الدكتور عبد الله عبد الدائم في حديث لـ «الشعب»

الدكتور عبد الله عبد الدائم معروف في الوطن العربي بأبحاثه وكتبه العديدة في حقل التربية والتعليم – وله حتى الآن سبعة كتب في التربية والتعليم. صدرت كلها عن «دار العلم للملايين» في بيروت، وأبرز هذه الكتب «التخطيط التربوي» أصوله، وتطبيقاته في البلاد العربية.
* التربية عبر التاريخ.
* التربية التجريبية والبحث التربوي.
* التربية في البلاد العربية وهي كتب كلها من تأليفه. أما التي قام بترجمتها إلى العربية فهي: التربية العامة – الجمود والتجديد في التربية المدرسية. بالإضافة إلى كتب وأبحاث أخرى تناولت الفكر القومي وهو حالياً يعمل رئيساً لقسم مشروعات التربية في البلاد العربية بمنظمة اليونسكو في باريس وفي مكتبه بالمنظمة كان لنا معه هذا اللقاء الطويل الذي سلط فيه الأضواء على الواقع العربي تربوياً وتعليمياً انطلاقاً من تجاربه وأبحاثه العديدة، ومعايشة الواقع العربي بكل سلبياته وإيجابياته. وإدراكه معنى التربية وأبعادها في تغيير الإنسان العربي. وهو هنا يضع إصبعه على الداء ويقترح الدواء.
وهذا هو نص الحديث معه.
* س. انصبت معظم دراساتك سواء منها التي ترجمتها إلى العربية أو وضعتها مباشرة حول التربية وقضاياها، فكيف تنظر إلى واقع التربية والتعليم في الوطن العربي على ضوء اهتماماتك بالموضوع؟
جـ. أجبت على القسم الأكبر من هذا السؤال في كتابي الذي صدر حول التربية والتعليم في الوطن العربي. وأستطيع أن أقول أن التربية في معظم البلدان العربية حققت خلال العقدين الماضيين نمواً كمياً ملموساً. على أن هذا النمو الكمي نفسه ما يزال مقصراً عن مداه. هناك حوالي 5 ملايين طفل عربي لا يزالون خارج التعليم الابتدائي كما أن هناك 12 مليون طفل ممن هم في سن التعليم الثانوي يضاف إلى هذا العدد حوالي 13 مليون شاب عربي ممن هم في سن التعليم العالي لم تتح لهم فرصة الدخول إلى الحرم الجامعي!! ويضاف إلى هؤلاء حوالي 66% من شبان الوطن العربي لا يزالون أميين. غير أن ما هو أدهى وأمر من تقصير النمو الكمي في مراحل التعليم، وأنواعه المختلفة، القصور النوعي والكيفي في محتوى التعليم وبنيته، وطرائقه. فالتعليم في البلدان العربية جملة، رغم الاهتمام المتزايد الذي بدأت البلدان العربية توليه لتجويد التعليم كيفاً ونوعاً، وما يزال إلى حد بعيد تعليماً تقليدياً لم تسر إليه رياح التجديد ولم تستطع بوجه خاص أن يحقق اللحمة الموجودة بين حاجات القوى العاملة وبين الإعداد اللازم في ميدان التربية..
ولا أدل على ذلك من أن نسبة الذين يرتادون التعليم المهني والفني ما تزال محدودة
لا تتجاوز عام 1980 حوالي 14% من مجموع المسجلين في التعليم الثانوي، كما أن المنتسبين في الفروع العلمية والفنية والمسجلين في التعليم العالي ما يزالون دون الشأو المطلوب. ولا يقتصر هذا الضعف في الجانب النوعي للتربية على ضآلة عدد الذين يرتادون التعليم المهني والفني، بل يتجاوز ذلك إلى جوانب أخرى أساسية على رأسها ضعف الارتباط بين محتوى التعليم، وبين حاجات المجتمع ولا سيما المجتمع الريفي، وعجز التربية عن خلق الاتجاهات النفسية اللازمة للتقدم العلمي والتكنولوجي ولخلق مجتمع العمل والإنتاج وإغفال التربية ومستلزمات خلق القدرة على الإبداع والابتكار تلك القدرة التي هي الشرط اللازم لبناء حضارة علمية عربية تكنولوجية جديدة.
* س. يقال من حين لآخر بأن مشاكل التخلف في الوطن العربي، تعود إلى حد كبير للنظام التربوي السائد في الوطن العربي بمختلف أنظمته والذي يرتكز على التعليم النظري والبعيد عن الواقع العربي؟
جـ. سبق وأن أشرت إلى تقصير التعليم المهني والفني في البلاد العربية عن مداه المطلوب وإلى ضعف ارتباط التعليم بحاجات القوى العاملة وبحاجات المجتمع الأمر الذي يحول بين النظم التربوية وبين دورها الأساسي في تلبية حاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غير أنه من الخطأ كذلك أن نلقي العبء في هذا كله على التعليم وحده. فالتعليم نظام فرعي من نظام كلي ينتسب إليه هو النظام الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي، والتخطيط السليم للتعليم لا يعطي ثمراته كاملة إلا إذا صحبه تخطيط موازٍ في الميادين الأخرى. ولا أدل على ذلك من أن خريجي التعليم المهني والفني، على قلتهم في البلدان العربية – ما يزالون يفتقدون المجالات اللازمة لدخول سوق العمل. وإن قدرة هذه السوق على الامتصاص ما تزال ضئيلة. وذلك لضعف الجهود الأخرى في ميدان التنمية الصناعية والزراعية والإدارية وسواها التي من شأنها أن تخلق فرصاً جديدة للعمل. على أن هذا لا يعفي التعليم من مسؤولياته. وحسبنا دليلاً على ذلك أن التعليم المهني والفني في صورته الحالية لم يستطع بعد أن يطور نفسه وأن يعدّ المنتسبين إليه لمهن وأعمال جديدة بدأت تظهر في عصرنا، وبدأت الحاجة تشتد لها، وغني عن القول أن ما يحتاج إليه سوق العمل اليوم في عصر الثورة الصناعية الثانية التي بدأت تمتد إلى بلادنا، هو غير ما كانت تحتاج إليه هذه السوق في السنوات الخالية!!
* س. يثور جدل كبير في أوساط المربين وعلماء التربية والأساتذة والمدرسين حول النظام التربوي الذي يصلح للوطن العربي. والبعض يتحدث عن التربية الإسلامية والبعض الآخر يتحدث عن التربية العربية. وبهذا الصدد هل يمكن القول بأن للعرب تراثاً تربوياً يصلح أن يعتمد كنظام تربوي للجيل الجديد في وطننا العربي؟
جـ. أعتقد أن هذا السؤال هو بيت القصيد!! فالبلاد العربية تبحث عادة منذ سنوات عن نظام تربوي أصيل يرفض الصيغ المجلوبة، والأنماط المستوردة، ويلبي المطالب النوعية الخاصة للمجتمع العربي وللثقافة العربية. غير أن هذا البحث الجاد وهذا التساؤل المستمر الذي تلهج به الألسن يصطدمان بحقيقة أساسية وهي أن البلاد العربية لم تقو بعد على وضع معالم الفلسفة التربوية العربية الذاتية المنشودة. وكل حديث عن أهداف التربية لابد أن ينطلق من رؤية متكاملة لصورة الإنسان الذي نودّ أن نعده. وهذا السؤال أي إنسان نود أن نعد؟ ما يزال حائراً ولم يلق الجواب الواضح، ويرجع هذا إلى أن الفلسفة الاجتماعية والثقافية العامة للمجتمع هي بدورها هامة وضرورية، وما زلنا ها هنا أيضاً عاجزين عن أن نحدد معالم هذه الرؤية الاجتماعية الثقافية الحضارية الشاملة التي نرجوها للوطن العربي. ومن أهم عوامل التلكؤ والحيرة في تحديد معالم هذه النظرة الثقافية العربية الخاصة بالصراع الطويل بين القديم والحديث بين ما يدعى بالأصالة وبين ما يدعى بالحداثة، وفي رأينا أن هذه المشكلة التي أعاقت طويلاً تكون الرؤية العربية الثقافية المتميزة، مشكلة ما تزال قائمة إلى حد بعيد وإذا حاولنا التفكير دونما عقد أو مخاوف قلنا إن الثقافة الخاصة لأي شعب تعني في الواقع شيئين متكاملين: أنها تعني التراث وقد جدد وفهم فهماً صحيحاً كما نعني الحاضر والمستقبل ومستلزماتهما. وقد آن الأوان لكي ندرك أن الثقافة العربية الخاصة التي نود بناءها لا تكتشف اكتشافاً. وإنما تبنى شيئين من خلال أعمدة أربعة أولها التراث العربي وثانيها الواقع العربي القائم وثالثها الواقع العالمي المعاصر ورابعها حاجات المستقبل العربي وتطلعاتها ومعنى هذا أن الثقافة العربية الخاصة ليست الثقافة القديمة وحدها، وإن تكن هذه جزءاً منها، وإنما هي ثقافة أخرى ثقافة جديدة نبنيها، ونبتكرها من خلال امتصاص للتراث وقيمه الأصيلة ومعرفتنا بالحاضر ومشكلاته وإدراكنا للعصر وهمومه ومحاسنه ومثالبه. وتشوّقنا إلى المستقبل ولا قيمة للتراث إن لم تجعل منه شيئاً حياً، وإن لم نجدده عن طريق تزويده بقوة دفع جديدة مستمرة من تعرفنا الدقيق والموضوعي على قيمه الأساسية. وعلى اتجاهاته الفكرية الكبرى ومن ربطنا الوثيق بين هذه القيم التراثية ومستلزمات العصر.
* س. في أوروبا الغربية أكثر من مليون طفل عربي ممن هم في سن الدراسة والذين يطلق عليهم الفرنسيون كلمة «الجيل الثاني فكيف ننظر إلى هذا الموضوع بصفتك خبيراً عربياً، وشاركت في الملتقى الأخير الذي نظم باليونسكو من طرف منظمة العمل العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم»؟
جـ. هذه مسألة فعلاً لا تخلو من التعقيد!! وهي في رأينا أن الهدف ينبغي أن لا يكون العمل على إعادة بناء هذا «الجيل الثاني» إلى أوطانه الأصلية! فمثل هذا المطلب قد لا نستطيع أن نحقق إلا جانباً يسيراً منه. ومن هنا فالهدف الأساسي ينبغي أن يكون العناية بأن نقدم لهؤلاء الجيل الثاني، من المغتربين، الثقافة العربية التي تمكنهم من الحفاظ على أصالتهم وتبقي على الصلة الروحية والفكرية التي تربطهم بوطنهم الأم. وتجعل منهم في بلادهم الجديدة دعاة لبلادهم وتحررهم من مشاعر الغربة والاستلاب الثقافي الذي يخضعون له. هذا الجيل ينبغي ألا نقتصر على تعليمه اللغة العربية بل ينبغي تجاوز ذلك إلى مدهم باستمرار بالغذاء الفكري اللازم الذي يعرفهم على سمات الحضارة العربية وقيمها وأهدافها وما تصبو إليه.