العناية بهذه المرحلة ما تزال محدودة

أقامت الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية ندوة مساء أمس الأول حول «التربية السابقة على المدرسة الابتدائية ودورها في تكوين شخصية الطفل» وترأسها رئيس الجمعية
د. حسن الإبراهيم، وحضرها عدد من المختصين في مجال التربية.
* جانب من الندوة:
في البداية قام د. عبد الله عبد الدائم بعرض لبحثه الذي أعده حول موضوع الندوة فقال: ما يزال الكثيرون من المسؤولين عن مسيرة التربية في البلدان المختلفة يرون في التربية السابقة على المدرسة الابتدائية ضرباً من النفل الزائد أو من التأنق والترف وما تزال الأولوية التي تمنح لها في خطط التربية في معظم بلدان العالم مقصرة عن الشأو المطلوب. بل لعلها في كثير من الأحيان أولوية دنيا متردية. والمبرر الرئيسي الذي تلوكه الألسن عند الحديث عن قصور التربية السابقة على المدرسة الابتدائية هو عدم توافر الموارد المادية والمالية اللازمة للاضطلاع بها في وقت تتزايد فيه أعباء التربية كلها وتنوء بحملها الدول النامية بل المتقدمة.
بعدها تناول أهداف التربية السابقة على المدرسة الابتدائية ودورها في تكوين شخصية الطفل فقال: إن من أهمها تحقيق النمو المنسق لشخصية الطفل في شتى جوانبها الجسدية والفكرية والانفعالية، والاستجابة لحاجة الطفل إلى الحياة في زمرة، وإلى الألفة والإحساس بروح الجماعة، والاستجابة لحاجات الطفل الجسدية والمعرفية والانفعالية. وتقديم العون إلى الوالدين، ولا سيما الأم من أجل جعلهم قادرين على رعاية أبنائهم رعاية صادرة عن معرفة بحاجات نمو الطفل، والاستجابة لحاجة الطفل إلى التعبير الذاتي عن طريق لغته الخاصة، وتوفير أسباب النمو للقيم الخلقية والوطنية والمدنية والدينية لدى الطفل.
* أهمية التربية السابقة على الابتدائية:
ثم تناول الدكتور المحاضر أهمية التربية السابقة على المدرسة الابتدائية فقال: لا نغلو إذا قلنا أن هذا النوع من الرعاية والتربية يكاد يكون التربة الخصبة التي ينتش من خلالها ويربو رصيد الإمكانات البشرية التي تملكها أمة من الأمم بحيث تخرج من ثمارها الطاقات الجسدية والفكرية النامية والخلاقة.
وتبين الدراسات أن أكثر الأعضاء حاجة إلى الرعاية المبكرة في الإنسان هو الدماغ الذي ينمو نمواً سريعاً خلال الأشهر الأولى ثم السنوات الأولى من العمر.
كما تبين أن العديد من الحاجات الجسدية والنفسية تتطور تطوراً سريعاً خلال المرحلة الأولى، الأمر الذي يتيح لنا أن نذهب إلى القول أن توجيه الطفل توجيهاً سديداً، وتصحيح بعض مسارات تطوره أمور تزداد صعوبة كلما تقدم الطفل في العمر. وتصدق هذه الحقيقة على التخلف العقلي أن الاضطرابات السلوكية، كما تصدق على التفوق العقلي إذ تبين الدراسات أن تعهد المواهب الفذة أشد جدوى وأثراً كلما بدأ في سن مبكرة.
وأكمل د. عبد الله عبد الدائم حديثه قائلاً: يضاف إلى هذا أن الدراسات الحديثة بينت أن تربية الطفل في الفترة السابقة لدخوله إلى المدرسة الابتدائية تعتبر شرطاً أساسياً لنجاح أي سياسة تربوية وثقافية. وبوجه خاص بينت هذه الدراسات أن نتائج التحصيل الدراسي في المرحلة الابتدائية وما بعدها لدى الأطفال الذين توافرت لهم تربية سابقة على المدرسة تفوق بشكل واضح نتائج التحصيل لدى سواهم.
كما بينت البحوث الخاصة بأسباب الفشل الدراسي دور العوائق الاجتماعية والثقافية. ومعنى هذا أن تكافؤ الفرص التعليمية، والفرص في الحياة بعد ذلك، لا يكتمل إلا بالعناية بهذه المرحلة الحاسمة من حياة الأطفال. ومبدأ تكافؤ الفرص لم يعد يعني اليوم مجرد فتح أبواب المدارس أمام الراغبين.
ولا ننسى أننا نعيش في عالم متغير وأن علينا بالتالي أن نقدم للأجيال تربية من أجل عالم متغير ومن أجل تغيير هذا العالم. والتربية السابقة على المدرسة الابتدائية تيسر هذه المهمة لا سيما حين تقدم للطفل الشعور بالأمن العاطفي. ذلك الشعور الذي يحتاج إليه من أجل قبول التغير واستقباله بثقة والمشاركة فيه.
إضافة إلى أن تكوين الاتجاهات اللازمة لعصرنا، عصر التقدم العلمي والتكنولوجي يستلزم أن يحيا الطفل منذ نعومة الأظفار بجو مشبع بروح العلم والتكنولوجيا، ومن هنا
لا تصيبنا الدهشة عندما نرى بعض المهندسين والعلماء في بعض البلدان المتقدمة يؤمون رياض الأطفال ليطلعوا صغار الصغار على أسرار العلم وعلى حصاد التكنولوجيا.
* دور التربية السابقة على الابتدائية:
وعن دور التربية التي تسبق المرحلة الابتدائية وأهم مقومات هذا الدور وأبعاده قال: إن عملية نمو الطفل في السنتين الأوليين من العمر يجعلنا ندرك أهمية المعوقات الحسية التي قد تعرض النمو النفسي للطفل للخطر. ذلك أن التواصل مع الآخرين وشبكة التبادل والعلاقات التي يعقدها الطفل تكون منذ هذه المرحلة أكثر العناصر تحديداً لمسيرة نموه اللاحق كله.
وأبرز هذه العلائق تلك التي تتم بين الطفل وأمه، وبينه وبين المحيط العائلي القريب. على أن اللغة أهم وسائل الاتصال الاجتماعي هذه. وتطور اللغة بين مرحلة الولادة والثانية من العمر تطور مذهل بدءاً من المناغاة والتغريد في الأشهر الأولى وانتهاء باكتساب التعبير اللغوي الفعلي، والدراسات تكشف عن الدور الكبير للعامل العاطفي الذي كثيراً ما يكون مسؤولاً عن التأخر في ظهور الكلام لدى الطفل أو في فقره.
بعدها تطرق د. عبد الدائم إلى أهم قسمات نمو الطفل بين الثانية والسادسة من العمر وقال لا شك أن الاندماج بالمجتمع وتجاربه وقيمه أهم مظهر من مظاهر نمو الطفل ولا سيما بعد الثالثة من العمر. فالطفل منذ الولادة لا يستطيع أن يحقق طاقاته الخاصة على أكمل وجه إلا إذا قام بسلسلة من الأعمال والمهمات اللازمة لنموه العاطفي والفكري والجسدي، كالزحف والمشي، وكلها مهمات وليدة النضج العضوي الفيزيولوجي. وقال إن إسهام العائلة ثم الروضة في النمو الفكري والعاطفي للطفل ينبغي أن يتم عن طريق تجويد البيئة التي يحيا فيها لا عن طريق التعليم المباشر.
* إعداد الطفل للعمل القصدي:
وتابع: إن الدراسات تبين في نهاية الأمر أن من الممكن إعداد الطفل للعمل القصدي منذ السنين المبكرة بالوسائل المختلفة كالرسم وجمع المكعبات، واستخدام الصلصال والإمساك بالريشة والقلم. ويلزم ذلك توجيه نمو الطفل نحو اللعب من قبل الأسرة أو المعلمة.
إن نمو الطفل وتطوره يتوقفان على جملة ظروف الحياة التي تحيط به. وهذه حقيقة جديرة بمزيد من التحليل: عند الولادة تظهر بين جماعات الأطفال الذين ينتسبون إلى طبقات اجتماعية مختلفة فروق في الطول والوزن وظروف الحياة ذات أثر حاسم فإن حسنت أتاحت للطفل أفضل فرص التفتح الكامل، وإن ساءت وقاومت حالت بينه وبين أن يحقق الإمكانات التي يحملها عند ولادته. ودور هذه الظروف نستطيع أن نجمله في أربعة عناوين هي الطعام والتغذية، والحالة الصحية للبيئة، والبيئة العاطفية، واللعب.
* مساهمة التربية في تكوين الشخصية:
ثم تحدث الدكتور عبد الدائم عن كيفية مساهمة التربية قبل المدرسية في التكوين السليم لشخصية الطفل فقال: تكافؤ الفرص التربوية والاجتماعية وآمال التقدم القومي والإنساني معقودة على تلك السنوات المبكرة من عمر الطفل التي تكون الأسرة خلالها غير قادرة غالباً على تقديم الرعاية اللازمة على النحو المطلوب، وغير واعية لأبعاد المهمة الجسيمة. ويزيد في خطورة الأمر انشغال الوالدين بعملهما خارج المنزل.
والدراسات النفسية المختلفة بينت أن العلاقة المتبادلة بين عناصر الثالوث المكون من الأم والأب والطفل هي التي تلعب الدور الأساسي في تحديد سلوكه في المستقبل وفي علاقاته بسواه. وأهم ما تتضمنه برامج رعاية الطفولة هو تربية الوالدين وتقديم العون لهما. وتشتمل تربيتهما على موضوعات عديدة ذات صلة بنمو الطفل، كالتربية الصحية، وتعليم القراءة والكتابة، وتعلم بعض المهارات بالإضافة إلى الدروس المباشرة حول نمو الطفل.
* دور المجتمع المحلي:
ثم تطرق بعدها لدور المجتمع المحلي، والمجتمع ككل في تربية الأطفال قبل المدرسة الابتدائية فقال: إن المهمة الأولى للمجتمع في هذا المجال هي وضع خطة شاملة لرعاية الأطفال ومن الواضح أن مثل هذه الخطة أمر لازم حتى في البلدان التي يتم فيها تعميم التعليم الابتدائي أو التعليم الإلزامي.
وفي ختام حديثه قال د. عبد الله عبد الدائم أنه لا حاجة بنا إلى أن نستصرخ النتائج التي انتهت إليها مدارس علم النفس المختلفة، حين بينت أن شخصية الإنسان لا تولد معه بقدر ما تتكون عبر الظروف المختلفة التي تمر بها.
في وطننا العربي يعم التساؤل عن المشروع الحضاري العربي المنشود. ولهذا المشروع أبعاده المختلفة، غير أن البعد المتصل باستخراج طاقات الطفولة وكنوزها كاملة لم يأخذ بعد حظه من الاهتمام، والعناية المطلوبة بالتربية السابقة على رياض الأطفال ما تزال عناية محدودة جداً في البلاد العربية جميعها، وهذه ظاهرة خطيرة تحتاج إلى معالجة جادة وسريعة.
وبعد ذلك عقب كل من د. رفيقة حمود ود. حامد الفقي، على بحث الندوة ثم فتح باب النقاش.
ناديا لطفي