاب في بعض البلدان العربية بين عام 1950/51 وعام 1967/68:
مجموع الطلاب في جميع مراحل التعليم وأنواعه في بعض البلدان العربية بين عام 1950 وعام 1967
البلــد عام 1950-51 1967-1968
الأردن 23554
(في المدارس الحكومية وحدها) 458160
سورية 302376 1047164
العراق 243372 1218000
السعودية 16029 387107
لبنان 215766 539035
مصر (ج.ع.م) 1702207 4871318
ويكفي أن نذكر أيضاً أن عدد الطلاب في التعليم الابتدائي في مجموع البلدان العربية قد تضاعف خلال الخمسينات وحدها (كما تضاعف خلالها عدد المسجلين في التعليم العالي وزاد عدد المسجلين في التعليم الثانوي ثلاثة أمثال) وأن نذكر أن مجموع المسجلين في هذه البلدان في جميع مراحل التعليم وأنواعه زاد بمقدار النصف تقريبا بين عام 1960/61 وعام 1967/68 (قفز من 8.5 مليون تقريبا إلى 13.8مليون تقريباً).
بل أن من الأصح أن نقول أن أكبر سرعة في نمو التعليم عرفتها البلدان العربية مجتمعة كانت خلال الخمسينات، فلقد بلغ معدل التزايد السنوي للتلاميذ المسجلين في التعليم الابتدائي 10% في الخمسينات، بينما هبط إلى 6% في الستينات، بل هبط إلى أقل من ذلك في النصف الثاني من الستينات. ولعل من أسباب ذلك بلوغ التوسع في التعليم الابتدائي حداً بدأ يقترب من مستوى الإشباع، فضلاً عن بلوغ ميزانيات التربية – بالقياس إلى ميزانيات الدولة وإلى الدخل القومي- سقفاً أصبح من العسير تجاوزه كثيراً.
ونستطيع أن نلخص أهم ملامح التطور في البلاد العربية خلال هذين العقدين الأخيرين في الأمور التالية:
1- لقد تطورت التربية في البلدان العربية خلال هذين العقدين تطوراً سريعاً بوجه عام، وزاد عدد المسجلين زيادة واضحة، وارتفعت نسبة عدد الطلاب في المدارس إلى كل ألف من السكان ارتفاعاً بارزاً. غير أن هذا التطور لم يكن متوازناً: فلم يكن هنالك توازن في النمو بين مراحل التعليم المختلفة، أو بين أنواع التعليم المختلفة، أو بين الذكور والإناث، أو بين الريف والمدينة، أو بين الكم والكيف، إلخ…
2- اتجه معدل التزايد السنوي للطلاب في التعليم الابتدائي – كما سبق أن ذكرنا – إلى الهبوط خلال الستينات، وخلال النصف الثاني منها بوجه خاص (10% سنوياً خلال الخمسينات مقابل 6% سنوياً خلال الستينات). الأمر الذي يجعل تعميم التعليم الابتدائي مطلباً لا يمكن بلوغه، قبل عام 2021، إذا بقي معدل التزايد على ما هو عليه في السنوات الخمس الأخيرة.
3- لم يشهد التعليم السابق على المرحلة الابتدائية نمواً يذكر خلال تلك الحقبة. (النسبة الإجمالية بين عدد المسجلين في هذا النوع من التعليم وبين فئة السن المقابلة لا تتجاوز 2.30% في مجموع البلاد العربية عام 1967).
4- تتجه الزيادة تدريجياً نحو أنواع التعليم الأعلى (التعليم الثانوي فالتعليم العالي) وتأخذ بالتناقص كما ذكرنا، في التعليم الابتدائي (خلال الستنيات بلغت نسبة الزيادة في 7سنوات 50% للتعليم الابتدائي و150 للثانوي و180% للعالي).
5- حدث تناقص في نسبة الأمية بين الكبار (من 15-24عاماً) ولاسيما خلال الستينات (75% عام 1960، مقابل 55% عام 1970).
6- شهد تعليم البنات في البلدان العربية بعض التحسن خلال العقدين الماضيين، وبوجه أخص خلال العقد الأخير. ولكن هذا التحسن ما يزال بطيئاً وما يزال أبطأ من نمو تعليم الذكور، كما يشير إلى ذلك الجدول التالي:
نسب المسجلين من الذكور والإناث في مختلف مراحل التعليم
متوسط الزيادة السنوية 67/68 60/61 المرحلة
2.00
1.5
1.6
0.7
0.3
0.1
80.3
43.9
25.2
9.8
6.1
1.7
66.6
33.2
13.9
4.7
3.9
0.7 الأولى
ذكور
إناث
الثانية
ذكور
إناث
الثالثة
ذكور
إناث
7- لم يحدث تطور ملحوظ في نسبة طلاب التعليم الفني إلى مجموع طلاب التعليم الثانوي، بل حدث تناقص في هذه النسبة خلال الستينات (هبطت من 2.3% عام 1960/61 إلى 2.2% عام 1967/68) لأسباب خاصة، أهمها بناء المدارس المهنية والفنية في المرحلة الأولى من التعليم الثانوي في كثير من البلدان العربية.
على أن بعض التحسن قد طرأ في التعليم العالي على نسبة من يدرسون العلوم الصحية والدراسات التطبيقية إلى من يدرسون الإنسانيات (كانت هذه النسبة 37.9% عام 60/61 فارتفعت إلى 41.3% عام 66/67).
8- توزع الخدمات التعليمية بين الريف والمدينة وبين أبناء الطبقات الاجتماعية المختلفة حدث فيه بعض التطور، على أن الأرقام الدقيقة تعوزنا في هذا المجال.
9- زاد الإنفاق على التعليم بشكل واضح، فقفزت نسبة ميزانية التربية في معظم البلدان العربية من حوالي 10% من ميزانية الدولة عام 1950/51 إلى أكثر من 20% عام 1969/70. وزادت نسبة ما ينفق على التعليم من جملة الدخل القومي من حوالي 2% إلى أكثر من 5%. ويلاحظ أن نسبة الزيادة في الإنفاق فاقت نسبة الزيادة في أعداد المتعلمين.
10- نسبة الرسوب والتسرب ظلت عالية وثابتة في الجملة خلال العقدين الأخيرين، مع تحسن طفيف في السنوات الأخيرة.
11- وفي بنية التعليم، تم الانتقال تدريجياً في معظم البلدان العربية، إلى السلم التعليمي 6+3+3. وقد أصبح هذا السلم شائعاً في هذه البلدان، باستثناء عدد محدود منها.
12- برزت، خلال العقد الأخيرة خاصة، نزعة متزايدة إلى إدخال تغييرات في بنية التعليم الثانوي. وقد أصابت هذه التغيرات بوجه خاص التعليم الثانوي الفني والمهني، وعنيت بتحقيق التكامل والاندماج بينه وبين التعليم الثانوي العام.
13- قامت بعض الجهود لتحسين محتوى التعليم (مناهج الدراسة، الكتب والوسائل المعينة، طرائق التعليم، الوسائل السمعية البصرية وسواها من الوسائل الحديثة، الخ).
14- وجهت معظم البلدان العربية عناية خاصة إلى إعداد المعلمين والمدرسين في المرحلتين الابتدائية والثانوية، مما أدى إلى زيادة منتظمة في نسبة المعلمين المؤهلين.
15- وعلى النقيض من ذلك، لم تلق الإدارة التربوية والمدرسية عناية كافية ولم تصب حظاً كافياً من التقدم. وعلى الرغم من قيام بعض الجهود التي استهدفت إعادة تنظيم الإدارة التربوية، ظلت هذه الإدارة في الجملة إدارة مفرطة في المركزية في معظم البلدان العربية، سار فيها إعداد الأطر الإدارية سيراً خجولاً بطيئاً، كما ظلت بنيتها الحرفية التقليدية هي الغالبة في معظم الحالات، مما جعلها عاجزة عن الاستجابة للمطالب المتزايدة لتعليم سريع التطور والحركة.
16- حدث تطور تدريجي في تخطيط التربية في معظم البلدان العربية. ومع ذلك ظل هذا التخطيط مقصوراً غالباً على الجوانب الكمية. أضف إلى ذلك أن أجهزة التخطيط التربوي لم تشهد نمواً ملحوظاً.
وبوجه عام، نستطيع أن نقول أن هذا التطور الكبير الذي حدث في البلاد العربية خلال العقدين الأخيرين، والذي أتينا على ذكر أهم ملامحه، شكا من نقائص عديدة أهمها: ضعف نسبة البنات إلى البنين – التطور البطيء في التعليم الفني- الاتساع الكمي للتعليم الذي لم يرافقه تحسن في المستوى الكيفي – توسع غير متوازن في مختلف مراحل التعليم – النسبة المرتفعة من الأمية لدى الكبار- نقص الأماكن والأبنية المدرسية واللجوء إلى نظام الفترتين أو الثلاث فترات – المردود الداخلي الضعيف لنظام التعليم – البنية الإدارية التقليدية – التخطيط التربوي الذي لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي- هجرة الأدمغة- الخ..
(ثانيا) العوامل المختلفة التي وجهت هذا التطور:
لاشك أن هذه العوامل تختلف بين بلد عربي وآخر، كما أن أثرها يختلف تبعاً لكل من الجانبين الكمي والكيفي من تطور التربية، كما سبق أن ذكرنا. غير أننا سوف نكتفي، في تحليلنا، بالعوامل المشتركة بين معظم البلدان العربية، مع إشارات عابرة إلى الفوارق، كما سنبحث في دور هذه العوامل في كلا التطور الكمي والكيفي لنظام التربية، مع الإشارة أحياناً إلى دورها المختلف في كل من الجانبين.
ويمكن أن نرد هذه العوامل إلى العوامل الرئيسية التالية:
عوامل التزايد السكاني – العوامل الاجتماعية – العوامل الاقتصادية – العوامل السياسية – العوامل الراجعة إلى تطور فلسفة التربية وعلم التربية.
(1) عوامل التزايد السكاني:
لا شك أن تزايد السكان السريع في البلاد العربية (حوالي 2.8% سنوياً في المتوسط) من أهم العوامل التي أدت إلى الزيادة الكمية الكبيرة في أعداد الطلاب. يضاف إلى هذا أن شكل الهرم السكاني قد ترك أثراً واضحاً في شكل الهرم التعليمي.
ومع ذلك فالتزايد السكاني وحده غير كاف لتفسير الزيادة في أعداد الطلاب في البلاد العربية، فمعدل هذه الزيادة كما رأينا يفوق بكثير معدل الزيادة السكانية. وهذه الظاهرة تقودنا بطبيعة الحال إلى العوامل الأخرى التي تكمن وراء تطور التربية في البلدان العربية.
(2) العوامل الاجتماعية:
وعلى رأس هذه العوامل غير السكانية التي تكمن وراء تطور التربية في البلاد العربية، تأتي العوامل الاجتماعية. نعني تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم لأسباب اجتماعية مختلفة. ويمكن الإشارة في إطار هذه العوامل الاجتماعية إلى نوعين من العوامل: العوامل الاجتماعية البنيوية Structurels والعوامل الاجتماعية الثقافية Socio- Culturels.
آ- العوامل الاجتماعية البنيوية:
وأهم هذه العوامل ما يلي:
1- تغير البنية السكانية (الهرم السكاني خاصة) وتزايد فتوة السكان (بسبب العوامل الصحية).
فنحن نعلم أن البلدان العربية – شأن أكثر البلدان النامية – بلدان فتية، تزيد فيها نسبة عدد السكان الذين دون العشرين من العمر على 50% (وتبلغ في بعض البلدان 57%) وهذه الفتوة في السكان آخذة في التزايد مع تقدم الوسائل الصحية التي لم يرافقها تقدم مواز في تحديد النسل. وهذه الظاهرة تفرض جهوداً استثنائية على الدول العربية في ميدان التعليم الابتدائي خاصة، وتلقي ضوءاً على إمكانيات تعميم هذا التعليم (لاسيما إذا تمسكت الدول العربية بعام 1980 كموعد نهائي لتعميم هذا التعليم، كما جاء في توصيات مؤتمر طرابلس – ليبيا في نيسان 1966). ولنضرب مثلاً واحداً على ذلك:
يشير تطور التعليم الابتدائي في مثل العراق خلال الستينات أن الزيادة في عدد المسجلين في الصف الأول الابتدائي لم تتجاوز في المتوسط 1% سنوياً، أي أنها أقل من الزيادة السكانية بكثير (لاسيما في فئة العمر المقابلة لهذا الصف). ومعنى ذلك أن استمرار الاتجاه الحالي سوف يؤدي في المستقبل إلى تراجع في إمكانيات تعميم التعليم الابتدائي. ومثل هذا يصدق على أكثر من بلد عربي خلال السنوات الأخيرة. الأمر الذي يستلزم علاجاً مزدوجاً: علاجاً للمشكلة السكانية يهدف إلى الحد من النسل في بعض البلدان العربية، وعلاجاً تربوياً يستهدف زيادة المردود الداخلي لنظام التعليم.
2- عوامل الهجرة الداخلية والخارجية:
شهدت البلدان العربية – شأن كثير من البلدان النامية والبلدان المتقدمة – هجرة واسعة من الريف إلى المدينة، وعانت بشكل متزايد من مشكلات التوسع الحضري السريع. ونتائج مثل هذه الظاهرة على تطور التربية معروفة. أهمها تزايد الطلاب في المدن على حساب الأرياف (ذلك التزايد الذي يرجع دون شك إلى أسباب أخرى أيضاً).
وعجز الإدارة التربوية في المدن عن تلبية حاجات هذا التزايد السريع في طلاب المدن نتيجة للهجرة (حول كثير من عواصم البلدان العربية، قامت مدن جديدة بكاملها تضم المهاجرين من الأرياف، ولا تتوافر فيها الخدمات التربوية اللازمة فضلاً عن سائر الخدمات: هذا ما نشهده في بغداد، ودمشق، والقاهرة، وبيروت، والجزائر، والرباط، وسواها). ولا حاجة إلى أن نذكر أيضاً المشكلات النفسية والاجتماعية والخلقية التي خلقتها هذه الهجرة والتي ألقت على التربية مهمات جديدة.
وتزيد الهجرة الخارجية في مضاعفة هذه الأزمة. فهنالك عدد كبير من المتعلمين وأصحاب الكفاءات يهجرون بعض البلدان العربية للعمل في بلدان عربية أخرى (هي البلدان البترولية خاصة)، أو للعمل في بلدان أجنبية. الأمر الذي يحرم نظام التربية من عدد كبير من المعلمين، كما يحرم البلد عامة من الكفاءات العلمية والفنية العليا بوجه خاص. ولا تقابل هذه الهجرة إلى خارج البلد هجرة إلى داخلها تعوض هذا النقص والنزيف المستمر.
3- تغير التركيب الطبقي للمجتمع ولاسيما في الريف:
طرأ على المجتمع في معظم البلدان العربية تغير طبقي واضح، ولاسيما في الريف، أهم مظاهره نمو طبقة المزارعين الصغار الذين يزرعون أراضيهم بأنفسهم، وتناقص عدد الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً، والذين يعملون في خدمة الإقطاعي. ومن العسير ههنا أن نقدم وصفاًًًً علمياً وإحصائياً لهذا التطور. والمهم أن نبين أن نتائجه التربوية كانت كبيرة، وأنه أدى إلى زيادة واضحة في الطلب على التعليم لدى أبناء الريف عامة ولدى سائر الطبقات الاجتماعية التي كانت محرومة منه بسبب أوضاعها الاجتماعية – الاقتصادية. وقد أملت هذه الظاهرة أعباء جديدة على التربية وأدت إلى تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم، كما وضعتها أمام مهمات جديدة تستلزم إحداث تغيير جذري في محتواها ومناهجها لتلائم إعداد هذا العدد المتزايد من أبناء الريف، ولتقدم لهم تربية تؤدي إلى ربطهم ببيئتهم الزراعية وتحول دون هجرهم للريف.
4- ظهور طبقة عمالية صناعية في المدن:
ويقابل هذه الظاهرة ظهور طبقة عمالية جديدة في المدن (جزء كبير منها من الذين هجروا الريف)، نتيجة لانتشار الصناعة في عدد من البلدان العربية. وقد أدى تطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهذه الطبقة وتكامل وعيها الطبقي إلى تزايد ملحوظ في الطلب على التعليم في المدن، وإلى طرح جدي لموضوع تطوير التعليم الفني والمهني، بحيث يصبح أكثر ملاءمة لحاجات الصناعات الناشئة.
5- توطين البدو:
ما يزال عدد البدو كبيراً في كثير من البلدان العربية، وهم يبلغون في بعضها ثلث مجموع السكان. وتعليم هؤلاء البدو طرح دوماً على التربية في البلاد العربية مشكلات صعبة، استلزمت في كثير من الأحيان تغيير الوسائل التقليدية في التعليم واللجوء إلى وسائل أخرى ملائمة (من بينها وسائل الثقافة الجماعية). غير أن الجهود المختلفة التي بذلت، لم تحقق مع ذلك تقدماً يذكر في هذا المجال. ومن هنا رغبت كثير من البلاد العربية في توطين البدو كحل جذري لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ولأوضاعهم التربوية أيضاً. وقد تم هذا الأمر في حدود ضيقة في بعض البلدان العربية، وأدى بالتالي إلى تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم، كما أدى إلى تطوير وسائله وأساليبه لتتلاءم مع مطالب هذه المجتمعات البدوية المتوطنة.
ب- العوامل الاجتماعية الثقافية:
ونعني بها كل ما يتعلق بمواقف الأفراد والفئات والجماعات، وما ينبثق عنها من نظم للقيم Systémes de valeurs وأهداف مشتركة Fins collectivesومنازع وصبواتAspirations خاصة، أثرت في مجرى تطور التربية خلال العقدين الماضيين.
وأهم هذه العوامل في نظرنا ما يلي:
(1) تطور تقبل الناس للتعليمReceptivite a I`enseignement :
فمن الواضح أن موقف الناس في البلاد العربية من التعليم قد تطور تطوراً واضحاً خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن، نتيجة لجملة من العوامل الاقتصادية والثقافية، على رأسها تقدم التربية نفسه الذي قاد إلى مزيد من التقبل للتربية.
والحق أن الكثير من الآباء كانوا قبل سنوات ليست بعيدة ينظرون إلى التعليم نظرة شك وريبة، ويرون فيه في كثير من الأحيان خروجاً على تقاليد المجتمع وعلى قيمه الخلقية والدينية. وكان أكثرهم – ولاسيما في الأرياف – يؤثرون الإفادة من أبنائهم اقتصادياً وتشغيلهم معهم في المزرعة أو الحانوت أو المتجر أو البيت. وقد تغيرت هذه النظرة تغيراً كبيراً في العقدين الأخيرين، ولا نعثر على بقايا لها إلا في بعض البيئات القروية المعزولة.
(2) تطور تقبل الناس لتعليم الفتاة:
على أن المقاومة الكبرى كانت تنصب على تعليم الفتاة، وما تزال هذه المقاومة قائمة على نطاق واسع في بعض البيئات الاجتماعية وفي بعض البلدان العربية خاصة (السعودية – اليمن – ليبيا – قطر).
ومع ذلك فقد حدث تطور كبير في موقف الناس من تعليم الفتاة، أدى بطبيعة الحال إلى تزايد مطرد في أعداد الطالبات. وبدأ هذا التزايد في التعليم الابتدائي ثم امتد إلى التعليم الثانوي، ووصل أخيراً إلى التعليم العالي. وأهم عوامل في هذا التطور إعادة تقويم القيم الدينية، وتحرر المرأة، والإدراك المتزايد للدور الاقتصادي الذي يلعبه تعليم الفتاة، وتأخر سن الزواج، وزوال النظام العائلي الأبوي Patriarcal تدريجياً، وشعور الفتيات بالحاجة إلى الثقافة من أجل الحصول على الأزواج المتعلمين، الذين كانوا يضطرون إلى الزواج بالأجنبيات.
(3) تطور تقبل الناس للتعليم المهني والفني:
ورثت المجتمعات العربية – نتيجة لتكوينها القبلي القديم ولعوامل أخرى تاريخية – مواقف ضد بعض الأعمال، ولاسيما الأعمال اليدوية والزراعية والصناعية. وما نزال نشهد آثار هذه المواقف في كثير من البلدان العربية (السعودية – الكويت – العراق، اليمن بشطريها).
وما تزال ثمة فئات اجتماعية ترفض أي عمل يدوي ومهني. على أن هذه المواقف تطورت تطوراً كبيراً وواضحاً خلال العقدين الأخيرين، نتيجة لنمو التعليم نفسه ونتيجة للاتصال بالحضارة العلمية والتقنية الحديثة، ونتيجة لإدراك العائد الاقتصادي الكبير للمهن والصناعات. وقد ساعد ذلك على نمو التعليم المهني والفني وعلى تطوير وسائله وأساليبه، وعلى ظهور فروع جديدة في هذا التعليم. ونستطيع أن نقول أن رغبة الناس في إرسال أبنائهم إلى التعليم المهني والفني أصبحت تجاوز اليوم إمكانات هذا التعليم وقدرته الاستيعابية وجهود الحكومات في سبيل التوسع فيه. ومن الظواهر التي تدعو إلى الانتباه في بلد مثل اليمن نفسه أن يتقدم إلى دخول المدرسة الفنية التي أنشئت منذ عامين بالتعاون مع الصين الشعبية أربعمائة طالب، لم يقبل منهم سوى تسعين طالباً (ولعل من أسباب ذلك تقديم إعانات مالية لهؤلاء الطلاب وأخذهم كطلاب داخليين في تلك المدرسة).
(4) الرغبة في الارتقاء الاجتماعي:
ومن العوامل الأساسية التي ساعدت على نمو التعليم وتطوره في البلاد العربية، الشعور بأن هذا التعليم هو السلم الأساسي للارتقاء الاجتماعي ولتحسين المنزلة الاجتماعية. فلقد بدا التعليم في العقود الأخيرة أهم عامل يؤدي إلى احترام الناس وتبوءّ المنزلة الاجتماعية الرفيعة وإلى تسلم قيادة المجتمع وإلى تسلم وظائف الدولة الأساسية.
لاسيما أن إمكانات الارتقاء الاجتماعي والمهني بفضل التعليم كانت واسعة في بداية انتشار التعليم، إذ كان الأفراد الذين يحصلون على تعليم بسيط (ابتدائي أحيانا) يشغلون مناصب ووظائف لا يشغلها عادة في البلدان الأكثر تقدماً إلا ذوو الشهادات التعليمية العالية.
(5) تناقص دور الزمر الاجتماعية الضاغطة Groujes de pression :
وكان وراء بعض هذه العوامل الاجتماعية الثقافية التناقص التدريجي الذي حصل في دور الزمر الاجتماعية الضاغطة، كرجال الدين وأصحاب الحل والعقد في القرية أو المدينة، وسواهم. فنمو المجتمعات العربية واتصالها بالحضارة الحديثة وانتشار الثقافة نفسها ونمو الفردية وظهور المدن الكبرى أمور أدت تدريجياً إلى زوال القسر الاجتماعي Coercition sociale الذي كانت تمارسه بعض الفئات الاجتماعية، والذي كان يحبس سلوك الأفراد ضمن أطر لا يستطيعون تجاوزها، خوفاً من نقد المجتمع وغضبه ونبذه. وقد أدى ذلك إلى مزيد من إقبال الأجيال الجديدة، ولاسيما من الفتيات، على التعليم وأنواعه المختلفة.
(6) تطور القيم الاجتماعية وتطور تصور المجتمع للنظام الأمثل في حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية:
ولا شك أن أساس هذا كله التطور الذي طرأ على أفكار الناس ومعتقداتهم وقيمهم، والتصور الجديد الذي بدأوا يكونونه عن النظام الاجتماعي الأمثل. ووراء هذا التطور جملة العوامل السياسية والاقتصادية والحضارية التي سنشير إليها فيما بعد. فهذه العوامل أدت إلى ولادة قيم جديدة ساعدت على نمو التعليم وتطويره كماً وكيفاً. ومن أبرز هذه القيم التي أخذت في الظهور والانتشار: قيم الديمقراطية ومايثوى وراءها من معاني العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والقضاء على التمييز الطبقي، والقيم الثقافية الإنسانية الجديدة التي تنطلق من ضرورة الربط بين التراث القومي وبين الحضارة العالمية الحديثة، ومشاعر الاعتزاز القومي والرغبة في اللحاق بركب التقدم العالمي ومواجهة هوة التخلف التي تقوم بين المجتمعات العربية والمجتمعات المتقدمة، وقيم التحرر من الاستعمار الخارجي، وقيم الحرية في الداخل…
فبعد فترة من الصراع بين القديم والحديث، بين الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة، بين التقوقع على الذات والانفتاح على العالم، بين تقليد الأجانب والعداء لهم، أخذت تنتصر القيم الجديدة التي تستهدف إنضاج ثقافة قومية أصيلة، يتعمق اتصالها بقيمها وبتجربة الإنسان المشتركة. وكان انتصار هذه القيم أكبر عون على تحقيق التطور الكمي والكيفي في التربية خلال العقود الأخيرة.
(3) العوامل السياسية:
ولا شك أن هذه العوامل الاجتماعية المختلفة التي تثوى وراء تطور التربية خلال العقود الأخيرة، قد تأثرت بالعوامل السياسية كما أثرت فيها بدورها. والصلة بين هذين النوعين من العوامل هي بطبيعة الحال صلة دائرية لا صلة خطية Lineaire . ومع ذلك لابد لتسهيل البحث من فصل هذه العوامل السياسية على حدة. ونعني بها هنا بوجه خاص جميع الجهود التي بذلتها الحكومات من أجل تشجيع التعليم وتطويره. وفي هذا الإطار، يمكن أن نذكر العوامل التالية:
آ- التشريعات التي أدت إلى تشجيع التعليم وتطويره:
وأهم هذه التشريعات القوانين الخاصة بإلزامية التعليم (في جميع البلاد العربية تقريباً، ولكن في فترات مختلفة)، والقوانين الخاصة بمجانية التعليم (التي تشمل في معظم البلدان العربية مراحل التعليم جميعها، بما في ذلك التعليم العالي)، والقوانين الخاصة بالتوسع في التعليم المجاني على حساب التعليم الخاص، والقوانين التي تشترط شهادات معينة للتعيين في وظائف الدولة، والقوانين التي تمنح امتيازات مالية خاصة لخريجي دور المعلمين وكليات التربية، والقوانين التي تمنح مثل هذه الامتيازات لخريجي التعليم الفني، الخ…
ب- التشريعات المتعلقة بتحديد سن العمل:
ومن التشريعات التي تركت أثراً خاصاً في نمو التعليم قوانين العمل التي ظهرت في كثير من البلدان العربية والتي نصت على عدم جواز تشغيل الأطفال قبل سن معينة (هي الثانية عشرة في معظم الأحوال). وإذا كانت هذه القوانين غير مطبقة فعلاً في كثير من البيئات الريفية، فهي مطبقة على نطاق واسع في البيئات الحضرية. وقد تبدو قوانين العمل هذه نوعاً من التكرار لقانون الإلزام في التعليم. ولكن الواقع يبين أن الإلزام في التعليم غير مطبق في كثير من الأحوال، نظراً لعجز الدولة عن توفير المدارس اللازمة. يضاف إلى هذا أن مبدأ الإلزام لم يظهر في بعض البلدان العربية إلا مؤخراً.
جـ- ظهور نظم سياسية جديدة أكدت أهمية التعليم ودوره:
فلقد عرفت كثير من البلدان العربية تغيرات في نظمها السياسية التقليدية، واتجهت نحو نظم سياسية جديدة تتمشى مع روح العصر ومع مستلزمات النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع.وقد أبرزت هذه النظم دور التربية وأكدت أهميتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي زيادة الدخل القومي، وفي تجاوز التخلف. ونتج عن ذلك جو نفسي عام ملائم لنمو التربية عامة ولنمو بعض أنواع من التربية بوجه خاص (التربية القائمة على العمل – التعليم الفني – الاتجاه العلمي في التربية). الأمر الذي أدى إلى تدافع أكبر نحو التعليم وإلى إحداث تغييرات أساسية في بنية التربية ومحتواها الكيفي.
وساعد على ذلك ما حملته هذه النظم السياسية من اتجاهات ديمقراطية وشعبية ومن نزوع واضح إلى العدالة الاجتماعية.
كذلك اتجهت هذه النظم السياسية الجديدة إلى الأخذ بسياسة التصنيع وبمكننة الزراعة وبإدخال مختلف الوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة. الأمر الذي ترك أثراً واضحاً في سياسة التعليم، وفي نظمه ومناهجه وطرائقه. وقد برز هذا الأثر خاصة في سياسة البعثات العلمية، وفي سياسة الالتحاق بالتعليم العالي، وفي إعادة تنظيم التعليم الثانوي.
د- نمو التضامن بين البلدان العربية:
وساعد على تطوير التعليم، ولا سيما في البلدان العربية الأكثر تخلفاً، بروز المنازع السياسية التي تؤكد على التعاون بين البلدان العربية وتنطلق من وحدة الوطن العربي. وقد تأكدت هذه المنازع بعد ولادة جامعة الدول العربية (1945) وبعد ظهور الحركات السياسية الجديدة ذات المنزع القومي العربي الواضح. وهكذا قامت جملة من الجهود التي تهدف إلى توحيد نظم التربية بين بعض البلدان العربية أو بينها جميعها، وإلى تحقيق تعاون ثقافي وتربوي أوسع فيما بينها، وعقدت لهذه الغاية مؤتمرات عديدة ووقعت اتفاقات ثقافية كثيرة. ولعبت الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية دوراً كبيراً في هذا المجال.
ومن أهم نتائج هذا الاتجاه نحو التضامن الثقافي تقارب نظم التربية في البلاد العربية تدريجياً خلال العقدين الأخيرين، وتيسير نمو التربية في البلدان العربية الحديثة العهد بها، والاتفاق على مناهج مشتركة في كثير من الموضوعات، لاسيما في التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، وتبادل المعلمين والأساتذة على نطاق واسع.
وقد توج هذه الجهود ظهور منظمة الدول العربية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو العربي) في السنة الماضية.
هـ- أثر التقلبات السياسية:
وقد كان لبعض العوامل السياسية السلبية أثر أيضاً في نمو التربية وتطورها، وفي اندفاع الناس نحو التعليم. ومن أبرز هذه العوامل ما خضعت له البلدان من تقلبات سياسية، دفعت كثيراً من الناس إلى إدراك دور رأس المال الثقافي، بوصفه رأس المال الثابت والباقي وسط هذه التقلبات، وبوصفه الضمانة للرزق في مجتمع لعبت فيه التغيرات السياسية دوراً بارزاً في عدم استقرار موارد الرزق الأخرى.
وقد تجلت هذه الظاهرة خاصة بعد عام 1948، نتيجة لنزوح عدد كبير من الفلسطينيين عن بلادهم. على أنها ظهرت في مناسبات أخرى، نتيجة للنظم السياسية التي أحدثت تغييرات طبقية وتغييرات في دور رؤوس الأموال.
وهكذا بدت التربية في الجملة عاملاً من عوامل الطمأنينة Sécurité في مجتمع سريع التغير، وفي بنية اقتصادية – اجتماعية معروضة للتمزق.
(4) العوامل الاقتصادية:
وتنضاف إلى العوامل الاجتماعية والسياسية، وتتفاعل معها، جملة من العوامل الاقتصادية أثرت في التربية كما تأثرت بها، خلال العقود الأخيرة، وأهم هذه العوامل في نظرنا، ما يلي:
آ- ظاهرة الانتقال المهني Mobilité professionnelle:
فلقد أدى تطور المجتمعات العربية واتجاهها نحو التحديث Modernisation والتصنيع والتقدم التكنولوجي، إلى تناقص الطلب على اليد العاملة غير المؤهلة وإلى تزايد الطلب على اليد العاملة المؤهلة والفنية. كما أدى هذا التطور في الجملة إلى انتقال اليد العاملة من القطاع الأول (قطاع الزراعة) إلى القطاع الثاني (قطاع الصناعة) ثم إلى القطاع الثالث (قطاع الخدمات). الأمر الذي استلزم حدوث تغيرات كمية في أعداد الطلاب في فروع التعليم المختلفة، وتغيرات كيفية في نظم التعليم وأنواع التعليم وطرائق التعليم.
وزاد في هذه الظاهرة انقراض بعض المهن التقليدية تدريجياً وظهور مهن وصناعات جديدة (كالمهن الكهربائية والإلكترونية، والصناعات الكيمائية، والمهن الإدارية الجديدة، وسواها).
ب- اتساع مجالات العمل أمام المرأة:
ورافق ذلك اتساع فرص العمل أمام المرأة، ولا سيما في بعض المهن المعينة التي أخذت تنزع إلى التأنيث (التعليم – التمريض – السكرتارية – الأعمال الدقيقة). مما ساعد على نمو تعليم الفتاة، وعلى إيجاد فروع اختصاص جديدة. ومن نتائج ذلك أن تناقص إقبال الفتيان على بعض المهن (ولا سيما في قطاع التعليم والخدمات) وانصرفوا إلى البحث عن اختصاصات جديدة (ولا سيما في قطاع الصناعة). وهكذا تناقص تدريجياً عدد الراغبين من الفتيان في الاختصاص بمهنة التعليم في مراحل التعليم المختلفة (وبوجه أخص في التعليم الابتدائي والثانوي) أو في الاختصاص بالمهن الكتابية وأعمال السكرتارية. وأملى هذا كله تغيرات واضحة في بنية التعليم ومحتواه.
جـ- ظهور التخطيط الاقتصادي والاجتماعي العام:
وقد أدى ظهور التخطيط الاقتصادي والاجتماعي العام في كثير من الدول العربية خلال الستينات خاصة إلى تغييرات أساسية في أهداف التربية ونظمها ومحتواها وسياسة القبول فيها، من أجل تحقيق ربط أوثق بين نمو التربية والنمو الاقتصادي والاجتماعي العام. وقد دفع ذلك إلى ظهور التخطيط التربوي، وإلى وضع سياسة عقلانية للتوسع في التربية، أدت إلى إحداث تغييرات كبيرة في مسيرتها. وإذا كان هذا الربط بين نمو التربية وبين جملة النمو الاقتصادي والاجتماعي لم يبلغ بعد درجة كبيرة من التطور في البلدان العربية (لأسباب كثيرة منها حداثة التخطيط التربوي، ومنها الافتقار إلى بيانات ودراسات عن الطاقة العاملة)، فإنه قد بدأ يتحكم دون شك بمقدار كبير في تطور التربية خلال السنوات الأخيرة.
وقد ساعد على ذلك الجهود التي بذلتها منظمة اليونسكو خاصة من أجل إطلاق عملية التخطيط التربوي في البلاد العربية ومن أجل العمل على ربط نمو التربية فيها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن أبرز هذه الجهود إنشاء المركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها في البلاد العربية.
د- الحاجة المتزايدة إلى الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة:
ومن أهم العوامل الاقتصادية التي بدأت تحدد سير التربية في السنوات الأخيرة خاصة، الشعور المتزايد بندرة الإمكانات المالية والبشرية والمادية المتاحة، وتبين الحاجة إلى الاستخدام الأمثل لتلك الموارد عن طريق زيادة المردود الداخلي والمردود الخارجي للنظم التعليمية. فقد بلغت أزمة التربية في البلاد العربية مرحلة حرجة في العقد الأخير. إذ تزايدت أعباء التربية تزايداً واضحاً لا يقابل التزايد في الموارد المالية المخصصة للتربية (بعد أن بلغت ميزانية التربية في معظم البلدان العربية أكثر من 20% من مجموع ميزانية الدولة، وبعد أن وصل الإنفاق على التربية في بعضها إلى أكثر من 6% من الدخل القومي). وأمام هذه الأزمة وجدت الدول العربية نفسها مدعوة إلى زيادة فعالية التعليم ورفع إنتاجيته وتحقيق مبدأ الاستخدام الأمثل لموارده. بل وجدت نفسها مدعوة إلى إعادة النظر في إطار التربية التقليدي، والبحث عن صيغ تعليمية جديد تهدف إلى تعليم أعداد أكبر وأفضل بنفقات أقل.
وواضح أن مثل هذا الموقف أخذ يملي على المسؤولين أحداث تغييرات جذرية في الإدارة التربوية وفي تمويل التعليم وفي كلفة التعليم وفي مناهج التعليم وطرائقه، بل في إطار التعليم كله.
هـ- اتساع ظاهرة بطالة المثقفين:
على أننا نُلغي ههنا أيضاً أثراً لبعض العوامل الاقتصادية السلبية في تطوير التعليم. فلقد اتسعت في الستينات خاصة ظاهرة بطالة المثقفين نتيجة للتوسع الاعتباطي في التعليم، ونتيجة لعدم ربط ذلك التوسع بحاجات الطاقة العاملة. وقد فرضت هذه الظاهرة إعادة النظر في سياسة الالتحاق بمراحل التعليم وبفروعه المختلفة، كما أدت إلى إحداث تغييرات في مناهج التعليم وطرائقه (ولا سيما مناهج التعليم الفني وطرائقه، بحيث تلبي حاجات سوق العمل وتؤدي إلى إعداد وظيفي Fonctionnel أفضل).
وقد بدأت هذه الظاهرة تدفع المسؤولين عن التربية في البلاد العربية إلى عدم قصر الاهتمام على التعليم النظامي، وإلى الاتجاه نحو سائر أشكال التعليم غير النظامي (من إعداد في مراكز التدريب، أو إعادة تأهيل للطاقة العاملة، أو تعليم للكبار) بل إلى الاتجاه نحو مفهوم التربية الدائمةEducation permanente .
(5) العوامل الراجعة إلى تطور فلسفة التربية وعلم التربية:
ولا شك أن مما أحدث تأثيراً بارزاً في مسيرة التربية خلال العقدين الأخيرين التطور الذي أصابته فلسفة التربية وأصابه علم التربية في البلدان العربية. وأهم جوانب هذا التطور ما يلي:
آ- تقدم الأفكار التربوية والدراسات والبحوث التربوية:
ظهر في البلاد العربية تيار تربوي واضح خلال العقدين الأخيرين، تجلى في بروز عدد من المربين العرب وفي إنشاء بعض مراكز البحث التربوي وفي وضع العديد من الكتب والدراسات والأبحاث، وفي نقل كثير من التجارب التربوية العالمية والفكر التربوي العالمي. وقد لقى هذا التيار في بداية أمره بعض المقاومة، وقام في هذا المجال أيضاً صراع بين القديم والحديث، بين الإداريين والمربين، بين أعداء الأفكار المستوردة وبين الراغبين في الإفادة من حصاد التجربة العالمية، بين القائلين بالحلول السريعة المرتجلة لمشكلات التربية، وبين المؤمنين بضرورة بناء القرارات والحلول على أسس البحث العلمي والتجريبي. غير أن الحركة التربوية ما لبثت حتى ثبتت أقدامها، ولاسيما بعد الجهود القوية التي قام بها بعض المربين البارزين، وبعد أن أصبحت دراسة المواد التربوية شرطاً من شروط ممارسة التدريس في التعليم الثانوي فضلاً عن الابتدائي، وبعد أن انفتحت البلاد العربية على التجربة العالمية في ميدان التربية عن طريق المؤتمرات وعن طريق التعاون الدولي في مجال الثقافة.
ولاشك أن هذا الصراع حول الأفكار التربوية، ثم ما انتهى إليه هذا الصراع من غلبة للتيار التربوي العلمي، وما رافق ذلك كله من أصداء في أوساط الرأي العام، أمور ساعدت على تكوين عقلية تربوية جديدة وأساليب تربوية جديدة سادت في أوساط المربين والإداريين والمسؤولين عن سياسة التربوية، وكانت عاملاً هاماً من عوامل تطوير التربية وتجديدها وبنائها على أسس علمية وتجريبية.
ب- أثر الجهود التربوية الدولية والعالمية:
وقد ساعد على نضج هذا الفكر التربوي وعلى قيامه بدوره الفعال، الجهود التربوية التي بذلتها المنظمات الدولية المختلفة وأسهمت عن طريقها في تطوير الفكر التربوي والواقع التربوي في البلاد العربية. ومن أبرز هذه الجهود الدولية ما قامت به منظمة اليونسكو، عن طريق اللجان الثقافية الوطنية، وعن طريق المؤتمرات والحلقات الدراسية، وعن طريق وسائل البث والإعلام المختلفة، وعن طريق المنح والمساعدات الفنية. وقد برزت جهود منظمة اليونسكو منذ عام 1958 بوجه خاص، بعد أن قرر المؤتمر العاشر للهيئة العامة لليونسكو إجراء مسح للأوضاع التربوية في البلاد العربية، وبعد أن قامت على أثر ذلك لجنة طوقان – كولون بإجراء هذا المسح وقدمت تقريرها إلى مؤتمر وزراء التربية العرب الذي دعت منظمة اليونسكو إلى انعقاده ببيروت (من 2-9 شباط عام 1960). وقد كان من نتائج هذا المؤتمر إنشاء المركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها في البلاد العربية (ببيروت) عام1961. وتلا هذا المؤتمر الأول مؤتمران هامان لوزراء التربية والوزراء المسؤولين عن التخطيط الاقتصادي في البلاد العربية: أولهما مؤتمر طرابلس – ليبيا (نيسان 1966). والثاني مؤتمر مراكش (كانون الثاني 1970). وقد أدت هذه المؤتمرات وهذه الجهود إلى إطلاق حركة التخطيط التربوي في البلاد العربية وإشاعة الوعي حولها ونشر أساليب التخطيط العلمي والفني، والبدء بتكوين أجهزة فنية للتخطيط التربوي.
وإلى جانب هذه المؤتمرات المحلية التي عقدتها اليونسكو في البلاد العربية والتي ساعدت على تطوير التخطيط التربوي خاصة والتربية عامة في البلاد العربية، شاركت البلاد العربية في عدد من المؤتمرات الدولية والإقليمية التي نظمتها اليونسكو، والتي لعبت دوراً هاماً في تطوير التربية في بعض مناطق العالم. من أبرز هذه المؤتمرات مؤتمر أديس أبابا للدول الأفريقية (15-25 أيار 1961) الذي شاركت فيه الدول العربية الأفريقية. ومن هذه المؤتمرات الهامة أيضاً المؤتمر الدولي للتخطيط التربوي الذي عقد بمقر اليونسكو في باريس (6-14 آب 1968) والذي شاركت فيه الدول العربية.
ويرجع الفضل خاصة إلى هذه المؤتمرات والجهود الدولية في طرح بعض الموضوعات الجديدة عند معالجة نظم التربية ومشكلاتها من قبل المسؤولين في البلاد العربية. ومن أبرز هذه الموضوعات، التي نقلت تطور التربية في البلاد العربية إلى مرحلة متقدمة جديدة، موضوعات كالتالية:
ربط حاجات التربية بحاجات القوى العاملة وحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية – البحث في كلفة التعليم – دراسة الإهدار في التعليم – تمويل التعليم وميزانيات التعليم – زيادة فعالية النظام التربوي – التجديد في تكنولوجيا التربية – الطرائق الإدارية الحديثة واستخدامها في التربية – البرمجة وعقلنة القرارات – الخارطة المدرسية والخارطة التربوية.
جـ- تطور التدريب والإعداد:
ومن العوامل التي تركت آثاراً هامة في المجرى العملي الداخلي للتربية، ذلك التطور المتزايد الذي حدث في إعداد المعلمين والمدرسين وأفراد الجهاز الإداري وسواهم من أفراد التعليم. ولا شك أن العناية المتزايدة التي أخذت توجهها معظم البلدان العربية خلال العقدين الأخيرين لإعداد المعلمين في المرحلة الابتدائية والثانوية (قبل الخدمة وبعد الخدمة) ولإعداد أفراد الجهاز الإداري، قد ساعدت على خلق تيار تربوي يزداد نضجاً يوماً بعد يوم، أسهم في بلورة فلسفة تربوية موحدة بعض الشيء، وأدى بالتالي إلى تطوير مفاهيم التربية وأساليب التربية في البلاد العربية.
وعلى الرغم من أن حوالي ثلثي المعلمين في المرحلة الابتدائية في البلاد العربية ما يزال غير مؤهل تربوياً، فالجهود حثيثة وقوية من أجل إعادة تأهيلهم، تساعد عليها جهود المنظمات الدولية (كاليونسكو واليونسيف) في هذا المجال.
د- تطور الفلسفة التربوية:
ووراء هذه العوامل جميعها، وكنتيجة لها أيضا، التطور الذي حدث في فلسفة التربية في البلاد العربية، والذي ساعد عليه تطور الفلسفة الاجتماعية والسياسية بوجه عام.
وقد بدأت معالم هذه الفلسفة التربوية بالتشكل منذ الخمسينات، وأخذت تتوضح خاصة في الستينات، نتيجة لظهور الحركات السياسية والاجتماعية الجديدة ونتيجة لانتشار المفاهيم التربوية الحديثة وذيوع علم التربية والدراسات التربوية والمؤتمرات التربوية على نحو ما ذكرنا.
وهكذا تكونت شيئاً بعد شيء خطوط أساسية لفلسفة تربوية عربية جديدة، لم تعد تسودها – كما كانت في الربع الثاني من القرن – النزاعات بين فلسفات التربية المختلفة في العالم (كالنزاع بين التيار الانكلوسكوني والتيار اللاتيني، وكالنزاع بين التربية الغربية والتربية السوفياتية) بل غدت أقرب إلى أن تكون فلسفة قومية أصيلة، تغتذى بالفلسفات العالمية وتدمجها في إطار فلسفة تربوية عربية مستقلة.
ومن أهم معالم هذه الفلسفة التربوية التي بدأت تحكم أهداف التربية وسياستها في السنوات الأخيرة، الآخذ بوحدة الثقافة في إطار التنوع، ودمج التراث العربي بالتراث الإنساني، والتأكيد على المعرفة العلمية وأسلوب التفكير العلمي وعلى تنمية الاتجاهات العلمية، وبناء التربية على أساس العمل والإنتاج وعلى أساس الإيمان بوحدة العمل اليدوي والفكري، وتنمية روح الابتكار والإبداع والتجديد، وتنمية روح العمل الجماعي والتعاوني المشترك.
القسم الثاني
بعض الاتجاهات التي ينتظر أن تأخذها التربية
خلال السنوات العشر الآتية
مدخل:
يطول البحث لو أردنا أن نتحدث بتفصيل عن الاتجاهات المقبلة التي ينتظر أن تأخذها التربية. ولهذا نكتفي بتعداد سريع لأهم هذه الاتجاهات كما تبدو لنا، وكما تشير إليها بعض التصورات البعيدة المدى التي استندت إليها بعض الخطط التربوية التي وضعت مؤخراً في بعض البلدان العربية.
على أن من الهام أن نذكر أن هذه الاتجاهات المقبلة – وأن تكن بذورها قد بدأت بالظهور منذ الآن (وقد أشرنا إلى بعضها في القسم السابق) – لن تكون مجرد امتداد رياضي Extrapolation للاتجاهات الماضية، بل لابّد أن يظهر فيها تغير جذري وأساسي في سياسة التربية وأساليبها. ويرجع ذلك لأسباب عديدة، أهمها: –
1- إن الأزمة المتعاظمة التي تواجهها التربية في معظم البلاد العربية (والتي تتجلى في تزايد أعباء التعليم مع نقص الإمكانات المالية والمادية والبشرية) لابّد أن تفرض اللجوء إلى سياسة تربوية جديدة تركز على زيادة فعالية النظام التربوي ومردوده الداخلي والخارجي، وقد تلجأ إلى إعادة النظر كلياً في إطار التعليم، وإلى ابتكار صيغ تربوية جديدة وملائمة.
2- التحديات التي تواجهها البلدان العربية والتي تتجلى في الهوة المتعاظمة بينها وبين البلدان المتقدمة، بدأت تفرض على هذه البلدان اهتماماً خاصاً بتطوير التربية وإعادة النظر فيها إعادة جذرية، لتكون فعلاً أداة من أدوات التنمية السريعة لبنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولتأخذ دورها في تحديث المجتمع Modernisation وربطه بالعصر وثورته العلمية والتكنولوجية.
3- الاتجاهات العالمية نحو التجديد في تكنولوجيا التربية سوف تساعد على إحداث تطوير جذري في التربية في البلاد العربية.
4- الاتجاهات السياسية الحديثة في البلدان العربية سوف تكون مدعوة خلال السنوات المقبلة إلى أن تثبت فعالية أهدافها عن طريق إحداث تغيير واضح وملموس في بنية المجتمع، قوامه تغيير نظام التربية.
5- تحركات الطلاب في البلاد العربية سوف تكون عامل ضغط أساسي من أجل إعادة النظر في نظم التربية بشكل جذري لتلائم حاجات الأجيال المقبلة ولتغدو قادرة على أعداد أبناء القرن الحادي والعشرين.
أهم ملامح التطور المرتقب:
سوف نقتصر كما ذكرنا على تعداد الاتجاهات دون تفصيل الحديث عنها. وأهم هذه الاتجاهات، كما تبدو لنا وكما نستخرجها من بعض التصورات البعيدة المدى للسياسات التربوية في البلاد العربية، هي التالية:
1- بذل جهود خاصة لتعميم التعليم الابتدائي، بحيث يكون عام 1980 الموعد المضروب الذي يتم فيه قبول جميع من هم في سن الصف الأول الابتدائي.
وقد تلجأ بعض الدول إلى جعل مدة التعليم الإلزامي تسع سنوات بدلاً من ست (كما ظهرت بوادر ذلك في الأردن وسورية).
2- القيام بجهود كبيرة من أجل تنويع التعليم الثانوي وتفريعه Diversificatinومن أجل تطوير التعليم الفني والمهني في مراحل التعليم المختلفة.
3- الاهتمام خاصة بتطوير التعليم العالي، وذلك عن طريق إعادة النظر في سياسة الالتحاق بهذا التعليم وفي أسسها، وعن طريق ربط هذا التعليم بحاجات سوق العمل، وعن طريق رفع الكفاية الداخلية لهذا التعليم.
4- العناية بتعليم الكبار وبسائر أشكال التأهيل وإعادة التأهيل خارج إطار النظام المدرسي، وبتطبيق مفاهيم التربية الدائمة.
5- ومن أهم اتجاهات التطوير التربوي، التي ينتظر أن تبرز في المستقبل، العمل على زيادة فعالية النظام المدرسي، والبحث عن صيغ تعليمية جديدة – كما سبق أن ذكرنا – تؤدي إلى تجاوز أزمة التربية في البلاد العربية بما يمكن أن تحققه من زيادة كبيرة في نتاج التعليم.
6- تطوير الإدارة التربوية والمدرسية وزيادة فعاليتها والاتجاه نحو الاستعانة ببعض الوسائل الحديثة في الإدارة.
7- الاهتمام بالأبنية المدرسية وبجعلها أكثر وظيفية وأقل كلفة.
8- توجيه عناية خاصة إلى الخارطة المدرسية والخارطة التربوية.
9- الاهتمام بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وديمقراطية التربية عن طريق توزيع الخدمات التعليمية (ولا سيما في التعليم الثانوي والعالي) توزيعاً عادلاً بين الريف والمدينة وبين أبناء الطبقات الاجتماعية المختلفة.
10- تطوير اقتصاديات التعليم والاهتمام بمشكلات تمويل التعليم والإنفاق على التعليم، وتجديد أساليب تنظيم ميزانيات التربية.
11- تحقيق نمو متزايد في أجهزة التخطيط التربوي في معظم البلدان العربية والاتجاه نحو مزيد من التمويل لبنيتها ووظائفها ونحو إعداد أفرادها إعداداً أكمل.
12- تطوير وسائل التقويم ونظم الاصطفاء والامتحانات.
13- تطوير الخدمات الصحية والاجتماعية في التعليم.
14- إعادة النظر في المناهج ولا سيما مناهج العلوم والرياضيات.
15- توسيع مجال التعاون العربي والدولي من أجل تطوير التربية في البلاد العربية.