ملحق خاص: عبد الله عبد الدائم (عدة مساهمين) الافتتاحية: الدكتور عبد الله عبد الدائم: المفكر والمربي

نحتفي، في هذا العدد من الملحق الشهري، بالدكتور عبد الله عبد الدائم المفكر التربوي العربي. ولا أعتقد أننا قادرون على التعبير الدقيق عن جوانب هذا الرائد في صفحات معدودات. بيد أننا نعرف كيف نحبه ونحترمه ونقدر عطاءه العلمي طوال نصف قرن تقريباً. فهو الذي عرف الوطن العربي بهنري برغسون، وكان له ولزميله سامي الدروبي – رحمه الله – فضل ترجمة كتابي «الضحك» و«منبعا الأخلاق والدين». ولا أعرف لماذا انفرد سامي الدروبي في الفترة نفسها بترجمة كتاب «الطاقة الروحية» لبرغسون نفسه، لكنني أعي جيداً الجهد الذي بذله عبد الدائم والدروبي في ترجمة كتاب الضحك، وهو كتاب صغير حجماً، غزير مادة، عميق في تحليله فلسفة الضحك. بل إن ترجمة هذا الكتاب كذّبت ما قيل من أن برغسون فيلسوف تصعب ترجمة نصوصه إلى اللغة العربية. وأذكر أنني قرأت هذا الكتاب مرتين فما وجدت صعوبة تُذكر في فهم ما يرمي إليه برغسون. وأزعم، هنا أن تمكن عبد الدائم والدروبي من اللغتين العربية والفرنسية أسهم في تذليل صعوبات هذا الكتاب المهم. وأحمد الله على أنني قرأت عام 1967 كتاب «تاريخ التربية» لأستاذنا عبد الدائم. أقول إنني أحمد الله لأن ما قرأته هو الطبعة الثانية الصادرة عام 1965 ضمن منشورات جامعة دمشق، وهي – كما أعلم – مختلفة جداً عن الطبعة الأولى التي لا تضم التربية العربية في الجاهلية والإسلام. ولعل هذا الكتاب هو نفسه كتاب «التربية عبر التاريخ» الصادر عن دار العلم للملايين. ومهما يكن الأمر فإن كتاب «تاريخ التربية» كبير الفائدة، ينم عن الثقافة الموسوعية في حقل التربية. لكن عبد الدائم على عادته في التواضع العلمي يصفه بأنه مؤلف صغير «أشبه بمذكرات مقتضبة تسعف الذاكرة وتدلها على الأصول». إن كتاب «تاريخ التربية» ضخم شكلاً ومحتوى، ومن يعتقد غير ذلك فليجرب التأليف في تأريخ التربية عبر العصور. وكنت لاحظت أن كتاب «التنمية الثقافية، تجارب إقليمية» الذي أصدرته اليونسكو ونشر مترجماً إلى اللغة العربية عام 1983 في بيروت، اعتمد تعريف التربية الذي قدمه عبد الدائم في كتابه «تاريخ التربية». هل نتحدث عن كتاب «التربية القومية» الذي صدر عام 1959، وكان رائداً في تقديم نظرية عربية في التفكير القومي؟ أو نتحدث عن الأصالة القومية في فكر هذا الرائد العربي المعطاء؟.. إن الحديث طويل، أسهم رفاق عبد الدائم وزملاؤه وتلاميذه فيه، واعترفوا جميعاً، في هذا العدد من الملحق، بأن حديثهم إشارات موجزة لا تفي هذا الأستاذ الكبير بعض حقه في التأصيل التربوي العربي والفكر القومي. والحق أن الصواب لم يخنهم في هذا الاعتراف، فالدكتور عبد الدائم شخصية لا تنسى علماً وخلقاً، وإنسان لا يبارى في إخلاصه لأمته العربية. تحية لك يا أستاذنا الجليل في هذه المناسبة. سمر روحي الفيصل