سنة الإصدار: 1959

دار النشر: دار الآداب – بيروت

مدخل 5
القسم الأول: ضرورات التربية القومية: 9
قوميات لا قومية 17
القومية ليست مرحلة 19
العناصر المقومة للقومية 26

القسم الثاني: مبادئ التربية القومية: 37
الفكرة العربية فكرة إنسانية 40
الفكرة العربية فكرة روحية 46
ديمقراطية الفكرة العربية 51
اشتراكية الفكرة العربية 56
ثورية الفكرة العربية 75

القسم الثالث: أساليب التربية القومية: 81
(أ) التربية الإنسانية 84
(ب) التربية الديمقراطية 92
(ج) التربية الاشتراكية 102
(د) التربية الروحية 111
(هـ) التربية الثورية 118
خاتمة 125

عندما يود أحدنا أن يتحدث عن التربية القومية، تزدحم المعاني في صدره، على حد قول الجاحظ، فلا يدري أيهما يختار. ويزيد في الأمر أننا نتصدى لهذا الموضوع في فترة من حياتنا تعبق بكل ما يتصل به، وتنغمس في مائه وتتحلق مشكلاتها حوله. ولن نغلو إذا قلنا أن مثل هذا البحث في التربية القومية هو اللحن الأساسي الموجه الذي نقع عليه في سنفونية حياتنا الحاضرة وفي معزوفتنا المفضلة. ومع ذلك، لن نزعم أن اهتمامنا الدائم بكل ما يدور حول هذا الخيط الرائد لمشكلاتنا جميعها، قد استنفد جوانبه ولم يبق فيه بقية لمستزيد، ولن نقول أننا نلج ميداناً نفضته الأدلة وجابته الأقلام، وطوته الألسن. فالحديث عن التربية القومية حديث لا ينفد أبداً، وهو حديث اليوم دوماً، مهما تطل أيام بحثه. إنه جديد طراً، جدة الحياة القومية، بل جدة الحياة عامة.
ثم إن هذا الحديث، فوق هذا وقبل هذا، رغم تدارسنا الطويل له، ورغم ما أنفق فيه من مداد الأقلام وجنى الحناجر، ظل إلى حد كبير حديثاً متناثر القسمات، مبعثر الأجزاء، شتيت المنازع، ولم تيسَّر له بعد اللحمة العضوية الكاملة التي تجمع شتاته وتنظم منثور عقده، لتصوغ من ذلك كله منظومة متناسقة متآخذة، يرتبط أولها بآخرها وتتعانق فقراتها.
ولن أدعي في مثل هذا البحث القصير أن آتي بما لم تستطعه الأوائل، وأن أجري هذا اللحن المتسق الكامل. والذي أرجوه أن أستطيع أن أضع في بناء هذا اللحن بعض الأنغام القليلة التي تساعد على وحدته واكتماله، والتي تتآزر مع أنغام أخرى يشقها غيري، ليكون من هذا كله الحداء القومي الكامل المنشود.
ولكي يكون إسهامي في مثل هذا المطلب إسهاماً مجدياً ما وسعني ذلك، ولكي آتي الغاية المرجوة من أقصر الطرق، أردت أن أقصر بحثي في التربية القومية على أهم معالمه، وعلى الصوى الأساسية التي تجدّد طريقه.
لقد تحدث بعضهم عن التربية القومية فحمّلها معنى عاماً جداً، شمل كل ما يتصل بتربية المواطن من ألفها إلى يائها، بل شمل كل ما يتصل بالتربية.
وتحدث آخرون عن التربية القومية حديثاً أكثر تواضعاً فقصروها على ما اتصل بالنزعات القومية في التربية، وما ظهر منها في العالم، واجتزأوا فيها بذكر المذاهب القومية في التربية، المذاهب التي تنادي بتربية قوامها النزعة القومية بل نزعة قومية معينة.
وعندي أن الحديث عن التربية القومية في بلادنا وفي المرحلة الحاضرة من حياتنا، لا يجوز أن يتيه في المعنى الأول الغائم، كما لا يجوز أن ينتجع المعنى الثاني الضيق. وصحيح الحديث أن يعنى ببيان المقومات الأساسية لتربية من شأنها أن تعد المواطن العربي إعداداً يجعل منه مواطناً قومياً سليماً.
ولهذا نرى أن مطالب القصد والاقتصار على ما هو جوهري في موضوع يحتاج أن يلملم شعثه وتستبين قسماته الأساسية، يجعل من اللازب علينا أن نعرِّف بحثنا في التربية القومية، بأنه بحث يرمي إلى تحديد الملامح الرئيسية للتربية القمينة بأن تكوِّن المواطن العربي ذا الاتجاه القومي السليم.