«الكتب القومية السبعة» للمفكر عبد الله عبد الدائم

دمشق
صحيفة تشرين
سياسة
السبت 13 تموز 2002
تعود معرفتي بافكار وآراء ومؤلفات الدكتور عبد الله عبد الدائم المفكر العربي الكبير الى العام الدراسي 1965­1966، فكنت حينها في الصف الحادي عشر «ثانوي» ويدرسنا في الثانوية الاهلية في دمشق الاستاذ صدقي اسماعيل للمرة الأولى مادة «الثقافة القومية» التي دخلت المنهاج بديلاً عن «اللغة الاجنبية الثانية». وكانت نقاشاتنا، نحن بعض الطلبة، مع الاستاذ صدقي اسماعيل آنذاك تتعدى المادة المقررة لنغوص واياه في قضايا وحوارات ساخنة عن المرحلة والمد القومي والوحدة العربية وقضية فلسطين، والتنظيمات السياسية القومية العربية.

امتداد متطور لساطع الحصري ‏

حينها نصحني الاستاذ صدقي اسماعيل «رحمه الله» حين عرف انني من قراء زكي الارسوزي وساطع الحصري عن القومية العربية والدفاع عن العروبة والثقافة القومية العربية الخ.. بأن أقرأ للدكتور عبد الله عبد الدائم بعد قراءتي لساطع الحصري «أبو خلدون» بل إنه دعانا ذات مرة الى حديقة منزله في «ساحة النجمة» في دمشق ولم أكن اتجاوز آنذاك السابعة عشرة من عمري ليقدم لي من مكتبته الخاصة كتابين «هدية» للدكتور عبد الله عبد الدائم كان اولهما: «القومية والانسانية» أما الثاني فبعنوان «الجيل العربي الجديد» وشعرت آنذاك بسعادة غامرة لأنني تلقيت وأنا الطالب التلميذ «صغير السن» هديتين قيمتين من استاذي الكبير، بل من المربي العربي المعروف صدقي اسماعيل، ولأنه حثني بالتالي وكاشارة ذات دلالة على أن أتابع مطالعاتي عن الفكر القومي العربي آنذاك على يد المربي العربي عبد الله عبد الدائم بعد قراءاتي لساطع الحصري. ‏

وهذه الاشارة لاتزال راسخة في ذهني وهي أن عبد الله عبد الدائم يشكل امتداداً متطوراً لساطع الحصري، بل إنه اكثر عمقاً منه في طرح وتبسيط وتحليل الظاهرة القومية «كوجود ومصير لكل العرب»، وما هو المطلوب لتكون هذه الظاهرة حالة سلوكية تربوية وثقافية لجيل يتطلع الى الوحدة والقوة بل والثورة، والى بناء وطن ممتد من اقصى الغرب الى اقصى الشرق، ومن جبال طوروس في الشمال الى جزيرة العرب في الجنوب. ‏

الاعمال القومية 1957­ 1965

وسعادتي هذه هي الآن اكثر من مضاعفة حين بادرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت إلى اصدار كتب ومؤلفات الدكتور عبد الله عبد الدائم في مجلد أنيق تحت عنوان «الاعمال القومية 1957­ 1965». متضمناً مؤلفاته السبعة التي تتحدث عن النظرية القومية العربية ومقوماتها وابعادها وفق تواريخ نشرها خلال السنوات ما بين 1957 و 1965 وهي على التوالي: القومية والانسانية­ دروب القومية العربية­ التربية القومية­ الجيل العربي الجديد­ الاشتراكية والديمقراطية­ الوطن العربي والثورة، وأخيراً التخطيط الاشتراكي الذي صدر عام 1965.

وكل هذه الكتب «البحثية والدراسية والتحليلية» صدرت في فترة مهمة ومفصلية في حياة امتنا العربية هي مرحلة النضال القومي وبناء الفكر القومي الحديث وازدهاره نظرياً وعملياً. وهو ايضاً ما تجلى، كما يقول الدكتور عبد الله عبد الدائم، بوجه خاص في افكار حزب البعث العربي الاشتراكي ونضاله منذ تأسيسه عام 1947، بل قبل ذلك، وفي فكر جمال عبد الناصر وثورة تموز 1952، والافكار الكثيرة التي ظهرت لدى العديد من الحركات القومية الاخرى ولدى العديد من المفكرين في مختلف ارجاء الوطن العربي والتي تلتقي في خاتمة المطاف مع الفكر البعثي والناصري، وعلى رأسها حركة القوميين العرب. ‏

دور بارز في نشر الفكر القومي. ‏

ومن الضروري الاشارة ايضاً الى ان الافكار التي تضمنتها هذه الكتب هي في مضمونها وروحها انعكاس للافكار القومية التي سادت آنذاك، بل هي جزء من بنيان تلك الافكار، وقد تلقفتها الاجيال العربية في مختلف ارجاء الوطن العربي بنهم كبير وكان لها دورها في نشر الفكر القومي على نطاق واسع، وفي تكوين الجيل العربي الجديد.. ولا أغالي اذا قلت: ان «هذه الكتب للمفكر العربي الكبير عبد الله عبد الدائم هي اشبه بموسوعة ميسرة موجزة تتولى التعريف بالفكرة القومية العربية ومقوماتها وعناصرها وسبل الوصول اليها». ‏

مبادئ ومنطلقات اساسية وكبرى ‏

وهناك ملاحظة ايضاً ثبتها الدكتور عبد الدائم في تقديمه المهم لمجلد اعماله القومية، هي ان هذه الكتب لم تفقد اهميتها وشأنها عبر الزمن، لأنها مبادئ ومنطلقات اساسية كبرى لمسيرة القومية العربية، وهي منطلقات تظل سليمة بل بدهية، ومن العسير التخيل أن الواقع العربي «بل المستقبل العربي» يمكن ان يحقق ذاته إذا لم ينطلق منها. ‏

وهذه المنطلقات البدهية، التي تبين الكتب السبعة اهميتها وقيمتها، هي المنطلقات الثلاثة الكبرى التي ظهرت ايام المدّ القومي والنهوض القومي العربي في الخمسينيات والستينيات وهي اهداف جماهيرنا من المحيط الى الخليج: الوحدة والحرية والاشتراكية «علماً أن الدكتور عبد الدائم يؤثر تعبير العدالة الاجتماعية على تعبير الاشتراكية». وهذه الاهداف متكاملة، هدفها الجامع المشترك تفتيح طاقات الوجود العربي حتى اقصى مدى ممكن.. ويبقى هدف الوحدة الاصل والمنطلق، لأنه هدف بناء أمة عربية واحدة في مستوى امكاناتها وطاقاتها الغنية ، بناء يتم بفضل النضال، في اطار الدعوة القومية والعمل القومي من اجل بناء كيان متماسك وخلاق، ومن اجل بناء الوجود القومي المتكامل والديمقراطي والعادل الذي يوفر الحياة الكريمة للانسان العربي، ويرفد الانسانية بعطاء الوجود العربي. ‏

الوحدة حالة تفاعل وليست تجميع اصفار ‏

فالوحدة حالة تفاعل بين ابناء الامة العربية الواحدة، وليس ­كما يقول دعاة الانفصالية القطرية­ حالة جمع بين اصفار.. والنتيجة في أوهامهم صفر فوق صفر. بالوحدة العربية يتفاعل كياننا العربي الموحد الديمقراطي والعادل مع سائر الكيانات القومية في العالم كله كي يغنيها ويغتني بها. ‏

تقول المؤسسة العربية للدراسات والنشر في تعريفها الموجز المكثف للكتب السبعة للدكتور عبد الله عبد الدائم بأنها في مجلد واحد، تمثل«تراثاً قومياً جامعاً، مهماً وفريداً». ‏

ورأت المؤسسة انه من الواجب «نشره بعد أن نفدت طبعاته منذ قرابة اربعين عاماً» والكتاب بقلم عالم فذ من أعلام الفكر القومي والتربوي هو الدكتور عبد الله عبد الدائم التي غذت مؤلفاته وكتاباته أجيالاً متعاقبة من ابناء الامة العربية، وهو أحد الرواد البارزين من الذين أسهموا في ذلك النضال القومي العربي فكراً وعملاً، وتصدوا لأمهات المسائل التي يطرحها ذلك النضال ولوجهات النظر الفكرية والحلول العملية اللازمة لها على نحو مايراها، وعلى رأس تلك المسائل: صياغة نظرية قومية واقعية وفعالة تستمد جذورها مما في صدور الجماهير العربية وعقولها. ‏

اضافة الى بيان الصلة بين العمل من أجل بناء الكيان العربي الموحد المتقدم، وبين تحرير الجماهير العربية الشعبية الفقيرة من أثقال أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية وذلك بالعمل على توليد طريقة عربية اشتراكية ملائمة لحاجاتها. ‏

علم فذ من أعلام الفكر القومي ‏

وإذا كان ثمة تعليق اضافي على كل ما ذكرت وأشرت اليه، فهو انه قد حان الوقت لتكريم «قومي عربي» يليق بمكانة ومستوى ورفعة وجدية واجتهاد مفكرنا القومي العربي والتربوي الكبير عبد الله عبد الدائم، لما زرعه في نفوسنا من فكر قومي اصيل وتوجه انساني، ونشأة تربوية عربية حقيقية، نفخر ونعتز بأننا تتلمذنا وتعلمنا الكثير من افكاره وارائه ومساجلاته، حتى ولوكنا كما يقول المرحوم الشاعر عبد الوهاب البياتي: «نحن جيل الموت بالمجان» أو كما يقول المرحوم الشاعر معين بسيسو: «ان قلتها مت، وان صمت مت، فقلها ومت» هي حقيقة لن تغيب عن أذ هاننا تتمثل في اننا استطعنا أن نؤسس لمرحلة مجابهة وتصدّ وصمود لم يشهدها تاريخ شعب من قبل على امتداد زهاء اكثر من نصف قرن لتمسكنا بهويتنا القومية العربية ولدعوتنا، وبالفم الملآن ،أن الوحدة هي رباط القوة، وهي السلاح الامضى لمواجهة كل التحديات والاخطار، بل إن هذه الاخطار ما كانت لتبلغ ما بلغته إلا لأن اعداء الامة العربية وجدوا في الوحدة العربية ما يهدد مخططاتهم ومشاريعهم في بسط سيطرتهم وهيمنتهم على مقدراتنا . ‏

الوحدة وتحصين الذات القومية ‏

وثرواتنا ووطننا ‏

لكن بالوحدة وبالفكر القومي العربي الذي ينبغي التسلح به وتحصين الذات القومية العربية بسياجه المنيع، لاشك في ان المستقبل سيكون لنا، فنحن من نملك ادواته ووسائله ومفاتيحه بل ومفاصله منذ ذي قار الى الفتح العربي الاسلامي الى حطين واليرموك، الى ثورات التحرر العربي القومية ضد المستعمرين والغزاة، الى حرب تشرين، الى صمودنا الرائع والكبير في وجه الاستسلام والهزيمة والمستسلمين، الى مقاومة التطبيع، ومقاطعة اعداء الحق والسلام والعدل، الى التمسك بحقوقنا الوطنية والقومية ثابتة وكاملة غير منقوصة. ذلك كله ما كان ليكون لولا ما امتلكناه من فكر قومي يحثنا على التضحية ونكران الذات ومناصرة الأخ والشقيق، بل والدفاع عنه،لأننا في هذه الحالة ندافع عن وجودنا ومصيرنا لأنهما كل متكامل لايتجزأ؛ إذ لاوجود لأمن قطري لاية دولة أومواطن عربي في قطر إلامن خلال الأمن القومي العربي الموحد المتكامل تلك هي الحقيقة الكبيرة التي تعلمناها في مدرسة القومية العربية وعلى افكار مفكرينا القوميين العرب وفي مقدمتهم الدكتور عبد الله عبد الدائم« أطال الله في عمره وامده بكل عافية وصحة». ‏

? في طليعة مسيرة الفكر والنضال ‏

انه من الطلائع الأوّل في مسيرة الفكر والنضال من اجل بناء كيان عربي موحد ومتقدم فقد ولد في حلب « سورية » عام 1924 ‏

­وحصل على الليسانس بامتياز في الآداب( قسم الفلسفة) من كلية الآداب في جامعة فؤاد الاول، عام 1946. ‏

­ حاز على دكتوراه الدولة في الآداب ( تربية) من جامعة السوربون في باريس، عام1956 ‏

­أستاذ في كلية التربية في جامعة دمشق قرابة عشرين عاماً. ‏

­ وزير الاعلام في سورية(عام1962 وعام 1964) ووزير للتربية (عام 1966) ‏

­شغل مناصب مهمة في منظمة اليونسكو خلال نيف وثلاثة وعشرين عاماً، آخرها منصب رئيس قسم مشروعات اليونسكو التربوية في البلاد العربية وأوروبا (من عام 1978 الى عام 1985) ‏

­عمل عضواً في لجنة تقويم النظام التربوي في دولة الكويت ( من 1985­1987). ‏

أسهم إسهاماً مباشراً في تطوير نظم التربية في العديد من البلدان العربية. ‏

­عضو مراسل في مجمع اللغة العربية في دمشق. ‏

­عضو مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية. ‏

­له نيف وأربعون كتاباً في مجال الفكرالقومي والتربوي. من أبرزها في مجال الفكر القومي: ‏

?في سبيل ثقافة عربية ذاتية(1983). ‏

? القومية العربية والنظام العالمي الجديد (1994) ‏

?« إسرائيل» وهويتها الممزقة (1996). ‏

?دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة(1998) ‏

? نكبة فلسطين عام 1948(1998) ‏

?صراع اليهودية مع القومية الصهيونية(2000) ‏

? العرب والعالم وحوار الحضارات ( 2002) ‏

ومن أهمها في مجال الفكر التربوي: ‏

? التربية عبر التاريخ ‏

( 1965) ‏

? التخطيط التربوي( 1967) ‏

?الثورة التكنولوجية في التربية العربية(1974) ‏

?التربية في البلاد العربية 1974 ‏

? نحو فلسفة تربوية عربية( 1991). ‏

? مراجعة استراتيجية تطوير التربية العربية(1995) ‏

? الاستراتيجية العربية للتربية في المرحلة السابقة على التعليم الابتدائى (1996). ‏

? الآفاق المستقبليةللتربية في البلاد العربية(2000). ‏

­له بضع مئات من البحوث والمقالات والمحاضرات المنشورة في الصحف والدوريات العربية. ‏

­ حصل على جائزة سلطان العويس الثقافية في ميدان الدراسات الانسانية والمستقبلية(دورة 1992­1993) ‏

­شارك في عشرات المؤتمرات والندوات العربيةوالدولية. ‏

آ أحمد صوان ‏

mailto:daily@teshreen.com