عبد الله عبد الدائم: تتلمذنا في مصر على أيدي أساتذة بارعين لكننا علمناهم الفكرة القومية

قرأ طه حسين وترجمته مع سامي الدروبي لبرغسون فوبخ مدير الدار لأنه رفض نشرها عبد الله عبد الدايم: تتلمذنا في مصر على أيدي أساتذة بارعين لكننا علّمناهم الفكرة القومية safir_originals/Photos/2001/Apr2001/1988347645.JPEG هذا حديث لم يكتمل وكنا نريده أن يكون أكمل، لولا ان الشريط الثاني أدركه عطب ففاتنا جزء وفير من الكلام. لم يتوافر لقاء آخر مع عبد الله عبد الدايم وانتظر الشريط في الادراج وقتا طويلا، ولما يئست من إصلاح الشريط وإكمال الحديث بدا لي أن ما سجلناه يكفي كما ترى لحديث صحفي، وأن الحديث، وإن فاته جزء من حياة عبد الله عبد الدائم، فقد توسع في جزء، واننا اذا سنحت لنا الفرصة، استعدنا في لقاء آخر ما سبق لنا ان فقدناه. حين راجعت أعداد السنوات الاولى من مجلة الآداب أدركت انها أكثر من مجلة وان أعمدتها أكثر من كتاب. كانت كتابات عبد الله عبد الدايم من ألسنة المجلة، بل من ألسنة مد ثقافي يتمحور حول مشروع بدا تلك الآونة ملحاً، هو إيجاد فلسفة قومية. مشروع هو في أساس المجلة وفي أساس التطلب الفكري والايديولوجي يومذاك، بحيث يسعنا ان نفهم ان حياة عبد الله عبد الدايم الفكرية والخاصة أكثر من شخصية. إنها قابلة للنمذجة كما هي قابلة في بعض تقاطعاتها ومنعطفاتها الى ان تكتسي تعبيرات تاريخية. هكذا تتكون حياة مثقف في خضم السياسة وتتكون ردود وأسئلة ويتكون مسار، وكل منها إشكالي وكل منها مزدوج ومركب. من الفلسفة الى السياسة، من السياسة الى التربية، من الفكر الى الحزب ومن الحزب الى السلطة، ومن السلطة الى شاغل إصلاحي تربوي، حلقات حياة خصبة ومركبة ونموذجية الى حد. في هذا الحديث يتوقف عبد الله عبد الدايم عند المرحلة الاولى من حياته، ربما قدر لنا حديث عن مرحلته الثانية. { سؤالي الأول دكتور عبد الله عن مكان ولادتك، أين ولدت؟ > كثيرون حتى في سوريا يحارون في أمر مولدي. فمنهم من يحسبني من حمص والسبب ان والدتي من حمص وعشت فترة طويلة في هذه المدينة، بعضهم يظن اني من دمشق باعتبار انني قدمت الى دمشق في مرحلة الشباب ثم أقمت فيها. والحقيقة اني ولدت في حلب عام 1924 ووالدي من حلب. وهو رجل دين وقاض شرعي وهذا شيء مهم ايضا في حياتي، وهو بدأ بدراسات دينية في حلب ثم بدراسات دينية عليا في تركيا، ثم أصبح قاضيا شرعيا، بدءا من عام 1930 تقريباً. قبل ذلك كان يدرّس، وتحديداً اللغة العربية. أذكر ذلك لان معرفته القوية باللغة العربية أفادتني بشكل هائل. فأنا حقيقة تعلمت اللغة العربية من حيث النحو وعمري لا يتجاوز عشر سنوات، تعلمتها بشكل كامل، وبكل تفاصيل النحو على الطريقة القديمة لا على الطريقة الحديثة. وبحكم عمله، كان والدي يتنقل من بلد الى بلد، وكنت أتنقل معه، ومن هنا عرفت أكثر بلدات سوريا ومناطقها وأنا صغير، الى ان استقر به المقام بعد ذلك في دمشق، حيث أصبح عضواً في محكمة التمييز الشرعية، الى ان أُحيل على التقاعد. {هل يمكن ان تحدثنا قليلا عن بيتك، اذ يبدو انه بيت ميسور بما ان الوالد قاض، وهو بيت عريق اجتماعياً بتقاليده القديمة؟ > من حيث المستوى المادي والاجتماعي أستطيع ان أقول انه بيت من الطبقة المتوسطة. لكن انت تعرف ان الموظف في ذلك الحين، سواء كان قاضياً شرعياً او غيره، كان يُعد راتبه عالياً وكان يحسده عليه الكثير من التجار وهذا الامر انعكس اليوم. كان كثير من التجار في ذلك الحين يتمنون الحصول على وظيفة، لان الموظف كان مضرب المثل في الغنى. أذكر انه في أيام والدي كانوا يقولون ان راتب والدي حوالى 15 ليرة ذهبية عثمانية، ويقولون انه مهما حاول الانسان ان يسرف ويتوسع في الرزق وفي الصرف لا يستطيع ان يصرف أكثر من ليرة ذهبية واحدة، فهو مضطر لان يقتصد 14 ليرة مثلا، ثمن البيت كان يعادل حوالى مئة ليرة ذهبية، إذاً في أشهر قليلة يستطيع ان يشتري بيتاً. { أبوك قاض في العهد العثماني، كان إذن ذا ثقافة عربية أصيلة وايضا ذا ثقافة عثمانية؟ > نعم، كان يتكلم التركية ويجيدها، وكان أيام الحرب العالمية إمام طابور، ومقره في عاليه. يتقن التركية كما العربية إتقاناً كاملاً، لان طلاب المدارس الدينية كانت عنايتهم باللغة العربية كبيرة جداً، بحكم تعلمهم للقرآن الذي هو كتاب العربية الأكبر، على أي حال من ناحية اللغة، من جهة، وبحكم اهتمامهم من جهة اخرى بالطريقة القديمة لتعليم النحو. { هل كانت تربية الوالد كونه قاضيا ورجل دين تربية صارمة؟ > كانت تربية صارمة وشديدة، دوماً تحت الحراسة والمراقبة أنا واخوتي، وبصورة خاصة اخواتي البنات، وكنت أساعد اخواتي البنات على شيء من الحرية ولو عن غير علم من والدي، أحاول ان أروّح عنهن بعض الشيء من القسوة. وكنت أحظى بمكانة متميزة الى حد ما عند والدي فكان يغض الطرف. { أنت البكر؟ > لا، لست البكر، لي اخ اكبر مني توفي، وعندي اخت اكبر مني ما زالت على قيد الحياة. إذاً كان الجو صارماً، ولكن الشيء المهم جدا بنظري في ما يتصل بأثر البيئة الأسرية على تكويني ليس فقط صرامة التربية ولكن رغبة والدي الحاسمة في ان أدرس الدروس الدينية، وكان لا يؤمن بكل المدارس الحديثة، ويعتبر ما يُدرّس فيها كفراً وخروجاً عن المألوف. من هنا تدرك اني وقسماً من أبناء جيلي الذين في مثل هذا الوضع، معرضون لان تقطع دراستهم بسبب هذا الجو التقليدي السائد. الأب والابن { هل استتبع ذلك صراعاً بينك وبين والدك؟ > لم يأخذ شكل الصراع. لحسن الحظ اني كنت مغرماً بالدراسة وحصلت على الشهادة الابتدائية ايام الفرنسيين. ونتيجة تفوقي في الشهادة طلب مني المفتش الفرنسي ان أتقدم إلى الشهادة الفرنسية «السرتفيكا». محبتي للدراسة وشغفي وولعي بها، رغم صغر سني، أنقذني الى حد ما، فبعد ان نلت الشهادة الابتدائية كنت مهددا بأن أترك المدرسة. فإما أن أقبل الدراسة الدينية في مدرسة دينية وإما ان أترك المدرسة نهائيا. تعلقي بالدراسة جعلني ألجأ الى الوساطات بيني وبين والدي، فرحت أحكي قصتي لمن يستطيع ان يؤثر في والدي من أصدقائه، وأبكي له احيانا. بعضهم كان حكيما فأقنع والدي بالموافقة على إكمال دراستي وان على مضض، لكن على ألا يعلم بما يجري فلا يعنيه ابداً شيء من هذه الدراسة. وظلت الصلات بيننا جيدة لكنه لم يشأ ان يطلع على شيء من دراستي. كنت أنتقل من صف الى آخر وكنت متفوقا دائما، درست المرحلة في مدن عدة، في حلب، وفي دمشق خاصة ودرست في حمص ايضا. ولكن بشكل أساسي في حلب ودمشق. { إذا مرت دراستك في سلام مع الوالد؟ > نعم، الصلات الاخرى كلها كانت جيدة، أحترمه احتراماً كبيراً، وهو يحبني ايضا، ولكني كنت أتفهم ان رأيه عبارة عن قناعات جيل وقناعات شخص في مثل تكوينه. { هل تشعر بأن تلك التربية الدينية تركت أثراً عميقا فيك؟ > نعم، تركت أثراً من جانبين: الجانب الاول هو الموضوع الذي سبق ان أشرت إليه وهو موضوع اللغة العربية، فتربيتي لها الفضل في ذلك. كان والدي يقوم بتدريس بعض الموظفين الكبار احيانا في ساعات الفراغ، كنت أجالسهم وأتعلم قبلهم نظراً لصغر سني، وكنت البارز بينهم، وعندما يعسر شيء على أحدهم فأنا الذي أجيب. أما ما ساعدني ايضا في تعلمي للغة العربية فمكتبة والدي الغنية بالكتب الدينية والفكرية والادبية، والتي أفادتني ايضا فائدة كبيرة. هذا هو الجانب الاول من موضوع تربيتي المنزلية، أما الجانب الآخر والمهم جدا الذي أثّر فيّ من التربية الدينية فهو الجانب الخُلقي، فوالدي لم يكن رجل دين فقط بل رجل مبادئ صارمة أيضاً. كان قاضيا، كما كان يقال عن القاضي أيام عمر بن الخطاب، لا يعرف في الحق لومة لائم، واصطدم مع كثير من الحكام والوزراء في قضايا كثيرة من أجل إحقاق الحق الذي هو ديدنه، وطالما تمنى ان يتخلص من القضاء لولا شيخه الشيخ الحسني، الذي أقنعه بتولي القضاء، على قاعدة: قاض في الجنة وقاضيان في النار الخ… وايضا مضمون الحديث: يأتي على الحاكم يوم يتمنى ان لا يكون قد فصل بين خصمين قط. وكان اذا حصلت مشكلة بين خصمين وحدث تدخل لغير مصلحة الحق يقدم استقالته فورا ويتمنى ان تقبل، ولكنهم لا يقبلونها لأنهم يعرفون انه رجل مخلص لعمله. تعلمت منه هذه الشدة في الحق، وفي هذه الناحية أعتقد ان هناك تشابها كبيرا بين طبعي وطبعه، فأنا لا أستطيع ان أقبل العوج بأي شكل من الأشكال، ولا أستطيع ان أقبل الحيد عن القانون وعن المبادئ وعن الصدق. وهذا جانب آخر مهم جدا أخذته عن والدي الذي كان في الحقيقة مناضلا ومكافحا في سبيل إحقاق الحق لدرجة انه لم يخش لا رئيس دولة ولا رئيس وزراء ولا أحداً. ولطالما رفض أمورا تدخل بها سعد الله الجابري ويحيى حقي وغيرهما، يقف لهم جميعا بدون أي وجل أو تردد. مكتبة عربية ومكتبة فرنسية { إذا حاولنا ان نستعيد سيرة ثقافية لتلك الفترة، من هم الكتّاب والمفكرون الذين بدأت بقراءتهم والتأثر بهم؟ > حين بدأت الدراسة الثانوية في حمص كنا مجموعة من الطلاب ايام الفرنسيين ذوي عناية باللغة العربية ومنهم مثلا صديقنا الدكتور شاكر فحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق حاليا وهو يسكن معنا الحيّ نفسه، لذا جعلنا نتبادل الكتب والقراءات. أما نوعية الكتب فكانت كتب الادب القديم بالدرجة الاولى، وهذا فارق أساسي بيننا وبين الجيل الجديد: في بداية المرحلة الثانوية كنا نقرأ مثلا »العقد الفريد«، و»البيان والتبيين«، و»زهر الآداب« و»العمدة« لابن رشيق الخ… وحتى الآن أنا أفيد من هذه القراءات وأحفظ منها الكثير، فأستطيع أثناء الكتابة ان أستشهد بأشياء من ابن رشيق او من الجاحظ او القلقشندي في »صبح الاعشى…« وغيرهم، هذه القراءات مغروسة في أعماقي لا تغادرني وأنا أكتب في كل لحظة وكأن لغة أصحابها وأفكارهم تعيش معي باستمرار. بعد ذلك، حين اقتربنا من مرحلة البريفيه، تابعت هذا الخط لكن بدأت أهتم بالثقافة الاجنبية. أتقنت اللغة الفرنسية على خلاف زملائي كلهم، وكما قلت فإني نلت الشهادة الابتدائية الفرنسية الى جانب الابتدائية السورية مع انها لم تكن مطلوبة مني بل هم قدموني إليها. بعدها قرأت كثيرا من الثقافة القديمة بإمعان وبدقة وبتعليقات وهوامش واختيارات، حتى انني كنت أسجل ولا أزال حتى الآن أحتفظ بتسجيلات ومجموعات دفاتر لمتقطفات وملاحظات من الكتب التي أقرأها. بعد هذه الفترة بدأت باللغة الاجنبية، وهنا أقبلت على القراءة باللغة الاجنبية بنهم، ووجدت عالما آخر مختلفا كثيرا. { من قرأت من الكتّاب الفرنسيين؟ > تستطيع ان تقول كل كتّاب القرن التاسع عشر تقريباً، بدءا من جورج سان إلى بلزاك إلى ستاندال ولامارتين، وكثير مما قرأت روايات تشفي ظمأ المراهق في تلك السن، وفي الوقت نفسه كانت تعلمني اللغة الفرنسية. وهذا أيضا زاد آخر أحتفظ به حتى اليوم، ولم يذهب من ذاكرتي، فما زلت أحفظ كثيرا من شعر لامارتين وألفرد دو موسيه… { هذه البداية الأدبية الواسعة، ألم تجعلك تحاول الأدب؟ > سؤال وجيه جدا، أنا أتكلم عن مراحل، ثمة سنوات معينة كانت القراءة المكثفة فيها من الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر. بعدها في المرحلة الثانوية، بدأنا بطبيعة الحال دراسة الأدب ودراسة الشعراء، وكان لنا أساتذة من فطاحل الأدباء لم يدرسوا مثل اليوم دراسات أكاديمية وما الى ذلك، بل كانوا جميعا من أعضاء المجمع العلمي. كان من بينهم محمد البزم وهو ضليع جدا باللغة العربية، وأيضا سليم الجندي وعبد القادر مبارك وعز الدين التنوخي، وهؤلاء مستودع علم وأدب، ويتكلمون عن الأدباء كما يتكلمون عن أبنائهم، ويعيشون الشعر والأدب.. وقد تأثرت بهم تأثرا كبيرا. ثم بدأت أقرأ دراسات حول الأدباء، مثلا دراسات طه حسين عن الادب الجاهلي وتاريخ الادب العربي (حديث الاربعاء) ودراسات عباس محمود العقاد والمازني.. هؤلاء جميعا بدأنا نقرأ لهم، وكان لكتاب العقاد حول ابن الرومي تأثير خاص علي وأعجبت به كثيرا فهو عميق جداً. كل هذا جعلني وأنا على ابواب البكالوريا الاولى أحلم بأن أكون أديبا وأحلم بأن أكون شوقي، وقرضت الشعر، أو قرزمته في طور مبكر أكثر. فقد بدأت بالقرزمة من بداية التعليم الثانوي، لكن ذلك لم يكن ذا بال. حين أصبحت في صف البريفيه كدت أصبح كما يقال شاعر المدرسة، في احتفالات المناسبات الوطنية، كنت المتحدث والشاعر. لكن هذا الشعر لا يرقى الى مستوى جيد، ولا أزال أحتفظ ببعض القصائد لكني لم أنشر منها شيئا لأني اعتبرتها بدايات آمل ان تتطور ومن ثم أتطور أنا الى ان أصبح »شوقي« صغيرا لكن.. ما كان يشهد على اتجاهي نحو الأدب: في تلك الأيام منذ الصف العاشر أي قبل البكالوريا بسنة كان يبدأ التفريع: شعبة أدبية وشعبة علمية، وكنت معروفا بين زملائي بأني قوي جدا في الرياضيات والعلوم مع اهتمامي بالأدب، وينتظرون مني أن أختار شعبة العلوم لكني اخترت الأدب وفوجئ الجميع بأني فعلت ذلك لأني شعرت بأن الأدب هو الأقرب الى نفسي. ودخلت فعلا في البكالوريا الاولى شعبة خاصة هي شعبة الادب القديم، وكان فيها اهتمام خاص بالأدب الفرنسي، وكان عندنا أستاذ فرنسي يدرسنا الأدب الفرنسي القديم الذي تابعته بشكل منهجي بعد القراءات المتعددة لي حوله، ثم دخلت صف البكالوريا الثانية قسم الفلسفة، وكنت الناجح الأول في البكالوريا الاولى. يقول بعض الفلاسفة ان الفلسفة تعطل الشعر الى حد ما، وبعضهم يقول ان الفيلسوف شاعر أخطأ موهبته.. لا أدري ماذا حدث معي ولكني أولعت بالفلسفة أكثر، فانتقلت من الأدب الى الأدب المعمق اذا شئت، أي عمقت الاتجاه الادبي بحيث أصبح اتجاها فلسفيا، شعرت بأن الفلسفة تغربني لا أقول أكثر من الأدب لأنها توسع ميدان الادب وتحفر أكثر في الاعماق، فكنت متفوقا في صف الفلسفة بشكل نادر ربما، وكان أستاذي انطون مقدسي، وهو من الشخصيات المعروفة، ما زال حيا الى الآن، ويظل من أكثر الاساتذة ثقافة وفهما وعمقا، كان له في الحقيقة تأثير كبير علي. ولحسن الحظ ساعدتني الظروف وأنقذتني. وهنا أرجع الى الظروف العائلية والبيت، ماذا سأفعل بعد نيل البكالوريا من دون مساعدة أهلي، كان متوافرا لي في دمشق في ذلك الحين إما دراسة الحقوق او الطب، ولم تكن الكليات الاخرى الانسانية قد استحدثت، فأنا تخرجت من الثانوية سنة 1942 ولم يكن هناك من كليات سوى كليتي الطب والحقوق، وهما كليتان قديمتان أنشئتا منذ عهد الاتراك ثم جددتا في حكومة الملك فيصل، وكان من المستحيل ان أفكر في ان أطلب من والدي إرسالي الى كلية الطب او حتى الى كلية الحقوق غير الواردة عنده اصلا لأنه كان يكره المحامين ويعتبرهم جماعة دجالين. كلية الطب تحتاج الى نفقات ومصاريف، كان الوضع حرجا. تقدمت، كما كان يفعل الكثير من زملائي في ذلك الحين الذين لم تكن عندهم وسيلة اخرى، تقدمت بطلب الى وزارة التربية لأكون معلما في قرية ما، في حوران او غيرها وكان هذا قدري. وقعت على إعلان في وزارة المعارف وكنا لا نزال تحت الانتداب الفرنسي عن مسابقة لاختيار أساتذة للتعليم الثانوي، يسافرون للحصول على الليسانس ويعودون أساتذة للتعليم الثانوي، وهذه السنّة شائعة في أيام الانتداب لكن »بالقطارة«، فقد كان عدد المدارس الثانوية محدودا، ففي دمشق كلها ثانوية واحدة وفي حمص واحدة. اختيار الاساتذة يتم على رؤوس الاصابع، عندما تظهر الحاجة الى أستاذين او ثلاثة او اربعة يرسلون الى فرنسا العدد المعين من الاساتذة ليدرسوا بعض الاختصاصات ثم يعودون الى التدريس في التعليم الثانوي. الى مصر { هكذا اتجهت الى التربية والتعليم في ذلك الوقت؟ > لا، عندما أعلن عن المسابقة كانت الحرب العالمية الثانية قائمة، كان مفروضا ان أرسل الى فرنسا اذا نجحت في المسابقة، هذا هو المتّبع، لكن طريق فرنسا مغلق، هكذا توجهت اول بعثة سورية رسمية ايام الفرنسيين للدراسة في مصر، في القاهرة، تقدمت الى المسابقة وكان هناك حوالى خمسة اختصاصات: الادب الفرنسي، التاريخ والجغرافيا والادب العربي، والفلسفة، وكل اختصاص بحاجة الى أستاذ واحد، فينبغي ان يكون المتقدم الاول من بين المتقدمين حكما. وجدتها فرصة ذهبية أحلم بها فتقدمت الى المسابقة ونلت المركز الاول، وأرسلت، هذه نسجلها لا لنمتدح حكم الانتداب الذي كان يعد الاختصاصيين اللازمين لخدمة الاستعمار، لكن من الحق ان نقول انهم لا يتلاعبون قط في قضية الكفاءة، فمن أنا حتى يتم اختياري لبعثة. لو أريد في أي بلد عربي اليوم اختيار شاب لإرساله في بعثة الى الخارج، لا أعتقد ان الامر يتم بمثل هذه النزاهة، وان الناجح الأول يرسل وكفى. من هذه النقطة مرت في ذهني قناعة بأننا لو أردنا أن نبدأ الإصلاح الحقيقي في البلدان المتخلّفة علينا أن نفسح المجال للكفاءة، ان نختار حقا لكل منصب من هو كفء له. هذه هي بداية الإصلاح الحقيقي. وترك ذلك أثرا في نفسي، أنا الطالب المتخرج من البكالوريا ولا حول لي ولا طوْل ولا أعرف أين سأكون. ثم فتح لي الباب وأثبتّ جدارتي، وهذا شأن بقية زملائي الذين تقدموا معي أيضا وأكثرهم في مثل هذه الحال، ومنهم الدكتور شاكر فحّام الذي ذكرته، وغيره. أتيح لنا بحكم كفاءتنا أن نتابع دراستنا. وحصلت على الليسانس في قسم الفلسفة، في مصر حيث قضيت أربع سنوات، كنت خلالها أزور سوريا في الصيف. { هل أثّر فيك الجو المصري الفكري والثقافي والسياسي في تلك الآونة؟ > في الحقيقة، تأثرت بالجو المصري، لكن أريد أن أركز خاصة على جانب مهم، عندما قدمنا إلى مصر، كانت مصر ما تزال بعيدة عن العروبة، والقومية العربية والفكرة العربية غير مطروحتين. إذا دار الحديث عن فكرة تتجاوز مصر فالحديث يذهب إلى الرابطة الإسلامية والى شيء من هذا النوع، أما الرابطة القومية العربية بالشكل الذي كنا نفهمه نحن هنا في بلاد الشام وخاصة في سوريا ولبنان، فلم تكن موجودة إطلاقا في مصر، والأشخاص الذين يعتبرون إلى حد ما من أنصار العروبة والفكر العربي: علوبة باشا ومحمود عزمي وعبد الوهاب عزام وغيرهم… كنا نلتقي بهم كطلاب فنشعر بأن أفكارهم عن القومية العربية غامضة جدا وملتبسة وليس عندهم فلسفة قومية حقيقية. قسم من أساتذتنا الشباب الذين كانوا دخلوا ميدان التدريس حديثا وكانوا من النابهين ومنهم الدكتور عبد الرحمن بدوي وعبد العزيز الأهواني… وغيرهما.. كنا نلتقي بهؤلاء ونناقشهم ثم ألفنا رابطة أسميناها »رابطة الطلاب العرب«، من أهم مؤسسيها المرحوم حسن صعب من لبنان الذي درس آنذاك في قسم اللغة العربية وكان ناشطا سياسيا ومتحركا وديناميا، لكن الأفكار الأساسية في الحقيقة صدرت عن مجموعتنا. أقمنا حفلات دعونا إليها الأساتذة والعمداء وصرنا نعرّف الأوضاع العربية ونتكلم في الفكرة العربية وأحيانا نعرف بالفنون الموجودة في كل بلد والأزياء والمسرحيات الخ.. { أريد أن أسأل سؤالاً اعتراضيا، ما دمت تتكلم عن الفكرة العربية وعن الفلسفة القومية، من أين استمددت تصورك لهذه الفلسفة ولهذه الفكرة؟ > كما تعلم، فإن بلاد الشام (لبنان وسوريا) منذ العهد العثماني، هي موئل ولادة الفكرة القومية والفكرة العربية بصورة خاصة ضد الأتراك. هذا جانب. لكن الفكرة القومية بشكلها الحديث، بدأنا نتعرف عليها ونحن طلاب في المدرسة الثانوية، ومن الأساتذة الذين قاموا بتدريسنا في المدرسة الثانوية ميشال عفلق الذي درّسنا التاريخ، وصلاح الدين البيطار الذي درّسنا الفيزياء، وهؤلاء أمدّونا بأفكارهم حتى انهم كانوا يشجعوننا على المشاركة في التظاهرات. { هذا كان قبل البعث. > كانت فكرة البعث لما تتبلور بعد، وأول نشاط لمؤسسيها كان سنة 1939 ويومها ألقيت قصيدة، والمناسبة تأييد حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق. قاموا بنشاط كبير وبدأت الأمور تتكون. طبعا تأثرنا بأفكارهم وصارت بيننا في ما بعد صلة شخصية وصرنا نقرأ كتاباتهم ودخلنا عالما جديدا، جديدا بمعنى أننا تجاوزنا الفكرة القومية كما كانت شائعة أيام العثمانيين، والتي تعني التغني بالأجداد والأمجاد والعروبة الى ما هناك، الى فكر قومي يقوم على أساس تغيير اجتماعي واقتصادي وفكري في البلاد العربية، وعلى أساس النضال من أجل رفع مستوى البلاد العربية الخ.. هذه البذور حملناها معنا الى مصر ورحنا نلقّنها لأساتذتنا المصريين خلال اجتماعاتنا معهم ونشاطاتنا. وصدف انه سنة 1945 أثناء الاستقلال جاء مصطفى النحاس باشا الى الحكم وأُسست الجامعة العربية بتوجيه من الإنكليز ففتحت مصر ولو بشكل سياسي على العروبة. هذا خلق جوا أوسع لنا الى حد ما لممارسة نشاطنا. وصل أيضا سعد الله الجابري والتقينا به ودار حديث بيننا عن العروبة، وإن كانت أفكار المصريين عن العروبة في الحقيقة مقصرة كثيرا عن الشأو المطلوب. ومعظم الذين حملوا فكرة القومية العربية بالمعنى العميق وهذا تقريبا شيء غريب، كانوا أساتذتنا الذين تتلمذوا علينا في الفكر القومي. أي كانوا أساتذتنا في الجامعة وتلاميذنا في الفكر القومي. { بأي لغة قرأتم الفلسفة في مصر؟ > في مصر، اللغة السائدة هي العربية، أما المراجع ففي اللغة الإنكليزية، لم ترونا المراجع العربية إلا في مجال الفلسفة الإسلامية وما حولها، وباعتبار أني أتقن اللغة الفرنسية، كنت ألجأ دوماً الى الكتب الأجنبية وخاصة الفرنسية. { أي فلسفة لفتتك في تلك الآونة؟ > الفلسفة التي بدأت أحبها وتابعتها وقمت بنشاط فكري فيها هي فلسفة برغسون الذي كان في ذلك الحين شائعا وذائعا في العالم، وكان فيلسوف ما بين الحربين العالميتين، مع ان سمعته الكبيرة جدا عادت وانطفأت. في مرحلة الشباب بشكل خاص كان برغسون يغرينا، لأنه بالإضافة إلى عمقه الفلسفي لديه ذهن ميتافيزيقي متفتح وهو ذو آفاق، وأيضا عنده أسلوب أدبي وحرارة أدبية في الكتابة، وهذا أغرانا وجعلنا نتعشق برغسون، وكنت في ذلك الحين مع زميل لي هو المرحوم الدكتور سامي الدروبي وكان سفير سوريا في مصر والذي ترجم دستويفسكي، بدأنا الترجمة معا سنة 1943 وعمري آنذاك 19 سنة. ترجمنا أولا كتاب: »منبعا الاخلاق والدين« لبرغسون. ترجمة أعجب بها الكثيرون، وحتى اليوم لا يصدق الكثيرون ان هذا الكتاب مترجم، لجمال لغته وغير ذلك. رحنا ندور من ناشر الى آخر ثم تعرفنا الى مكتبة قبلت ان تنشر لنا بدون أجر وبورق سيئ. رغم ذلك فقد فرحنا بنشر الكتاب. بعده تابعنا نشر كتابات برغسون. كان الكتاب الثاني »الضحك« الذي إذا قرأته اليوم ستلاحظ ايضا ان أسلوبه فريد، فكثير من المجيدين للغة الفرنسية الذين قرأوه قالوا انه برغم ان أسلوب برغسون مجنّح وشعري وجميل فإن النص العربي أكثر جمالا من النص الفرنسي. كنا نكتب وروحنا مع الترجمة، لا نترجم حرفا حرفا بل نصب شعورنا في الترجمة. بعد إنهاء الترجمة جاءت مشكلة النشر. في هذه الأثناء أُنشئت دار الكاتب المصري في مصر، وكانت لا تنشر الا للكتاب المشهورين، وحاولنا ان نتنطح ونتقدم لهذه الدار. ذهبنا الى المدير التجاري للدار، فلم يأبه بنا حين رأى سنّنا ولم يكترث، لكن أحد أساتذتنا رأى الترجمة وأعجب بها و هو يعرف طه حسين الذي كان مستشاراً ثقافياً للدار. قدم الترجمة اليه فأعجب بها طه حسين كثيرا وأرسل في طلبنا فورا لمقابلتنا. حين ذهبنا والتقيناه طلب المدير ووبخه لرفضه طلبنا و»بهدله« وقال له: من يحكم في هذه الدار أنا أم أنت، كيف ترفض هذا الكتاب ومن أين لك العلم؟. والتفت إلينا، أيضا بشيء من الحدة والقوة قائلا: أعلمكم منذ الآن، هذا الكتاب سيُنشر حالا، وأي شيء في المستقبل تترجمونه او تكتبونه لا أسمح لكما بأن تنشراه إلا في هذه الدار. بعد ذلك نشرنا كتبا أخرى لبرغسون. والوجودية في ذلك الحين؟ لم نكن نقرأ فلسفة ذات اتجاه أيديولوجي معين. ثم بدأت الوجودية تظهر في مصر كان أستاذنا عبد الرحمن بدوي مهتماً بها ويعد رسالة عن الزمان الوجودي. كان مُعنى بهوسرل وهايدغر والوجوديين الألمان. أيضا تابعنا سارتر والوجودية، الفرنسية والدنماركية. ونظرا لتفوقنا في الدراسة، وتبعاً لتقليد متبع في جامعات مصر، يقضي بأن الطلاب الذين يحصلون على درجة الامتياز بعد السنة الثانية يقومون في السنتين الثالثة والرابعة بدراسات إضافية ويختارون لغة من اللغات القديمة او من اللغات الحية. اخترت الالمانية ثم اخترت دراسات أخرى. وكنت أتمنى ان أتطور أكثر في اللغة الالمانية لكن مع الاسف، نظرا لقلة شيوعها في بلادنا، لم يكن لديّ مجال بعد عودتي لتقويتها والحفاظ عليها، وقد قرأت لغوته بالألمانية لكني الآن بت ضعيفا في هذه اللغة. بعد عودتي الى سوريا عُينت أستاذا للفلسفة في ثانوية حمص عام 47 ثم نُقلت الى دمشق عام 1948، وكانت الجامعة بكل كلياتها: الانسانيات والعلوم والمعهد العالي للمعلمين قد أُنشئت حديثا وهي من ثم بحاجة الى كوادر وأساتذة، فكان يُختار النابهون من بين الأساتذة للتعليم في الجامعة. وكنت من بين من اختيروا لذلك. فعلمت في كلية التربية التي كانت تسمى آنذاك المعهد العالي للمعلمين، ودرّست أولا بصورة خاصة تاريخ التربية ثم سائر المواد. وتابعت دراستي في الجامعة. في فرنسا: طموحي في ذلك الوقت كان السفر الى فرنسا والحصول على الدكتوراه، فذهبت الى ساطع الحصري في فندق اوريان بالاس كما أتذكر، وكان في ذلك الحين مستشارا لوزارة المعارف السورية وقلت له: لو كنت مصريا لكنت الآن موفدا للدراسة، لكن حسب النظام السوري لا تستطيع الحصول على المنحة مع الأسف. فأنا الاول في كلية الآداب في قسم الفلسفة والأوائل يوفدون حالا حسب القوانين المصرية. أردت منه ان يساعدني في الحصول على منحة للدكتوراه، فقال لي الأيام معك وسيأتي يوم تسافر فيه حتما لإعداد الدكتوراه ولكن لا بأس من ان تبدأ هنا وتكتسب بعض الخبرة، وما زلت صغيرا، وقد طمأنني الى حد ما. تابعت التدريس في الجامعة ولكن نتيجة ملابسات مختلفة لا أريد ان أتكلم عنها تم أخيرا إيفادنا مع المرحوم سامي الدروبي الذي ذكرت اسمه ومع صديق آخر هو حافظ الجمالي، الذي أصبح وزيرا للتربية في سوريا، الى فرنسا لإعداد الدكتوراه وذلك في أواخر عام 1949 في آخر الحرب التي كانت آثارها لا تزال بادية. أوفدت لإعداد الدكتوراه في التربية بحكم تدريسي في الجامعة. { كان حزب البعث قد أُنشئ في ذلك الوقت… > نعم، وأنا كنت من الأعضاء المؤسسين. حضرت المؤتمر التأسيسي الذي عقد في »اللونا بارك« دمشق. انتمائي الى الحزب كان تطورا طبيعيا لكل حياتي وليس قرارا شخصيا او مزاجيا، فقد وجدت نفسي مباشرة ضمن الحزب، وربما لم أؤد في حياتي القسم الحزبي، لكن فكري وطبيعتي وجدا طريقهما هناك في ذلك الحين. دخولي في الحزب كان طبيعيا، فلم يحاول أحد إقناعي بذلك لا من أساتذتي ولا أصدقائي. { إذا أنت مؤسس فعلي بهذا المعنى؟ > نعم، وعضو طبيعي. كنت أقول لهم ان الحزب يهمني بالدرجة الأولى كفكرة ونضال، فكرة استطاعت أن تنتشر في البلاد العربية، من دون ان ترفع عصا. كانت الفكرة تجذب الشباب. وهنا أحب ان أسجل شيئا بالنسبة إلى مشاعر جيلنا مع تغير نمط الحياة الحزبية والسياسية في بلادنا العربية. كان الواحد منا في ذلك الحين ينتسب إلى الحزب، أولا للفكرة القومية العربية التي لها جذورها وفلسفتها وعمقها وأبعادها، وثانيا، لم تكن الفكرة تستهدف في ذلك الحين الوصول إلى الحكم، كان هدف الحزب لا قطف الورود بل نزع الاشواك؛ التمهيد للطليعة القومية المسلحة بالفكر والثقافة اللازمة لكي تستطيع الفكرة العربية ان تنتشر. هذا كان يغرينا كثيرا. قد يدخل البعض الى حزب ما بدافع الإغراء بالحصول على منافع معينة ولكني أؤكد لك بأننا يومذاك كنا موقنين بأننا لن نحصل على منفعة مادية من هذا الحزب ولن نحصل الا على الشقاء، كان انتماؤنا أقوى بكثير من كل المغريات المالية وما الى ذلك. إذاً أنت مؤسس فعلي بهذا المعنى؟ > نعم، وكنا نجتمع ونلتقي… { هل تكوَّن جو عربي في فرنسا من مثقفين عروبيين؟ عندما كنا في فرنسا حصل نوع من التلاقح والتثاقف بيننا وبين أبناء المغرب العربي الذي كان عدد كبير منهم في فرنسا وأصبح لهم في ما بعد شأن مهم. هؤلاء تلقفوا إلى حد كبير الفكرة القومية عن طريقنا. ومع أنهم كانوا مقتنعين بذلك، الا انهم لم يكونوا يستطيعون ان يفصلوا الفكرة العربية عن الاسلام. نحن لا نقول بفصل الاسلام عن العروبة، لكن ليس بالمعنى الذي يفهمه الجزائريون. فالجزائري يعتبر المسلم والعربي شيئا واحدا، بينما نحن نفهم ان الفكرة القومية العربية شيء آخر، لكن هناك صلة عضوية بين العروبة والاسلام. فالاسلام هو تراث بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين وهو تراث ودين بالنسبة للمسلمين، ولكن نحن نعمل من أجل كيان قومي لا من أجل كيان ديني. لذلك كنا نجد عنتاً في شرح هذا المفهوم مع المغاربة. ثم كان منهم بعد ذلك قادة في الفكر القومي العربي خاصة في تونس والمغرب وحتى في ليبيا. إذاً أتيح لنا ان نلتقي ونتصل بمجموعة من أبناء المغرب، أما مع أبناء المشرق فلم تكن هناك اتصالات ذات بال في فرنسا، لأنهم كانوا أفرادا قلائل، وليس هناك جاليات كبيرة منهم، بينما كان للمغاربة جالية كبيرة ولهم نواد وكنا نلقي عندهم محاضرات.