التربية والقرن الحادي والعشرون

منطلقنا الأساسي في تحديث التربية وتجديدها في بلادنا وفي سائر بلدان العالم في عصر حُوَّل قُلّب ومن أجل مستقبل ما تزال معالمه غير مستبينة، هو أن تغير المعرفة في عصرنا
– بتأثير الثورات الكبرى التي انطلقت فيه (الثورة في عالم الاتصال والمعلومات – وفي عالم الاقتصاد والمال – وفي عالم البيولوجيا والمورثات – وفي ميدان العولمة، وسواها). ينبغي أن تقابله تربية من أجل التغير، تمكّن الفرد أنّى كان من مواجهة أي محدث طارئ. أو بتعبير آخر إن عناية التربية الأساسية ينبغي أن تتجلى في تكوين إنسان قادر على التكيف مع أي تغير، بل على إبداع التغير المنشود. ويتأتى لها ذلك عن طريق العناية، بوجه خاص، بتكوين إنسان قادر على أن يعلّم نفسه بنفسه دوماً وأبداً، يملك القدرة على «التعلم الذاتي» المستمر.
ذلك أن الأمي في القرن الحادي والعشرين لن يكون – على حد قول توفلر A. Toffler في كتابه الأخير «تحول السلطة»:
ذلك الذي لا يعرف القراءة، بل ذلك الذي لا يعرف أن يتعلم وأن ينسى ما تعلّم وأن يتعلم من جديد.
وهذا يعني أشياء كثيرة أهمها:
1- مرونة النظام التربوي مرونة تستجيب لحاجات التغير.
2- بناء القدرة لدى المتعلم على «التعلم الذاتي».
3- ربط التربية ربطاً عضوياً بحاجات العمالة المتغيرة والمتجددة (عن طريق الأخذ والعطاء المتكاملين والمتبادلين بين نظام التربية وبين حاجات التنمية الشاملة).
4- الأخذ «بالتربية المستمرة» طوال العمر «من المهد إلى اللحد».
5- ربط التربية بالتراث الثقافي العربي والعالمي، والاهتمام بتجديد التراث العربي من خلال منطلقاته ومن خلال تفاعله مع التراث الثقافي العربي والعالمي.

– تكوين المواقف والاتجاهات والقيم الإنسانية التي يستلزمها عصر العلم والتقانة، وعلى رأسها امتلاك روح المسؤولية والقدرة على الحوار (على حد قول المفكرين الألمانيين «هابرماس Habermas» وجوناس «Jonas»). ومن هذه المواقف: تكوين روح النقد، بل روح التساؤل والشك، والقدرة على العمل الجماعي المشترك، والقدرة على الابتكار وعلى شحذ «الخيال المبدع»، وغير ذلك كثير.
وجملة القول: إن التربية المرجوة للقرن الحادي والعشرين هي، في خاتمة المطاف، تلك التي تقيم في صلب كيانها أساليب تطويرها وتجديدها، وآليّةُ تحركها الدائم، وتطلُّعها إلى مزيد من الإبداع.

19/10/2004