نحو فلسفة تربوية عربية

التربية قادرة على تغيير المجتمع .. ولكن كيف؟
صدر عن مركز «دراسات الوحدة العربية» كتاب «نحو فلسفة تربوية عربية: الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربي» للدكتور عبد الله عبد الدائم.
يتضمن الكتاب رأي مفكر تربوي كبير، فيرى أن التربية مدعوة في عصرنا، وفي وطننا العربي. إلى الاضطلاع بمهمات كبرى. فبينما كان دورها في الماضي نقل غايات المجتمع على نحو ما رسمها ذلك المجتمع عليها اليوم أن تسهم على أقل تقدير في صياغة تلك الغايات.
والتربية – كما يراها المؤلف – قادرة على تغيير المجتمع، حين تنطلق فلسفتها في التغيير من معرفة هذا المجتمع، ومن نقده وتحليله أولاً وحين تنطلق من ثمّ من رسم غايات وأهداف ممكنة التحقيق. وبهذا المعنى تكون فلسفة التربية عامل تجديد فعلي للتربية والمجتمع . إنها تهدف إلى أن تستخلص من تقرى ذلك المجتمع والتحسس بحاجاته أقصى ما يمكن أن تقبله بنيته من تغيير وتطوير.
وفلسفة التربية المنطلقة من تحليل الواقع التربوي (بالإضافة إلى سواه) تكون حكماً أقدر على التأثير في هذا الواقع. ومن هنا تصل فلسفة التربية – مفهومة على هذا النحو – إلى توفيق حي وفعال بين التربية والمجتمع.
تندرج موضوعات هذا الكتاب في ثلاثة أقسام رئيسية: القسم الأول بعنوان: لماذا الحديث عن فلسفة للتربية؟ ويتضمن الفصل الأول: فلسفة التربية وتغيير المجتمع. والفصل الثاني: دور التربية في بناء المجتمع. والفصل الثالث: كيف نفهم فلسفة التربية، وكيف نفهم دورها في تغيير المجتمع. والفصل الرابع: تعريفات ومصطلحات: موقع فلسفة التربية من جملة العملية التربوية.
القسم الثاني بعنوان: منطلقات الفلسفة التربوية العربية: الواقع العالمي والواقع العربي. ويتضمن الفصل الخامس: الواقع العالمي. والفصل السادس: الواقع والمستقبل العربي. القسم الثالث بعنوان: الفلسفة التربوية العربية بين واقعها ومستقبلها. ويتضمن الفصل السابع: واقع فلسفة التربية في البلدان العربية. والفصل الثامن: مصادر الفلسفة التربوية العربية المنشودة ومنطلقاتها والفصل التاسع: معالم الفلسفة العربية المنشودة.
وفي تلخيصه لما قدمه الكتاب من إسهام يقول المؤلف:
لقد كان السؤال الذي طرحناه منذ البداية، والذي تطرحه كل فلسفة تربوية، هو الآتي: أي إنسان نبني عن طريق التربية؟ والجواب عن هذا السؤال لقى، كما رأينا ، أجوبة متعددة ومن اجله صاغت الدول العربية أهدافاً تربوية أدركنا قيمتها وشانها، غير أننا أثرنا أن نتوقف عند «رأس الرمح» في معركة بناء الإنسان العربي، أي عند الغايات «الحادة» التي يجأر بها الوجود العربي ويستصرخها ولعلها القادرة فيما نرى على أن تكون من أبرز سبل القضاء على التخلف وبناء المستقبل المتقدم.
هذه الغايات كما عددناها ووصفناها هي الآتية:
أ- تكوين روح الخلق والإبداع.
ب- تكوين القدرة على التغير والتغيير وعلى التحرر من سلطان الماضي.
ج- تكوين الفكر الناقد.
د- تكوين روح التسامح والتألف ونبذ العصبية والتعصب.
هـ- تكوين روح السيطرة على المستقبل.
و- تكوين روح الانتظام والتنظيم.
ز- تكوين الروح العلمية.
ح- تكوين روح الحماسة والعمل وروح التحدي وإرادة التحدي.
ط- تكوين روح التعاون والتضامن والعمل الجماعي المشترك.
ي- العناية بذوي المواهب وبتكوين النخبة.
ك- تكوين الروح الديمقراطية.
ل- تعزيز الإيمان القومي.
وقد رأينا أن هذه الغايات جديرة بأن تمنح مقام الصدارة في الفلسفة التربوية العربية، لما تستجيب له من حاجات الواقع العربي والمستقبل العربي، ولما تملكه من حيوية وطاقة وقدرة على التحرك والتحريك، فضلاً عن استجابتها للمناهج الحية الخصيب في التراث العربي الإسلامي، وعن قدرتها على مواجهة الواقع العالمي.
ومما يمنح هذه الغايات مزيداً من القوة والحيوية والحرارة، ارتباطها فيما نرى بثلاث منها تكاد تكون الخيط الناظم لها. نعني تكوين روح الخلق والإبداع، وتعهد المواهب وتكوين النخبة، وبثّ الروح الديمقراطية.
فمن هذه الغايات الثلاث والتأكيد عليها تكتسب سائر الغايات حركتها وحيويتها.
غير أننا لم نقف عند هذا الحد، بل خطونا خطوة أخرى، فبينا أن هذه الغايات كلها بما فيها تلك الثلاث التي تكاد تَنْظِم عقدها، في حاجة من أجل انطلاق الحيوية الكامنة فيها انطلاقاً ذاتياً ومستمراً ومتجدداً إلى تربة تنمو فيها وتزكو، وهذه التربة فيما رأينا هي التربة القومية، تربة الإيمان القومي القادر على تفجير طاقات الجماهير العربية وتعبئتها واستخراج أفضل ما فيها من عطاء. ولا سيما حين يشتمل هذا الإيمان القومي على المبادئ والقيم العربية الإسلامية التي هي جوهره ومحتواه.
ويقول المؤلف أنه لتفسير التخلف الذي أصاب الحضارة العربية يجب أن نبحث في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان لها في توليد ذلك التخلف دور كبير، وفي الوقت نفسه يجب أن نؤكد على الارتباط بين هذه العوامل الاجتماعية العامة وبين العوامل المتصلة بمقومات الشخصية العربية.
وهذه الصلة الدائرية، كما قلنا ونقول، لا تعنى الوقوع في دور فاسد لا مخرج منه، بل تعنى أن تنصب الجهود في شتى الميادين على معالجة الواقعين، الواقع الاجتماعي والواقع الفردي، معالجة متكاملة من خلال منهج «تحليل النظم» الذي أشرنا إلى أهميته في أكثر من موضع.
والتربية بوصفها الميدان الذي يعنى بتكوين الإنسان. ينبغي أن تسهم في هذا الجهد المتكامل، عن طريق تغيير الإنسان وتكوين شخصيته القادرة على تغيير المجتمع.
وهذا ما نأمل ان نكون قد حققناه في تخيرنا لغايات الفلسفة التربوية المنشودة، تلك الغايات التي نصفها مرة أخرى بانها ابنة حاجات المجتمع العربي ومقصودة من أجله، وأنها حين تعنى بتكوين الإنسان تعنى في الوقت نفسه بتكوين المجتمع، مادامت غايات المجتمع في صلب مخاضها وولادتها ومحط أنظارها.
ويختتم المؤلف كتابه بالقول:
ولعل خير ما نختم به حديثنا عن غايات الفلسفة التربوية على نحو ما بيناها، أن نذكر ان محرك هذه الغايات ومنطلق طاقاتها هو الإيمان القويم والعمل على بناء مستقبل الأمة العربية. فهذا الإيمان كما قلنا ونقول هو القمين بتعبئة طاقات أبناء الأمة العربية من أجل تكوين القدرة الذاتية في كل شيء، تلك القدرة الذاتية التي لا يكون من دونها تقدم حقيقي للمجتمع العربي وإسهام فعلي في مسيرة الحضارة العالمية. وإثارة العزم وتكوين القدرة لدى أبناء لأمة العربية على أن ينهضوا بقواهم الذاتية (وهي كبيرة سواء على مستوى الموارد المادية او على مستوى الموادر البشرية) رأس الحربة في معركة بناء المشروع الحضاري، ولابد أن يكون رأس الحربة في معركة بناء الإنسان العربي، عن طريق التربية وسواها، من أجل تحقيق ذلك المشروع.