مشكلة العلاقة بين الغرب والشرق في كتاب : “العرب والعالم وحوار الحضارات”

«العرب والعالم وحوار الحضارات» كتاب جديد للدكتور عبد الله عبد الدائم صادر عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، يضاف إلى مؤلفاته التربوية والقومية والفكرية العديدة والهامة التي أغنت المكتبة العربية.
يطرح الدكتور عبد الدائم في هذا الكتاب الذي يضم ثلاثة أبحاث كتبها بين عام 1995 وعام 2000 مشكلة العلاقة بين الغرب والشرق، بين حضارة الغرب والحضارة الإسلامية طرحاً يلتقي التقاء كاملاً مع الطرح السائد اليوم، بل لعله يمثل إرهاصاً بالمسائل التي قذفت بها، حادة حارة، أحداث الحادي عشر من أيلول وما تلاها، كما يمثل في الوقت نفسه منطلقات سليمة للحلول التي ينبغي أن تتصدى لتلك المسائل.
يقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول. يتناول في الفصل الأول التخلف العربي والخوف من الغرب، ويرصد فيه مسيرة النهضة العربية في العصر الحديث التي بدأت منفتحة على الغرب منذ عهد محمد علي في مصر، ومشروعه النهضوي الشامل الذي مهد لظهور مفكرين ينادون بإغناء الثقافة العربية الإسلامية عن طريق الاتصال بالثقافة الأوروبية، على رأسهم رفاعة الطهطاوي.
كذلك محاولتي الإصلاح اللتين شهدتهما تونس على يد الباي أحمد ما بين عامي 1837-1855 ومحاولة خير الدين التونسي الذي قام ببعض الإصلاحات خلال توليه الوزارة في مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأهم إنجازاته، كتابه الشهير «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» الذي يرى فيه أن أكثر ما استحدثه الأوروبيون موافق لشرعنا وهو امتداد لما كانت عليه حضارتنا، ولو أننا تابعنا مسيرتنا الحضارية لوصلنا إلى ما وصلوا إليه. ويمضي إلى أبعد من هذا مشيراً إلى وحدة الحضارة الإنسانية وإلى أن أي إنجاز حضاري هو في مصلحة الجنس البشري.
كما يرصد حركات التجديد الديني التي قادها مفكرون أمثال عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده وغيرهم، ومحاولات الغرب المستمرة تعطيل هذه المشاريع النهضوية عندما وظف سبقه الحضاري فضلاً عن تفوقه العسكري من أجل إخضاع المنطقة العربية. وما تولد عن هذا التعطيل والإخضاع من شعور لا يزال يؤرق الجمهور العربي وهو الخوف من أن يعني أي انفتاح على الثقافة الغربية إفساح المجال لهجمات استعمارية تستهدف السيطرة على ثقافة الأمة العربية من أجل السيطرة السياسية على مقدراتها. وقد زاد في هذه المخاوف ما كان من غدر الاستعمار بالأمة العربية بعد الحرب العالمية الأولى، واستمرار المؤامرات الغربية على الوطن العربي بأشكالها المختلفة بعد الاستقلال.
ويخلص الدكتور عبد الدائم في هذا الفصل إلى أن أسباب تخلف الأمة العربية لا يتحملها الغرب وحده، فالثقافة العربية نفسها بمقوماتها الذاتية وبما أصابها من عقم ومن انحراف على يد الأعاجم بوجه خاص، وما تعرضت له من أجواء سياسية أفسدتها، وما أصابها من شقاق ديني وسياسي وعنصري تتحمل قسطاً من مسؤولية التخلف. ومهمة تحرير الإنسان العربي من عقدة الخوف هذه تقع على عاتق العرب أنفسهم عن طريق النضال من أجل الاقتباس عن الغرب ومواجهته في آن واحد.
في الفصل الثاني «العرب والعالم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات» يتناول الكتاب أحوال العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة وظهور صراعات جديدة بين الدول المتقدمة نفسها تنبئ بتمزقات كبرى في كيان العالم المتقدم وسواه. ووجود منحدرات غربية أخطر، على رأسها منحدران: منحدر العداء للقومية ومنحدر العداء للإسلام، ليجد العالم المتقدم في العالم الإسلامي البديل العدواني للاتحاد السوفييتي. من هنا بدأت عمليات (النسج الخرافي) تلف الإسلام لا لتظهره على أنه «الآخر» فحسب بل لتظهره على أنه الوجه المناقض للتقدم والإرث المعادي لمسيرة الحضارة. وقد لعبت الصهيونية دوراً كبيراً في هذا التشويه المستمر.
ويرى الدكتور عبد الدائم أن الخروج من مخاطر الثقافة العالمية الواحدة يكون بتفاعل الثقافات الذي يؤدي إلى تقارب عملي قوامه وضع مجموعة من «الثوابت العالمية الثقافية، التي ينبغي أن تعمل الثقافات جميعها على احترامها وتعميق جذورها». ويضع شرطين لنجاح حوار الحضارات: «أولهما النزاهة الفكرية والثقافية وثانيهما العمل من قبل جميع الفرقاء على إزالة آثار العدوان الثقافي».
في الفصل الثالث «مستقبل الثقافة العربية والتحديات التي تواجهها» يقدم الدكتور عبد الدائم مجموعة تعريفات للثقافة بالمعنى التقليدي وبالمعنى الأنتروبولوجي الموسع والثقافة اليوم. ويجد القارئ في هذا الفصل تحليلاً لصفات أفول الغرب بعد أن وصل إلى قمة تفوقه. من هذه الصفات: 1- أنه عملية بطيئة، 2- التقهقر لا يسير وفق خط مستقيم، 3- نصيب الغرب من جميع مصادر القوة بلغ أوجه في بداية القرن العشرين ثم أخذ في التراجع النسبي بالقياس إلى باقي الحضارات. وحوالي عام 2030 من المتوقع أن يكون تحت سيطرة الغرب 24% من أراضي العالم بدلاً من 49% و10% من سكان العالم بدلاً من 48% وحوالي 30% من الثروة الاقتصادية العالمية بدلاً من 70% وربما 25% من صادرات البضائع المصنعة بدلاً من 84% وأقل من 10% من المحاربين بدلاً من 45%.
وأياً كان الأمر فالثقافة الغربية تواجه اليوم أزمة حقيقية يلخصها الكاتب بنقطتين:
1- عندما تبلغ حضارة معينة مستوى العالمية والشمول يعمي أبناءها «سراب الخلود».
2- الانحدار الأخلاقي والانتحار الثقافي والتفكك السياسي تشكل بالنسبة إلى الغرب مشكلات أعوص من المشكلات الاقتصادية والديمغرافية.
ويرى الكتاب أن صدام الحضارات يمثل في الأزمنة القادمة التهديد الأساسي للسلام في العالم، وتعايش الحضارات هو الوقاية المضمونة من حرب عالمية.
ويخلص الكاتب إلى أن الثقافة العربية تواجه بالإضافة إلى أزمتها الذاتية تحديات خارجية خطيرة أهمها:
1- توجس النظام العالمي الجديد من الثقافة العربية الإسلامية وشروعه بتحديها تحدياً مباشراً تحت ذرائع مختلفة ومختلقة.
2- لا يزال الغرب يعارض التقدم العربي حتى إذا اتخذ من الغرب أنموذجاً.
3- وأخطر من هذا كله، اجتماع وجهي العولمة الأقبحين: وجه الخصوصية النافية لكل من عداها والمتجلية في الخطر الصهيوني، ووجه العمومية الساحقة لسواها المتجلية في الإمبريالية الأمريكية.
4- خطر التغير السريع المذهل في المعرفة في عصرنا.
عرض: آصف إبراهيم