أزمة النقد العربي

الآداب – العدد الأول – كانون الثاني /يناير/ 1961
أزمَة النقد العربي
بقلم الدكتور عبد الله عبد الدائم
«إن الربط بين الانطلاقة القومية والتفتح الإنساني – وهو ربط
لا تكون بدونه الوثبة القومية جديرة بهذا الاسم ولا تصل بدونه إلى غايتها – تقع على الأدباء مسؤولية القيام به، وتقع على النقاد مسؤولية تذكير الأدباء بمعناه وضرورته».
لا شك أن الأدب العربي المعاصر يعاني من بحران طويل، قد يتمخض عن خصب وعطاء وقد لا يلد غير بحران أوسع. واجتناب النتيجة الثانية لا يكون إلا إذا وعى الأدب البحران واستطاع أن يتجاوزه عن طريق مغالبته لذاته، وعن طريق إدراك الأدباء مسؤوليتهم ورسالتهم.
إن كل عمل خلاق لا يكون إلا إذا انفتح صاحبه على أفق الحرية الكاملة المطلقة. ونقصد بالحرية هنا أن يعي الشخص المؤثرات التي تدفعه إلى عطائه وسلوكه، وأن يحاول عن طريق هذا الوعي التام لها، أن يتحرر منها ولو إلى حين، ليتخذ من دونها ومن فوقها موقفاً أصيلاً شخصياً.
إن كل إنسان ابن مجتمعه وابن الظروف الاجتماعية التي يحيا فيها، ولا يتم تكون الإنسان كإنسان ما لم يندمج بهذا المجتمع ويتمثل حضارته وقيمه وخيراته الثقافية. غير أن ثمة شكلين من أشكال الاتحاد مع المجتمع وامتصاص حضارته: الأول سلبي منفعل لا يعدو أن يكون المرء فيه قابلاً لا فاعلاً، متلقياً تراث المجتمع دون ما مشاركة نقدية فعالة يقوم بها. وإذ ذاك يكون إنساناً متبعاً لا مبتدعاً، يرزح المجتمع فوقه وينوء بقيم هذا المجتمع، بدلاً من أن يكون له هذا المجتمع وقيمه أداة إلهاب وتفتيح. أما الشكل الثاني من أشكال الاتحاد مع المجتمع فقوامه أن يتحرر الفرد من المجتمع إلى حين، عن طريق وعي يعلو على كل شيء ويمحو كل شيء ليبني الأشياء من جديد، ويشكك في كل قيمة ليلد قيماً حقة. وقد يعود مثل هذا الفرد، بعد هذا التحرر المطلق والمحو التام، إلى أن يتبنى كثيراً من قيم مجتمعه، وإلى أن يمتص تراثه وحضارته. ولكنه إذ يفعل يكون في الواقع بانياً لقيم جديدة وإن تكن موجودة، خالقاً لحضارة حية مستحدثة وإن تكن عريقة في القدم. على أن هذا الفرد قد يجاوز في أحيان أخرى ما في مجتمعه، ويرى أن بعض ما فيه من قيم يحتاج إلى تقويض أو تعديل، وعند ذلك يقف موقف الثائر المجدد. وفي الحالين يقف مثل هذا الفرد من المجتمع ومن القيم الإنسانية التي يحملها موقفاً حراً خصيباً: إنه الآن يأخذ القيم على عاتقه ومسؤوليته، ويدافع عنها دفاعه عن حقيقة رآها ووصل إليها بعد رياضة وجهد وتجربة عميقة. إنه الآن قادر على أن يغالب كل شيء، حتى نفسه، في سبيل تلك الرؤية التي رآها، رؤية الحقيقة وقيمها.
وما يصدق على الفرد في سائر مجالات النشاط الاجتماعي، يصدق خاصة على الأديب وعلى مجال الإبداع الأدبي. فالأديب لا يكون مبدعاً حقاً لمجتمعه، ما لم يغد هذا المجتمع الذي يتأثر به شيئاً في قبضته، يعرف أن يتطلع إليه من الذرى ويعرف أن يتفاعل معه تفاعلاً أعمق بعد أن عرف هذا الإشراف البعيد، وبعد أن تحرر منه ليعود إليه عوداً أحفل بالنور. وعندما يتأتى للأديب مثل هذا التحرر من ربقة الانسياق مع المؤثرات الاجتماعية دون ما وعي كاشف لها، يستطيع أن يكون أديب المجتمع المرتقب. إنه يكون الأديب المرجو عندما يدرك أن مهمته الكبرى كشف الأمور وبسط الحياة في أعماقها أمام القراء، وعندما يدرك أن مثل هذا الكشف الوضاء لحقيقة الوجود، لا ييسر إلا لمن استطاع حقاً أن يخلق الوجود من جديد، أن ينظر إليه نظرة بديئة، أن يزيله إلى حين، ليستطيع بعد ذلك، أن يرى ما فيه رؤية المشرف المطل.
مثل هذا الموقف وحده هو الذي يقوى على أن يولد من البحران الراهن عطاء وخصباً، وأن يخرج من هذا التخبط الأدبي إلى أدب حق يمثل وجهة نظر موحية ملهمة ينظر بها الأديب إلى الكون والأشياء. فالأدب الذي لم يتحرر من الوجود العادي الضيق ليتصل بالوجود الصميم، الوجود بمعناه العميق وبجوهره الشامل لا يستطيع أن ينقل الحياة إلى الآخرين.
هذا الانتقال من البحران إلى الموقف الأدبي الأصيل لن يتم إلا إذا أسهم النقد الأدبي في المعركة إسهاماً جدياً وتحمل مسؤوليتها. فكلنا يدرك أن أدبنا حتى الآن أدب يكاد يشبه تلك النباتات البرية التي تنمو في الفيافي، ولا تجد من يشذبها أو ينظمها أو ينقل شذاها. وكلما تقدم بنا الزمن أدركنا أن دور النشر تقذف كل يوم بجديد متكاثر، وإن ما تقذف به متروك إلى القراء، يحكمون عليه كما يشاءون بينهم وبين أنفسهم أو يستمتعون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الحكم. وقلما نلقى نقداً هادياً يشير ببنانه إلى قيمة ما ينتج، ويصنف النتاج تصنيفاً يضع كل شيء في مستواه ومكانه. ومن منا لا يلمس اضطراب الشبيبة فيما يقرأون: إنهم يحارون في أي النتاج يقرأون، وكثيراً ما تحول حيرتهم هذه بينهم وبين أن يقرأوا شيئاً. وحتى أساتذتهم الذين تقع عليهم مهمة إرشادهم، يضلون غالباً ضمن النتاج المتكاثر، وما ينصحون به غالباً كتب اطلعوا عليها لأنهم اطلعوا عليها كما تقع الفراشة على أي زهرة. ومن العسير أن ييسر للشبيبة في بلدنا، سواء عن طريق أساتيذهم أو من يفوقهم علماً وخبرة، أن يتبينوا صفحة الأدب المعاصر لهم واضحة كاملة، وأن يدركوا أخيراً ما هو أجدر بأن يتخير.
والأزمة لا تقف عند حدود الشبيبة وحدهم، بل هي تتعداهم إلى الكتاب أنفسهم. إن هؤلاء الكتاب ينتجون دون أن يصلوا هم أنفسهم في نهاية الأمر إلى أن يضعوا نتاجهم في المكان الصحيح ضمن النتاج الواجب للمجتمع. فالنقد الذي يعجم هذا النتاج ويوازن ويستخلص، نقد نادر. وجل ما ييسر لأدبائنا من نقد، مديح يقوم به صديق معجب أو مرتزق رخيص، أو ثلب يقوم به خصم أو جاهل. وكم يحن الأدباء، وكم يظمأ الأدب إلى صوت يتقرب من الحقيقة جهده، ليقول كلمته. فمثل هذه الكلمة الصادرة عن مقاييس جديدة واعية، هي وحدها التي تروي ظمأ الكاتب إلى من يناجيه حول ما كتب: وسواء كانت هذه الكلمة قاسية على الأديب أو ممتدحة له، تظل للأديب وحياً جديداً يقوده إلى أمام ويحمله على مزيد من التأمل ومجاوزة الذات. إنها مأساة حقاً، مأساة لها صداها الاجتماعي البعيد، تلك التي يخضع لها الأديب عندنا: إنه يجهد ويجهد لينتج ما يرتجي أن يكون الإبداع الذي ينتظره مجتمعه، ويمضي النتاج إلى السوق، ويرتقب الأديب صوت النجوى الحقه، صوت القيم التي عمل من أجلها، صوت الإنسان، الذي أراد أن يعمل لرسالته حين صاغ الحرف وأذاب الفكر، فلا يجد إلا فراغاً وعدماً. وكثيراً ما ينقلب الأمر لدى من لا يجدون في عمق إيمانهم برسالة الأدب ما يحميهم، إلى التبلغ بالنتائج المادية التي يدرها عليهم نتاجهم.
ويستوي في هذا، فيما نعتقد الأدباء الناشئون والأدباء الشيوخ، إذا أردنا أن ننظر إلى الأمور من منظار الأدب الصادق الحق. فالأدباء الشيوخ أنفسهم في حاجة إلى من يدفعهم دوماً إلى تجاوز ذاتهم، بل هم أشد حاجة من سواهم، إلى صوت صارم يحول بينهم وبين أن يعيشوا على حساب مجدهم الماضي. ولعل مشكلة الصراع بين أدب الشباب وأدب الشيوخ ترجع في أعماقها إلى هذا الأمر: فالشيوخ في معظم الأحيان يكتفون بالاغتذاء مما كان لهم من شأن، وقلما يحاولون أن يجعلوا من الأدب تجاوزاً للزمن وللذات، وقلما يضعون أنفسهم في سباق مع الزمن وفي سباق مع أنفسهم. وموقفهم هذا يرجع فيما يرجع إلى انعدام النقد الذي يحمل صوت الحقيقة القاسي. يضاف إلى هذا أن الشيخ بطبعه محافظ، يعيش غالباً في ماضيه، إن لم يقم حقاً بتجربة فكرية ونفسية عنيفة تجعله في شباب فكري دائم، بل تجعله كما يقول بعضهم مراهقاً إلى الأبد. ومن مهمة النقاد أن يدفعوا مثل هؤلاء الأدباء الشيوخ إلى اقتحام هذه المغامرة الجريئة، إلى خلق صبوة أبدية إلى نضارة الحياة ونسغ الوجود. إن الأديب الكبير هو الذي يبلغ اللحد وهو ما يزال ينادي الحياة نداء الشاب الظامئ إلى كنهها وجوهرها.
وعبثاً يقول القائلون: إن الأديب الكبير ليس في حاجة إلى من يدفعه ويذكي صبوته ويشعل موقده. فتلك شنشنة بالية عفى عليها الزمن. وصراع الأدباء قديماً حول دور كل من الموهبة والصناعة في خلق الأدب، صراع تجاوزته الأيام. ومن الأمور التي أثبتتها طائفة من الدراسات والبحوث اليوم أن العبقرية في حاجة إلى حماية ورعاية وأنها لا تنبت وتنمو كما ينبت الفطر أو كما تنبثق الزهور في الأدغال. وخير رعاية لها شدها دوماً إلى رسالتها، إلى جوهرها، إلى مصيرها الذي ينبغي أن تكونه. وتلك هي مهمة قاسية من مهمات النقاد.
إن أقسى ما يصاب به الأديب، والأديب الكبير خاصة، أن يحاط بألسنة المديح من حوله، المديح الذي لا يتجاوز المديح فإذا به يستظل بمجده وبوارف الثناء، فيستغني بذلك عن كل شيء ويكفيه هذا مؤونة العناء، ويخيل إليه أنه لم يعد في حاجة إلى أكثر من أن ينثر على الناس بين الفينة والفينة قطرات من زاده الزاخر وأن يتفضل عليهم بشيء من فضل هذا الزاد عند ذلك يقضي الأديب، لأن الأدب إما أن يكون تجاوزاً مستمراً للذات وإما ألا يكون. والأديب الحي المعمر هو الذي يعرف أن يقول لمادحه قولة علي بن أبي طالب: أنا فوق ما في نفسك ودون ما قلت. بل هو الذي يرى مثله الأعلى كما يجري الظمآن اللاهث وراء سراب يتباعد دوماً، أو كما يتطلع الضال في الليل إلى نجم ما هو ببالغه.
ونقد الذات هذا، الذي هو أمارة الحياة ودليل الغنى لدى كل أديب، يساعد على تكوينه وإذكائه النقد الأدبي الصحيح، الذي ينقل الأديب إلى المثل الأعلى، إلى القيم الحقيقية، ويعيش وإياه لحظات خالدات أمام نور الصدق والجد، ويلقي في نفس هذا الأديب بؤرة لامعة تومض بما هو إنساني خالد رفيع.
وندرك شأن هذا النقد، إذا ذكرنا أن الأديب في معظم الأحيان، يعيش تجربته الفردية، وكثيراً ما يستغرق فيها ويذوب ضمنها بحيث ينسى أن ثمة تجارب أخرى يحياها أدباء آخرون. وهذا الإيغال في تجربة واحدة فريدة على ما فيه من غنى، يؤدي في النهاية إلى فقر خطير، إن لم يرفد بدم جديد، بمعنى جديد، بمقاصد مولدة. واجترار الذات الطويل، والتأمل المرآوي المتصل، لابد أن يقود إلى عزلة مع الذات لا تحمل معنى اتصال أعمق مع الآخرين، وإنما تعني انعزالاً حقاً عن التجربة الإنسانية. ومن شأن الناقد أن يرد الأديب دوماً إلى التواصل مع تجربة غيره من الأدباء وإلى الاتصال بالتجربة الإنسانية عامة إنه أقدر من الأديب على الكشف عن انحراف هذا الأخير شطر نرجسية ذميمة أو سرد غافل. إن الناقد هو الجسر الذي تنعقد عليه تجربة أدب مقارن مغن للأدب والأدباء. إنه البؤرة التي تتلاقى عندها أشعة الأدباء من كل طرف، والتي تستطيع أن تضيء كل أديب بنور جديد.
إن التجربة الإنسانية تجربة طويلة متنوعة الألوان، ومن العسير على أي إنسان أن يبلغ الحقيقة أو شطراً منها، أو يبلغ الجمال أو شطراً منه، عن طريق سعيه الوحيد. ولابد أن تتصالب الجهود، وتتآزر الهمم في سبيل الكشف شيئاً بعد شيء، وبحركة متطورة متقدمة دوماً عن المعاني الثاوية في الكون والأشياء. ولابد للأديب، إلى جانب نظرته الخاصة المتمذهبة من إطلالة شاملة على جهود الآخرين ونظرات الآخرين. وقد لا تيسر له هذه النظرة دوماً بحكم تمذهبه وانشغاله برؤاه ونظراته. وهنا يأتي الناقد ليملأ ثغرات هذا الإطلالة الشاملة الكلية التي ينبغي أن يملكها الأديب، وليضعه ويضع أدبه في مكانهما وموقعهما من أدب العصر، ومن ركب الزمن وحصاد التجربة الإنسانية.
وما نرانا في حاجة إلى مزيد من الحديث عن الدور الذي ينتظره أدبنا العربي المعاصر من الناقد وقلمه فكلنا يدرك في بساطة ويسر أن أدبنا العربي هذا يشكو اليتم، وأنه لا يجد أقلاماً ناقدة صادقة ترعاه وتضعه حيث ينبغي أن يوضع. إنه يتيم القيم التي تهب له قيمته، يتيم الحرف الذي يستخرج معنى حرفه.
والأمر الجدير بالبحث، ما هو تقرير هذا اليتم، ونعي افتقاد النقد هذا، وإنما هو السؤال عن أسبابه وكشفها.
ونقول منذ البداية أن هذه الأسباب أسباب عميقة في نظرنا، تتجاوز ما يذكر عادة من مبررات عارضة عابرة..
فقد يقال إن ضعف النقد من ضعف الأدب، وإننا لا نجد نقاداً كباراً لأننا لا نجد الكثير من الأدباء الكبار. وهذا القول مردود في الواقع: إذ مهما يكن من شأن الأدب عندنا ومن تخبطه وبحرانه، يظل من الصحيح أن ثمة فوارق بين نتاج ونتاج، وإن ثمة وفرة في النتاج، وإن ثمة نتاجاً رفيعاً جديراً بالنقد. ثم إن هذا القول هو ضرب من المصادرة على المطلوب الأول كما يقول المناطقة، أو هو ضرب من الدور الفاسد: فكما أن ضعف النقد من ضعف الأدب كذلك ضعف الأدب من ضعف النقد. والفراغ الذي يتركه الأدب ينبغي أن يملأه النقد وتقصير الأدب عن أداء رسالته ينبغي أن يكشف عنه النقد ويعالجه. على أننا نعتقد على العكس، أن جو الأدب في بلادنا خير جو ملائم لمهمة النقد: فالنتاج وفير كثير، والمحاولات متعددة، والأدباء كلهم يمرون بتجارب أدبية جديدة نتيجة تمازج الثقافات والتأثر بالآداب الأجنبية والرغبة في خلق أدب أصيل مبتكر رغبة قائمة بل متحققة في بعض الأحيان. ومع ذلك فصوت النقد صامت، وأصداء الأدب فيه خرساء.
وقد يقال غير هذا. قد يقال إن رسالة الأدب تأتي في مجتمعنا العربي في المرتبة الثانية، وإن الناس مشغولون عنها برسالة السياسة والاهتمامات السياسية المتصلة بالكيان القومي كله. وهذا أيضاً تفسير ناقص. فالأدب العربي، كأي أدب، ليس معزولاً عن سائر حياة المجتمع العربي، وهو ليس معزولاً عن المعركة القومية والسياسية خاصة. ومنذ سنوات بعيدة قدم الأدب رسالة كبرى في هذا المجال، فعبر عن المشاعر الوطنية والقومية، وما يزال يجهد كل يوم للربط بين رسالته وحاجات الشعب العربي، بين مطالبه ومطالب الكيان العربي. وكثير من أدبائنا الصادقين، نقلوا إلى نفوسهم ومشاعرهم مشاعر مجتمعهم وحاجات أمتهم، وخلقوا من ذلك أدباً قومياً يسهم في المعركة الشاملة التي يقوم بها العرب في كل مكان. ولئن كانت الاهتمامات القومية والسياسية شغل الناس الشاغل في هذه المرحلة التاريخية من حياة مجتمعنا، فكم حري بهذه الاهتمامات أن تنشغل بالأدب الذي يعبر عن هذه المشاعر القومية، وأن تعنى بالفكر الذي يريد أن يصون هذه الاهتمامات السياسية ويحميها من الانحراف؟ إن كل فرد عربي واع يشعر اليوم أن المعركة القومية والسياسية التي تخوضها الأمة العربية، لا تأخذ معناها السليم ولا تتخذ كامل مداها إلا إذا صانها الفكر الصادق وقادتها الثقافة الرحبة. ومهمة الأدباء الأولى أن يقوموا بهذا الصون وأن يضعوا في الحركة القومية العارمة كل ما يريده الفكر من صدق ومحبة واحترام للإنسان وتطلع إلى قيم إنسانية حقة. ومهمة النقاد أن يسهموا في هذا مع الأدباء فيكونوا لهم الحافز والحامي. إن رسالة الأدب الحقة لا تجد منطلقها الرحيب في وقت من الأوقات كما تجده أيام الانبعاث القومي والنهضة السياسية.. هنالك يقف القلم ليدرك مسؤوليته الكبرى، ويتململ الحرف ليجد كلمة البناء، كلمة الأمة. وهنالك تعظم مسؤولية نقد الحرف للحرف واستجواب الكلمة للكلمة. ونحن اليوم هناك حيث ينتظر مجتمعنا المنطلق قولة الفكر الصادق وصرامة النقد المؤمن.
إن معركتنا القومية الكبرى، لن تصل إلى مستقرها إلا إذا كانت في الوقت نفسه معركة إنسانية كبرى، ولابد بالتالي أن تداخل القيم الإنسانية عملنا القومي اليومي، وأن ندرك أن تفتح قوميتنا لا يتأتى إلا مع تفتيح إنساننا العربي، مع تحريره من كل عبودية، مع تعبئته بالقيم الثقافية والحضارية الحقة. ومثل هذا الربط بين الانطلاقة القومية والتفتح الإنساني، وهو ربط لا تكون بدونه الوثبة القومية جديرة بهذا الاسم ولا تصل بدونه إلى غايتها، تقع على الأدباء مسؤولية القيام به، وتقع على النقاد مسؤولية تذكير الأدباء بمعناه وضرورته.
وقد يقال بعد هذا وذاك أن نتاجاً واحداً من نتاج الأدباء خير من ألف نقد، وإن قولة بيكون الشهيرة «إن تجربة واحدة من تجارب الطبيعة تعدل عندي ألف دليل عقلي» تصدق أيضاً على ميدان الأدب والنقد. قد يقال بتعبير آخر إن الناقد هو القارئ وحده، وإن الناقد طفيلي يريد أن يعيش على نتاج الأدباء، وهو يعجز عن فهم هذا النتاج، وكثير ما يشوهه ويسيء إليه. فلا نقد إذاً ولا نقاد، بل أدب وأدباء، والحكام هم القراء، مهما يكن حكمهم فردياً. ذلك أن الأدب تجربة شخصية، وفهمها تجربة شخصية، ولابد أن ندع لكل قارئ المجال لتجربة ذاتية يقوم بها مع ما يقرأ، كما ندع لكل أديب مجال مثل هذه التجربة مع ما يكتب.
وفي هذا القول كل الصيد، وعنده تكمن المشكلة الحقيقية، والرد عليه يقودنا إلى صلب الموضوع في نظرنا إنه يقطرنا إلى أن نقول منذ البداية أن أزمة النقد العربي لا ترجع إلى كثير من الأسباب العارضة التي تذكر، وإنما ترجع إلى أن مهمة الناقد ما تزال غامضة قلقة غير مستبينة لجمهرة المهتمين بالأمر. ومرد هذا الغموض في مهمة الناقد إلى النقاد أنفسهم وما يدركونه من رسالتهم.
ذلك أننا نستطيع، بشيء من التعميم أن نقسم النقد في البلدان العربية إلى ثلاثة أنواع أساسية:
الأول نقد يستند إلى النقد العفوي، إلى حكم شخصي غامض، شعاره: هذا يعجبني وذاك لا يعجبني، وفي مثل هذا النقد نلفي انطباعات شخصية تتجلى في عبارات عامة غائمة تحمل شتى المعاني والتفسيرات، ويمكن أن تنطبق على أنواع كثيرة من الأساليب.
ومثل هذا النقد لا يستمد قيمته في نظر القراء إلا من شأن قائله ومكانته الأدبية، وهو في معظم الأحيان نقد يتأثر تأثراً كبيراً بالعلاقة الشخصية التي بين الناقد والكاتب، ويلعب فيه استلطاف الناقد للكاتب وتعاطفه معه دوراً كبيراً ما دام قوامه الانطباع الذاتي الشخصي.
ولا حاجة إلى بيان تهافت مثل هذا الضرب من النقد رغم شيوعه، ورغم أنه النقد الغالب عندنا، لا سيما بعد أن تولت مهمة النقد في معظم الأحيان صحافة هزيلة مرتزقة. ولا شك أن مثل هذا النقد يلعب دوراً كبيراً في تشكيك الأدباء والقراء في قيمة النقد وضرورته.
أما النوع الثاني من النقد السائد عندنا، فهو النقد الذي يجعل مهمته التحليل والشرح، دون أن يشتمل ذلك التحليل على تقويم حقيقي. ومثل هذا الضرب من النقد، يدع غالباً النتاج الذي لم تعرف قيمته بعد، ويكتفي بتحليل النتاج الذي اشتهر وعرف، ويجعل مهمته الأولى تحليل ما في هذا النتاج من قيم ومعاني، دون أن يحاول أي تقويم ونقد. إنه بتعبير آخر ضرب من «الوصف الحي» لكبريات المؤلفات الأدبية، أو حواشي موشاة مطرزة على الكتب القيمة، أو ضرب من «المغامرات التي تقوم بها النفس وسط أمهات المؤلفات الأدبية» على حد تعبير أناتول فرانس. ومثل هذا النوع من النقد هو الذي دعت إليه مثل «مدام دوستايل» في فرنسا، ومثل الشاعر الفرنسي «هوغو» حين أنكر على الناقد حق مناقشة العبقرية ومجادلتها. وإلى هذا الضرب من النقد يلجأ نقادنا اليوم حين يتحدثون عن نتاج كبار الأدباء، وحين ينقلون خاصة النتاج العالمي الشهير.
وواضح أن مثل هذه المهمة لا يمكن أن تكون مهمة النقد الحقيقي، فالناقد لا يجوز أن يكرس عمل الأدباء ويباركه، بل عليه أن يكتشفه حقاً ويجلوه. ومثل هذا الناقد الذي يسير في ركاب الإبداع الرائع الذي أجمع عليه الناس، لا يستطيع أن يسهم في معركة الأدب، لأن هذه المعركة تحتاج دوماً إلى من يدفع بها إلى أمام عن طريق تقويم لها يجعلها تتجاوز ذاتها، ومن بدهي الأمر أن لا نقد بلا تقويم.
والنوع الثالث من النقد الذي بدأ يشيع في بلادنا منذ أمد ليس ببعيد، هو النقد الذي يريد أن يتجاوز حدود الأدب الخالص، ليدخل في إطار التحليل الفلسفي أو النفسي أو الاجتماعي أو الخلقي. وكلنا يعلم ذلك الطراز من النقد الذي تأثر بالدراسات الأجنبية، فأخذ يعنى بتحليل المؤلفات تحليلاً يستند إلى حقائق علم النفس أو حقائق التحليل النفسي أو معطيات علم الاجتماع أو قواعد الأخلاق أو مبادئ الفلسفة.
ولا شك أن مثل هذا الضرب من النقد محاولة جدية أكثر من النوعين السابقين، فهو يخضع النتاج الأدبي أولاً لبعض القواعد، مجتنباً بذلك آفات النوع الأول من النقد نعني الحكم العفوي الذاتي الذي لا يستند إلى مقياس واضح ومعيار مقرر. وهو ثانياً لا يكتفي بأن يصف النتاج الأدبي ويستعرض ما فيه، بل يجاوز ذلك إلى النبش في أعماقه، إلى العوامل الخفية التي ولدته، إلى ربطه بصاحبه وربط صاحبه بالعوامل التي أثرت في تكوينه.
غير أن الناقد الدائن بمثل هذه النزعة لا يستطيع أن يرى النتاج الأدبي إلا من زاوية واحدة، هي زاوية المذهب الذي يأخذ به. وهو لا يستطيع بالتالي أن يطل على المؤلف الأدبي الإطلالة الشاملة التي لابد منها لكمال النقد. بل هو يحاول في معظم الأحيان أن يرى في المؤلف أفكاره هو ومذهبه هو أو نقيض تلك الأفكار وذلك المذهب. وكثيراً ما يحمل الآثار الأدبية ما ليس فيها ويقسرها على أن تدخل في قالب مذهبه الذي يريده. ويكفي للدلالة على هذا أن نذكر بعض ضروب النقد الأدبي التي قدمها «فرويد» صاحب مدرسة التحليل النفسي، أو التي قدمها «ماركس» فيلسوف المادية الجدلية. فهل ندرك حقاً معنى آثار بودلير إذا ذكرنا أنها اعتراف بعقدة أبوية لديه؟ وهل نزداد وعياً لنفس هوغو إذا قلنا إنه وليد عقدة قتل الأب؟ هل ندرك روعة كتابات دوستويفسكي إذا قلنا إنه كان مصاباً بمس الاغتصاب، كما كان تولستوي مصاباً بالنرجسية؟ كذلك هل يكفي في تقويم آثار «فلوبير» و«موباسان» أن نقول أنهما كاتبان بورجوازيان كما أراد ماركس؟
إن الناقد الحق لا يستطيع أن يستغني عن نظرة شاملة إلى الأدب ككل، ولا يجوز أن يحكم إلا من خلال مثل هذه النظرة الشاملة. والنقد المذهبي المستند إلى نزعة نفسية أو فلسفية أو اجتماعية، يضل طريق النقد إن خيل إليه أنه يصيب بنقده كل ما في الأثر الأدبي. أما إن اتخذنا من مثل هذا النقد وسيلة من بين الوسائل التي تؤدي إلى فهم الأثر الأدبي وتقويمه، فعند ذلك يحتل مكانته الغالية في ميدان النقد الصحيح.
هكذا إذا نظرنا إلى النقد في البلدان العربية هذه النظرة المجملة، استبان لنا أن هذا النقد بأنواعه الثلاثة الكبرى، لا يطمئن حاجات النقد الحقيقي، ويظل مقصراً عن الغاية التي وجد من أجلها النقد، ومن هنا كانت الشكوك فيه، ومن هنا نراه بعيداً عن أن يحتل المكانة التي تنتظر منه.
ويبقى أن نسائل أخيراً ما هو إذن النقد الصحيح الذي من شأنه أن يعيد للنقد قيمته ومكانته؟
وعسير علينا في مثل هذا المقام أن نجيب على مثل هذا التساؤل جواباً كاملاً. وحسبنا أن نتحدث عن أهم معالم مثل هذا النقد المرجو.
إن الأزمة الكبرى في النقد، حتى في البلاد الأجنبية، ترجع قبل أي شيء آخر، إلى ذاتية النقد. ومما يخلق الارتباك في الحكم على شأن النقد ارتباك النقد نفسه في أحكامه وتباين ما يعطيه من نتائج. وهذا التباين في أحكام النقاد يبلغ من التباعد أحياناً حد التناقض كما نعلم. فكأن النقد يفتقد إذن مقاييس مشتركة أو الحد الأدنى من المعايير الموضوعية الثابتة التي يستند إليها، وكأنه بسبب ذلك ذاتية مطلقة يتساوى لديها الوجود والعدم.
والمسألة دون شك عسيرة عميقة. إنها في حقيقتها ترجع إلى مسألة كبرى هي قدرة الذات على أن تحكم على ذات أخرى. غير أن هذا كله لا يعدو أن يشير إلى أن ثمة مشكلة ينبغي حلها، ولا يعني بحال من الأحوال، كما قد يخيل، أن المشكلة غير قابلة لأن تحل، ولا يجوز أن ننتهي من تقرير هذه المشكلة إلى موقف أشبه بموقف النوع الثاني من النقاد، نعني إلى القول بأن الفن لم يخلق ليحكم عليه ولينقد ولكنه خلق ليؤخذ ويشاهد، لنكون متفرجين سلبيين على عملية الخلق والإبداع فيه، فمثل هذه النظرة تعني في أعماقها الفوضى الأدبية المطلقة. إنها تقترب مما ذهب إليه أنصار الأدب الرومانتيكي في فرنسا، كرد فعل على أصحاب النزعة الكلاسيكية، حين قالوا أن كل شيء ممكن ومباح في الأدب، وأن ليس ثمة حدود ولا قيود تقص جناحي الأديب.
إن تقرير المشكلة ينبغي أن تكون نتيجته على العكس، القناعة بأن النقد لا يمكن أن يستقيم، وأن الأدب لا يمكن أن يحيا، إلا إذا أدركنا أن للعمل الأدبي قواعده الفنية وأصوله الجمالية وأهدافه الفلسفية، وأن علينا أن نمهد لوضع هذه القواعد وتلك الأصول.
لقد كانت للأدب الكلاسيكي الفرنسي أصوله. ورغم أن تلك الأصول لم تكن أصولاً سليمة، وكانت جامدة قاسية، فإنها ساعدت مع ذلك على خدمة الأدب والنقد، وأسهمت في توكيد المعنى الأساسي للخلق الأدبي، نعني كون هذا الخلق موهبة وصناعة في آن واحد، أو موهبة صناعاً بتعبير أصح، ومهما يكن من سذاجة تلك القواعد، يظل من الهام أن وراءها إيماناً أساسياً بأن ثمة شيئاً إنسانياً جوهرياً على الأدب أن يعبر عنه متبعاً قواعد تضمن تعريف الجمال تعريفاً ثابتاً شاملاً.
كذلك حاول النقاد العرب قديماً أن يضعوا مثل هذه المقاييس للعمل الأدبي، وقد تكون هذه المقاييس شكلية صورية تغلب المبنى على المعنى، ولكنها على أية حال لم تدع الأدب بلا أطر ومعايير.
ونحن اليوم مدعوون إلى رسم هذه المعايير للعمل الأدبي وللإبداع الفني. ولا شك أن عملنا هذا أصبح ميسراً إلى حد بعيد بعد أن وجدت دراسات أدبية وجمالية واسعة، وبعد أن حاول علم الجمال أن يضع مقاييس موضوعية للآثار الأدبية والفنية.
ويزداد إدراكنا لأهمية هذه المقاييس إذا ذكرنا أن النقد في أعماقه إدراك لقيمة وتوجيه نحو هذه القيمة، ولا سبيل إلى إدراك قيم الأشياء دون ما تدارس لمراتبها، ودون ما بحث في أسسها.
إن مهمة الناقد كما قلنا ونقول أن يجعل من العمل الأدبي عملاً متجدداً متقدماً دوماً عن طريق ما يقذفه أمامه من قيم. ولابد للنقد، إذا أراد فعلاً أن يدفع عجلة الأدب إلى أمام أن يملك منظومة من القيم الأدبية الشاملة، التي تلتقي فيها النظرة الفنية بالحقيقة الفكرية والفلسفية. فمثل هذه المنظومة التي يطل الناقد من خلالها على معنى الأشياء، على كنه الجمال وجوهر الحقيقة، هي التي تجعل منه قائداً يحرض الأديب دوماً على تجاوز ذاته في سبيل الوصول إلى أسمى ما يستطيعه من قيم الحق والجمال. إن رسالة الناقد أن يصل بالأديب إلى أقصى ما يستطيعه من تفتح على قيم الوجود، ولا يتم له ذلك إلا إذا أدرك هو أولاً هذه القيم ووعى مراتبها ورسم وسائل بلوغها.
وأدبنا العربي أحوج ما يكون إلى مثل هذا النوع من النقد، والبحران الذي هو فيه لا يخرجه منه إلا نقد مزود بمقاييس قادرة على أن تدخله في أطر تمسك بوجوده وتقيه من الضياع.
ولا نعني بهذا أن بعض المحاولات لوضع أسس موضوعية للنقد الأدبي لم تتم في بلادنا. فثمة تجارب في هذا الباب، غير أنها ما تزال في بدايتها، وما تزال بعيدة عن أن تفيد فائدة عميقة من نتائج الدراسات الجمالية والأدبية التي تمت في العالم.
يضاف إلى هذا أن مثل هذه المحاولات، على قلتها وتقصيرها عن كامل المدى المطلوب، ما تزال تعيش في معظم الأحيان في معزل عن حركة النقد الأدبي، وتدارسها وتداولها لم ييسرا بعد، وما يزال النقاد الفعليون في واد وهذه الدراسات في واد آخر.
على أن جوهر الأمر أن الأسس الموضوعية المرجوة، ينبغي أن تسقى من نظرة شاملة إلى قيم وجودنا وحياتنا، وينبغي بالتالي أن يصحبها جلاء متصل لمعاني هذا الوجود ومستلزماته. ومن هنا كان نمو النقد الأدبي ونمو النظرية النقدية الموضوعية وتبطين أوثق الارتباط بنمو فلسفتنا ونظرتنا إلى الكون والأشياء.
إن النقد في معناه العميق يعني تحقيق قيم الحياة ومعنى الوجود الصحيح في النتاج الأدبي، ولا يتم ذلك إلا إذا ارتبطت قواعد الفن الجمالي بالمبادئ والنظرات الفلسفية التي توجه حياتنا وترشد سلوكنا.
إن كاتباً كسارتر لا يخطئ حين يقول في «ما هو الأدب» إن الناثر يكتب ليقول شيئاً، وإن على الناقد أن يجلو ما أراد الناثر أن يقوله، أي أن يحكم على العمل الأدبي من خلال قيمته الفلسفية والخلقية. فالناثر عنده «إنسان اختار طرازاً معيناً من العمل، يمكن أن ندعوه باسم العمل عن طريق الكشف، فمن المشروع إذن أن نطرح عليه هذا السؤال: أي مظهر من الكون تريد أن تكشف، وأي تغيير تريد أن تحدثه في الكون بوساطة هذا الكشف؟ فالكاتب «الملتزم» يعرف أن القول فعل، ويعرف أن الكشف يعني التغيير، وأننا لا نستطيع أن نكشف ما لم نستهدف أن نغير».
وهكذا نخلص في نهاية الأمر إلى أن الموقف النقدي الصحيح هو الموقف الذي يجمع محاولتين في آن واحد: الأولى تطبيق مجموعة من القواعد الجمالية الموضوعية جهد المستطاع، والثانية ربط القيم الجمالية التي يكشفها في النتاج الأدبي بالقيم المثلى في الحياة، بقيم الحق والخير، بالقيم الفلسفية والخلقية. والمحاولتان كما قلنا ليستا منفصلتين أو متعاقبتين، إنهما متحدتان، بمعنى أن القواعد الجمالية لابد أن تستمد شأنها من القيم الفلسفية والخلقية التي تتذوقها وتتأنق في عرضها، إيماناً منها بها. وبمعنى أن القيم الفلسفية والخلقية حين تهز نفس الكاتب لابد أن تنقلب في تربته الأدبية الفنية إلى قيم جمالية انفعالية. إن الحق والجمال
لا ينفصلان، والجمال ليس سوى القيم التي يؤمن بها المرء، حين تتجه بفضل الانفعال إلى أن تتفتح في إبداع فني وأدبي. إن أفلاطون كان على حق حين قرر أن الجميل والخير لا يفترقان.
دمشق
عبد الله عبد الدائم