علمني والدي

المصدر: الحسناء (اللبنانية) العدد ٣٨٨
بقلم: ميساء عبد الدايم
يقول المثل العربي: كل فتاة بأبيها معجبة. هذا المثل ينطبق علي إلى حد بعيد. ويا ليت كان بالإمكان أن يكون هذا لسان حال كل فتاة، ولكن هناك آباء شرسين قلما يفسحون المجال لبناتهم للافتخار بهم. لذلك أشكر ربي الذي وهبني أباً أكثر من عظيم. فيه وجدت الأب المثالي منذ أن فتحت عيني على الدنيا ورأيته ينتظرني بابتسامة.. وكان إعجابي به يزداد يوماً عن يوم. كان طبعه الرصين الهادئ أول ما جعلني أتعلق به كأب وصديق وكانت نصائحه الرزينة تنمي حبه في قلبي. أحب الناس كما يحب نفسه، ووهبهم ما عنده من خير. وكانت يد المساعدة التي يمدها للناس هي التي علمتني التآخي. ويده المثقوبة لقنتني الكرم والعطاء. أما تواضعه وصداقته مع الصغير والكبير فعلماني أن التواضع رفعة. أصدقائي يحسدونني عليه.. هم يجدون فيه الجنتلمان المهذب، ويهمسون في أذني «نيالك»، يعجبون بحديثه وتروق لهم تصرفاته. بعد أن أنست من معاملته آية الخير وشممت في أفعاله كل بركة، وبعد أن وهبني العلم وزود عقلي بالمعرفة.. أدركت أن والدي هو الأب المثالي.. وأنني مهما أعطيته من وفائي ومهما أغدقت عليه من حبي سأظل مدينة له بالكثير.. وإن أقل عرفان بالجميل هو في صيرورتي الفتاة التي حلم بتنشئتها وانتقالي إلى المرأة التي أرادها أن تكون. أنا ابنته.. وكم تراني فخورة بذلك. فلا أحلم – بالرغم من كوني فتاة – إلا أن أكون مثل بابا تماماً. أكثر ما أحب في الرجل شخصيته، وككل فتاة، أفضل الشخصية القوية البارزة.. وسيظل الرجل برأيي ذاك الذي يتحمل أعباء الحياة. إعجابي بوالدي إعجاب برجولته ووقاره وشخصيته الفذة.. إعجاب بنبع من التفهم والتقدير اللذين يسودان معاملته لي. في طفولتي، وإن كنت لا أذكر منها الكثير، كان يقاسمني أحاسيسي وكأنه الطفل في مشاعره. وفي مراهقتي، التي ما زلت أمر بها، يهبني من التفهم ما يحملني على تصوره ذلك المراهق الكبير.. لأنه يفهمني وكأنه لم ينته من مراهقته بعد. هذا في معاملته لي.. أما بالنسبة لأخوتي فأراه يجمع بين الطفولة والمراهقة، ثم لا يلبث أن يعود إلى صورة المربي والمرشد الكبير الذي ينشر الإخلاص والتفاني في ميدان العمل والحياة. لم أبالغ فيما قلته، بل لم أعط والدي، بعد، ما يستحقه من الثناء.. قدرني الله على أن أكون الابنة البارة التي يستحقها والد كهذا. والآن اسمحوا لي بكلمة أتوجه بها إلى بابا: اعذرني يا بابا.. أنا أعلم أنك ستنزعج لهذا الثناء وستسارع إلى إنكار ما نسبته إليك وما يمنعك تواضعك من الإقرار به.. ولكنني أردت أن أفاخر بك أمام صديقاتي بنات 17.. ومن يدري فلربما وصلت رسالتي هذه إلى قلب والد آخر فيتأثر بمزاياك ويحذو حذوك فتسعد بنت 17 أخرى.