تجارب عالمية في رفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة إلى مستوى الدرجة الجامعية الأولى

المنظمَة العربّية للتربيَة والثقافة والعُلوم
تجارب عالمية في رفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة
إلى مستوى الدرجة الجامعية الأولى
إعداد: أ.د. عبد الله عبد الدائم
دراسة مقدمة إلى اجتماع الخبراء حول رفع مستوى المعلمين
أثناء الخدمة إلى مستوى الدرجة الجامعية الأولى (الإجازة)
(عمان 14-17/12/1992)
المملكة الأردنية الهاشمية
محتوى الدراسة
الصفحة المحتوى
4-2 تمهيد: ———————————————————————————————— أولاً:
تدريب المعلمين أثناء الخدمة: ————————————————————————– ثانياً:
7-4 معناه وحدوده من خلال التجارب العالمية. —————————————————–
7-4 2-1- مبررات تدريب المعلمين أثناء الخدمة. ————————————————
14-7 تدريب المعلمين أثناء الخدمة والتربية المستمرة: ——————————————————– ثالثاً:
14-8 3-4- مفهوم التربية المستمرة. ——————————————————————
19-15 من توصيات المؤتمرات الدولية في مجال تدريب المعلمين: ———————————————— رابعاً:
19-15 4-1- توصية المؤتمر الدولي للتربية رقم 69. ———————————————–
36-19 إعداد المعلمين قبل الخدمة والحصول على شهادة جامعية: ———————————————— خامساً:
24-20 5-1- إعداد المعلمين قبل الخدمة والشهادة الجامعية. —————————————-
30–24 5-2- تجارب عالمية في ميدان إعداد المعلمين قبل الخدمة وصلتها بالشهادة الجامعية.
31–36 5-3- المستوى الفعلي للمعلمين الذين يمارسون التعليم الابتدائي في بلدان العالم. ——-
36 تدريب المعلمين أثناء الخدمة والحصول على شهادة جامعية: ——————————————— سادساً:
36 6-1- الصلة بين تدريب المعلمين أثناء الخدمة وبين إعدادهم قبلها. ———————–
38-36 6-2- أهم مبادئ تدريب المعلمين أثناء الخدمة من خلال التجارب العالمية. ————-
40-38 6-3- أغراض التدريب من خلال التجربة العالمية. —————————————–
41 6-4- التجربة العالمية ورفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة. ——————————-
47-41 6-5- الاتجاهات الأساسية الكبرى في العالم في ميدان تدريب المعلمين أثناء الخدمة. —
50-47 6-6- منطلقات ومبادئ التجارب العالمية في مجال إعداد المعلمين وتدريبهم. ———–
63-50 تدريب المعلمين أثناء الخدمة للحصول على شهادة جامعية هل من شواهد عالمية؟ ————————– سابعاً:
55-54 7-4- أهم المؤتمرات العالمية حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة. ————————
56-62 7-5- تجارب بعض الدول في مجال التدريب. ———————————————–
63 7-6- الأدب العالمي وموضوع دراستنا. ——————————————————
68-64 خاتمة وتطلعات: ————————————————————————————— ثامناً:
تجارب عالمية في رفع مستوى المعلمين
أثناء الخدمة
لدرجة البكالوريوس
إعداد: أ.د. عبد الله عبد الدائم
أولاً: تمهيد:
1- من المعاد أن نقول إن المعلمين (في شتى مراحل التعليم، وفي مرحلة التعليم الابتدائي أو الإلزامي التي تفيدنا) في حاجة إلى تدريب أثناء الخدمة، ومن تحصيل الحاصل أن نضيف إلى هذا أن هدف هذا التدريب أثناء الخدمة هو رفع مستوى المعلمين أبعد مدى ممكن. ولكن كم من أهوال وصعوبات أمام القولين: فالحاجة إلى التدريب، وإلى التدريب المستمر، في حاجة إلى جلاء، ولا يستبين معنى التدريب أثناء الخدمة وشأوه وشكله إلا من خلال الحاجات التي تدعو إليه. كذلك فإن هدف هذا التدريب، نعني رفع مستوى المعلمين إلى أبعد مدى ممكن، يمكن أن يأخذ عشرات الأشكال، ويمكن أن يتم بطرائق مختلفة، وقد تكون أحيانا متعارضة.
ومن هنا فإن جعل عنوان هذه الدراسة رفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة بحيث يحصلون على درجة البكالوريوس أمر قد يكون مثيرا للتساؤل إذا نحن فهمناه (خلافا لما أراد واضعوه) فهماً حرفياً شكلياً، أي إذا جعلنا التجارب العالمية محصورة في تلك التي تعنى بمجرد إيصال المعلمين إلى درجة البكالوريوس الجامعية، في الاختصاصات المختلفة وفي التدريب المهني التربوي.
ولهذا نود أن نغوص في أعماق عنوان الدراسة لنبين في خاتمة المطاف أن التدريب المطلوب للمعلمين أثناء الخدمة هو ذلك الذي يرقى بمستواهم، تبعا للحاجة وللإطار الذي يعملون فيه، بحيث يصبحون نظراء في مستواهم، ولكن في ميدان عملهم والكفاءات المطلوبة فيه، لحاملي درجة البكالوريوس وإن لم يحصلوا عليها. فالذي يحدّد، فيما نرى، وصول المعلمين من خلال التدريب إلى المستوى المعادل إلى المستوى الجامعي، ليس مجرد الحصول على “البكالوريوس” بل امتلاك جملة من المعلومات والمهارات والاتجاهات النفسية وسواها ممّا تحتاج إليه مهنتهم، ترقى من حيث المستوى والشأن إلى المستوى الجامعي، دون أن يعني ذلك أن نربط بين هذا الهدف وبين الحصول على درجة بكالوريوس جامعية.
2- وإذا نحن طلبنا العون من التجربة العالمية في هذا المجال، وجدنا ما يؤيد الفهم الذي نأخذ به. فسوف نرى بالتفصيل أن معظم دول العالم تلجأ في إعداد معلمي التعليم الابتدائي (والإلزامي) إلى معاهد تستقبل المرشحين الحاصلين على التعليم الثانوي سنوات تطول أو تقصر. ثم تستمر في تقديم تدريب مستمر لهم بعد تخرجهم، يأخذ أشكالا مختلفة تبعا للبلدان وتبعا للحاجة. وقد يكون الإعداد أحيانا لمدة ثلاث سنوات أو أربع، بعد المرحلة الثانوية، وقد يستمر التدريب ذو المستوى الرفيع الملائم طوال عملهم في التعليم، دون أن يعني ذلك منحهم شهادة البكالوريوس الجامعية. فالإعداد والتدريب إذن يتمان على مستوى يوازي مستوى التعليم العالي كمّا ونوعا في معظم الأحيان، دون ربط ذلك بالجامعة وبالحصول على شهادة جامعية. على أن هنالك عددا من البلدان يتم فيها إعداد معلمي التعليم السابق على التعليم الابتدائي وأساتذة مرحلتي التعليم الثانوي (المرحلة المتوسطة والمرحلة العليا) عن طريق معاهد واحدة، كما نجد في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وسواها. وخريجو هذه المعاهد لا ينتسبون إلى فئات متميزة، بل تخولهم شهادتهم أن يعلموا في أي مرحلة من المراحل التعليمية الأربع التي ذكرناها. كما أن بعض هذه البلدان (كبريطانيا والولايات المتحدة وإلى حد ما السويد وألمانيا وإيطاليا) تقترب فيها هذه المعاهد التي نتحدث عنها اقترابا متزايدا من الجامعات وتكاد تندمج فيها. والاتجاه في هذه البلدان جميعها، بوجه عام، يجنح إلى تقديم تعليم عال للمعلمين على اختلاف أنواعهم، بل إلى إعدادهم في الجامعة نفسها. أما التدريب أثناء الخدمة فشأن آخر، سوف نتريث عنده فيما بعد.
ولعل تجارب مثل هذه البلدان في مجال إعداد المعلمين قبل الخدمة على مستوى التعليم العالي ومستوى الجامعات، هو الذي يحمل بعض البلدان النامية ليس إلى مجرد الأخذ بمثل هذا النظام في الإعداد، بل أيضا إلى تقديم تدريب لمعلمي الابتدائي (أو الإلزامي) أثناء الخدمة يرقى بهم إلى المستوى الجامعي ويمكنهم من الحصول على شهادة جامعية. ولعل هذا أيضا أحد دوافع اقتراح هذه الدراسة التي نقوم بها وأحد مبررات ما وضع لها من عنوان.
ثانياً: تدريب المعلمين أثناء الخدمة: معناه وحدوده من خلال التجارب العالمي.
2-1- مبررات تدريب المعلمين أثناء الخدمة:
ولكن لندع هذا كله، ولنسائل بإيجاز، مع التجارب العالمية، عن أهم مبررات تدريب المعلمين أثناء الخدمة، كيما نصبح أقدر على معالجة موضوع المستوى والشهادة.
2-1-1- وقد يكون من المكرور أن نذكّر بأهم المنطلقات التي تملي اللجوء إلى تدريب أثناء الخدمة، في عصرنا المتغير، وفي صلب نظام تربوي لابد أن يقوم جهدٌ مستمر للربط المستمر المتجدد بينه وبين أهداف المجتمع بوجه عام وأهداف التنمية بوجه خاص. ومع ذلك لابد من ذكرى عابرة:
(أ) تدريب المعلم المستمر يعني تيسير مهمة تغيير التربية وتجديدها دوما. ولن يستطيع النظام التربوي أن يستجيب لحاجات المجتمع الراهنة ولحاجاته في العقود المقبلة، إلا إذا تمّ تجديد إعداد المعلمين دوما بنية ومحتوى وطرائق.
(ب) أمام تجدد المعارف العامة والتربوية دوما واغتنائها يوما بعد يوم، وأمام حاجة النشاط التربوي إلى المزيد من الخلق والإبداع، غدا من المستحيل أن نقدم للمعلمين منذ إعدادهم الأوّلي زادا من المعارف والكفاءات يغنيهم طوال حياتهم المهنية.
(ج) لا مناص إذن من الأخذ بسياسة شاملة تهدف إلى إعادة تنظيم إعداد المعلمين (قبل الخدمة وبعدها) بحيث نجعل منه عملية متسقة مستمرة، تبدأ بالإعداد النظري والعملي قبل الخدمة، وتستمر طوال فترة عمل المعلم. ويعني هذا أن ندمج الإعداد المسبق والتدريب أثناء الخدمة، دمجا يأخذ بعين الاعتبار مفهوم «التربية المستمرة» وضرورة اللجوء إلى التربية «المتناوبة Recurrent». وسنتوقف بعد حين عند مفهوم التربية المستمرة وانعكاسه على التدريب أثناء الخدمة، لما يحمله من شأن خاص ومعاني جديرة بأن نفتح ثناياها وخفاياها.
(د) ليس هدف التدريب أثناء الخدمة مجرد تجديد المعارف، بل الهدف منه أيضا تحقيق «التحرك المهني» (الانتقال المهني) اللازم، وذلك عن طريق إعداد العاملين في التربية إعداداً يمكنهم من الاضطلاع بوظائف جديدة أخرى وبمسؤوليات جديدة.
(هـ) السياسة الشاملة التي يستلزمها التدريب، كما سبق أن ذكرنا، ينبغي أن تدخل في حسبانها الإعداد المسبق وأثناء الخدمة لسائر العاملين في ميدان التربية، على اختلاف مستوياتهم، بمن فيهم الموجهون التربويون والموجهون العامون وسائر الاختصاصيين العاملين في مجال التربية.
2-1-2- وإذا نظرنا بوجه أخصّ إلى التدريب أثناء الخدمة، بدت لنا مطالب ثلاثة أساسية:
أ- أولها أن هذا التدريب أثناء الخدمة ينبغي أن يكون مستمراً، بحيث يكون المعلم دوما على اطلاع على تطور النظام التربوي وعلى التقدم الذي يتحقق في مجال البحث التربوي، وبحيث يستطيع أن يوسّع آفاق معارفه النظرية والعملية في مواد التدريس التي يضطلع بها.
ب- ولا بد أن يكون مجال تطبيق هذا التدريب مجالا واسعا يستطيع أن يفيد منه جميع المشاركين في العملية التربوية: كالمعلمين على اختلاف طوائفهم، وكالإداريين والموجهين، وكمدربي المعلمين، الخ…
ج- ينبغي إشراك مختلف طوائف العاملين في التربية في وضع خطة التدريب أثناء الخدمة بكاملها، سواء اتصل ذلك بتطبيق السياسة التربوية أو بأهداف التدريب وبرامجه أو بالبحث التربوي أو سوى ذلك.
ثالثاً: تدريب المعلمين أثناء الخدمة والتربية المستمرة
ولن نمضي أبعد من هذا في الحديث عن معنى التدريب أثناء الخدمة وأهدافه، كما يستبين من تحليل التجربة العالمية. وقد سقنا هذه المقدمة الموجزة كيما ندرك منذ البداية، من خلالها، أن ربط تدريب المعلمين بالحصول على شهادة جامعية أو عدم ربطه ليسا هما بيت القصيد. والمسألة كل المسألة أن يستجيب التدريب للمطالب التي يفرضها تقدم العصر وتجدد التربية، والتي رأينا نذرا يسيرا منها، أيا كان الإطار وأيا كانت الخاتمة.
3-1- ولعل جولة أعمق في مفهوم التربية المستمرة ومعنى ربطه بتدريب المعلمين، تخطو بنا خطوة أوسع نحو تبين المقاصد الحقة لهذا التدريب. وجوهر هذه التربية المستمرة تأكيد نظم تدريب المعلمين أثناء الخدمة في العالم يوما بعد يوم على أن لهذا التدريب شروطا يمليها العصر ويمليها تغير التربية، وأن توفير هذه الشروط هو المطلب الذي ينبغي أن تشد إليه الرحال، بينما يبقى الحصول على شهادة جامعية من خلال التدريب شكلا (شكلياً) من أشكال تحقيق أشكال التدريب، ولعله ليس أفضلها.
3-2- وقد يتساءل مشكك عن الإضافة الجديدة التي يأتي بها الأخذ بمفهوم التربية المستمرة في ميدان تدريب المعلمين، وقد يحسب أن هذا القول لا يعدو تأكيد بدهية ليست في حاجة إلى تأكيد، قوامها أن إعداد المعلمين، بدءاً من مرحلة ما قبل الخدمة وانتهاء بالتدريب المتصل الموصول طوال الخدمة، ينبغي أن يكون إعداداً دائماً مستمراً لا يتوقف. ولا ننكر أن في مفهوم التربية المستمرة شيئا من هذا المعنى الزمني، ولكن مفهومهما الحق مفهوم أبعد مدى وأعمق مدى مطلبا، وفي حاجة إلى المزيد من الجلاء، بعد أن أسيء فهمه في كثير من الأحيان أو اختُزل معناه.
ويرجع هذا اللبس والغموض إلى الأخذ بمعنى كميّ سكوني للتربية المستمرة، يجعل قوامها المدّ الكمّي لسنوات الإعداد والتدريب وتواصل ذلك المدّ. ولئن كانت التربية المستمرة تعني فيما تعني مدّ التعليم بأشكاله النظامية وغير النظامية والعفوية ونشره أيا كان عمر المتعلم، فإن ما تتريث عنده بوجه خاص هو محتوى التعليم والإعداد اللذين يقدمان خلال «زمن» التعلم المستمر هذا.
3-3- ولئن كنا نحرص منذ البداية على دحض المعنى الزمني الخالص لمفهوم التربية المستمرة فذلك لما لهذا الدحض من انعكاس مباشر وغير مباشر على موضوع دراستنا. ذلك أن الأمر كما بيّنا ليس مجرد إطالة السنوات اللازمة لتدريب المعلمين أثناء الخدمة من أجل حصولهم على درجة البكالوريوس الجامعية، بل الآمر كل الأمر هو في مضمون التدريب الذي نقدمه وفي مدى قدرته على رفع مستوى المتدربين من المتعلمين، في ميدان عملهم واختصاصهم، إلى مستوى جدير بأن نعتبره، في ميدانهم (ونكرّر ذلك دوما)، في مستوى جامعي رفيع.
3-4- مفهوم التربية المستمرة:
من هنا تأتي أهمية توضيح مفهوم التربية المستمرة وبيان ما نعنيه حين نأخذ بها في ميدان تدريب المعلمين أثناء الخدمة. فماذا يعني إذن، في خاتمة المطاف، مفهوم التربية المستمرة، وماذا يعني الأخذ به في مجال تدريب المعلمين أثناء الخدمة؟
3-4-1- مفهوم «التربية المستمرة» كما نعلم مفهوم حديث نسبيا شاع وذاع خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد ظهر في فترة كثر فيها الحديث عن التجديد التربوي بوجه عام، وطرحت خلالها تصورات جديدة تكاد تكون جذرية لبنية المدرسة وأهدافها، بل جرى خلالها تشكيك رومانسي بالمدرسة أصلا (كما عند «ايليش Illich» و «ريمر Reimer») والبحث عن صيغ تعليمية أخرى أكثر جدوى وأكثر ارتباطا بأهداف التنمية الشاملة للمجتمع. وقد كان الشعار الذي سارت به الألسن خلال تلك الحقبة شعاراً قوامه التشكيك في الإطار التقليدي للمدرسة، سواء اتصل ذلك بمراحل الدراسة أو بالصفوف المدرسية أو بالعلاقة بين المعلم والطالب أو بطرائق التعليم أو سوى ذلك. فالصف المكوّن من معلم ومقاعد وسبورة لم يعد حقيقة أزلية لا يأتيها الباطل. وإطار التعليم المألوف لم يعد إطاراً خالداً لا يجوز تجاوزه إلى أشكال أخرى سواه. والتعليم الذي يضم مراحل ثلاثا، مرحلة ابتدائية وأخرى ثانوية وثالثة عليا، لم يعد في نظر المجددين الشكل الوحيد من أشكال التعليم العديدة الممكنة. والتعليم النظامي بوجه خاص، ذلك التعليم الذي ولد من الثورة الصناعية الأولى والذي يقدم للطلاب تعليماً “منمّطاً“ في مراحل تعليمية مقننة تتوّجها شهادات حاسمة، ليس هو الشكل الوحيد من التعليم، بل لابد أن نتصور إلى جانبه وبالتكامل معه، بل بعد تغييره، أشكالا عديدة من التعليم غير النظامي الذي يتم في مواقع الإنتاج وسوق العمل ومراكز التدريب وسائر المؤسسات التي تقدم تدريبا غير مباشر، ينبغي أن يستمر طوال العمر بحيث يستجيب للمطالب المتغيرة في سوق العمل ولحاجات المجتمع الجديدة. وهكذا أصبح النظام التربوي، في هذه النظرة الجديدة شبكة معقدة من أنواع التعليم والتدريب تتم في مؤسسات متباينة رسمية وغير رسمية، نظامية وغير نظامية، وتعد الطالب للاستجابة دوما وأبدا لمطالب سوق العمل الجديدة ولحاجات المجتمع المتغيرة: وهذا هو المعنى الأصيل لمفهوم التربية المستمرة. إنها استجابة مرنة لمطالب التغير في العصر، تجعل النظام التعليمي النظامي مرنا متنوعا وتتيح الانتقال والتحرك ضمنه، وتكمل التعليم النظامي بشبكة واسعة من الأعداد والتدريب ومن تجديد الأعداد والتدريب طوال الحياة وأثناء العمل، بل في مواقع العمل نفسها غالباً، وتتكيف مع حاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وسواها. وهي حين تفعل ذلك تحدث فيما تحدث تغييراً جذرياً في زبائن التعليم، أي الذين يرتادونه: فالتعليم سواء كان نظامياً أو غير نظامي أصبح، من خلال مفهوم التربية المستمرة، مفتوحا للأعمار جميعها، يرتاده الصغار والكبار، ويقصده من شَدَأ حظاً وفيراً من التعليم ومن قل زاده منه، ويستمر «من المهد إلى اللحد» بأشكال مختلفة، ويدوم ما دامت الحياة على حد التعبير الجميل الذي نجده لدى «عمر بن العلاء».
3-4-2- على أن التربية المستمرة لا تعني فقط إكمال التعليم النظامي بالتعليم غير النظامي بأشكاله المختلفة، بل تعني، كما أومأنا إيماءات خاطفة، تعديل ذلك التعليم النظامي نفسه في ضوء مفهوم التربية المستمرة. فالتعليم النظامي يصبح، بعد الأخذ بالتربية المستمرة، تعليما مرنا في مراحله وفي تشعيب اختصاصاته وفي إمكان الانتقال من اختصاص إلى آخر وفي سن روّاده والمنتسبين إليه، ولا سيما الذين يأخذون «بالتربية المتناوبة». بل إن مناهج هذا التعليم، محتوى ومدة، لابد أن تتغير في ضوء الأخذ بالتربية المستمرة، بحيث يقدم التعليم النظامي أساسيات المعرفة وأدواتها ويدع ما سوى ذلك للتعليم المستمر. ولن نقف أكثر عند هذا المعنى الهام من معاني التربية المستمرة، فالحديث عنها يطول وليس قصدنا. وقصدنا هو أن ندرك من خلاله التغير الذي يمليه مفهوم التربية المستمرة على تدريب المعلمين أثناء الخدمة. ذلك أن هذا التدريب يغدو في هذه الحال جزءاً من إعداد مستمر متصل، يبدأ قبل ممارسة التعليم ويستمر طوال مرحلة الخدمة بأشكال مختلفة وصور متجددة تستجيب لما يطرأ على المجتمع وحاجاته وعلى التربية ومفهومها وعلى التنمية ومطالبها من تغيّر مستمر وتجدد لا ينقطع. بل إن هذا المعنى يبرز بشكل واضح أهمية تدريب المعلمين على التعلّم الذاتي بحيث يصبحون قادرين على تعليم أنفسهم بأنفسهم إلى حد كبير، وأهمية تدريبهم على الابتكار والخلق والإبداع.
ونقول مرة أخرى عابرين، إن مثل هذه الرؤية ومثل هذه الأهداف لا يحققهما بالضرورة مجرد تدريب المعلمين أثناء الخدمة للحصول على شهادة جامعية.
3-4-3- ومن هنا فإن مفهوم التربية المستمرة يستلزم إحداث أنماط جديدة من التعليم بوجه عام ومن تدريب المعلمين أثناء الخدمة بوجه خاص، وإن نمط التعليم والتدريب التقليديين لا بد أن يتغير من خلالها مادام دور المعلم قد تغير مع تغير وظائف التربية في صلتها بالمجتمع وبعالم العمل.
ولعل من الممكن تلخيص التغيرات الكبرى التي تمليها التربية المستمرة على نظام التربية وعلى تدريب المعلمين أثناء الخدمة (وعلى إعدادهم قبل الخدمة بالتالي) في الأمور التالية:
(أ) تحرير المناهج المدرسية من النزعة الموسوعية، وتوجيه الاهتمام فيها إلى «آليات المعرفة الأساسية»، والاعتماد المتزايد على أجهزة الإعلام الجديدة وعلى تكنولوجيا التربية بوجه عام، الأمر الذي يفرض أن نستخلص ما يلزم عن هذا كله من تغير في إعداد المعلمين قبل الخدمة وبعدها.
(ب) الحاجة إلى تكوين مواقف واتجاهات ذاتية جديدة لدى المعلمين. وأهمها القدرة على الاعتماد على أنفسهم وعلى تعليم أنفسهم وعلى الاستمرار في التعليم وفي توسيع آفاق معرفتهم. ويتبع ذلك إيقاظ كفاءاتهم المبدعة والخلاقة وقدرتهم على التجدد والتجديد.
(ج) إدراك ما تؤدي إليه التربية المستمرة من انتقال متزايد من التعليم بالمعنى الأكاديمي التقليدي إلى التعليم بالمعنى الحديث الواسع الذي يضم اكتساب الخيرات التقنية والمهنية والإعداد للعمل وللحياة. ويعني هذا أن ثمة عددا من الميادين التقليدية التي يعني بها التعليم عادة سوف تفقد شأنها لتحل محلها أدوار جديدة ينبغي أن يضطلع بها المربي. من هذه أن الانزلاق المستمر للقيم والمعارف في المجتمعات الحديثة يبطل الأدوار الساكنة للمعلمين في هذا المجال، التي تقتصر على الإعادة والتكرار. ومن هذه أيضا أن تقدم العلوم والتقانة وما يمليه من تطور في الميدان الاجتماعي والاقتصادي وما يطرحه من مشكلات جديدة دوما، أمور نفرض توجيه عناية أساسية إلى القدرات الخاصة بالمرونة الذهنية وبالروح المبدعة وبالقدرة على إيجاد الحلول المبتكرة.
(د) ثم إن المعلم في إطار التربية المستمرة يمكن أن يضطلع بمهمات عديدة غير مهنة التعليم: فقد يدعى لان يسهم في تعديل المناهج، وقد يطلب إليه أن يطور كفاءات زملائه في بعض المجالات، وقد يسمى ضابط ارتباط مع المجتمع المحلي، وقد يقوم بدور رجل الإعلام أو دور اختصاصي في أدوات البث الإعلامية، وقد يسهم في فريق يجري بحثا ضمن المدرسة، وقد يضطلع بدور خبير في التعليم عن طريق الحاسوب، وقد يغدو مستشارا في تقويم ما يجري من تعليم يساعد زملاءه على التأكد من صحة عطائهم، وقد يغدو اختصاصيا في دراسة الصعوبات التي يلقاها الطلاب وفي علاج التخلف الدراسي، وقد يصبح عضوا في نقابة المعلمين، إلى غير تلك من الأدوار التي تهم المدرسة والمجتمع المحلي حولها.
وهكذا يتغير دور المعلم تغيّراً واسعاً. ولا ينصب الاهتمام ضمن هذا التغير على الحصول على شهادة معينة أو على نقل معرفة معينة، بمقدار ما ينصب على تكوين القدرة على الاضطلاع بجميع أنماط العلائق التربوية، وبجميع المهمات الجديدة التي تمليها الأدوار الجديدة التي يتولاها المعلم.
ونقول عابرين أن من أبرز تلك القدرات التي ينبغي أن يعني بها التدريب المستمر القدرات الاجتماعية – العاطفية التي قلما ترد الإشارة إليها على أقلام المربين. فالمعلم الحديث، من خلال ما رأينا من تغير دوره، ينبغي أن يكتسب القدرة على مخاطبة الناس وعلى مخاطبة أنماط مختلفة منهم متباينة في العمر أو الوسط الاجتماعي أو سواهما. والتجربة الهندية في هذا المجال تجربة جديرة بالتأمل. ونعني بها التجربة التي قام بها، شرانيك فايديبيث Shranik Videypeeth في «مركز تعليم الكبار» في بومباي. ولا يسمح لي المجال التوقف عندها، وجل ما في الأمر أن المعلمين فيها يدعون إلى الاضطلاع (في مجال تعليم الكبار) بأدوار جديدة كل الجدة تستلزم كفاءات اجتماعية عالية، والقدرة على التكيف والانصياع إلى معايير وقيم ثقافية مختلفة غالبا عن معاييرهم وثقافتهم، الأمر الذي يمكنهم من التقاط حاجات الناس ولا سيما العاطلين مؤقتا عن العمل(1).
(هـ) وهكذا نرى في الجملة أن الاتجاهات والتجارب العالمية الحديثة في مجال تدريب المعلمين أثناء الخدمة، ولا سيما من خلال مفهوم التربية المستمرة، تؤكد المنطلق الذي يتصدر دراستنا وينسل في أرجائها، وهو أن الفكرة التي تنزع إلى رفع مستوى المعلمين، قبل الخدمة وبعدها، عن طريق إضافة سنوات تعليمية جديدة، فكرة تحتمل البحث والنقاش المستفيض، ولا تصمد طويلا أمام الاتجاهات التربوية الحديثة وأمام دروس التربية المستمرة التي أتينا على بعضها. ولا تتخذ هذه الفكرة معناها إلا إذا تمت إضافة السنوات التعليمية الجديدة من خلال منهاج تعليمي حديث يعيد النظر في مضمون الإعداد قبل الخدمة والتدريب بعدها، ويربط بينهما بوجه خاص. فالمهم ليس أن نضيف سنوات إلى الإعداد والتدريب، بل أن نملأ هذه السنوات وسواها بحياة جديدة ونمدّها بما يمليه حصاد التجربة التربوية العالمية. ومن هنا نجد الارتباك والحيرة في بلدان العالم المختلفة حول فكرة مدّ سنوات الإعداد قبل الخدمة وسنوات التدريب بعد الخدمة، كما سنرى فيما بعد. لقد قيل في معرض الحديث عن طوال العمر: ليس المهم أن نضيف سنوات إلى الحياة، بل الأهم أن نضيف حياة إلى السنوات. ونقول ههنا في مجال تدريب المعلمين: ليس المهم أن نضيف سنوات إلى التدريب، بل الأهم أن نضيف تدريبا ملائما إلى السنوات. الأمر كله يتوقف إذن – بالنسبة إلى موضوع دراستنا – على مدى قيمة المعارف النظرية والإعداد التربوي المهني وسواها من ضروب الزاد العلمي التربوي الذي تقدمه الجامعة وكلياتها للمعلمين قبل الخدمة وبعدها. وسيان أن يقدم الزاد العلمي التربوي الصحيح في إناء الجامعة أو في سواها من الآنية. فمحتوى الآنية هو الحكم والمرجع.
رابعاً: من توصيات المؤتمرات الدولية في مجال تدريب المعلمين
4-1- توصية «المؤتمر الدولي للتربية» رقم (69):
ولعل مما يزيد في توضيح ما سبق أن قلناه عن التغير الذي يصيب تدريب المعلمين نتيجة للتغيرات الكبرى في العصر ولا سيما في مجال العلم والتقانة والحياة الاجتماعية والاقتصادية ونتيجة لانعكاس ذلك على نظام التربية، أن نعرض بإيجاز لأهم التوصيات التي أتت بها المؤتمرات الدولية في هذا المجال. ولعل أكمل هذه التوصيات على قدمها، التوصية رقم (69) التي صدرت عن المؤتمر الدولي للتربية “في دورته الخامسة والثلاثين، التي انعقدت خلال الفترة الواقعة بين 27 آب/ أغسطس و4 أيلول سبتمبر 1975. وهي توصية موجهة إلى وزراء التربية حول تطور الدور الذي يضطلع به المعلمون، وآثار هذا التطور على الإعداد المهني لهم قبل الخدمة وبعدها. ونقتطف من هذه التوصية بعض البنود والفقرات التي تعنى بتدريب المعلمين بوجه عام والتي لها علاقة، وإن تكن غير مباشرة، بموضوع دراستنا:
4-1-1- تتحدث التوصية عن دور المعلمين وسواهم من العاملين في التعليم في تطوير العملية التربوية. ومما جاء فيها بهذا الصدد:
أ- أن المعلمين والإداريين وسائر المعنيين بالتربية على مختلف المستويات ينبغي أن يعوا دورهم في الحال الراهنة من تطور التربية. إن عليهم أن يدركوا أن أدوارهم ووظائفهم ليست أدوارا ووظائف محددة وثابتة إلى الأبد، بل هي تتغير بتأثير التغيرات التي يخضع لها المجتمع ونظام التربية نفسه.
ب- على الرغم من تنوع النظم التربوية ونظم إعداد المعلمين تبعا لاختلاف البلدان، يبدو من الضروري بوجه عام أن تخضع سياسات التربية وتشريعاتها المتصلة بالوظائف الخاصة للمعلمين، للمراجعة ولتفحص عميق جديد على المستوى الوطني الشامل. ومثل هذه الدراسات الوطنية، التي تتم بمساعدة المعلمين أنفسهم، ينبغي أن تؤدي إلى أن تضع لجميع فئات المعلمين وسائر العاملين في التربية سمات مهنية تتضمن تعريفات دقيقة للأدوار والوظائف التي يطلبها منهم المجتمع.
ج- ينبغي اتخاذ إجراءات من أجل التأكد من أن المعلمين القائمين بالخدمة والطلاب الذين يعدّون لمهنة التعليم يدركون حق الإدراك تطور الدور الموكل إلى المعلمين ويبدون قادرين على الاضطلاع بوظائف وأدوار جديدة.
4-1-2- وفيما يتصل بتدريب المعلمين أثناء الخدمة بوجه خاص، وردت في التوصية جملة من الاتجاهات نقتطف منها ما يأتي:
أ- إن الإعداد المستمر ينبغي أن يكون جزءا لا يتجزأ من عملية إعداد المعلمين. ومن اللازم بالتالي أن يتم القيام به بشكل منتظم، وأن يوجه إلى جميع فئات العاملين في ميدان التربية. والطرق المتبعة فيه ينبغي أن تكون مرنة إلى أبعد مدى ممكن وأن تتكيف مع الحاجات التربوية للمعلمين ومع السمات الخاصة بكل منطقة، وأن تأخذ بعين الاعتبار تطور مختلف مواد التعليم وتقدم سائر أنواع المعرفة.
ب- ينبغي توسيع مجال عمل معاهد المعلمين بحيث لا تقتصر على الإعداد الأولى للمعلمين قبل الخدمة، بل تسهم أيضا إسهاما بيّنا في إعدادهم اللاحق وتدريبهم المتصل. ومن المستحسن بالتالي أن توفر هذه المعاهد الإعداد المسبق والإعداد المتصل.
ج- التعليم الذاتي ينبغي أن يعد عنصرا أساسيا من عناصر الإعداد المستمر للمعلمين. وعلى السلطات التعليمية ومراكز البحث التربوي والتوثيق التربوي أن تقدم العون للمعلمين من أجل أن يقوموا بتنظيم إعدادهم الفردي الذاتي أثناء الخدمة، وذلك عن طريق النصح والإرشاد، وعن طريق مدّهم بالوثائق الضرورية والمصادر الملائمة، وعن طريق تيسير الخدمات المكتبية وسواها، وعن طريق منحهم الوقت اللازم.
د- من أجل زيادة فعالية الإعداد المستمر ومن أجل تمكين العاملين في المناطق النائية من الإفادة منه، ينبغي اللجوء على نطاق واسع إلى التعليم عن طريق الأدوات السمعية البصرية كالراديو والتلفزيون، وعن طريق المراسلة.
4-2- وبعد، لقد أتينا ببعض ما ورد في هذه التوصية الدولية فيما يتصل بتدريب المعلمين أثناء الخدمة وإعداد المعلمين بوجه عام. وقد كان قصدنا مما فعلنا الأمور الآتية:
4-2-1- إدراك أهم الاتجاهات التي تستخلص من التجربة العالمية في مجال تدريب المعلمين، وعلى رأسها:
– الأخذ بمفهوم التربية المستمرة.
– التأكيد على تكامل الأعداد قبل الخدمة مع التدريب أثناء الخدمة، والاتجاه إلى توحيدهما إلى حد بعيد، بحيث يغدو الإعداد قبل الخدمة تمهيداً للإعداد المستمر بعدها، وبحيث يغدو الإعداد المستمر بعد الخدمة تكملة ضرورية للإعداد قبل الخدمة، وبحيث يتفاعل الجانبان تفاعلاً مستمراً.
– الاتجاه إلى أن يتم كلا الإعداد قبل الخدمة والتدريب بعدها في معاهد واحدة، والجنوح بالتالي إلى أن تضطلع معاهد إعداد المعلمين بالدورين معاً.
– إدراك التغير الكبير الذي ينبغي أن يتم في مجال إعداد المعلمين وتدريبهم نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتقانية والتربوية في عصرنا المغذّ في مسيرته.
– تطوير إعداد المعلمين وتدريبهم تطويراً يتفق مع المهمات الجديدة التي توكل إليهم والتي تصبح مهمة التعليم فيها مجرد جزء يسير منها.
4-2-2- تأكيد تلك الحقيقة التي تثوي وراء دراستنا كلها، وهي أن تطوير إعداد المعلمين قيل الخدمة وبعدها، في ضوء التغيرات في دور المعلم التي طالما أشرنا إليها، لا يكون فقط عن طريق مدّ سنوات الإعداد والتدريب، بل يكون أولا وقبل كل شيء عن طريق تطوير الإعداد والتدريب التطوير الجذري الملائم. وعلى رأس جوانب ذلك التطوير التأكيد على أهمية التعليم الذاتي وتدريب المعلمين على تعليم أنفسهم بأنفسهم وتيسير ذلك لهم، كما رأينا في التوصيات التي أتينا على ذكرها (هذا بالإضافة طبعا إلى تنمية كفاءات نفسية أشرنا إليها، كالقدرة على الإبداع وعلى التواصل الاجتماعي وسواها). ولا نغلو إذا قلنا أن التعلم الذاتي، في أحد أبعاده، وما أكثرها، ضرب من مدّ زمن الإعداد والتدريب بغير حدّ. وهو في أحد معانيه إضافة جوهرية لا شكلية لسنوات من الإعداد والتدريب مضمرة غير ظاهرة، لا تعرف حدّا ولا يقوى على فيضها سدّ.
4-2-3- الوصول إلى موقف سديد فيما يتصل بحصول المعلمين على الشهادة الجامعية بعد التدريب أثناء الخدمة. فما أتينا على ذكره يبين أمرين:
– أولهما أن الحصول على الشهادة الجامعية ليس دوماً معياراً كافياً للارتفاع بمستوى المعلمين. والمعيار هو مضمونها ومحتواها ومدى ملاءمتها لحاجات التعليم الجديدة، كما قلنا ونقول كرة بعد كرة.
– وثانيهما أن محتوى تدريب المعلمين أثناء الخدمة ومدته ومستواه أمور يحددها التحليل الموضعي للواقع التربوي القائم: ويشمل هذا التحليل حاجات هذا الواقع التربوي والتغيير المطلوب من جانب، ونوع البرامج التي تقدم في معاهد (أو كليات) إعداد المعلمين قبل الخدمة من جانب آخر. ومن هنا فان النظرة السليمة تفرض أن يدرس الإعداد قبل الخدمة الذي يقدم في المعاهد أو الكليات أو الجامعات أثناء وضع الخطة المطلوبة لتدريب المعلمين أثناء الخدمة، وأن يطرح أولا وآخراً السؤال الأتي: هل يستجيب معاهد أو كليات المعلمين أو كليات التربية الجامعية لمطالب التغير التربوي عن طريق البرامج التي تتبعها في إعداد المعلمين؟ وهل تقديم تدريب المعلمين أثناء الخدمة هدفه الحصول على شهادتها يمكن هؤلاء بالتالي من اكتساب المعارف والكفاءات والمهارات التي يستلزمها النظام التربوي المتغير؟ ولنا عود إلى هذا كله وما أتينا به لا يعدو أن يكون مقدمة وتمهيداً.
خامساً: إعداد المعلمين قبل الخدمة والحصول على شهادة جامعية أولى:
والآن، وبعد أن أدركنا روح التجارب العالمية في مجال إعداد المعلمين وتدريبهم بعد الخدمة، آن الأوان لكي نطرح مباشرة السؤال الأساسي الذي تطرحه هذه الدراسة: نعني ماذا نجد في التجربة العالمية القائمة في مجال تدريب المعلمين أثناء الخدمة تدريبا يستهدف تزويدهم بشهادة جامعية أولى؟
5-1- إعداد المعلمين قبل الخدمة والشهادة الجامعية:
ومن أجل الإجابة على هذا السؤال لنبدأ أولا بالحديث عن الصلة بين الإعداد قبل الخدمة وبين الشهادة الجامعية، مسائلين: ما هي التجارب العالمية التي يتم فيها إعداد معلمي التعليم الابتدائي قبل الخدمة على المستوى الجامعي والتي تتوّج الأعداد فيها شهادة جامعية أولى بالتالي (كالبكالوريوس)؟
ولا شك أن التجارب العالمية بهذا الصدد متنوعة جدا ومختلفة، بل هي في كثير من الأحيان متباينة في البلد الواحد. وسنحاول تقديم صور خاطفة عنها من الزاوية التي تعنينا، نعني مستوى الإعداد والشهادة التي تتوّجه.
5-1-1- من أجل وصف التجربة العالمية في مجال سنوات الإعداد، لنبدأ أولا بالتذكير بأربعة مستويات من مستويات التعليم التي وردت في التصنيف الدولي النموذجي لمراحل التعليم وهي المستويات الأربعة التي ترتبط بإعداد المعلمين:
المستوى -2 مستوى المرحلة الأولى من التعليم الثانوي التي يرتادها الطلاب في سن الحادية عشرة أو الثانية عشر والتي تشتمل على سنوات دراسية ثلاث.
المستوى -3 مستوى المرحلة الثانية من التعليم الثانوي، التي تبدأ في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من العمر وتمتد سنتين أو ثلاثاً.
المستوى -5 وهو المستوى الأول من المرحلة الثالثة من التعليم التي تنتهي بشهادة غير معادلة للشهادة الجامعية الأولى. ويتم الانتماء إليه حوالي سن السابعة عشرة ويضم سنتين دراسيتين أو ثلاثاً.
المستوى -6 وهو المستوى الأول من المرحلة الثالثة من التعليم التي تؤدي إلى شهادة جامعية أولى أو ما يعادلها، ويتم الانتساب إليه حوالي السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر ويستمر سنوات ثلاثاً أو أربعاً.
وإذا ما نظرنا إلى إعداد المعلمين قبل الخدمة في بلدان العالم المختلفة من خلال هذا التصنيف، كان علينا أولا أن نسقط من عرضنا المستوى (2) (مستوى المرحلة الأولى من التعليم الثانوي) لأننا لا نجد أي بلد في العالم اليوم يتم فيه إعداد المعلمين على هذا المستوى (ماعدا استثناءات نادرة).
إذن يقع تدريب المعلمين قبل الخدمة في المستويات الثلاثة الباقية (3 و5 و6) في مختلف النظم التربوية العالمية. بل إنه يقع في معظم البلدان في المستوى (5) وهو مستوى التعليم العالي، حيث يتم الإعداد لمدة سنتين أو ثلاث أو أربع أحيانا في معاهد للمعلمين لا تمنح شهادة جامعية.
5-1-2- وفي العديد من البلدان يتم الإعداد على مستويين من هذه المستويات الأربعة (كالمستوى 5 والمستوى 6 في أستراليا وكندا). وفي بلدان أخرى يتم الإعداد على المستويات الثلاثة جنبا إلى جنب، كما في سويسرا.
وقد قامت منظمة اليونسكو في بداية الثمانينات باستقصاء لدى الدول الأعضاء في المنظمة حول أنماط إعداد العاملين في التعليم قبل الابتدائي وفي التعليم الابتدائي وفي التعليم الثانوي (فضلا عن العاملين في ميدان التربية الخاصة، تربية المعوقين). كما قامت بدراسة تحليلية مقارنة لنتائج هذا الاستقصاء نشرت في مؤلف هام(2). وقد استبان من الاستقصاء أن 18 دولة فقط بين الدول الثماني والأربعين التي تمّت دراستها تعد معلمي التعليم الابتدائي على المستوى (3) أي على مستوى المرحلة الثانية من التعليم الثانوي. أما سائر الدول فيتم إعداد المعلمين فيها على المستوى التالي للتعليم الثانوي (المستوى 5). وبين هذه الدول الأخيرة ربعها فقط، أي ثماني دول، يتم فيها إعداد المعلمين على المستوى الجامعي (المستوى 6). أما في الدول الاثنتين والعشرين الباقية (أي ما يعادل ثلاثة أرباع المجموعة) فإعداد معلمي التعليم الابتدائي يتم في معاهد عليا للمعلمين ليست ذات طابع جامعي. على أن التفريق بين الدراسات الجامعية والدراسات غير الجامعية يزداد غموضا يوما بعد يوم. فأحيانا لا يعدو أن يعني أن معهد المعلمين الذي يتم فيه الإعداد لا يرتبط إدارياً بالجامعة، في حين أن المستوى المطلوب للانتساب ومستوى الشهادات التي تمنح عند التخرج واحد في الحالين. وفي مثل هذا الحال لا يعدو الأمر أن نكون أمام معهد مواز يمكن اعتباره عمليا معهدا جامعيا. وفي حالات أخرى، يكون معهد الإعداد في منزلة بين منزلتين، بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي.
ومهما يكن من أمر في وسعنا أن نقول بوجه عام أن ثمة نزعة شاملة لدى الدول المختلفة لرفع مستوى إعداد المعلمين وعدد سنوات الإعداد، لا سيما أن التعليم الإلزامي أصبح يشمل لدى الكثير من الدول المرحلة الابتدائية والمرحلة الأولى من التعليم الثانوي (التعليم المتوسط). وفي مثل هذه الحال، تبدو الحاجة إلى تخصص المعلمين في مواد التدريس المختلفة خلال السنوات الثلاث الأولى من التعليم الثانوي (وقبل ذلك أحيانا، كما في بعض الدول التي تأخذ بمبدأ معلم المادة منذ التعليم الابتدائي والتي يبدأ بعض التخصص فيها منذ السنتين النهائيتين من المرحلة الابتدائية).
وقد يحدث أيضا في بعض الدول أن يدرّس حاملو الشهادات الجامعية في المدارس الابتدائية، ولا يجري هذا فقط في الأحوال البدهية التي يتم فيها إعداد المعلمين في الجامعة، بل يجري أيضا في الأحوال التي لا يملك فيها حملة الشهادة الجامعية أي تأهيل تربوي وأي إعداد لمهنة التعليم (على نحو ما نجده في كثير من البلدان النامية).
5-1-3- وبوجه عام يكشف تحليل الواقع كما قامت به اليونسكو وسواها عن الاتجاهات التالية في مجال إعداد المعلمين على اختلاف أنواعهم (من حيث المستوى والمدة).
أ- ثمة اتجاه بيّن نحو تقديم تدريب على مستوى التعليم العالي، بل حتى على مستوى الجامعة، للمعلمين جميعا في شتى مراحل التعليم على السواء.
ب- معلمو التعليم السابق على المرحلة الابتدائية ومعلمو المرحلة الابتدائية يتلقون إعدادهم في معاهد للمعلمين تنزع في معظم البلدان إلى أن تصبح معاهد على مستوى ما بعد التعليم الثانوي.
ج- التعقد الكبير في الوظائف الحالية للمعلم يقود إلى إغناء وتنويع أنواع التعليم التي تعطى في مراكز الإعداد. وبوجه خاص، ثمة نزوع متزايد إلى الجمع بين التخصص وبين الإعداد العام.
د- بدلاً من الإكثار من معاهد الإعداد، ثمة نزوع إلى الربط بين هذه المعاهد بحيث تضطلع مجتمعة بمهمة إعداد المعلمين. وعند ذلك يتم تعليم المحتوى العلمي لكل مادة دراسية في معاهد مختلفة (الكليات أو الأقسام الجامعية التي تعنى بالآداب أو العلوم الإنسانية، أو التي تعنى بالعلوم الدقيقة وعلوم الطبيعة، بل حتى تلك المعاهد والمدارس التقنية العليا)، بينما يتم الإعداد التربوي في معاهد أو أقسام تربوية بل حتى في معاهد للمعلمين. ولا حاجة إلى القول إن ثمة نظامين متبعين في هذا المجال: نظام الإعداد التربوي التالي للحصول على الشهادة الجامعية المطلوبة (المنحى التتابعي) ونظام الإعداد التربوي الذي يتم عبر سنوات الدراسة الجامعية في معاهد التعليم العالي نفسها أو في مركز تربوي (المنحى التكاملي).
5-2- تجارب عالمية في ميدان إعداد المعلمين قبل الخدمة وصلة ذلك بالشهادة الجامعية:
ويعنينا بوجه خاص، لأغراض بحثنا، أن نتريث عند بعض الدول التي يتم فيها إعداد معلمي التعليم السابق على المرحلة الابتدائية ومعلمي التعليم الابتدائي على المستوى الجامعي. وهي دول قليلة كما سبق أن ذكرنا، نشير إلى أهمها وإلى طراز الإعداد فيها بإيجاز شديد:
(أ) في بريطانيا، يتم إعداد معلمي التعليم الابتدائي عن طريق «كليات التربية Colleges of Education)، وهي معاهد تعليم عال (غير جامعية مع ذلك) يدخلها الطالب في سن الثامنة عشرة، بعد أن يكون قد قضى قبل ذلك ثلاث عشرة سنة من الدراسة (سبع في المدرسة الابتدائية وست في المدارس الثانوية).
وتستمر الدراسة في كليات التربية ثلاث سنوات تتوّجها شهادة. أما الحاصلون على شهادة جامعية فتقتصر الدراسة في كليات التربية لديهم على سنة واحدة. أما التعليم الإلزامي فمدته إحدى عشرة سنة (من سن الخامسة حتى السادسة عشرة).
(ب) وفي السويد ثمة نظامان متميزان لإعداد المعلمين: الأول هو الإعداد خلال سنتين ونصف السنة أو ثلاث سنوات في معاهد المعلمين من أجل تكوين معلمين للسنوات الست الأولى من التعليم الأولي (الذي يدوم تسع سنوات). والثاني هو الإعداد خلال ثلاث سنوات في الجامعة إعداداً ينتهي بالشهادة الجامعية الأولى (Kandidat)، ثم الإعداد إعدادا تربويا خلال سنة واحدة في معاهد المعلمين، وذلك من أجل تكوين معلمي السنوات الثلاث الأخيرة من التعلم الأساسي أو معلمي التعليم الثانوي.
وإذا أردنا المزيد من التوضيح، قلنا إن التعليم الأولي أو الأساسي (Grundskold) في السويد يدوم تسع سنوات، بين السابعة والسادسة عشرة من العمر، وهو تعليم إلزامي، ويشتمل هذا التعليم على ثلاث حلقات، مدة كل منها ثلاث سنوات: الحلقة الأولى والحلقة الوسطى والحلقة العليا وفيها مواد اختيارية: هي اللغة الأجنبية الثانية (الألمانية والفرنسية، بينما اللغة الإنكليزية إجبارية من السنة الثالثة حتى التاسعة)، والفنون والتكنولوجيا والعلوم الاقتصادية.
وفي نهاية الحلقة الثالثة يمنح الطالب شهادة إتمام الدراسة الأساسية التي تسمح له بدخول المدرسة الثانوية (Gymnasieskela) التي تضم فيما تضم دروسا تقنية ومهنية.
ومن هنا كان للمعلمين مؤهلات مختلفة تبعا لاختلاف الدراسات التي يضمها التعليم الأساسي.
فمعلمو الحلقة الأولى والحلقة الوسطى يعدون في معاهد المعلمين العليا (Lärarhögskola)، ومن أجل دخول هذه المعاهد ينبغي أن يكونوا حاصلين على شهادة إنهاء الدراسة الثانوية. والسن الدنيا للقبول هي 18 سنة.
ويدرس الراغبون في دخول سلك التعليم الذين يرغبون في التدريس في الحلقة الأولى من التعليم مدة خمسة فصول دراسية، يحصلون في نهايتها على شهادة أهلية التعليم للحلقة الأولى من التعليم الأساسي ويدرسون خلالها التربية وطرائق التدريس ومواد الثقافة العامة التي يتخيرون اثنتين منها من أجل الاختصاص فيها مما يتيح لهم القيام بتدريسهما في الحلقة الوسطى من التعليم الأساسي.
أما المعلمون الراغبون في التعليم في الحلقة الوسطى (السنة الرابعة إلى السادسة من التعليم الأساسي) فتمتد دراستهم في معاهد المعلمين ثلاث سنوات. ويختصون في مادتين من مواد الثقافة العامة، الأمر الذي يتيح لهم أن يضطلعوا بتدريسهما في المرحلة العليا من التعليم الأساسي.
ويتم إعداد معلمي الحلقة العليا من التعليم الإلزامي في الجامعة ثم يتابعون بعدها سنة من الإعداد التربوي في معهد المعلمين.
(ج) وفي بعض مقاطعات سويسرا (مثل جنيف وبال) يعد معلمو التعليم الابتدائي في الجامعة لمدة ثلاث سنوات في جنيف، ولمدة سنتين في «بال»). أما في معظم المقاطعات الأخرى فيتم الإعداد في معاهد المعلمين لمدة أربع سنوات أو خمس، السنوات الأولى منها تنتمي إلى المرحلة الثانية من التعليم الثانوي، والسنوات الأخيرة يتم فيهال إعداد مهني تربوي.
(د) وفي كندا تسود النزعة إلى أن يتم امتصاص معاهد المعلمين من قبل الجامعات، حيث تقوم الكليات العلمية وكليات التربية بإعداد المعلمين للتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي على حد سواء.
ويختلف الأمر من ولاية إلى أخرى، وحتى من جامعة إلى أخرى. كما أن التمييز بين الابتدائي والثانوي ليس تمييزا قاطعا على النحو الذي نجده في بلدان أخرى.
ولكي يغدو المرء معلما، عليه أولا أن يكون قد قام بالدراسات الابتدائية والثانوية التي تمتد اثنتي عشرة سنة (باستثناء «كيبيك Quebec» حيث تمتد إحدى عشرة سنة و «أونتاريو» حيث تمتد ثلاث عشرة سنة). وبعد ذلك تدوم الدراسة في معاهد المعلمين سنتين بوجه عام بعد الدراسة الثانوية، وتتوّجها شهادة أهلية التعليم الابتدائي وعندما يتم الإعداد عن طريق الجامعة (كليات أو أقسام التربية) يختلف هذا الإعداد اختلافا واضحا تبعا لتباين أنماط تنظيم الجامعات وتباين طراز الإعداد الذي تقدمه ومدة الدراسة ومناهجها المختلفة. وشروط دخول مهنة التعليم تختلف من منطقة إلى أخرى. وأقلها سنتان من الإعداد بعد المرحلة الثانوية. غير أنه يطلب في معظم الأحيان الحصول على شهادة جامعية: كشهادة “البكالوريوس“، وهي أول شهادة جامعية يتم الحصول عليها بعد ثلاث سنوات من الدراسة – وكشهادة “الأستاذية“ (الماجستير) التي تستلزم سنتين إضافيتين أخريين – وكشهادة الدكتوراه التي يتم الحصول عليها بوجه عام بعد سنتين من شهادة “الأستاذية“. والمعلمون الذين لم يتلقوا إعداد تربويا يجب عليهم أن يتقدموا خلال خمس سنوات لفحوص في بعض مواد علوم التربية قبل بدء كل عام دراسي.
(هـ) وفي الولايات المتحدة الأمريكية على معلمي المستقبل أن يلتحقوا بدراسة على المستوى الجامعي، يتم قبولهم فيها وهم في الثامنة عشرة من العمر، بعد أن يكونوا قد درسوا اثنتي عشرة سنة سابقة موزعة على النحو التالي: ست سنوات في المدرسة الابتدائية – ثلاث سنوات في المدرسة المتوسطة – ثلاث سنوات في المدرسة العليا (High school). على أن ثمة مؤسسات تطبيق نظام 8+4.
ويتم إعداد المعلمين على اختلاف مستوياتهم في معاهد جامعية مختلفة، ويمكنهم بعد تخرجهم أن يمارسوا التعليم في المرحلة الابتدائية أو المرحلة الثانوية على حد سواء. بل إن جملة الجهاز التعليمي يتكون في معاهد ذات مستوى جامعي، هي «كليات المعلمين Teachers Colleges» أو في الكليات الإنسانية في الجامعات، دون أن يكون ثمة تمييز بين معلمي المرحلة السابقة على التعليم الابتدائي ومعلمي التعليم الابتدائي ومعلمي التعليم الثانوي. وهذا ما وجدناه أيضا في المملكة المتحدة وما سنجده في اليابان. وأكثر من نصف الجامعات الحكومية والخاصة التي يزيد عددها على (2200) تقدم برامج للإعداد التربوي. ومدة الدراسة فيها عادة أربع سنوات تنتهي بشهادة البكالوريوس التي هي أول شهادة جامعية. وبعض المعلمين يحملون لقب الأستاذية (الماجستير)، وهي الدرجة الجامعية الثانية التي يتم الحصول عليها بعد ست سنوات من الدراسة عادة.
والسنتان الأوليان في هذا الإعداد تحملان طابعاً عاماً: دراسات أدبية – دراسات اجتماعية – علوم طبيعية – فنون …… أما خلال السنتين الأخيرتين فنصف الوقت مخصص عادة لمادة الاختصاص التي يختارها الطالب. أما النصف الباقي (أي ربع الوقت الإجمالي المخصص للإعداد) فيخصص بوجه عام للمواد التربوية ولممارسة التعليم.
(و) وفي اليابان يتم إعداد المعلمين في مراكز تعليم عال معظمها أهلي. وفي كل مستوى من مستويات التعليم يتم التمييز عادة بين ثلاث فئات من المعلمين تبعا للإعداد الذي تلقوه: المعلمون من الفئة I، والمعلمون من الفئة II والبدلاء.
وهكذا إذا نظرنا إلى معلمي التعليم الابتدائي لم نجد تشابها في الألقاب التي يحملونها. فهناك «المعلمون من الفئة I» وهؤلاء يحملون أول شهادة جامعية
(غالكوشي Galkushi). وهناك «المعلمون من الفئة II» ويشترط في هؤلاء أن يكونوا قد درسوا سنتين أو ثلاثا في الكليات التالية للتعليم الثانوي (المعاهد العليا كما تسمى أحيانا). وهنالك «البدلاء» الذين يحملون شهادة إنهاء التعليم الثانوي.
ومعلمو التعليم الابتدائي يعلّمون مواد المنهاج جميعها، باستثناء بعض المواد كالموسيقى والفنون والتربية البدنية، فلها معلمون مختصون، كما في كثير من دول العالم، ولا سيما في تلك التي تأخذ بمبدأ «معلم المادة» (لا معلم الصف) في السنوات الأخيرة من التعليم الابتدائي على أقل تقدير.
(ز) وفي ألمانيا (الاتحادية سابقاً) يتم إعداد معلمي التعليم الابتدائي ومعلمي بعض مؤسسات التعليم الثانوي في «معاهد المعلمين العليا». غير أن هذه المعاهد قد اقتربت اقترابا واضحا من الجامعة. بل إن إعداد معلمي التعليم الابتدائي في بعض المقاطعات يتم في الجامعة (كما هو عليه الأمر في «هامبورغ» أو في جامعة «غيسن Giessen» أو «هس Hesse». وفي مقاطعات أخرى تؤلف معاهد المعلمين العليا جزءا من الجامعة، بل كثيراً ما تكون الجامعة قد ولدت من خلالها وحولها.
(ح) وفي إيطاليا وضعت تشريعات منذ عام 1973 نصّت على أن إعداد معلمي التعليم الابتدائي سوف برفع إلى مستوى الجامعة.
(ط) وفي فرنسا ألفت لجنة برئاسة «دو بيريتي De Peretti» قدمت إلى وزراء التربية الوطنية في بداية عام 1982 تقريرا هاما حول إعداد المعلمين، ورد فيه نصّ يطالب “بدمج مختلف أنواع الإعداد في قلب الجامعة وتحقيق التعادل بين أنواع الإعداد تدريجياً.
(ي) وثمة بلدان أخرى تسير تدريجياً نحو اقتراب معاهد إعداد معلمي التعليم الابتدائي من الجامعة ودمجها بها شيئا بعد شيء، نذكر منها هولندا والبرتغال وأسبانيا وبعض دول أوربا الشرقية(3).
وهكذا نرى نزعة متزايدة يوما بعد يوم إلى إعداد معلمي التعليم الابتدائي في الجامعات وعلى مستوى الدرجة الجامعية الأولى، أو – على أقل تقدير – إلى الربط والتنسيق بين معاهد المعلمين والجامعات تمهيدا لدمجها الكامل فيها.
5-3- المستوى الفعلي للمعلمين الذين يمارسون التعليم الابتدائي في بلدان العالم:
وإذا نظرنا إلى المستوى الفعلي لمعلمي التعليم الابتدائي الذين يمارسون التعليم الابتدائي في مختلف بلدان العالم، وجدنا بداهة أن هذا المستوى يتباين تباينا واضحا وكبيرا بين بلد وآخر. وليس هدفنا في هذه النظرة العجلى، أن نتوقف عند واقع البلدان المختلفة أو واقع بعضها بهذا الصدد، غير أنه قد يكون من المفيد أن نقدم صور إحصائية تقريبية لهذا الواقع. وهذه الصورة نستخلصها من التقرير الإحصائي لليونسكو. وتبين هذه الصورة أن حوالي %80 من البلدان يملك معلمو التعليم الابتدائي فيها إعداداً فوق مستوى التعليم الثانوي. وتبين إحصائيات أخرى أن المعيار الأساسي الذي تستخدمه معظم دول العالم للتعبير عن مستوى إعداد المعلمين لديها هو معيار الزمن. فمعظمها يشير إلى السنة التي يتم فيها دخول معهد المعلمين والى سن الذين يدخلونها والى مدة الدراسة والى عمر الطلاب عند التخرج. وبهذا الصدد وضع «أنجيل أوليفير Angel Oliver» مؤلفاً عنوانه «إعداد المعلمين في أمريكا اللاتينية» حلل فيه تحليلا دقيقا عدد الساعات المطلوبة لإعداد المعلمين في مختلف دول أمريكا اللاتينية هذه. وقد انتهى إلى وضع جدول بين مجموع عدد ساعات الإعداد المطلوبة للحصول على لقب معلم، هو الجدول رقم (1) الأتي:
الجدول رقم (1)
مجموع ساعات الإعداد اللازمة للحصول على لقب معلم في دول أمريكا اللاتينية
المجموع المهني الثانوي الابتدائي البلد
11250 2100 3150 6000 الأرجتين
20850 3000 5750 11500 بوليفيا
7750 1950 3000 2800 البرازيل
14700 3300 4000 7400 شيلي
13200 2500 4500 6200 كولومبيا
15450 2000 6250 6400 كوستاريكا
– – – – كوبا
11450 3450 – 8000 السلفادور
11900 2300 4000 5000 الايكواتور
14250 4050 3400 6800 غواتيمالا
12200 3750 3550 4900 هائيتي
13900 3000 400 6900 هوندراس
10950 3000 3150 4800 المكسيك
13750 4050 4000 5700 نيكاراغوا
14050 3600 3550 6900 باناما
9250 3150 2700 3400 باراغواي
15700 4500 5600 5600 بيرو
10200 2000 1600 6000 جمهورية الدومنيك
11700 3800 3600 4300 أورغواي
12250 3100 2650 6800 فنزويلا
245050 60000 68450 116000 المجموع
100 24.73 27.93 47.34 متوسط النسبة المئوية
12897 3189 3803 6105 متوسط عدد الساعات
المصدر:
Angel Oliveros Alonso: la formation des enseignants en Amérique latine UNESCO 1975 P. 54
ونقع على جدول أوفى يضم دول العالم جميعها تقريباً لا نرى حاجة إلى نقله ولا سيما أنه يصل إلى نتائج شبيهة بالنتائج التي نستخلصها من الجدول السابق(4).
وقد كان بودنا أن نقف وقفة قصيرة عند محتوى إعداد المعلمين قبل الخدمة في بلدان العالم المختلفة، لولا أن ذلك ينأى بنا عن مقاصد البحث الرئيسية.
5-3-1- وهكذا نرى في الجملة أن إعداد معلمي التعليم الابتدائي (والإلزامي) قبل الخدمة يتم على مستويات وأنماط مختلفة في بلدان العالم العديدة، بل داخل البلد نفسه أحيانا. كما نرى أنه يجنح شيئا بعد شيء إلى أن يمتد مدة ومستوى، لأسباب عديدة سبق أن أشرنا إلى بعضها: منها اللحاق بحصاد المعرفة العالمية وحاجة المعلمين إلى المزيد والجديد منها – ومنها التكيف مع مطالب التجدد التربوي – ومنها تنوع وظائف المعلم – ومنها إضفاء هالة من السمو على مهنة التعليم – ومنها امتداد سنوات التعليم الإلزامي بحيث يشمل التعليم الابتدائي والتعليم المتوسط (أو سنوات منه أحيانا) – ومنها ضغط المعلمين من أجل مساواة شهاداتهم بالشهادات الجامعية في سائر مجالات المعرفة، وما يتبع ذلك من رفع مستوى أجورهم، الخ…
ومع ذلك ما تزال الدول التي تعدّ معلمي التعليم الابتدائي على المستوى الجامعي
(أو على مستوى من التعليم العالي مواز له ومعادل إلى حد ما) دولا قليلة كما رأينا، وقد تحدثنا عن أهمها، غير أن النزوع إلى مثل هذا الإعداد آخذ بالاتساع يوما بعد يوم كما سبق أن رأينا. ولكن ما هو جدير بأن نذكره هنا وننبه الأنظار إليه هو أن الدول التي يسّر لها أن ترفع من مستوى معلمي التعليم الابتدائي عندها وأن تعدّهم على المستوى الجامعي أو ما يعادله، لم تعتبر ذلك خاتمة المطاف في رعايتها لتكوين المعلمين، بل اعتبرت ذلك بداية لابدّ أن يليها تدريب مستمر لهم أثناء الخدمة، كما ذكرنا أكثر من مرة في حديثنا عن التربية المستمرة. وقد يكون من المفيد أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر أن من أهم سمات النظام التربوي في الولايات المتحدة الأمريكية العناية الدائبة بتحسين مستوى المعلمين، حتى أن ترقية المعلم الشخصية (في شتى مراحل التعليم) ورفع راتبه أمور ترتبط في جانب منها بنتائج الدورات التدريبية التي حصل عليها والتي تظهر في “سجل حياته“. وهذا ما يفسر لنا ما نراه من تزاحم المعلمين على الانتساب إلى تلك الدورات، سواء أكانت دورات مسائية أو دورات في نهاية كل أسبوع أو دورات أثناء العطل. وتخصص الجامعات أثناء الصيف شطراً كبيراً من نشاطها لهذه الدورات التي تهدف إلى إعادة التدريب وتجديده وبث طرائق تعليمية جديدة ومواد تعليمية وتقنيات تربوية حديثة.
5-3-2- وهكذا نعود فنلتقي في خاتمة المطاف مع تلك الحقيقة التي سبق أن أشرنا إلى أهميتها في نظر الاتجاهات التربوية الحديثة، ومن منظور مفهوم التربية المستمرة، وهي أن الإعداد قبل الخدمة والتدريب بعدها كل لا ينفصل، ولا يأخذ أحدهما معناه الحقيقي وشأنه إلا من خلال صاحبه، وكثيراً ما يضيع الجهد المبذول في أحدهما إذا لم يكن ثمة تفاعل بينه وبين الجهد المبذول في الثاني. ولا يعني هذا فقط أن يلي الإعداد قبل الخدمة تدريب مستمر بعد الخدمة دوما وأبدا، بل يعني أن يبنى كل منهما، من حيث المدة والمحتوى، في ضوء الآخر. فإقامة تدريب مستمر بعد الخدمة يفترض أن يأخذ بعين الاعتبار مضمون ما تمّ من إعداد قبل الخدمة، بل يفترض أن يتغير مضمون الخدمة نتيجة لخطط التدريب بعد الخدمة. والعكس صحيح. والمسألة في النهاية مسألة تأثُّر وتأثير متبادلين، أو هي، بتعبير أصح، مسألة خطة شاملة لتدريب المعلمين (قبل الخدمة وبعدها) توكل إلى الإعداد قبل الخدمة جانبا منها والى التدريب بعدها جانباً آخر، وتقيم التكامل والتعاضد بين المهمتين، في ضوء الأهداف التي ترسمها الخطة الشاملة للتدريب والسياسة التربوية الجامعة.
سادساً: تدريب المعلمين أثناء الخدمة والحصول على شهادة جامعية أولى:
تمهيد:
6-1- الصلة بين تدريب المعلمين أثناء الخدمة وبين إعدادهم قبلها:
والآن، بعد هذه الجولة السريعة في إعداد المعلمين قبل الخدمة، بعد تقصي أهم التجارب العالمية التي نأخذ بنظام إعداد المعلمين قبل الخدمة على المستوى الجامعي أو ما يعادله، آن الأوان للانتقال إلى الجانب الأساسي الأخر من تكوين المعلمين، نعني تدريبهم أثناء الخدمة، مسائلين في خاتمة المطاف عما إذا كان حصاد التجربة العالمية يمكننا من رصد تجارب تجعل من حصول المعلمين على شهادة جامعية هدف التدريب المستمر.
6-2- أهم مبادئ تدريب المعلمين أثناء الخدمة من خلال التجارب العالمية:
ولا شك أن حديثنا عن إعداد المعلمين قبل الخدمة قد مهّد الطريق للحديث عن التدريب المستمر بعد الخدمة وأضاء كثيرا من جوانبه.
وأهم ما كشف عنه ذلك الحديث عن الإعداد قبل الخدمة من جوانب تتصل بالتدريب المستمر بعدها أمور كالآتية:
6-2-1- إعداد المعلمين ينبغي أن يخضع لتغير جذري من خلال تطور العصر والمعرفة الإنسانية ، ومن خلال تطور كل مجتمع على شاكلته، ومن خلال تطور علوم التربية وتقنياتها.
6-2-2- على الرغم من أن تطوير إعداد المعلمين لا يكون عن طريق زيادة سنوات الإعداد، يظل من الصحيح أن التغيير النوعي المطلوب في إعدادهم، والوظائف الجديدة التي لا بد أن يضطلعوا بها، وحاجات مدّ التعليم الإلزامي الأساسي سنوات عدة، أمور تجعل من اللازب زيادة سنوات الإعداد. على أن هذه الزيادة ينبغي أن تعني شيئا واحدا فقط وهو رفع محتوى الإعداد من أهداف ومناهج وطرائق وسواها.
6-2-3- إذا كانت دراسة العلوم الإنسانية والعلوم المحضة والدراسات التطبيقية وسواها تحتاج إلى دراسة جامعية تمتد أربع سنوات عل أقل تقدير، فالدراسة التي تتصل بالتعامل مع الأطفال وتنمية حياتهم النفسية، وتعهّد حياتهم العقلية والانفعالية، وفتح آفاق معرفتهم ونظرتهم إلى الكون والمجتمع، جديرة بأن تتم على مستوى جامعي رفيع وأن تطول كسواها، وأن تتوّج بما يتوّج به غيرها من شهادة جامعية.
6-2-4- مهما تكن الشهادة التي يحصل عليها المعلم في مرحلة الإعداد، ومهما تكن السنوات التي يقضيها فيه، ليس هنالك إعداد ينتهي مرة وإلى الأبد، والتغير الواقع في شتى مجالات الحياة وفي النظام التربوي بوجه خاص، يفرض كما قلنا ونقول أن يقوم تدريب مستمر بعد الخدمة، لا حدّ له الا انتهاء تجربة الإنسان وتوقف تطور العالم.
6-2-5- ولئن كان التدريب بعد الخدمة، في سنوات مضت، هو الجانب الأقل والأضعف من تكوين المعلم، فالاتجاهات الحديثة تجعل منه النّد والنظير للإعداد قبل الخدمة، بل توليه أحيانا من الأهمية ما يفوق الأهمية التي توليها للإعداد قبل الخدمة.
6-2-6- ويعني هذا، كما قلنا في أكثر من موضع أن يقوم إعداد واحد متكامل للمعلم، قبل الخدمة وبعدها. وهذا ما نراه في الاتجاهات العالمية التي أخذت تؤكد يوما بعد يوم أهمية التدريب أثناء الخدمة وأهمية ربطه بالإعداد قبل الخدمة، وعلى شأن “التربية المستمرة“ بالتالي في هذا الميدان وسواه.
6-2-7- بل إن هنالك، كما سبق أن رأينا، اتجاها لدى عدد من الدول إلى جعل كليات التربية الجامعية مراكز لتدريب المعلمين أثناء الخدمة، بحيث تكوّن برامج التدريب في الوقت نفسه ضرباً من «التغذية الراجعة» لكليات التربية نفسها.
6-2-8- تؤكد التجارب العالمية على أن يكون التدريب أثناء الخدمة وفق خطة شاملة وبرامج متكاملة، يضم أغراض التدريب المختلفة خلال فترة أو فترات زمنية معينة، وتستخدم فيها شتى طرائق التدريب ولا سيما التدريب «المتعدد الوسائل» (عن طريق المراسلة أو الوسائل السمعية البصرية فضلاً عن الدورات والحلقات الدراسية والمشاغل).
6-3- التجربة العالمية وأغراض التدريب أثناء الخدمة:
وغني عن القول أن للتدريب المستمر أثناء الخدمة، كما يبدو من استقراء التجربة العالمية، أغراضا عديدة:
– فقد يكون القصد منه مجرد تقديم فضل من التربية من أجل سدّ الثغرات التي يشكو منها الإعداد قبل الخدمة.
– وقد يكون إعداداً مكملاً يتيح للمعلم أن يجدّد معلوماته أو أن ينخرط في بعض البيئات.
– ومن الممكن كذلك أن يكون ضربا من التربية «المتناوبة» تتم حسب إيقاع دوري معين (كل ثلاث أو أربع سنوات مثلاً).
– وقد يحمل التدريب المستمر هذه المعاني كلها، وهو غالبا يحملها بالفعل، دون أن يكون أيّ واحد منها على انفراد.
– وقد نجد حالات قليلة يكون الغرض من التدريب المستمر فيها تمكين المعلم أثناء الخدمة من الحصول على شهادة معينة (كشهادة أهلية التعليم الابتدائي لدى الذين لا يحملونها، أو الحصول على شهادة جامعية كما يحدث حين يتم الإعداد قبل الخدمة على مستوى الجامعة، الخ…).
– وهنالك دول ذهبت إلى أبعد من هذا في ميدان التدريب أثناء الخدمة فأقامت مؤسسات خاصة بهذا التدريب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك «المدرسة الملكية للدراسات التربوية» بالدانمارك، وهي من المؤسسات النادرة المخصصة فقط للتدريب المستمر للمعلمين في العالم. وقد أنشئت هذه المؤسسة عام 1956، ونصّ القانون الخاص بها الذي صدر عام 1963 على ما يأتي:
«المدرسة الدانماركية للدراسات التربوية تعنى بتطوير مستوى معلمي التعليم الابتدائي ومعلمي المرحلة الأولى من التعليم الثانوي ومعلمي دور المعلمين ومن في مستواهم من العاملين في ميدان التربية، كما تعنى بتطوير استخدام البحث العلمي في إطار المدرسة».
ولا شك أن من أسباب نجاح هذه المدرسة عنايتها هذه بالبحث العلمي في التربية وبتطبيق نتائجه على الحياة المدرسية. غير أن من أسباب نجاحها أيضا أمرين:
الأول أنها تقدم ألوانا واسعة من المقررات والبرامج التي وضعت للطلاب بعض الوقت وللطلاب كل الوقت تلبي حاجاتهم التدريبية المتباينة.
والثاني أنها قامت بجهود واسعة للتعرف على آراء المعلمين عن طريق الاتصال بهم والحوار معهم ومع نقاباتهم بوجه خاص حواراً رسمياً وغير رسمي من أجل أن تقدم للمتدربين النوع الضروري والملائم من الإعداد المهني الذي ينبغي أن يتم الأخذ به في السياق التربوي المتجدد في عصرنا.
غير أن هذا النموذج الدانماركي الذي شدّ الانتباه لم يعرف مثل هذا النجاح في بلدان أخرى.
وفي الجملة لقد بذلت جهود كبيرة في العالم كله خلال العقود الأخيرة، لكي توضع تحت تصرف المعلمين نظم متطورة من التدريب المستمر. وما يجري من أخذ متزايد بالتقنيات الجديدة في الإعداد والتدريب، ومن بينها «التعلم عن بعد» تعد بمستقبل مشرق في هذا المجال.
ومع ذلك فقطاع تدريب المعلمين، شأنه شأن سواه، ما يزال بعيدا عن تطبيق «تربية مستمرة» حقاً. ومن السمات البارزة في هذا المجال ضعف التواصل والتمفصل الملائم بين الإعداد الأولي قبل الخدمة وبين التدريب المستمر بعدها، وهو ضعف نكاد نشهده في جميع بلدان العالم. وما نجده لدى بعض العاملين وحتى لدى بعض اتحاداتهم ونقاباتهم من مطالبة بمدّ سنوات الإعداد شاهد بليغ على أن التربية المستمرة لم توطد أركانها بعد. صحيح أن رفع مستوى إعداد معلمي التعليم الابتدائي إلى مستوى معلمي المراحل الأخرى من التعليم وإلى مستوى أصحاب المهن في ميادين أخرى تطلع لا يعدّ مشروعا فحسب، بل هو ضروري لا غنى عنه من أجل تقدم التربية. غير أن مما يحتمل الجدل الشديد التفكير بأن رفع مستوى المعلمين هذا ينبغي أن يتمّ لا محالة عن طريق سلوك سبيل زيادة سنوات الإعداد الأكاديمية السابقة على الخدمة. وتشهد على ضعف هذه الفكرة بعض التجارب الناجحة التي اتبعت غير هذا السبيل، بل سارت في طريق معاكس، سواء في البلدان المصنّعة أو في البلدان النامية.
6-4- التجربة العالمية ورفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة:
ومن العسير الحصول على تجارب بعض البلدان التي لجأت إلى رفع مستوى تدريب المعلمين أثناء الخدمة إلى المستوى الجامعي الذي تتوّجه شهادة جامعية (بكالوريوس مثلا). فالعثور على مثل هذه التجارب يحتاج إلى استقصاء خاص تضطلع به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أو منظمة اليونسكو أو سواهما من المنظمات الدولية المعنية أو من اتحادات المعلمين الدولية أو سواها.
– وبدهي أن تلجأ إلى مثل هذا التدريب مبدئياً الدول الآتية:
أ- الدول التي يتم فيها إعداد المعلمين أصلا على المستوى الجامعي، والتي تضم مدارسها بقية باقية من المعلمين الذين لم يسبق لهم أن تلقوا مثل هذا الإعداد الجامعي.
ب- الدول التي صدرت فيها تشريعات حديثة تقضي بإعداد المعلمين على المستوى الجامعي، والتي قد ترغب بالتالي في رفع مستوى المعلمين القائمين بالخدمة تدريجيا (أو بعضهم) إلى ذلك المستوى الجامعي.
ج- الدول التي ما يزال إعداد معلمي التعليم الابتدائي فيها يتم على مستوى المعاهد العليا بعد المرحلة الثانوية (لمدة سنتين أو ثلاث) والتي تتجه في سياستها إلى منح بعض معلمي التعليم الابتدائي (أو المتفوقين منهم) إجازة دراسية (مأجورة أو غير مأجورة) من أجل إكمال أعدادهم على المستوى الجامعي.
6-5- الاتجاهات الأساسية الكبرى في العالم في ميدان تدريب المعلمين أثناء الخدمة:
غير أن مما يهدي تجارب إعداد المعلمين أثناء الخدمة على المستوى الجامعي، ويساعد على وضع الإطار اللازم لهذا الإعداد في نطاق كل دولة راغبة فيه، أن نلقي نظرة مفصّلة بعض الشيء على حصاد التجربة العالمية المتصلة بالاتجاهات الأساسية الكبرى في ميدان إعداد المعلمين أثناء الخدمة بوجه عام، بما في ذلك إعدادهم على المستوى الجامعي. وسنرى من خلال عرضنا لهذا الإطار أنه هو الذي يحدد أوّلاً وأخراً مستوى الإعداد ومحتواه وشكله، وهو الذي يقطع بوجه خاص بملاءمة الإعداد على المستوى الجامعي للواقع التربوي لبلد معين أو بعدم ملاءمته لذلك الواقع، وهو الذي يساعد على اتباع الأسلوب الصحيح في مثل هذا الإعداد على المستوى الجامعي عند تبنيه.
ويمكننا إيجاز التجربة العالمية (ولا سيما في الدول المتقدمة) بهذا الشأن في الأمور التالية (التي قد يكون فيها بعض التكرار لأفكار سبق أن قلناها، ولكنها تأتي هنا في سياق جديد):
(أ) في دول العالم جميعها (وبوجه خاص في الدول المتقدمة منها) يعتبر إعداد المعلمين أثناء الخدمة مطلبا أساسيا من أجل تجويد جميع مراحل التربية وأشكالها وأنواعها. ومن هنا تخصص جانبا هاما من ميزانيتها من أجل هذه المهمة، وتحاول عن طريق دورات التدريب التي تعدّها أن تنسّق الإعداد السابق على الخدمة مع الإعداد اللاحق من جانب، وأن تنظم التدريب أثناء الخدمة من ناحية أخرى. وما تزال المحاولات في هذا المجال في بواكيرها. وليست ثمة دولة بلغت فيها نظم التدريب أثناء الخدمة مستواها الأمثل أو استطاعت أن تستجيب حقا للحاجات التي يفرضها عليها تطور المجتمع.
(ب) ويجيب مفهوم التربية المستمرة للمعلمين كما نراه في مختلف البلدان وفي البلدان المتقدمة بشكل خاص على السؤالين التاليين عادة: لماذا يجب علينا تقديم إعداد للمعلمين أثناء الخدمة؟ وما هي الأهداف الرئيسية لهذا الإعداد؟
ويجيب المعنيون بالأمر على السؤال الخاص بالأهداف بتحديد أهداف كالآتية (على نحو ما ذكرنا أكثر من مرة):
– تمكين نظم التربية والمعلمين من الاستجابة إلى الحاجات التي يولدها التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
– تحقيق التوافق بين مؤهلات المعلمين وبين الحاجات المتغيرة الناجمة عن تطور علوم التربية وعن العزم على تغيير مستوى عطاء هيئة التعليم.
ولا ننسى أيضا أن الأخذ بمفهوم التربية المستمرة يتأثر، بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية، بعدد آخر من العوامل والأسباب التي لا يجوز تجاهلها، كتطور حاجات الطلاب ومنازعهم وتطلعاتهم، وكالتجربة التي يحصل عليها المعلم منذ بداية عمله في التعليم، وكجملة ما يملكه المعلم من معارف وتجارب بالقياس إلى ما تمّ من تقدم في الاختصاص في مواد التعليم المختلفة، وكالفوائد التي تجنى من الجهد الشخصي الذي يمارسه المعلم لتطوير مستواه، الخ…
(ج) من الصعب الإتيان بتعريف عام لأهداف التدريب المستمر أثناء الخدمة ولأشكاله ولطرائقه ولمستويات الإعداد، بسبب تنوع التجارب وتباينها. ومع ذلك توجّه عناية متزايدة في التجربة العالمية إلى تحديد الأشكال الملائمة للتدريب أثناء الخدمة، ولا سيما في إطار التربية المستمرة.
(د) كذلك بذلت جهود كبيرة لتحديد الدور الذي ينبغي أن يضطلع به المعلمون ومديرو المدارس والموجهون في ميدان تدريب المعلمين أثناء الخدمة. وهذه الجهود في طريقها إلى توليد مفاهيم جديدة وقابلة للبقاء. ذلك أن من الضروري اللجوء إلى تدابير جديدة (منها إشراك الإداريين) من أجل مساعدة المعلم على التكيف مع التغيرات الناجمة عن ضروب التقدم السياسي والاجتماعي الاقتصادي والثقافي، بحيث يوضع المعلمون أمام مطالب الإداريين وسواهم في هذا الشأن ويكيّفون سلوكهم بالتالي وفق ذلك.
(هـ) وتلتفت التجربة العالمية بوجه خاص إلى معلمي المعلمين ومدربي المتدربين والى المعايير المهنية التي ينبغي أن تحكم اختيارهم وعملهم، وتعتبر ذلك مفتاحا لتحسين مستوى تدريب المعلمين أثناء الخدمة. ومن هنا يزداد الاهتمام بالإعداد المسبق وأثناء الخدمة لجميع المعلمين الذين يتولون تدريب المعلمين أثناء الخدمة، على اختلاف أنواعهم (أساتذة محاضرون، أساتذة تطبيقات، موجهون تربويون، الخ…).
(و) يرافق الاهتمام العالمي بتدريب المعلمين أثناء الخدمة الاهتمام الضروري بالإمكانات المالية والمادية والإعلامية التي ينبغي أن توفر لهذا التدريب كيما يكون فعالا وناجعا. وهذا الاهتمام يفتح طائفة عريضة من المشكلات، تختلف من بلد إلى آخر، وتتأثر بعوامل عديدة (هل التدريب أثناء الخدمة إلزامي؟ هل يقوم أثناء ساعات العمل؟ من الذي يقوم أو يشارك في النفقات؟ الخ…).
(ز) خلال المحاولات التي تمت لرفع مستوى تدريب المعلمين أثناء الخدمة، أولي اهتمام خاص للدور الذي ينبغي أن يقوم به مديرو المدارس. وقد استبان أن التجارب القديمة في مجال هذا التدريب قد قللت من الشأن الأساسي والدور الكبير الذي ينبغي أن يكون لمديري المدارس بهذا الشأن. بينما بينت التجارب الحديثة على العكس أن من الواجب أن يفسح مجال أوسع لدور مدير المدرسة الذي لا يعوض عنه أي دور آخر في مجال التدريب أثناء الخدمة. ومن الواجب أن تشتمل مهمات المدير بهذا الصدد مساعدة معلمي مدرسته على اكتساب معارف ومؤهلات جديدة، عن طريق اللجوء إلى مختلف فرص التدريب أثناء الخدمة التي يمكن أن تقدمها المدرسة، لا سيما أن الحاجة ماسة إلى تنشيط تبادل المعارف النظرية والتجارب العملية عن طريق التفاعل فيما بين المعلمين أنفسهم، وفيما بينهم وبين البيئة خارج المدرسة.
(ح) كذلك من اهتمام التجربة العالمية تقويم مدى فعالية التدريب أثناء الخدمة. وما تزال الجهود في هذا المجال في بواكيرها، ولم تصب تقدما ذا بال، على الرغم من اللجوء إلى بعض الطرائق والتقنيات المعقدة في هذا السبيل.
(ط) جرى اهتمام بتقويم «الدورات الأولى «Stages» التي تقدّم للمعلمين عند بداية عملهم، من أجل استخلاص نتائج التقدم المهني والشخصي الذي حصلوا عليه، وذلك لتحديد حاجاتهم من التدريب أثناء الخدمة. وقد انكب على دراسة موضوع «الدورات الأولية» هذه الكثير من الاختصاصيين، وحصلوا بفضل دراساتهم، على نتائج إيجابية. على أن فترة «التدريب الأولي» هذه لا تعتبر دوماً جزءاً من نظام تدريب المعلمين أثناء الخدمة. وثمة أسئلة عديدة ما تزال مطروحة فيما يتصل بالعلاقة بين الإعداد العام للمعلم وبين «الدورات الأولى» التدريبية.
(ي) في معظم الحالات كان هدف التدريب أثناء الخدمة تغييراً في شخصية المعلم وسلوكه – كي يستجيب – كما قلنا ونقول – للمطالب الجديدة التي يمليها على التربية تطور المجتمع والاقتصاد والثقافة. وبالتالي، يعني هذا من الوجهة النفسية تغييراً في مواقف المعلمين واتجاهاتهم. وهذه التغيرات يصيب أثرها جميع وظائف تدريب المعلمين أثناء الخدمة، مثل وظيفة التعويض (التي تعني ردم الفجوات القائمة بين المؤهلات الأصلية للمعلمين وبين المطالب الجديدة المفروضة عليهم)، ومن مثل وظيفة التوسع، (من أجل اكتساب كفاءات تسمح للمعلم أن يعلم مادة تعليمية إضافية)، ومن مثل وظيفة التخصص من أجل تمكين المعلم من اكتساب كفاءة ثانوية إضافية (كأن يصبح اختصاصيا في تقنيات التربية أو في الإعداد المجدّد، قادرا على توليد الصلة اللازمة بين تقدم الأبحاث النظرية في التربية وبين إدخال هذا التقدم فعلا في الممارسة التربوية، أي بتعبير موجز، بين الإصلاحات المرجوة وبين تطبيقها).
(ك) وتعكس البنية الأساسية للتدريب أثناء الخدمة نظام الإعداد السابق للخدمة، فلكليهما موضوعاته العامة ومواده الأكاديمية ومكوناته التربوية (المهنية)، كما لكليهما جوانب نظرية وأخرى عملية. غير أن من الخطأ أن نستخلص من قولنا هذا أن البنية الصالحة لتدريب المعلمين أثناء الخدمة ينبغي أن تتكرر في جميع برامج التدريب. وممّا ينبغي الالتفات إليه في هذا السياق أنه ليس من الضروري أن يكون محتوى المقررات محددا سلفا في مناهج التدريب. ويعني هذا مبدئيا أن كل ما يتصل بالمعرفة أو بالنشاطات الإنسانية يمكن أن يتدرب عليه المعلم بنفسه. على أن تحديد موضوعات التدريب يتبع في النهاية حاجات النظام التربوي الذي يعمل فيه المعلمون المرشحون للتدريب أثناء الخدمة. وهذه الحاجات سبق أن بحثنا أمرها في أكثر من موضع. على أنه قد يكون من المفيد أن نوجزها في ثلاث:
– تقويم المدلول التربوي للمعارف العلمية والاكتشافات الجديدة، ولشتى صور الفن، وللأحداث الجديدة في حياة الشباب والمجتمعات.
– ابتكار تجارب تربوية وتقويمها (إنتاج مواد جديدة وإدخالها لمناهج التعليم، تقنيات التربية، الطرائق التربوية، الخ…).
– نشر الجدائد المتصلة بمحتوى تدريب المعلمين أثناء الخدمة، أي نشر التغيرات التي تعتبر مفيدة وممكنة في هذا المجال، مثل البرامج الجديدة أو تقنيات تعليمية جديدة.
(ل) وفيما يتصل بمحتوى تدريب المعلمين أثناء الخدمة، تضم معظم الدورات جوانب تربوية وثقافية عامة وثقافية سياسية وبعض أوجه علم النفس التربوي وعناصر مهنية متخصصة، بالإضافة إلى دراسة مادة تدريبية معينة. ولكن هذا لا يعني اتفاق نظم التدريب المختلفة حول هذا المحتوى، وثمة تعديلات عديدة أدخلت عليه، ولا سيما في ضوء إمكان اضطلاع المعلم بوظائف أخرى غير التعليم، وفي ضوء ربط المدرسة بعالم العمل وبأهداف التنمية الشاملة. والحق أن أهم ما يميز تطور مهنة التعليم في المستقبل، كما تدل الدراسات العالمية، أمران: الأول هو الاهتمام المتزايد بالتأكد من قيمة المعلومات النظرية التي تعطى في المدرسة في واقع الحياة العملية. والثاني هو اكتساب الطالب خبرة عملية خارج المدرسة تصبح عنصراً دائماً من عناصر التربية النظامية.
(م) وأخيراً لا أخراً تتزايد النزعة إلى زيادة مدة تدريب المعلمين أثناء الخدمة، كما قلنا مراراً، ولا سيما الفترة التي تخصص للتطبيق العملي للمعلومات النظرية. هذا بالإضافة إلى الأخذ بمفهوم التربية المستمرة الذي يفترض تعدد أشكال التدريب وتنوعها تبعا للحاجة طوال المرحلة التي يقوم فيها المعلم بالتعليم. ومن الجدير بالملاحظة هنا، أن التزايد المطلوب في مدة تدريب المعلمين أثناء الخدمة ينصب، في الاتجاهات الحديثة، على التدريب العملي والتطبيق، لا على الحصول على مزيد من المعرفة، الأمر الذي يضع موضع التساؤل من جديد موضوع تدريب المعلمين أثناء الخدمة تدريبا جامعيا يمكنهم من الحصول على شهادة جامعية.
6-6- منطلقات ومبادئ التجارب العالمية في ميدان إعداد المعلمين وتدريبهم:
وراء هذه الاتجاهات وأمثالها في التجارب العالمية الجديدة، طائفة من المبادئ التي تحكم النظام التربوي وتحكم إعداد المعلمين وتدريبهم. ونقع على تلك المبادئ والمنطلقات في البلدان المصنعة بوجه خاص.
وعلى الرغم من أن تطبيق هذه المبادئ ما يزال في بواكيره حتى اليوم، فإنها يلقي مع ذلك ضوءا إضافيا على موضوع بحثنا، نعني تدريب المعلمين أثناء الخدمة على المستوى الجامعي، وتعالجه من زاوية أخرى.
وأهم تلك المبادئ والمنطلقات المنطلقان الآتيان:
(أ) الحاجة إلى بناء برامج إعداد المعلمين وتدريبهم انطلاقاً من البحث التربوي، ذلك البحث الذي تشتد حاجة النظام التربوي إليه يوم بعد يوم.
وقد أجريت بحوث عديدة في هذا المجال، منذ عام 1960 بوجه خاص، ضمت أبحاثا حول الصفات والمؤهلات اللازمة للمعلمين وحول كفاءاتهم التربوية (كما جرى في أول بحث أجراه «كولمان» في الولايات المتحدة، ثم في الأبحاث التالية المتكاثرة)، وحول العلاقة بين عمل المعلمين وبين إنتاجهم، وحول العلاقة بين معرفتهم بمادة تدريسهم وبين مردود عملهم، وحول العلاقة بين التدريب التربوي وبين القدرة التربوية والنفسية على التعامل مع الطلاب وفهمهم، وسوى تلك من الأمور اللصيق بتدريب المعلمين(5).
ولقد أتت الأبحاث التربوية العلمية التي تم إجراؤها في هذا المجال بنتائج هامة، لعل أبرزها، فيما يعنينا، أن العلاقة ليست علاقة ضرورية بين عناصر التدريب المختلفة (المدة، المحتوى، المستوى، الشهادة الخ…) وبين الارتفاع الفعلي في مستوى المعلمين الذين يتم إعدادهم. ذلك أن العوامل التي تدخل في نجاح التدريب كثيرة ومعقدة، ولا بد من وضع برامج التدريب على بيّنة منها ومعرفة موضوعية بها. ومن هنا تأتي أهمية البحث التربوي في تدريب المعلمين.
(ب) ومن هنا كذلك تأتي أهمية المبدأ الثاني أو المنطلق الثاني الذي أكدته التجارب العالمية في مجال تدريب المعلمين، ونعني به “التقويم التربوي“ للنظام التربوي بكاملة ولنظام إعداد المعلمين وتدريبهم بالتالي. فلقد أظهرت التجربة العالمية أن كل بلد بحاجة إلى معلومات موثوق بها والى بيانات منتظمة حول حقيقة مستوى النظام التعليمي بكامله وحول مستوى إنجاز المعلمين وعطائهم. ومن أجل رفع مستوى التربية عن طريق طرق التقويم المختلفة، لا بد أن يدرّب المعلمون على استخدام الروائز (الاختبارات) سواء كانت تشخيصية أو بنائية (تتم عبر النشاط المستمر للطالب). وهذا ما نجده في السويد مثلا وفي هولندا وفي سويسرا وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي استراليا وسواها.
ويشمل التقويم دون شك تقويم المعلمين أنفسهم وتقويم مستوياتهم وإنجازاتهم. ولا بد بالتالي من وضع نظام للتقويم التربوي الشامل للمعلمين أثناء الخدمة، يكشف بوجه خاص عن حاجات كل معلم من التدريب وما يستلزمه مستواه من متابعة لبعض المقرّرات التربوية أو المواد التدريسية. وتتجه كثير من التجارب الحديثة إلى الأخذ بالتقويم الذي يتم في إطار المدرسة نفسها، عن طريق تقويم المعلمين لأنفسهم، أو تقويم الإدارة والمفتشين، أو تقويم الطلاب. واليابان من أبرز البلدان التي عنيت بتقويم المعلمين لأنفسهم وجمع آرائهم. كذلك من العناصر التي يتم اللجوء إليها في التقويم أهل الطلاب والمجتمع المحلي بوجه عام.
وفي الجملة إن كثيراً من البلدان المتقدمة ترى أن جانبا أساسيا في عملية تجويد مستوى التربية توفير معلومات وطنية ودولية حول مختلف أوجه المقاييس التربوية. وهذا يتطلب دون شك أن نعرف ما هي المقاييس، وأن نكون قادرين على قياسها. وقد قامت بجهود مثمرة في هذا المجال بلدان كالولايات المتحدة الأمريكية وهولندا وبريطانيا وفرنسا وأوستراليا(6).
سابعاً: تدريب المعلمين أثناء الخدمة للحصول على شهادة جامعية: هل من شواهد عالمية؟
7-1- إن كل ما أتينا على ذكره من حصاد التجربة العالمية يشهد على أن عملية تدريب المعلمين أثناء الخدمة ليست عملية بسيطة أو وحيدة البعد، وإنما هي عملية معقدة متعددة الأبعاد. وجوهر ما تنتهي إليه هذه التجربة أن برامج تدريب المعلمين بعد الخدمة (وإعدادهم قبلها) ينبغي أن تفصّل على مقياس الذين تعدّ لهم هذه البرامج وعلى مقياس النظام التربوي في البلد المعني وما يرتبط به من أنظمة فوقية أو فرعية. والعوامل التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار كثيرة، عددنا بعضها، وعلى رأسها نتائج البحث التربوي ونتائج التقويم التربوي وأيا كان الأمر، فغاية المطاف أن نعرف معرفة علمية المسافة القائمة بين الطرفين: حاجات النظام التربوي الذي يعمل فيه المعلمون من جهة، والمستوى الحقيقي للمعلمين القائمين بالخدمة والذين نود تدريبهم من جهة ثانية. وملء هذه المسافة هو الذي يحدد برنامج التدريب المطلوب مدة ومحتوى وشهادة وسوى ذلك. وهذا يعني بالضرورة أن عملية تدريب المعلمين أثناء الخدمة عملية مستمرة لا حدّ لها.
7-2- ولم تكشف التجربة العالمة عن ضرورة إتقان معلمي المرحلة الابتدائية لمادة من مواد المعرفة، غير أنها بينت مع ذلك أن مثل هذا الامتلاك أمر مستحسن ومفيد، وهو على أي حال ضروري عندما تضم مرحلة الإلزام التعليم الابتدائي والتعليم المتوسط، كما يجري الآن في كثير من بلدان العالم.
على أن هذه التجربة تكشف في الوقت نفسه أن مجرد توفير الحصول على مؤهلات معينة وعلى دراية كافية بمادة أو أكثر من مواد التدريس ليس شرطا كافيا لتكوين معلم جيد. ذلك أن الأبحاث الحديثة أخذت تركز على مدى ملاءمة تلك المؤهلات لحاجات الطلاب في غرفة الصف، أيا كان مستوى تدريب المعلمين قبل الخدمة وبعدها.
كذلك تتوقف التجربة العالمية عند أمر آخر يتصل أيضا بتدريس المعلمين أثناء التدريب مادة مدرسية أو أكثر، وقوام هذا الأمر أن من الضروري ألا يتم تدريس المواد للمعلمين أثناء الخدمة على حساب مهاراتهم التربوية والتعليمية.
7-3- وبينت التجربة العالمية، ولا سيما في البلدان المتقدمة، أن العقد الماضي شهد نمواً كبيراً في تدريب المعلمين أثناء الخدمة. وقد وضعت بعض هذه البلدان برامج لهذا التدريب مكثفة. ففي الدانمارك مثلا % 30 من معلمي المدارس الابتدائية يتابعون دراسة مقرر من المقررات على أقل تقدير. وتطمح إيطاليا إلى أن يشارك سنوياً في الدورات التدريبية % 30 من جميع العاملين في مهنة التعليم. ومثل هذا الاهتمام نجده في هولندا حيث تهدف الخطة إلى تقديم تدريب أثناء الخدمة لحوالي أربعين ألف معلم.
ومع ذلك ثمة فوارق أساسية بين الدول المختلفة فيما يتصل بمستوى الدورات التدريبية ومدى صلاحها للمعلمين القائمين بالخدمة وللمعلمين الذين يتم إعدادهم لها. وكثير من البلدان تعبّر عن الحاجة إلى تخصيص جانب كبير من الإعداد والتدريب للجوانب التربوية. وفي وسعنا أن نقول – بإجمال – أن الاتجاه الذي أخذ مجراه خلال العقد الحالي هو العمل على تعميق مفاهيم التدريب أثناء الخدمة في سياق التربية المستمرة، ولا سيما عن طريق تطبيق نتائج البحث المكثف.
ويزداد هذا الاتجاه أهمية إذا ذكرنا أن نسبة المعلمين إلى السكان سواء في البلدان النامية أو البلدان المتقدمة قد زادت زيادة واضحة خلال العقدين الأخيرين، ولا سيما في البلدان النامية، وبوجه خاص في البلاد العربية والبلدان الأفريقية. والجدول التالي رقم (2) يوضح توزع هذه الزيادة بين مراحل التعليم المختلفة.
الجدول رقم (2)*
النسبة المئوية لكل مرحلة من مراحل التعليم في الزيادة المطلقة لعدد المعلمين في جميع المراحل مجتمعة بين عامي 1970 و 1988
مرحلة التعليم العالي المرحلة الثانوية المرحلة الابتدائية
11.4 45.1 43.5 المجموع العالمي
8.6 42.3 48.6 مجموع الدول النامية
3.7 31.4 64.9 أفريقيا السودان جنوب الصحراء
6.8 44.2 49.0 البلاد العربية
16.1 29.4 54.5 أمريكا اللاتينية والكارائيب
6.8 46.5 46.7 آسيا الشرقية و أوقيانوسيا
8.9 48.2 42.9 جنوبي آسيا
3.6 28.6 67.8 أقل الدول تقدماً
23.1 54.9 22.0 الدول المتقدمة ومنها
48.5 18.1 33.3 أمريكا الشمالية
26.9 48.1 25.0 آسيا و أوقيانوسيا
20.5 61.4 18.1 أوربا والاتحاد السوفيتي (سابقا)
7-4- أهم المؤتمرات العالمية حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة:
وقد عقدت مؤتمرات كثيرة حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة، على المستوى العالمي والمستوى الإقليمي، كما وضعت مؤلفات عديدة في هذا المجال. ونجد وصفا لهذا كله في العدد (249) من المجلة التي يصدرها «مكتب التربية الدولي» التابع لليونسكو(7). وليس في الأدب التربوي الذي نجده في هذا العدد حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة، أي إشارة إلى أي تجربة تتصل بتدريبهم للحصول على شهادة جامعية (بكالوريوس)، رغم أن ما في المجلة وافر وجامع إلى حد بعيد. كذلك لم نجد في سائر الأدب التربوي، رغم البحث الدقيق، أي حديث عن مثل هذا التدريب (إذا استثنينا بعض الدول العربية التي أخذت به)، ولا غرابة في ذلك، بعد كل ما ذكرناه من تنوع التجارب العالمية بهذا الصدد ومن انفتاحها لسائر الأشكال والصيغ شريطة أن تتوافر فيها الشروط التربوية التي ذكرناها، وعلى رأسها أن يكون برنامج التدريب أثناء الخدمة برنامجا “وظيفيا“ يخدم أهدافا تم تحديدها تحديدا علميا في ضوء حاجات النظام التربوي المتجدد وما وراءها. وعلى الرغم من عدم اشتمال التجربة العالمية كما ذكرنا على ما نتعطش إليه من تجارب مباشرة في ميدان دراستنا، قد يكون من المفيد، كبديل عن ذلك، في ضوء كل ما سبق أن قلناه، أن نصف أهم الدراسات العالمية في مجال تدريب المعلمين أثناء الخدمة.
وهكذا إذا نظرنا إلى أهم حصاد المؤتمرات الدولية في هذا الشأن نقع على عدد كبير من مثل هذه المؤتمرات، نكتفي بذكر أهمها:
7-4-1- ثمة مرجع يتناول تجارب دول العالم جميعها تقريبا، هو «الحولية الدولية لتدريب المعلمين» التي تصدر كل عام، والتي يتضمن عددها الصادر عام 1984 وصفاً مفصلاً للجدائد التربوية في مجال إعداد المعلمين قبل الخدمة وبعدها.
7-4-2- وثمة المؤتمر التاسع السنوي لرابطة إعداد المعلمين في أوروبا، الذي انعقد عام 1984، حول موضوع «إعداد المعلمين والمدرسة المتغيرة»، وقد تمّ خلاله التأكيد على فكرة أساسية تعنينا وهي أن إعداد المعلمين قبل الخدمة لا يمكن أن يرهص بكل ما سوف يقع من متغيرات، وأن السبيل الوحيد بالتالي لإعداد المعلمين من أجل واقع جديد هو التدريب أثناء الخدمة. وقد قدم الباحثون ما يجري في بريطانيا شاهداً على المشكلات التي يواجهها المعلمون في مجال إعدادهم.
7-4-3- وفي المؤتمر التربوي الذي دعا إليه «المجلس الأوربي» والذي عقد في «استراسبورغ» في كانون الثاني/ يناير 1986 بعنوان: «تحديات جديدة تواجه المعلمين وتواجه إعدادهم»، وضعت لجنة ممثلة لمنظمات غير حكومية دراسة قدمت لمؤتمر وزراء التربية الأوروبيين، الذي عقد في هلسنكي بين الخامس والسابع من أيار 1987 حول الموضوع الآتي: «تحديات جديدة تواجه إعداد المعلمين» وقد تناولت الدراسة النقاط الآتية: أهداف التربية – دور المعلمين ومواقفهم – التدريب أثناء الخدمة – الموضوعات التي ينبغي أن يتضمنها إعداد المعلمين – التقنيات التربوية الجديدة – إعداد معلمي التعليم المهني ومعلمي التعليم الخاص – الإرشاد والتوجيه التربوي – مشكلة الفئات المحرومة والعلاقة بين التربية والعالم الخارجي.
7-5- تجارب بعض الدول في مجال التدريب:
وفي ميدان الدراسات التي تتحدث عن تجارب الدول كل منها على انفراد نقع على مصادر كثيرة منها:
7-5-1- حول إعداد المعلمين في الدانمارك نقع على دراسة هامة نشرتها «المجلة الأوربية لتربية المعلمين»(8). وتصف الدراسة الأصول التاريخية لتربية المعلمين في الدانمارك. ثم تتوقف عند تربية المعلمين من أجل التربية الأساسية (المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية الأولى، أي للأعمار ما بين 16-6 سنة) التي تقدمها كليات التربية التي تشترط لدخولها عين الشروط.
7-5-2- وحول تدريب المعلمين في أوستراليا أثناء الخدمة نقع على دراسة كتبها «هيرد Hird» حول «تدريب المعلمين أثناء الخدمة وتنمية العاملين في التعليم في أوستراليا» ونشرتها المجلة الدولية للتربية(9). وتصف الدراسة واقع تدريب المعلمين أثناء الخدمة في استراليا، سواء على مستوى المدارس الحكومية أو المدارس الأهلية. ويعنى الكاتب عناية خاصة بالنقاط الآتية: التقرير المعروف باسم تقرير «كارمل Karmel» – المناهج التربوية – الإرشاد التربوي – مستوى المعلمين – فعالية المعلمين – إدارة التربية – التعاون الإقليمي والدولي.
7-5-3- وحول تدريب المعلمين في إيطاليا، تقع على دراسة وضعها «سكوراتي Scurati» ونشرها في المجلة الأوربية لتربية المعلمين(10) وعنوان الدراسة: تدريب المعلمين في إيطاليا من أجل عالم متغير: تجارب وتأملات نقدية. ويشير الكاتب في الدراسة إلى الفرق بين التجديد في التربية وبين إصلاح التربية، مبينا أن التجدد يتصل غالبا بتجارب مستندة إلى البحث التربوي، بينما تحمل فكرة الإصلاح معنى سياسياً – إدارياً محضاً. ويرى أن الإصلاح يطفي على التجديد في التجربة الإيطالية، بل إن التجديد يتبع الإصلاح ويمشي في ركابه غالبا بدلا من أن يمهّد له ويعدّ الأبحاث العلمية التي ينبغي أن يقوم على أساسها. وهذا يعني أن إعداد المعلمين قبل الخدمة لا يرتبط حقا بموقف إيجابي من عملية التجديد، بينما يظل تدريبهم أثناء الخدمة أكثر الاستراتيجيات نجاحا في ذيوع الانتقال من الإصلاحات إلى الجدائد وفي دعم هذا الانتقال وتيسير سبيله. ويبين الكاتب أن ثمة ثلاثة أنماط من التدريب أثناء الخدمة: تدريب محوره المضمون، وتدريب محوره التقنيات التربوية، وتدريب محوره العلائق ضمن العملية التربوية (بين عناصر هذه العملية من طلاب ومعلمين وإداريين وآباء وسواهم). ويحلل الكاتب نتائج كل من هذه الأنماط الثلاثة.
7-5-4- وحول إعداد المعلمين في إسبانيا، نجد تقريرا صادرا عن وزارة التربية الأسبانية عام 1984 يقع في 28 صفحة، يتحدث عن الإصلاح التربوي العام في أسبانيا وآثاره على تدريب المعلمين. ويرى التقرير أن ثمة سببين لإصلاح نظام إعداد المعلم في إسبانيا (وسواها). أولهما أن من الضروري وضع الأسس المكينة لسياسة متوسط المدى وطويلة المدى في مجال تدريب المعلمين تنفذها مؤسسات تحرص على الحفاظ على المستوى النوعي للتربية وتجويده. وثانيهما أن إعداد المعلمين ينبغي أن يكون من اهتمامات الجامعة الأساسية. والقانون الخاص بالتعليم العالي في إسبانيا يتيح لكل جامعة أن تسهم في رفع مستوى إعداد المعلم، عن طريق تحديث المناهج الدراسية وتحديث محتوى التعليم. ولا بد أن نذكر، كما يذكر التقرير، أن إسبانيا من البلدان القليلة التي يتم فيها إعداد معلمي التعليم الابتدائي والثانوي ومعلمي التعليم المهني في الجامعات نفسها.
7-5-5- وعن إعداد المعلمين في النمسا نجد دراسة بقلم «شنيك Schneck» صادرة عن «اتحاد تربية المعلمين في أوربا»، وتمثل جانبا من حصاد المؤتمر التاسع لهذا الاتحاد الذي عقد في مدينة «لينتس Linz» في النمسا، عام 1984، وتقع الدراسة في خمس صفحات.
ويتحدث الكاتب في هذه الدراسة عن نشاطات «معهد التربية في مدينة فيينا» في مجال تحقيق اللامركزية في تدريب المعلمين أثناء الخدمة، أي الاهتمام بإجرائها على مستوى المقاطعات والمدارس المفردة، أو على مستوى عدد من المدارس المتجاورة. ويقدم المعهد لهذه الغاية خدمات تربوية متنوعة ويعقد حلقات دراسية للمعلمين، كثيرا ما تستمر صلاته بمن شاركوا فيها ويستمر تعاونه معهم.
ويبحث الكاتب أشكالا أخرى للحلقات التدريبية للمعلمين، كالحلقات التي تبحث في العلوم الاجتماعية والاقتصادية، وكالحلقات الخاصة بمديري المدارس.
7-5-6- وحول إعداد المعلمين وتدريبهم في ألمانيا الاتحادية (سابقاً) وبعض الدول الاسكندنافية، نقع على تقرير وضعه «تيشنر Teshner» وآخرون حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة، عام 1983، وهو حصيلة المشغل التربوي الثالث للدول الاسكندنافية وألمانيا. ويمكن وصف هذا المشغل بأنه حلقة الوصل في سلسلة من النشاطات العلمية التي تعني خمس دول في آن واحد. وقد عني – في إطار الإعداد قبل الخدمة والتدريب بعدها – بوضع نماذج تدريبية مبينا وظائفها، واضعا بعض المعايير لتقويمها. وقد كان محور المشغل ثلاث دراسات قدمتها ألمانيا (الاتحادية سابقاً). كذلك تم تقديم عرضين نقديين في إطار تحليل الدراسات التي تقدمت بها ألمانيا. وقدمت أربعة مسوح لنشاطات تدريب المعلمين أثناء الخدمة، في أربع دول اسكندنافية هي الدانمارك وفنلندا والنرويج والسويد. وقد تم نقد هذه المسوح وتقويمها.
7-5-7- وفي بلدان الشرق الأقصى، قام «المكتب الإقليمي للتربية في آسيا والباسيفيك APEI» التابع لمنظمة اليونسكو بجهود عديدة نشر نتائجها ضمن منشوراته العديدة. من أبرزها التقرير الذي قدمه فريق فني إقليمي حول حلقة تدريب المعلمين وسائر العاملين في التربية أثناء الخدمة، والذي نشر عام 1985، وفيه نجد بوجه خاص دراسة نقدية لمفهوم «الأهداف الإجرائية» بوصفها أهدافا جديدة في تلك المنطقة.
كذلك نجد بين منشورات «مكتب اليونسكو الإقليمي» الذي أشرنا إليه تقريرا عن الحلقة الدراسية الإقليمية التي عقدت في جامعة «تاسمانيا» في أوستراليا عام 1984، وعنيت بتدريب المعلمين أثناء الخدمة في عدد من بلدان آسيا، وحضرها ممثلون عن بنغلادش والهند وإندونيسيا وماليزيا وكوريا وغربي ساموا.
وقد كان لها هدفان: أولهما وضع مشروع كتاب لتدريب العاملين في مجال التربية في المنطقة. والثاني تقديم مقترحات للدول المشاركة ولسواها هدفها متابعة النتائج التي يتم التوصل إليها أثناء الخدمة.
وقد جرت نشاطات مماثلة في حلقات أخرى نظمها في بعض الدول الأسيوية «مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في أسيا والباسفيك». وقد اتجه المجتمعون في معظم هذه الحلقات إلى أهمية التأكيد على تدريب المعلمين أثناء الخدمة من خلال المدرسة نفسها. وكان من حصاد الحلقات التي عقدت قيام خمسة وثلاثين خبيراً من ثلاث عشرة دولة بإصدار كتاب حول التدريب أثناء الخدمة المستند إلى المدرسة، وذلك من أجل تجديد مستوى العاملين في التربية.
7-5-8- وثمة دراسة مقارنة هامة عن تدريب المعلمين أثناء الخدمة في البلدان الأوربية. وقد صدر التقرير عن منظمة اليونسكو عام 1986، وعنوانه: «تدريب العاملين في التربية أثناء الخدمة في منظور مقارن» (11).
ويعنى التقرير عناية خاصة بالدراسة المقارنة لتدريب العاملين في التربية أثناء الخدمة من زاوية الطرائق والنماذج التي تؤثر في مدى فعاليته. ذلك أن هذا الموضوع غدا موضوع اهتمام عالمي متزايد، لدى واضعي السياسة التربوية ولدى المعلمين على حد سواء. ولهذا سارع وزراء التربية الأوروبيون، بمساعدة اليونسكو، إلى أخذ المبادرة بهذا الشأن. وقام لهذه الغاية خبراء من النمسا وتشيكوسلوفاكيا وفنلندا وألمانيا الاتحادية وهولندا بإجراء دراسات مقارنة حول السياسات والنماذج والتجارب في ميدان تدريب العاملين في التربية أثناء الخدمة في بلدان أوربا (حسب التقسيم الجغرافي للعالم الذي تأخذ به منظمة اليونسكو). والتقرير الذي وضعوه نتيجة لهذه الدراسة هو الذي أشرنا إليه منذ البداية. وقد حوى معلومات عن نشاطات اليونسكو في هذا الميدان، وعن الوضع الحالي للتدريب أثناء الخدمة. كما جرى عرض مقارن لتجارب كل دولة في هذا الميدان.
7-5-9- وقد قامت منظمة اليونسكو بالتعاون مع منظمة التغذية العالمية بدراسة هامة حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة في بنغلادش. ونشرت هذه الدراسة منظمة اليونسكو، بالتعاون مع اليونسيف تحت عنوان: تدريب المعلمين أثناء الخدمة من أجل تعميم التعليم الابتدائي: تجربة من بنغلادش. اليونسكو، 1985.
ذلك أن «المشروع الوطني لتعميم التعليم الابتدائي» في بنغلادش يستهدف زيادة أعداد الطلاب الذين يقبلون في التعليم الابتدائي، كما يستلزم تخفيض الهدر (الفاقد) الناجم عن التسرب والرسوب، وتحسين مستوى التعليم، ورفع مستوى الإدارة المدرسية والتوجيه التربوي، وتوثيق العلاقة بين المدرسة والمجتمع المحلي، وتقديم أبنية مدرسية صالحة وغير تلك من مستلزمات نجاح التعليم. ولقد كانت تلك الأهداف هي أهداف مشروع تعميم التعليم الابتدائي الذي موّله البنك الدولي، غير أنه يقتصر على %10 فقط من البلد المعني، نعني بنغلادش. وتصف الدراسة، التي أشرنا إليها، التجربة التي تعرف باسم “تدريب المعلمين المتعدد المراحل“، وهو طراز التدريب الذي تبناه المشروع الذي نتحدث عنه في تدريب معلميه وسائر العاملين في التربية. ويستند هذا الطراز من التدريب إلى افتراضات نظرية عديدة: كالتواصل، والانفتاح، والتغذية الراجعة، والتعزيز، والقدرة على الجهد وعلى الاستمرار فيه. وليس المجال مجال التفصيل في ذلك.
7-5-10- وعن التدريب أثناء الخدمة في قبرص نجد وثيقة من وثائق «مركز التوثيق التربوي الأوروبي» التابع للمجلس الأوروبي عام 1985، وعنوانها: «قبرص: تدريب المعلمين أثناء الخدمة». ويستبين من الوثيقة أن تدريب المعلمين والإداريين أثناء الخدمة لمرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي ينظمه في قبرص «المعهد التربوي Pedagogical insitute». وهذا المعهد هو الإدارة الأساسية من أجل تطوير نظام التربية في قبرص. وهو يتولى، بالإضافة إلى تقديم دورات لتدريب المعلمين أثناء الخدمة، القيام بالأبحاث والمسوح، وجمع الوثائق، وبث المعلومات، وتوفير تطوير الوسائل والأدوات التقنية اللازمة للتعليم. وتعنى دورات التدريب أثناء الخدمة بمحتوى التعليم وبالطرائق التربوية المحدثة. ولها أشكال عديدة وتتباين في مدتها وبنيتها، ويصاحبها غالباً الاضطلاع بأبحاث تربوية علمية، وتقويم لآثارها على المعلمين والطلاب. والدورات الخاصة بالتنظيم والتي تعنى بالإدارة المدرسية يتم تنظيمها على شكل نشاطات طويلة المدى تقدم لمعاونيهم. وتقدم الدورات التدريبية للمعلمين في أوقات فراغهم. وبعضها إلزامي، غير أن المعلمين والإداريين أحرار في اختيار المقررات التدريبية انطلاقا ممّا يؤثرون.
7-6- الأدب العالمي في ميدان تدريب المعلمين أثناء الخدمة:
وقد كان بودنا أن نتحدث عن أهم المنشورات التي تتصدى لتدريب المعلمين أثناء الخدمة حديثاً عاماً لا يعني ببلد أو بلدان معينة بل يتناول المشكلة في جوهرها، ويعالج جوانبها المختلفة. وقد حفل الأدب التربوي خلال العقدين الأخيرين بوجه خاص بمثل هذا النتاج، سواء في الكتب أو المجلات أو الوثائق. غير أننا نخشى أن نخرج عن القصد إن نحن سلكنا هذه السبيل. ولهذا سوف نكتفي بأن نخصص في قسم المراجع الذي نجده في نهاية دراستنا هذه، ملحقاً خاصاً يكتفي بذكر عناوين أهم ما صدر من نتاج عالمي في ميدان تدريب المعلمين أثناء الخدمة.
والحق أن ما يشتمل عليه الأدب العالمي في هذا المجال، يلتقي إلى حد بعيد مع الأفكار التي أتينا بها في دراستنا هذه حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة ومفهومه الحديث وأشكاله وشروطه.
7-7- التجارب العالمية وموضوع دراستنا:
وهكذا لا نجد، بعد جولتنا حول أهم التجارب العالمية في مجال تدريب المعلمين أثناء الخدمة وحول أهم ما ظهر من آراء عبر هذه التجارب، ما يهدينا إلى تجربة تستجيب لعنوان الدراسة، نعني رفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة لدرجة البكالوريوس (أو الدرجة الجامعية الأولى). ولكننا نجد كثير الكثير من التجارب والأفكار التي تحدثنا عن رفع مستوى المعلمين هؤلاء أثناء الخدمة إلى الحدّ الذي يجعلهم في ميدان عملهم نظراء وأنداداً لحملة الشهادات الجامعية.
وقد قلنا منذ البداية، أن رفع مستوى المعلمين أثناء الخدمة إلى ما يعادل المستوى الجامعي في الشهادات الأخرى، لا يعني بالضرورة أن نقدم لهؤلاء المعلمين عين التدريب الذي يتلقاه المنتسبون إلى كليات التربية في الجامعات، بل قد لا يكون الأخذ بمثل هذا المنهج في التدريب خطوة إيجابية دوما. وقد اتضحت لنا هذه الحقيقة مرات عبر دراستنا هذه، ولعلها تزداد وضوحا في الخاتمة التي نود أن نختم بها بحثنا.
ثامناً: خاتمة وتطلعات
8-1- لقد استبان لنا، من خلال عرضنا، أن إعداد المعلمين قبل الخدمة يتم في بعض الدول على المستوى الجامعي، وأن إعدادهم من أجل التعليم الابتدائي أو المتوسط أو الثانوي إعداد واحد يتم في نفس الكليات الجامعية في عدد محدود من الدول. أما سائر الدول فما يزال معظمها ينزع إلى إعداد المعلمين عن طريق معاهد خاصة للمعلمين بعد المرحلة الثانوية، مدة الدراسة والتدريب فيها تتراوح بين عامين وأربعة أعوام.
8-2- واستبان لنا كذلك أن تدريب المعلمين أثناء الخدمة يأخذ أشكالا مختلفة باختلاف البلدان بل المناطق والسلطات المحلية والمدارس. وهو يختلف اختلافا بيّنا من حال إلى أخرى في المدة والمحتوى والتنظيم والأهداف وسوى ذلك. غير أن هنالك ما يشبه الإجماع على النقاط التالية:
8-2-1- أن يكون التدريب مستمرا وألا يتوقف عند حد معين.
8-2-2- أن يكون الإعداد قبل الخدمة والتدريب بعدها عملين متكاملين.
8-2-3- أن يزداد الاهتمام بالتدريب أثناء الخدمة وأن تبذل الجهود اللازمة لذلك، بدلا من أن تنصب معظم الجهود على الإعداد قبل الخدمة.
8-2-4- أن توضع برامج التدريب أثناء الخدمة استنادا إلى نتائج البحث التربوي بالإضافة إلى نتاج التقويم الذي يحدد حاجات النظام التربوي وما وراءه وحاجات التدريب بالتالي.
8-2-5- أن يكون من أهم عناصر بناء برامج التدريب تقويم عمل المعلمين القائمين بالخدمة وتقويم إنجاز الطلاب، وتقويم العلاقة بين كفاءات المعلمين وبين حقيقة ما يحتاج إليه واقع الفصل المدرسي وواقع الحياة المدرسية. وهذا يستلزم فيما يستلزم تدريب المعلمين على التقويم التربوي وعلى استخدام وسائله وروائزه. ويحسن أحيانا أن يلجأ المعلمون إلى تقويم أنفسهم.
8-2-6- أن يتم الاهتمام بتدريب المدربين الذين يتولون تدريب المعلمين أثناء الخدمة.
8-2-7- ألا ينصب الاهتمام في التدريب على المعارف وعلى إتقان بعض مواد التدريس وأن ينصرف بالدرجة الأولى إلى الإعداد التربوي والى تكوين الكفاءات والمهارات والاتجاهات النفسية والعقلية التي تمليها حاجات التدريس، لا سيما في مرحلة التعليم الابتدائي. ومن هنا الدعوة إلى تدريب أساسه وقاعدته المدرسة نفسها.
8-2-8- أن يعنى التدريب أثناء الخدمة بتكوين القدرة على التعليم الذاتي لدى المعلمين، بحيث يصبحون قادرين على تطوير معارفهم وتجاربهم بأنفسهم. ومن هنا تأتي أهمية اللجوء إلى التقنيات التربوية الحديثة التي تساعد المعلم على التعلم بنفسه.
8-2-9- أن توجه العناية، في عصرنا المتجدد المتغير، إلى تكوين روح الخلق والإبداع لدى المعلمين.
8-2-10- أن يكون من الأهداف الأساسية للتدريب إكساب المعلم القدرة على التعامل مع الآخرين ومع البيئة المحلية بوجه خاص ومع الثقافات المختلفة ومع أبناء الطبقات الاجتماعية المتباينة.، وتكوين القدرة على إقامة العلائق والروابط التي يستلزمها عمله.
8-2-11- لا بد من إشراك المعلمين أنفسهم وسائر العاملين في ميدان التربية في وضع برامج التدريب أثناء الخدمة.
8-3- أما فيما يتصل بتدريب المعلمين من أجل الحصول على شهادة جامعية، فلقد استبان لنا من عرضنا كله أن ثمة طائفتين من الدول كما ذكرنا:
8-3-1- الدول التي يتم إعداد العلمين فيها قبل الخدمة على المستوى الجامعي. وهذه الدول تلجأ إلى نوعين من التدريب بعد الخدمة. أولهما تدريب الذين تلقوا إعدادا تربويا على مستوى الجامعة قبل الخدمة. وهذا التدريب يقتصر غالبا على دورات تجديدية أو على اكتساب المعرفة ببعض المواد، كما رأينا في تجربة الولايات المتحدة الأمريكية. وثانيهما تدريب المعلمين القائمين بالخدمة والذين لم يسبق لهم أن تلقوا إعداداً قبل الخدمة على المستوى الجامعي. وتدريب هؤلاء يأخذ صورا وأشكالا متباينة في شتى البلدان. على أننا قلّما نقع (أو قد لا نقع البتة) على تدريب لهؤلاء يرقى بهم إلى مستوى الحصول على شهادة جامعية.
8-3-2- وهناك الدول التي لا يتم فيها إعداد المعلمين أصلا على المستوى الجامعي. وهذه أيضا قلما تلجأ (أو لا تلجأ البتة) إلى تقديم تدريب المعلمين أثناء الخدمة يمكنهم من الحصول على شهادة جامعية: وتدريب مثل هؤلاء يأخذ أشكالاً متنوعة تنوع أنماط التدريب بعد الخدمة.
8-4- ذلك أن الحصول على شهادة جامعية لم يكن يوما في أذهان المعنيين في مختلف دول العالم، الشكل المرجو والأمثل لتدريب المعلمين أثناء الخدمة. وقد تدفع إلى تبنيه اعتبارات تتصل بمكانة المعلمين أو رواتبهم أو غير تلك. أما من الناحية التربوية فالأمر يأخذ معاني مختلفة:
8-4-1- فهنالك الرغبة التي شهدناها من بلدان العالم لدمج معاهد إعداد المعلمين بالجامعات.
8-4-2- وهناك الشعور بحاجة معلمي التعليم الابتدائي (ولا سيما حين يشمل المرحلة الإلزامية التي تمتد تسع سنوات أو أكثر في معظم الأحيان) إلى إتقان بعض المواد التدريسية. ويشتد هذا بوجه خاص في البلدان التي تأخذ بنظام معلم المادة لا معلم الفصل منذ السنة الرابعة الابتدائية على أقل تقدير.
8-4-3- وهنالك النزوع إلى المساواة بين معلمي المرحلتين الابتدائية والثانوية. وهي نزعة لها ما يبررها.
8-4-4- وهنالك الحقائق التربوية الجديدة التي تمنح مكانة متميزة لمراحل التعليم المبكرة، كالتعليم السابق على المدرسة وكالتعليم الابتدائي. وهي مراحل تزداد أهميتها بعد تزايد الاكتشافات العلمية والتربوية حول كفاءات الطفل المبكرة، وحول أثر التربية التي تقدم له في سنوات عمره الأولى في تكوين مواقفه واتجاهاته ونظرته إلى الكون والأشياء، وفي إعداده لعصر العلم والتقانة، وفي تفتيح طاقات الابتكار لديه.
8-4-5- غير أن هذا كله يفترض أن يكون التدريب الذي تقدمه الجامعة هو التدريب المطلوب لتكوين المعلم الصالح لمطالب هذه المرحلة من العمر على نحو ما ذكرنا. ومن هنا فان أي تفكير بتدريب المعلمين أثناء الخدمة من أجل الحصول على شهادة جامعية أولى ينبغي أن تسبقه مراجعة شاملة وكاملة لبرامج الأعداد والتدريب التي تقدمها كليات التربية في الجامعات. لا سيما أن الجامعات، بحكم نشأتها وتقاليدها، ما تزال أقرب إلى التدريس النظري الأكاديمي منها إلى الإعداد والتدريب المعلمين.
8-4-6- ومهما يكن من أمر فالحكم الفصل في هذا كله هو؛ كما قلنا ونقول، للشروط اللازمة التي ينبغي أن تتوافر في برامج التدريب، بحيث تستجيب لحاجات المتعلمين وحاجات المعلمين وحاجات النظام التربوي والنظام الاجتماعي والاقتصادي الشامل من ورائه. والبحث العلمي، والتقويم التربوي السديد، من أهم الوسائل التي تساعد على إصدار الحكم على برامج التدريب.
8-5- وهكذا، لئن كنا لم نجد في التجارب العالمية تجارب مباشرة تهدينا إلى الجواب السليم على تساؤلنا الأساسي حول التدريب والشهادة الجامعية، فلقد وجدنا فيها ما هو أغنى من تلك التجارب المباشرة، وما هو أقدر على هدايتنا إلى الطريق المستقيم. لقد وجدنا زادا من الأفكار والمبادئ والتجارب حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة، استطاع أن يوضح لنا معنى التدريب السليم أثناء الخدمة وشروطه، ووضع أمامنا مائدة حافلة بالأفكار والمقترحات نتخيّر منها ما نشاء، وزوّدنا بأهم مبدأ من مبادئ التربية المستمرة، وهو أن محتوى برامجها وشكلها ومدتها وبنيتها وخاتمة المطاف فيها أمور معيارها الحاجات الفعلية القائمة، حاجات الطلاب والمدرسة وحاجات المعلمين وحاجات النظام التربوي وحاجات المجتمع، مؤتلفةً كلُها، متفاعلةً جميعُها من أجل توليد خطط سليمة وبرامج حكيمة.
المراجع
1) Annuaire international de l’éducation, volume XXXVIII l’enseignement primaire au seuil du vingt et unième siécle. UNESCO, 1987
2) Jose Blat Gimeno et Ricardo Marin Ibanez: la formation du personnel enseignant du premir et du second degree. UNESCO, 1981
3) Bulletin du bureau internatiomal d’éducation. la formation des maïtres en exercice, octobre – décembre 1988 – UNESCO.
4) The teacher today O.E.C.D.; Paris, 1990
5) Schools and quality O.E.C.D.; Paris, 1989
6) James Lynch: Education Permanente et la formation du personal de l’éducation. Institut de l’ UNESCO pour l’éducation. Hambourg, 1978
7) Rapport mondial sur l’Education: 1991. UNESCO 1991
أهم المنشورات العالمية حول تدريب المعلمين أثناء الخدمة
1) E.D.R. gardner: Teacher Education in Developing Countries: prospect of the eighties; London, Univ. of London institute of Education, 1979
2) W. Mitter: Goal aspects of teacher education, Abingdon, U.K., Carfax publication CO, 1985
3) Pauline Perry: The training of teachers for better schools. European journal of teacher education (ABINGDON, U.K.) vol Nº10, Nº1 1987.
4) Ed. J. ypp: International Council on education for Teaching world Assembly, 31 sesion , Bangkok, 1984.
5) Primary and secondary teaching staff for the year (2000). Prospects, UNESCO, Paris vol XVII Nº 1, 1987.
6) Le redoublement et l’abandon scolaires, une enquête du Brésil sur le rôle de l’enseignement. Perspectives; UNESCO, Paris. Vol. XX, Nº 1, 1990.
7) T.R. Bone: Changes in the training of teachers.
International Review of education. Dordrecht, Netherlands. Vol. 33, Nº3 1987.
8) D. Lawton: The changing Role of the teacher: consequences for teacher education and training. Prospects, UNESCO, Paris, vol XVII, Nº1 1987.
9) M. Reguzzoni: Le portrait professionnel de l’enseignement et la fonction enseignante. European journal of teacher education (Abingdon; U.K.) vol. 8, Nº1, 1985.
10) E. Jayne: a school focussed on in service education of teacher – British journal of in – ervice – education – (driffield, U.K.) vol. 11, Nº1 Automn 1984.
11) J.C. Margues: Modalities of in service teacher education: Lo they have an impact on teaching and university? in: improving university teaching twelfth.
Intetnational conference, july 15-18, 1986, Heidelberg – Germany.
12) D. Oldroyo: The management of school – based staff development at prior school. British journal of in service education (Driffield, U.K.) vol. 11 Nº2, spring 1985.
13) F. Best: Recherche en education et formation des enseignants.
European journal of teacher education (Abington, U.K.) vol. 6 Nº3, 1983
14) L.H. Dove: lifelong teacher education and the community school Hambourg, UNESCO Institute for Education, 1982
15) L.J. Goad: Preparing teachers for lifelong education Hambourg, UNESCO Institute for Education, 1984.
16) T. Wubbels, H.A. Créton and H,P.
Hooymayers: A school – based Teacher Induction Programme.
European Journal of Teacher Education (Abingdon, U.K.) vol. 10, N:1, 1987
17) J. Greenland: The Role of the Headteacher in In – Service Training. Division of Higher Education and Training of Educational Personnel. UNESCO, Paris, 1983.