رؤوس أقلام القومية العربية بين الخمسينات والتسعينات

مساء الأحد الماضي كنا على موعد مع الدكتور عبد الله عبد الدائم ليحاضرنا في مؤسسة عبد الحميد شومان حول الاتجاه القومي الماضي والحاضر. وكانت بالفعل محاضرة دسمة تلخص موقف النقاء القومي الذي عرفناه في الخمسينات، وأطلق عليه البعض اسم المدرسة الشامية في الوحدة العربية، في حين أطلق عليه البعض الآخر اسم المدرسة الرومانسية أو الطوباوية.
الأساس الذي قامت عليه محاضرة الدكتور عبد الدائم هو أن قومية الخمسينات قد تكون فشلت وهزمت ولكنها لم تكن على خطأ، فلابد من إعادة النهضة والمحاولة ورفض تحويل الفشل والهزيمة إلى استسلام.
من ناحية أخرى يرد عبد الدائم على (المعتدلين الجدد) بأن جميع مقولاتهم عن الواقع وصعوبات الوحدة وضرورة التدرج وقبول أي صيغة من صيغ الوحدة بين أي قطرين
أو أكثر وقبول الممكن إلى آخره، كل هذا كلام حق لم يكن القوميون يرفضونه في الخمسينات وهم لا يرفضونه اليوم، وكل ما هنالك أن بعض هذا الكلام الحق يراد به باطل، أي صرف النظر عن الوحدة العربية باعتبارها هدفاً مستحيلاً.
ورفض المحاضر الدولة القطرية، واعتبرها عقبة في وجه دولة الوحدة، كما رفض فكرة المصالحة بين القطرية والوحدوية، باعتبار الأولى خطوة للثانية وأن دولة الوحدة ستكون وحدة أقطار.
وقد أكد المحاضر تفوق الفكرة القومية التي لم تستطع الأطر الأخرى أن تتجاوزها
أو تطمسها. وفي رحاب الإسلام هناك شعوب تقوم على أساس قومي، وفي ظل الأممية، عادت القومية إلى البروز، وانقسام ألمانيا بين الرأسمالية والاشتراكية لم يصمد أمام الرابطة القومية.
وجرى حوار طويل بين المحاضر والجمهور، وخاصة من السلفيين الذين لم يستطيعوا التعبير برفق عن وجهات نظرهم كما يعبر عنها قادتهم المستنيرون، فقد اتهموا العروبة بالكفر، وادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف القومية العربية بأنها نتنة (مع أن المقصود هو العصبية العشائرية) وهاجموا فكرة الوحدة العربية وكرروا أكثر من خمس مرات أن علينا أن نختار أحد المبادئ الثلاثة وهي الإسلام أو الرأسمالية أو الشيوعية.
ويبدو أن قادة الفكر الإسلاميين لا يبذلون الجهد اللازم في تثقيف جمهورهم، فهم يقولون بالتعددية، وسعة الصدر، واحترام الرأي الآخر، والمصالحة بين العروبة والإسلام لوضعهم في موضع التكامل لا التضاد. وقد خرجت ندوة الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي (1987) بأن الإسلاميين يقبلون العروبة ما دامت غير ملحدة، وأن القوميين يقبلون الإسلام طالما أنه غير شعوبي، وأن البحث مستمر لتوسيع الأرض المشتركة ونقاط اللقاء. فلماذا لم تصل الرسالة إلى القاعدة؟