هل الكتاب العربي في خطر؟

الآداب – العدد الخامس – أيار /مايو/ 1954

هل الكِتاب العَربيّ في خطَر؟

جواب الدكتور محمد مهدي البصير
أما إن الصحافة الخفيفة المصورة والإذاعة والسينما تنافس الكتاب العربي منافسة حادة فهذا ما لا شك فيه. ولكن يخيل إلي أنها لا تشكل خطراً مميتاً على مستقبله كما أنها لم تشكل مثل هذا الخطر على غيره من الكتب الحية. ولكن عليه أن يشعر بالخطر الداهم فيعد للأمر عدته ويتجهز بكل ما من شأنه أن يكفل له البقاء من جودة في المادة وجمال في العرض وإتقان للدعاية. وعندي إن الكتاب العربي سيعيش إلى جانب الصحافة الخفيفة المصورة والإذاعة والسينما ولكنه سينحط أستغفر الله بل سيزداد انحطاطاً على مر الأيام بسبب مماشاته الأهواء وتملقه الجماهير سعياً وراء الرواج ورغبة في الانتشار.

جواب الأستاذ محمود تيمور
الصحافة الخفيفة المصورة والإذاعة والسينما وغيرها لازمة للجمهور لزوم الكتب، وكل واحدة منها تؤدي مهمتها التي لا تؤديها زميلاتها؛ ففي الوقت الحاضر، نحن في حاجة إلى كل هذه العناصر في مجتمعنا الراهن، وكما أنك في حاجة إلى غذاء روحي دسم مركز، فأنت أشد ما تكون تلهفاً على مرفه خفيف منوع؛ فلا يمكن أن تستمر على غريض اللحوم، بل من المستساغ المقبول أن تأكل اللحم وإلى جواره الكوامخ «السلطات» والحلوى، وعصير الفاكهة؛ لأنك إن اقتصرت على زاد واحد سمين، أصابك عسر الهضم، وزهادة في هذا اللون من المأكولات.
على أنني لا أغفل في هذا الصدد أن لا يطغى لون من هذه الألوان على اختصاص صاحبه.
ورأيي أن كل ناحية إن لزمت برنامجها المرسوم لها في تنسيق واتزان؛ – فليس هنالك أي خط في طغيان عنصر على آخر؛ فلكل لون ميدانه وطرائقه وخططه. فالمدرسة مثلاً لا تنافس «السينما» و«السينما» لن تكون سبباً في إغلاق المدارس والتقليل من أهميتها: إذ إن لكل رسالته الخاصة، وأهدافه البينة، ومناهجه المرسومة.
ولم يقل أحد أن ملاعب «السيرك» – ومن أهم خصائصها الترفيه الزائد عن الشعب – كانت من وسائل القضاء على المسرح، والحط من قيمته.
وليست الإذاعة و«السينما» مقصورتين على الترفيه، فلا يصح إضافتهما إلى صنف الصحافة الخفيفة المصورة، بل هما جانب ثقافي في ثوب ترفيهي مستساغ يتقبله المرتادون لميدانهما في رضا وارتياح.
والإذاعة و«السينما» والكتاب، ثلاثتهما، – تعتبر مظهراً مشتركاً في حمل رسالة ثقافية، وقد يتعاون الجميع نحو هدف واحد، كما يحدث أحياناً أن يحل بعضها محل البعض؛ مما يعجز عن مسايرة النهضة والتمشي مع مطالب الجيل لظروف خاصة.
وإذن يكون الكتاب بخير، وعلى وئام تام مع صويحباته، لا يمسه منها ضر، ولا عليه منها من خطر!..
جواب الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا
أما إن الصحافة الخفيفة المصورة والسينما والإذاعة تنافس الكتاب العربي منافسة حادة غير متكافئة، فأمر لا ريب فيه. أما إن فيها خطراً مميتاً على مستقبل الكتاب العربي، فأمر يحتاج إلى بحث.
إن الناس يخلقون وسائل ترفيههم على قدر مداركهم، فإذا منعت هذه انتشار الكتب، فليس ذلك ذنبها بقدر ما هو ذنبنا. إذا كنا نجد من وسائل الترفيه منافسة في أمورنا الفكرية بحيث يكاد الكتاب يحتضر عندنا، فما أجدرنا بالاعتراف بالضحالة المريعة.
فالصحافة الخفيفة المصورة والسينما تجارتان تعتمدان على قاعدة العرض والطلب. وبما أن غاية كلتيهما الربح، فإنه من الطبيعي لهما أن تأخذا أقرب الطرق إلى نفس المستهلك. وأقرب الطرق لدينا هي إثارة الطبقة الزبدية من العاطفة – حيث تعوم أسلاب الفكر وقاذورات المعرفة – باستخدام نوعين أو ثلاثة من الكليشيهات «المضمونة النتائج»، ولا سيما الكليشيه السياسية والكليشيه الجنسية. التفكير: أسود وأبيض، ولا ظلال بينهما، تماماً على قدر عقلية المستهلك.
ومن الواضح أن الكتاب يختلف عن ذلك كل الاختلاف: فهو وسيلة من وسائل الكشف والاستقرار، يمقت الكليشيه، وقد لا يلقي بأكثر من نظرة عابرة على السياسة أو الجنس، أو قد لا يراهما كما يراهما القارئ. فالكتاب تجربة وتحدّ يتركان أثراً طويلاً بقدر ما تكون وسائل الترفيه استسلاماً طويلاً بقدر ما تكون وسائل الترفيه استسلاماً وانصياعاً عابرين. والأول يحتاج إلى عضل ذهني، ولا تحتاج الثانية إلا إلى عينين.
أما الإذاعة عندنا، فليس وراءها من التفكير على الأغلب إلا ما وراء وسائل الترفيه الأخرى، مع فارق بسيط، وهو أن «الكليشيه الجنسية» لا تبث في شكل صور أو كلمات، بل في موسيقى لا نهاية لها، وما الأنغام البكاءة الأننة إلى ضرب آخر من السطو على العاطفة «وتليين» المقاومة الذهنية. وهذا أيضاً ما يريده المستهلك، وإلا لما لقي هذا الرواج (خذ برنامج أية إذاعة في أية جريدة، تجد عنوان كل أغنية واسم مغنيها أو مغنيتها، حتى إذا أتيت إلى حديث ما، وجدت: «حديث» حاف، لا عنوان الحديث ولا اسم صاحبه. والسبب واضح.)
فإذا كان المشترون في السوق يأخذ بأبصارهم ألق الزجاج، وتشبع معدهم فتات المعرفة، وتثير مخيلتهم صورة مادلين مونرو أكثر من ألف عذراء لرافائيل، أنى للكتاب أن يروج بينهم؟.
إن في الغرب صحافة أحسن من صحافتنا، وسينما أحسن من سينمانا، وإذاعة أحسن من إذاعتنا، ومع ذلك لم يمت الكتاب الغربي، ومازالت الكتب تباع بعشرات الآلاف (وأحياناً بالملايين) جنباً إلى جنب مع وسائل الترفيه. فالكتاب يتوقف نجاحه على نجاح العلم. إنه يتوقف على إقبال خريجي المدارس والكليات، أصحاب هذا العلم. فإذا أخفق الكتاب بينهم وراجت الصحف، فذلك دليل على أنهم أطافوا الأخيرة، ولم يطيقوا الأول. وقد ننسب الضحالة هنا إلى مؤلفي الكتب ما تنسب إلى الجمهور. وعلى كل، فقد فطنت المجلات والإذاعة والسينما إلى ذلك، فأوهمت قراءها بأنها تستطيع أن تخدم أغراضهم الثقافية أيضاً، ما داموا يقبلون عليها. فوقع القراء والإنتاج في حلقة مفرغة من الجهل: جهل أحد الطرفين يغذي جهل الطرف الآخر، وفي أحشاء هذه الدوامة اختفى الكتاب المسكين.
لقد أصبحت الصحافة والإذاعة والسينما في نظر الناس تعوض عن الكتاب، بدلاً من أن تحفز على مطالعته، وصار لزاماً على الكاتب – للمجلة أو الإذاعة أو السينما – أن ينزل إلى درجة من يفهمه – كما قال ابن الرومي – الكلاب والقردة، وإلا لفه النسيان في يومين. لقد خلطنا بين التسلية وبين المعرفة، بين العابر وبين المقيم، بين الزائف وبين الأصيل.
إنه لمن الممض أن نرى الصحافة والسينما والإذاعة – ولها كلها أن تكون من وسائل إنعاش الذهن. تستعمل عندنا سلاحاً مشهوراً على الذهن نفسه. والذنب، أعود فأقول، ذنبنا. فكلما ازداد عدد «المتعملين؟» (يعني: عدد من يستطيعون القراءة) تضخم عدد المنضمين إلى المعسكر المقاوم لنهضة الفكر.
عندنا ولا ريب فئة ممتازة من المثقفين، ولكنهم إذا أدركوا ما نحن عليه، أبوا النزول إلى السوق، ولجأوا إلى الكتب الأجنبية طلباً للغذاء.
إن الكتاب يحتضر عندنا يا سيدي، لأننا مازلنا «نعوم على شبر ماء». ولن تنفخ الروح فيه إلا عندما نجرؤ على توخي الأعماق. وحينئذ لن تكون هناك منافسة بين التسلية وبين الفكر، بل يغذي الواحد الآخر، ويتبادلان أسباب النجاح. ولكن الليل قبل ذاك الصبح طويل.
جواب الدكتور طه حسين
سيدي الكريم
تلقيت سؤالك عن خطر الصحافة الخفيفة والسينما والإذاعة على الكتاب العربي.
وما أشك في أن هذه الأدوات الحديثة من أدوات الديمقراطية تنافس الكتاب منافسة مرهقة وتصرف عنه عدداً ضخماً من القراء فتسيء إلى الكتاب كما تسيء إلى القراء أيضاً.
فويل للإنسان إذا اكتفى بالمعرفة اليسيرة، وويل له إذا أقام ثقافته على هذه المعرفة التي تختلس اختلاساً والتي لا تعتمد على الأناة والروية والتدبر. ولكن هذا الخطر غير مميت. فأثر الصحافة الخفيفة والسينما والراديو في الشرق ضعيف إذا قيس إلى أثرها في الغرب وقد قاوم الكتاب فأحسن المقاومة في أوروبا وأمريكا وسيقاوم ويحسن المقاومة في الشرق أيضاً لأن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض. وأنت تعلم أين الزبد وأين ما ينفع الناس.
جواب الدكتور اسحق موسى الحسيني
ليس من طبيعة المنافسة أن تميت ولكنها تؤدي إلى التزاحم وشحذ الهمم. ولن يموت الكتاب العربي مهما تشتد المنافسة. وما مات قبله الكتاب الغربي والكتاب العالمي مع أن المنافسة هناك أقوى. والمتوقع أن يضاعف الكتاب جهودهم حتى يطرد نمو الكتاب. وذلك بمعالجة الموضوعات التي تمس حيوات القراء، وبتجويد الكتاب مادة وأسلوباً مع تخفيض ثمنه، وأخيراً برفع كابوس «الإقليمية» وإثارة شهوة القراءة حتى يصبح الكتاب بمقام الرغيف في دنيا العرب. وأكرم بالمنافسة التي تحقق هذه الأهداف!
جواب الأستاذ عبد الله عبد الدائم
لا شك أن من أبرز أهداف الثقافة بسطها للجمهور وجعلها في متناوله. ومثل هذه المهمة شاقة دوماً، غير أنها في بلادنا العربية أشق. إذ فيها طبقة مغرقة في الجهالة قلما نجد لها مثيلاً في بلد آخر، وفيها بون شاسع بين اللغة العامية الدارجة ولغة الكتابة.
لذا كان تبسيط الأفكار للجمهور أمراً لا يقوى عليه إلا نفر قليل ممن هضموا ثقافتهم وقبضوا على ناصيتها وعاشروها في وضوح وجلاء، ليستطيعوا نقلها في وضوح وجلاء.
والحق إن تحديث العامة عن معاني الخاصة أمر لا يسير دوماً إلا للرواد الكبار في كل علم وفن: فهؤلاء الرواد الأوائل يعرفون أن يلبسوا أفكارهم الواضحة في أعماقهم حلة السهولة وجودة العرض، دون أن يهبطوا بها عن مستواها وشأوها.
ذلك أن نقل الأفكار للجمهور ينبغي أن لا يعني أبداً نقل الأفكار التافهة المسفة، وينبغي أن يكون هدفه رفع الجمهور بأساليب التشويق وحسن الأداء، إلى المستوى الروحي الرفيع الذي يتوق له والذي حرم منه. وينبغي ألا يتخذ تحديث الجمهور ذريعة لإلقاء بقايا الموائد الفكرية والقذف بكل عديم المعنى حائل الطعم. فالجمهور تواق إلى أطعمة دسمة حارة، وما هو متشوف أبداً إلى التافه الذي يعرفه حق المعرفة، ولا يحتاج إلى من يعرفه به. إنه يملك التطلع إلى أفق عال والتحرق إلى الخروج من مستواه؛ غير أنه لا يملك الوسائل التي تمكنه من بلوغ هذا الأفق. وما على الكاتب إلا أن ييسر له هذه الوسائل..
سوى أن مثل هذه الغاية ليست هي التي يجربها كتابنا غالباً عندما يكتبون في المجلات الخفيفة، أو يتحدثون في المذياع، أو ينطقون عن طريق السينما.. فهم إذ يعجزون في أكثر الأحيان عن نقل المعاني القوية والأحاسيس الحادة إلى نفوس الشعب يكتفون بالتافه العادي، بل ينحرفون إلى المشوه المعوج. ومثل هذا الموقف من شأنه أن يعرض الثقافة لخطرين:
الأول إبعاد الشعب عن الثقافة الحقيقية، مع قتل تطلعه إليها: إذ يتوهم أنه يحصل على ضالته في هذه الأشياء الخفيفة التي تكتب إليه، فينطفئ تعشقه للثقافة حين لا تغذيه ولا ترويه، بل يحجم عن متابعة الثقافة الجدية بعد أن اعتاد هذه الثقافة المريحة وفسد ذوقه عن طريقها. وليس أخطر على الثقافة من أن تعرض عرضاً تافهاً مبتذلاً يتلقفه الجمهور، فيتكون فكره على غراره حتى يغدو له قاعدة ومعياراً.. وليس أخطر على الأفكار من أن تشبع خاطئة منحرفة عن معناها الأصلي، فتنغرس في نفوس الشعب مشوهة، ويصعب تقويمها فيما بعد..
والخطر الثاني صرف جهود كبيرة في إخراج هذا النوع الخفيف من النتاج، بحيث ينصرف الكتاب عن الاهتمام بالنتاج العميق وبالأبحاث الدقيقة العالية. وبدون الجهد الدائم والصبر الطويل لا يمكن أن يرجى للكتاب نجاح وتقدم. فالعمل الفكري نوع من التربية الذاتية الطويلة، لابد فيها من مصارعة الأبحاث الجدية والتمرس بالأفكار العلمية الشاقة.. وثقافة الأمة حملة دائبة صبورة على عالم متزايد في صعوبته ومستواه..
جواب الأستاذ وديع فلسطين
لم تعرف مصر فترة نشط فيها المؤلفون ونشط فيها القراء مثل فترة الحرب العالمية الماضية. فقد كانت الصحف جميعاً تصدر في صفحات محددة بادية التقشف بسبب ندرة الورق، وكان الإظلام المبكر يحتم على الناس أن تركن إلى دورها مع احتجاب الشمس، فلم تعد للناس سلوى إلا أن تقرأ الكتاب العربي، ولا سيما وقد تقطعت وسائل المواصلات وتعذر الظفر بالكتب والمجلات الأجنبية.
فلما انجابت غمامة الحرب، وتضخمت الصحف المصورة وتحسنت وسائل طباعتها، ورفع الإظلام العام، نفض الناس أيديهم من المطالعة، وأخذوا يرتادون دور اللهو من سينما وأندية وما إليها، وانصرفوا عن قراءة الكتاب العربي. أما الذين يقرأون ليتثقفوا، فقد تاقوا إلى الكتاب الغربي، الإنجليزي والفرنسي والأمريكي والألماني، الذي حرموا منه سنوات الحرب الطوال فعكفوا على قراءته، وعزفوا عن الكتاب العربي.
وللصحافة والسينما والإذاعة ثلاث رسائل تؤديها هي: التثقيف والتوجيه والترفيه. ولكن يلوح أن إقبال الناس بعواطفها على الرسالة الثالثة بعد سني التقشف زمن (الحرب) جعل المشرفين على هذه الوسائل الثلاث يسرفون في الترفيه ويغفلون جانبي التثقيف والتوجيه أو يقللون من شأنهما. فانتعشت الصحف الخفيفة المصورة، وزاد تنافس محطات الإذاعة على تقديم ألوان الترفيه للمستمعين باسم الفن، وأخذت صناعة السينما تخوض سباقاً لتقديم الأفلام المسلية إلى النظارة ولا سيما أفلام الاستعراض التي لا تدور حول قصة معينة.
وكان من نتيجة هذا الاتجاه، الذي قوي عقب الحرب، أن تأثر الكتاب العربي تأثراً شديداً فاحتجت سلاسل الكتب النفسية التي كانت تصدرها «لجنة النشر للجامعيين» و«جمعية الفلسفة المصرية» وكتب «أعلام الإسلام». واضطرت المجلات الأدبية إلى إيصاد أبوابها واحدة في إثر الأخرى. وهذه حالة نأسى لها أشد الأسى، ولا سيما لأن الناس، في ما خلا قلة قليلة، لم تستشعر خسارة بفقد المجلات الجادة واحتجاب الكتاب الذي ينشد التثقيف والتوجيه. وساءت الحال حين لم تبد الحكومات أي محاولة لتشجيع أسباب الثقافة، وحين نكصت الجامعات، على كثرة عددها بالنسبة لما كانت عليه قبل عشرين عاماً، فلم تستنهض همم طلابها وخريجيها ليحفلوا بالكتاب الأدبي والمجلة الهادفة إلى رسالة فكرية.
وفي اعتقادي أن انتفاء عنصر الأسى على هذه الحال الأسيفة، إنما يوحي بأن هناك شيئاً من الرضا بهذه الحال. وإذا كنا راضين بهذا المآل، فسنظل على هذا الرضا في الأيام المقبلة مما يورث الكتاب العربي مستقبلاً مظلماً.
والناس أمام المحن نوعان، نوع تستفزه المحنة فتنهضه، وتستثيره الكارثة فيستيقظ أشد عزماً مما كان، فيكتب لنفسه صحيفة مجد جديدة. ونوع تورثه المحنة قنوطاً فيستسلم لها قانعاً بما أصابه، مضيع الأمل في المستقبل بعيده وقريبه.
والذي يبدو الآن أن عنصر السطحية الذي فشا بفشو الصحافة الخفيفة المصورة والسينما المسلية المرفهة والإذاعة المطربة المشجية، قد صار مألوفاً بين الناس مقبولاً من القراء والكتاب. أما الدراسات العميقة والبحوث التي تتطلب المجالدة والمصابرة والأعمال الأدبية التي يتصدى لها رجال التخصص والتأصل، فمستقبلها، ويا للأسف، مظلم قاتم، لأننا آثرنا أمام المحنة أن نستسلم ونخنع بدلاً من أن تشحذ القوى لنخطو خطوات أقرب إلى الوثب منها إلى السير الوئيد.