سنة الإصدار: 1994
دار النشر: دار الآداب – بيروت

تصدير 5
الدراسة الأولى: الإيديولوجيا القومية العربية تطوّرها ودورها وآفاقها 9
مقدمة 9
أولاً- تطوُّر الإيديولوجيا القوميّة العربيّة 10
ثانياً- نظرة شاملة 33
خاتمة 36
الدراسة الثانية: الإيديولوجيا القوميّة العربيّة بين التجديد والتّرشيد والردّة 40
مدخل: القضيّة القوميّة هي القضيّة المحوريّة في الحياة العربيّة 40
أولاً- التيّارات الجديدة النّاقدة للفكر القومي 46
ثانياً- الإيديولوجية القوميّة العربيّة والدولة القطريّة 51
خاتمة 63
الدراسة الثالثة: العرب والنظام العالمي الجديد
القوميّة العربيّة والنظام العالمي الجديد 69
أولاً- نظرة إجماليّة 69
ثانياً- الهويّات الثقافيّة والصراع بين الشمال والجنوب 71
ثالثاً- القوميّة العربيّة والنظام العالمي الجديد 73
رابعاً- خاتمة 78
الدراسة الرابعة: العرب والنظام العالمي الجديد
القوميّة العربيّة أمام الأحداث القوميّة في العالم 82
أولاً- التيّار العالمي الاقتصادي الغازي 83
ثانياً- تيّار التجمُّعات القوميّة الكبرى 83
ثالثاً- التيّار المفتّت للكيانات القائمة 86
رابعاً- المسألة القوميّة جوهر التصارع بين التيّارات الثلاثة 88
خامساً- القوميّة العربيّة والصراعات القوميّة في العالم 89
خاتمة- تزايد أهمّية الكيان القومي العربي 92
الدراسة الخامسة: القوميّة العربيّة ومستقبل النظام العالمي 94
مدخل 94
خاتمة 104
الدراسة السادسة: تجربة الوحدة المصريّة السوريّة (1958-1961) 105
أولاً- مقدّمات الوحدة 105
ثانياً- دروس المخاض 107
ثالثاً- مسيرة الوحدة 120
رابعاً- نظرة إلى المستقبل 126
خامساً- خلاصة 130
الدراسة السابعة: موقف الصهيونيّة، كفكرة وحركة، من القوميّة العربيّة 132
مقدّمة 132
أولاً- الصهيونيّة والاستعمار والإمبرياليّة والتلاقي العضوي بينها
حول الموقف من الوجود العربي 135
الترجمة العمليّة لأهداف الصهيونيّة من خلال صلتها بالموقف من
القوميّة العربيّة ومن الوحدة العربيّة 146
خاتمة 157
الدراسة الثامنة: التلازم بين القوميّة والنهضة 161
مدخل 161
أولاً- الترابط بين القومية والنهضة في تجارب بعض الدول الأجنبيّة 163
خاتمة 194
الفصل الأخير: المستقبل بين «العالميّة» اللاّإنسانيّة والقوميّة الإنسانيّة 199
الفهرس 227
هذه دراسات كُتب معظمها خلال الفترة الواقعة بين عام 1990 وعام 1993، تتحلّق جميعها حول موقع الفكرة القوميّة العربيّة من الأحداث العالميّة الكبرى التي شهدتها السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى منطلقات الفكرة القوميّة وأسسها وأبعادها. وقد كتبت في فترة يسود العالم فيها بحران وقلق وتساؤل عريض عن البنية التي ينبغي أن تأخذها العلاقات بين بلدانه في إطار البحث عمّا يسمُّونه بالنظام العالمي الجديد. ومن هنا فالهمّ الثاوي خلف العناية بتلك الدراسات هو البحث عمّا أصاب الفكرة القوميّة العربيّة نتيجة لذلك، ونتيجة لعوامل أخرى منبثقة من مجرى الأحداث العربيّة نفسها، من شكوك وتساؤلات وانحسار بل من ردّة فعل ونكران أحياناً.
فالفكرة القوميّة العربيّة تمرّ بأزمة عميقة. وعلى الرّغم من أنّ الشعور القومي لدى جمهرة أبناء الأمّة العربيّة شعور حيّ لأنّه صادر عن إحساس فطري عفوي بوحدة الثقافة العربيّة الإسلاميّة وعن إدراك واعٍ لوحدة المصير العربي، فإنّ ثمّة من يحاول أن يقول – ولا سيّما في أوساط بعض المثقَّفين وفي أوساط أعداء الأمّة العربيّة والخصوم التقليديّين للقوميّة العربيّة – بأنًّ الإيديولوجيا القوميّة بوجه عام إيديولوجيا تلفظها بنية العالم الجديد، وأنَّها لا بدّ أن تسير نحو الانقراض، على الرّغم من اعترافهم بأنّها الإيديولوجيا الوحيدة البارزة الحيّة التي بقيت بعد الحرب الباردة وبعد سقوط الإيديولوجيا الشيوعيّة.
والدراسات التي بين يدينا تردُّ على مثل هذه الدعاوى من زوايا مختلفة، وتبيِّن أنَّ الدول الغربيّة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حين تحارب مبدأ القوميَّات ولا سيّما في بلدان العالم الثالث، فإنَّها تستبدل بذلك قوميّة مضمرة خطيرة، هي قوميّة الهيمنة والسّيطرة على العالم من قبل الدولة العظمى والدول الكبرى، عن طريق «حرِّيّة التجارة» بشكل خاصّ، التي تؤدِّي إلى السيطرة الماليّة للدول الكبرى على العالم وما يرافقها دوماً من سيطرة عسكريّة وسياسيّة.
ومن هنا كان من أهمّ محاور الدراسات التي نقدِّمها للقرَّاء التأكيد على أنَّ هذا الواقع العالمي الّذي يهدِّد بتزايد سلطان الدولة العظمى ومعها بعض الدول الكبرى على العالم، وعلى دول الجنوب بوجه خاصّ، يفرض أن يكون الجواب عليه لدى الشعوب النامية والأمم المستضعفة عودة كلّ منها إلى كيانها القومي تحتمي به وتردُّ عن نفسها بفضله مخاطر الغزو الخارجي والذوبان والاستسلام. فالكيان القومي حين يلمّ شتاته ويجمع قواه ويبني حضارته يردّ أفصح ردّ على محاولات الهيمنة والسيطرة التي تتهدَّده.
على أنَّ الكيان القومي، حين يجمع قواه ويلمّ شمله ويبني حضارته، لا يفعل ذلك فقط حماية لنفسه ودرءاً للأخطار التي تتهدَّده وتحقيقاً لأمنه السياسي والثقافي، بل هو يفعل ذلك ليستخرج أوّلاً من مواطنيه، الّذين أذكى شعلة عطائهم وإبداعهم إيمانهم بأمّتهم ومستقبلها، أقصى ما لديهم من طاقات من أجل تنمية بلادهم تنمية مبدعة خلاّقة ترفعهم إلى المستوى الحضاري الجدير بهم وبالعصر. وهو يفعل ذلك ثانياً، وبالتالي، ليستطيع أن يكون له دور في بناء المجتمع الإنساني الّذي لا يتحقّق فيه النموّ الحضاري الإنساني الحقّ إلاّ عن طريق حوار الحضارات وتفاعلها وإخصابها بعضها لبعض.
وبدهي أن تبيّن الدراسات معنى ذلك كلّه فيما يتَّصل بالأمّة العربيّة. ولعلّ مهمّة العمل القومي فيها يسيرٌ وشاقّ في آن واحد. إنّه يسير لأنّ مقوِّمات القوميّة العربيّة والوجود العربي المتكامل والمصير العربي الواحد تجأر أمام الأعين وليست في حاجة إلى برهان. وهو عسير لأنّ أخشى ما يخشاه الغرب منذ القدم، ولا سيّما بعد الحرب العالميّة الأولى، أن تحقِّق الأمّة العربية أيّ خطوة جادّة في طريق تضامنها وتكاملها ووحدتها. وقد وثَق هذا العداء وعمّقه الوجود الصهيوني في قلب الأمّة العربيّة، بل قاده سرّاً وعلانية في معظم الأحيان.
ولن نستبق ههنا شؤوناً وأفكاراً سنسوقها عبر الدراسات التالية. وحسبنا أن نقول إنَ هذه الدراسات تقلّب الفكرة القوميّة العربيّة على وجوهها المختلفة وتنظر إليها من خلال نظرات متعدِّدة ولكنّها متكاملة، لتبيِّن في خاتمة المطاف أنَّ القوميّة العربيّة تظلّ الشرط الأوَّل والأساسي لنهضة الأمّة العربيّة واستقلالها، وأنَّ اعتماد هذه الأمّة على ذاتها في بناء ذاتها هو السبيل الأهمّ نحو بناء حضارتها، وأنَّ الأحداث العالميّة لم تنقص من أهمّيّة الفكرة القوميّة بل زادت فيها، لا سيّما في عصر الكتل و«التجمُّعات الكبرى» من جانب، وعصر الهيمنة والعدوان على الكيانات الصغرى ودول الجنوب من جانب آخر.
والحقّ أنَّ الدراسات التي نسوقها تبرز أهمّيّة الفكرة القوميّة العربيّة عن طريق تسليط أربعة أنماط من الأشعّة الضوئيّة عليها:
أوّلها البحث الفكري في معنى الفكرة القوميّة العربيّة وتطوُّرها وآفاقها (كما في الدراسة الأولى والثانية) وفيه يتبيّن بوجه خاصّ كيف أنّ الارتباط بالأمّة تعبير عن أعمق ما في الوجود الإنساني، ما دام الإنسان مغموراً منذ ولادته بتراث ليس من صنعه، وما دام أوَّلاً وآخراً ابن تربته وهوائه وثقافته وآبائه وأجداده وكلّ ما يحيط به من عطاء أمّته وقيمها ونظرتها إلى الكون.
وثانيها البحث في ما طرحه ما يدعى بالنظام العالمي الجديد من شؤون وشجون، وتلمّسُ معنى ذلك الطرح وبيانُ الدور الجديد للقوميّة العربيّة وسط ذلك النظام، وتعاظمُ ذلك الدور وضرورة إذكائه (كما في الدراسات الثالثة والرابعة والخامسة).
وثالثها بيان المخاطر والمؤامرات التي تعرَّضت لها الفكرة القوميّة العربيّة في مسيرتها خلال الخمسينيَّات والستينيَّات بوجه خاصّ، والتي ما تزال تتعرَّض لها على نحو أشدّ، على نحو ما تجلَّى في انفصامٍ الوحدة المصريّة السوريّة (كما في الدراسة السابعة). وقد كان من الضروري أن نبيِّن ما وراء مثل هذه المؤامرات وما وراء معاداة الفكرة القوميّة العربيّة من جهد صهيوني دائب منذ نشأة الكيان الصهيوني بل قبله (كما في الدراسة السادسة).
ورابعها نظرة واسعة عريضة تبيِّن التلاحم بين القوميّة العربيّة والنهضة في شتّى عصور التاريخ العربي الإسلامي حتّى اليوم. وفيها نؤكِّد تلك الحقيقة الجامعة وهي أنّ العمل القومي هو الشرط الأساسي للنهضة، وأنَّ الإيمان القومي هو الموقد الّذي يذكي حركة العطاء والإبداع والتجديد ويمهِّد السبيل بالتالي لبناء حضارة أصيلة ذاتيّة متجدِّدة.
وهيهات أن ندعّي أنَّ هذه الدراسات القليلة توفي موضوع القوميّة العربيّة ولو بعض حقِّه.
ولكنَّنا آثرنا، وسط الزحام الحائر والضياع القومي والبحران العالمي، أن نضع بعض الصوى الهادية، وأن نعيد للفكرة القوميّة شأوها وشأنها بعد أن شوّهتها أقلامٌ بعضُها يدَّعي التجديد، وبعضها يستمدُّ من تخاذل الوجود العربي وتمزُّقه أفكاراً قوميّة متخاذلة منحسرة، وبعضها يردِّد أقوال الأوساط الأجنبيّة أو يتأثَّر بها عن علم أو غير علم، فيشكِّك في الفكرة القوميّة نفسها.
ووراء هذه الدراسات السابقة التي نضعها بين أيدي القرّاء، لا بد أن نؤكِّد حقيقة قد تنسى، وهي أنَ إضعاف الفكرة القوميّة العربيّة يعني في النهاية إضعاف الارتباط بالتراث الإسلامي بوجه خاص، مكرّرين أقوال كثير من المفكرين منذ أواخر العهد العثماني، وعلى رأسهم عبد الرحمن الكواكبي الّذي دعا إلى أن يستعيد العرب مكانتهم الخاصّة ودورهم في تقرير مستقبل الإسلام ومصيره، ذاكرين ما ورد في وصيَّة عمر بن الخطَّاب (ر) إلى من جاء بعده: «وأوصيك بالعرب خيراً فإنّها مادّة الإسلام».
عبد الله عبد الدائم
دمشق في 1 المحرّم 1414هـ
الموافق 20 حزيران/ يونيو 1993م