القومية والإنسانية دروب القومية العربية التربية القومية الجيل العربي الجديد الإشتراكية والديموقراطية الوطن العربي والثورة التخطيط الاشتراكي

الإصدار: الأولى – 2002

دار النشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت

عرف العقد الرابع والخامس والسادس، من القرن الماضي، مدّاً قومياً فكرياً ونضالياً مبتكراً وفذّاً، تجلّى – بوجه خاصّ – في عطاء حزب البعث، وحركة القوميّين العرب، والناصريّة.
وهذا الكتاب، الّذي نعتزّ بتقديمه اليوم إلى قرّاء العربية، يضمّ سبعة كتب من حصاد تلك الحقبة المهمّة من نضال الأمّة العربيّة في سبيل بناء كيانها الموحّد والمنيع والخصيب.
وفيها يتصدّى كاتبها – وهود أحد الروّاد البارزين من الّذين أسهموا في ذلك النضال القوميّ فكراً وعملاً – لأمّهات المسائل الّتي يطرحها ذلك النضال، وللأنظار الفكرية والحلول العمليّة اللازمة لها على نحو ما يراها.
وعلى رأس تلك المسائل:
– صياغة نظريّة قوميّة واقعيّة وفعّالة، تستمدّ جذورها ممّا في صدور الجماهير العربيّة وعقولها.
– بيان الصلة الوثيقة بين العمل من أجل بناء الكيان العربيّ الموحّد المتقدّم، وبين تحرير الجماهير الشعبيّة الغفيرة من أثقال أوضاعها الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتردّية، وذلك بالعمل على توليد طريقة عربيّة للاشتراكيّة ملائمة لحاجاتها.
ومن هنا يمثّل الكتاب تراثاً قوميّاً جامعاًن هامّا وفريداً، رأينا من الواجب نشره، بعد أن نفدت طبعاته منذ قرابة أربعين عاماً.
والكتاب بقلم علم فذّ من أعلام الفكر القوميّ والتربويّ، غذّت مؤلّفاته وكتاباته أجيالاً متعاقبة من أبناء الأمّة العربيّة.

5 تمهيد
7 مقدمة الطبعة الثانية
17 مقدمة: حقيقة القومية والإنسانية
21 الفصل الأول: نشأة الفكرة القومية في البلاد الأجنبية
32 الفصل الثاني: الفكرة القومية العربية
45 الفصل الثالث: الاتجاهات القومية المعاصرة
54 الفصل الرابع: عصر القومية الإنسانية

مقدّمة عامة
(للكتب القومية السبعة)

(أولاً)- الكتاب الذي بين أيدينا مكون من سبع كتب تتحلق حول النظرية القومية العربية ومقوماتها وأبعادها، وضعناها ونشرناها تباعاً خلال قرابة عشر سنوات، بين عام 1957 وعام 1965. وهذا الكتب السبعة هي الآتية:
1- القومية والإنسانية. وقد صدرت طبعته الأولى في شهر حزيران/ يونيو من عام 1957، كما صدرت له طبعة ثانية مع مقدمة جديدة في شهر كانون الأول/
ديسمبر 1959.
2- دروب القومية العربية. وقد صدر في أيلول/ سبتمبر عام 1959.
3- التربية القومية. وقد صدر في آذار/ مارس من عام 1960.
4- الجيل العربي الجديد. وقد صدر في كانون الثاني/ يناير عام 1961.
5- الاشتراكية والديمقراطية. وقد صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1961.
7- التخطيط الاشتراكي. وقد صدر في عام 1965.
(ثانياً)- ويتبين مما ذكرناه عن سنوات صدور هذه الكتب السبعة (بين 1957 و1965) أنها كتبت في فترة من حياة الأمة العربية كانت هي فترة النضال القومي وبناء الفكر القومي العربي الحديث وازدهاره نظراً وعملاً، على نحو ما تجلّى ذلك بوجه خاص في أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي ونضاله منذ تأسيسه عام 1947 (بل قبل ذلك لدى ظهور تباشيره الأولى منذ بداية الأربعينيات) وفي فكر جمال عبد الناصر وثورة تموز/ يوليو عام 1952، فضلاً عن الأفكار الكثيرة التي ظهرت لدى العديد من الحركات القومية الأخرى ولدى العديد من المفكرين في مختلف أرجاء الوطن العربي، والتي تلتقي في خاتمة المطاف مع الفكر البعثي والناصري، وعلى رأسها حركة «القوميين العرب».
(ثالثاً)- وتقرّي عناوين هذه الكتب السبعة يكشف بشكل واضح عن انتساب أفكارها إلى المد القومي والنضال القومي اللذين أشرنا إليهما في الفقرة السابقة. فهي في مضمونها وروحها انعكاس للأفكار القومية التي سادت آنذاك، بل هي جزء من بنيان تلك الأفكار – وهو بنيان أسهمت هذه الكتب إسهاماً واضحاً في وضع أُسسه وأثّرت فيه كما تأثّرت به، وتولّت توضيحه وتوطئته للأجيال الشابة آنذاك – وقد تلقفتها تلك الأجيال في مختلف أرجاء الوطن العربي بنهم كبير، وكان لها دورها فيما نعتقد في نشر الفكر القومي على نطاق واسع، وفي تكوين الجيل العربي الجديد. وقد لا نغلو إذا قلنا إن هذه الكتب كانت أشبه بموسوعة ميسّرة موجزة، تتولى التعريف بالفكرة القومية العربية ومقوماتها وعناصرها وسبل الوصول إليها.
ولا يعني هذا أن ما ورد في هذه الكتب القومية ينطبق انطباقاً كاملاً مع ما ساد تلك المرحلة من أفكار. وهذا أمرٌ طبيعي، إذ كانت لنا رؤيتنا وملاحظاتنا وانتقاداتنا أحياناً لبعض الاتجاهات الفكرية التي تجلت لدى الحركات القومية آنذاك. وهذه الحركات القومية نفسها، على الرغم من اتفاقها العميق حول الخطوط العريضة، كانت لكل منها آراؤها الخاصة بها حول بعض التفصيلات بل حتى حول بعض الأسس. ولعل من أبرز جوانب الخلاف داخل هذه الحركات، فيما بينها، وبين بعض هذه الحركات وبيننا، كان الخلاف حول الصلة بين الديمقراطية والاشتراكية، وما يلحق بذلك من خلاف حول المعنى العملي للحرية، ومعنى المشاركة الشعبية، بل حول الترابط بين القومية والديمقراطية بوجه عام. وسنرى تفصيل ذلك في مقدمات معظم كتبنا وفي مضمونها.
(رابعاً)- ومن مزايا الكتب السبعة التي نتحدث عنها أنها لم تفقد – فيما نرى – أهميتها وشأنها عبر الزمن، على الرغم من تغير البلاد ومَن عليها. ذلك أنها مبادئ ومنطلقات أساسية كبرى لمسيرة القومية العربية، افترضنا منذ تحدثنا عنها أن ترجمتها إلى واقع حيّ لا بد أن تكون مرنة ومتغيرة بتغير الظروف والأحداث. ومن هنا، فهي، بمعنى من المعاني جُنّةٌ ووقاية. إنها جُنّةٌ ووقاية من مسلكين خاطئين: الأول هو اعتبار ما انبثق عنها أحياناً في فترة ظهورها من أخطاء النظر والعمل صفة محايثة لها، حالَّة في قلبها، ومن صلب ماهيتها، وأنها لن تقبل بالتالي التكيف مع صيغ أخرى عند التطبيق. والثاني اعتبارها فوق الواقع وفوق جريان الحياة، وأنها تحاول قسر الواقع المتغير ليتكيف معها، بدلاً من تكيفها المتحرك دوماً أبداً.
(خامساً)- ذلك أن المنطلقات القومية التي تؤكدها هذه الكتب السبعة تظل منطلقات سليمة بل بدهية، ومن العسير أن تخيل أن الواقع العربي (بل المستقبل العربي) يمكن أن يحقق ذاته إذا لم ينطلق منها. أما الأشكال العديدة والمتجددة التي يمكن أن تأخذها عند التطبيق فشأن آخر. وهذه المنطلقات البدهية التي تفيض الكتب السبعة في بيان أهميتها وحتميتها، هي المنطلقات الثلاثة الكبرى التي ظهرت أيام المد القومي: الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية (مؤثرين هذا التعبير على تعبير الاشتراكية) التي حملت أو حُمّلت عبر الزمن وعبر التجارب العالمية معاني ملتبسة ومتناقضة أحياناً.
وكما قلنا في هذه الكتب، وكما نقول اليوم، لا يعني هدف الوحدة شكلاً واحداً مرسوماً، بل يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة تبعاً للظروف وانطلاقاً من معطيات الواقع.
كما لا يعني هدف الحرية شكلاً مرسوماً سلفاً من أشكال الديمقراطية، بل هو بدوره وليد بنية المجتمع والظروف والأحداث التي يمر بها، ومستلزمات المرحلة التاريخية التي يجتازها، شريطة ألا يُتخذ الشكل ذريعة ووسيلة للقضاء على الجوهر، جوهر الحرية، أو سلًماً لتزييفه. وهدف العدالة الاجتماعية يحتمل بدوره أشكالاً وصيغاً عديدة تنبع من حاجات المجتمع الفعلية ومن مستلزمات تطوره وتنميته، شريطة أن يتم ذلك دوماً من خلال الديمقراطية والحرية وأن يقوم تكامل عميق بين الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية السياسية.
وهذه الأهداف الثلاثة، كما نرى، أهداف متآخذة متكاملة، هدفها الجامع المشترك تفتيح طاقات الوجود العربي حتى أقصى مدى ممكن، (أولاً) عن طريق التكامل بين إمكانات أقطاره وجهودها المشتركة و(ثانياً) عن طريق تفتيح إمكانات أفراده وإفساح المجال لمبادراتهم وآرائهم الحرة واعتبار الإنسان العربي هدف الوجود القومي أداة بنائه الفعاّلة في آن واحد، و(ثالثاً) عن طريق تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ومبادئ المساواة والتعاون والتضامن الاقتصادي والاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد. ويجمع هذه الأهداف الثلاثة المتكاملة والمتآخذة، هدف واحد هو الهدف القومي، هدف الوحدة، هدف بناء كيان عربي حضاري متطور. فهذا الهدف الكبير ينطلق من حقيقة أساسية، وهي أن الإنسان العربي – شأنه شأن أي إنسان – لا يقدّم كامل عطائه، ولا يستخرج كامل إمكاناته، ولا يحقق أعلى مستويات الوجود الإنساني، إلاّ من خلال كيانه القومي وتربته القومية. ومن هنا يلتصق هدف الوحدة بهدف الحرية وبهدف العدالة الاجتماعية، وتتآزر جميعها في سبيل خلق الكيان العربي القومي المنشود، المتكامل قومياً، الديمقراطي منهجاً وأسلوباً، والمتضامن ثراءً وعطاءً. على أن هدف الوحدة يظل أصلها ومنطلقها، إذ ليس الهدف بناء مجرد مجتمع ديمقراطي حر وعادل، بل الهدف بناء أمة عربية واحدة في مستوى إمكاناتها وطاقاتها الفنية، بناءً يتم بفضل النضال – في إطار الدعوة القومية والعمل القومي – من أجل بناء كيان متماسك وخلاّق. فهذه الأمة تتفتح في إطاره إمكاناتها كاملة وتغتني يوماً بعد يوم، متوسلةً إلى ذلك بتفتيح الإنسان العربي وتفجير طاقاته الإبداعية عن طريق إشاعة الديمقراطية والحرية من جانب، وعن طريق تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وما يلحق بهما من تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة، من جانب آخر. أي إن الهدف في خاتمة المطاف هو بناء الوجود القومي المتكامل والديمقراطي والعادل الذي يوفر الحياة الكريمة للإنسان العربي، والذي يرفد الإنسانية بالتالي بعطاء ذلك الوجود العربي ويتفاعل مع سائر الكيانات القومية في العالم كله كي يغنيها ويغتني بها.
دمشق في 20 آذار/ مارس 2002