الإصدار: الثانية – تشرين الأول/ أكتوبر 1991
دار النشر: دار العلم للملايين – بيروت

هذا الكتاب
أن يكون الإنسان مصدرَ الثروة وغايتَها في أي بلد، قولٌ غدا مكروراً معاداً. والسعي الجاهد لتنمية الثروة البشرية، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية الشاملة، سعيٌ غدا الهمَّ الأول للبلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، لا سيما في العقود الأخيرة من هذا القرن.
والكتاب الذي نقدمه للقراء يتصدى لهذا الموضوع الهام في إطار الوطن العربي بوجه خاص. إنه يبحث في واقع الثروة البشرية في الأقطار العربية جميعها، في شتى قطاعات النشاط الزراعي والصناعي والإداري وسواها. وهو بعد ذلك يكشف عن ثغرات ذلك الواقع، ويبين الأهداف والخطط التي ينبغي أن تسلك التربية سبيلها، إن هي أرادت أن ترقى بإعداد الإنسان العربي إعداداً يمكّنه من رفع مستوى نتاجه وعطائه في شتى ميادين التنمية، ويتيح له بالتالي أن ينطلق قوياً قادراً نحو بناء مشروعه الحضاري المستقبلي المنشود. إنه، بقول موجز، خطة علمية عملية لتجويد تربية الإنسان وإعداده في الوطن العربي، من أجل بناء التنمية الشاملة الجديرة به، ومن أجل توليد الحضارة المرجوة له.
وهو، فوق هذا وقبل هذا، جهدٌ فريد، لا في مجال تجويد التربية في الأقطار العربية، بل في مجال تجديدها أيضاً تجديداً مبدعاً خلاقاً، سواء في بنيتها أو مناهجها أو طرائقها أو تقنياتها أو إدارتها، بحيث تقوى على أن تواجه العصرَ ومطالبه المتجددة، والعلمَ وتطوره السريع، والتقدمَ التكنولوجي ومسيرته العارمة، والتغيّرَ المذهل في شتى ميادين الحياة، وبحيث تستجيب بالتالي، استجابةً عملية فعّالة، لمستلزمات تقدم الوجود العربي وآفاقه الحضارية المأمولة.
– تصدير الطبعة الثانية 5
– تصدير الطبعة الأولى 9
الفصل الأول: التربية وتنمية الموارد البشرية 13
– مدخل 13
– أولاً: الوضع الاقتصادي والاجتماعي العالمي في صلته بالموارد البشرية 15
1- التغيرات الاقتصادية الاجتماعية في العالم 17
2- التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية 23
– ثانياً: انعكاسات الوضع الاقتصادي والاجتماعي العالمي على التجربة التربوية العالمية 25
– ثالثاً: الواقع الاقتصادي الاجتماعي في الوطن العربي من خلال صلته بالثروة البشرية 32
1- مدخل: التنمية والنمو 32
2- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الوطن العربي 33
– السكان 33
– القوى العاملة 35
– الزراعة 37
– الصناعة 40
– التطور التكنولوجي 41
– تنمية الموارد البشرية 45
– خلاصة 47
– رابعاً: الواقع التربوي في الوطن العربي ومدى استجابته
لحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومطالب تنمية الموارد البشرية 49
1- مدخل 49
2- الوجه الكمي لتطور التربية في الوطن العربي 50
3- الجانب الكيفي النوعي للتربية في الأقطار العربية 55
4- خاتمة 62
– خامساً: الاتجاهات اللازمة لتطوير التربية في الوطن العربي من أجل
تنمية الموارد البشرية والاستجابة لحاجات التنمية الشاملة 64
1- مدخل: حدود التربية وقيودها 64
2- حدود البحث 68
3- التعليم الثانوي التالي للمرحلة المتوسطة 69
4- التجربة العالمية في ميدان التعليم الثانوي التالي للتعليم المتوسط 71
5- الاتجاهات المأمولة للتعليم الثانوي في الوطن العربي 77
6- الاتجاهات المعاصرة في التعليم العالي 82
7- الاتجاهات المأمولة للتعليم العالي في الوطن العربي 85
– سادساً: خاتمة وخلاصة 90
الفصل الثاني: المعوقات الثقافية والاجتماعية والنفسية للتنمية
في الوطن العربي وسُبل التغلّب عليها 98
الفصل الثالث: التربية واستراتيجية تنمية القوى العاملة 149
– أولاً: مدخل 149
– ثانياً: تعريفات أساسية 151
– ثالثاً: المسألة 155
1- ضعف الارتباط بين خطط التربية وخطط التنمية الشاملة 157
2- تقصير التطور الكمي في ميدان التربية النظامية 161
3- قصور التطور الكمي في ميدان التربية غير النظامية 163
4- ضعف محتوى التربية 167
آ- ضعف التعليم المهني والتقني 168
ب- عدم ارتباط محتوى التعليم بحاجات المجتمع 170
جـ- عجز التربية عن خلق الاتجاهات النفسية اللازمة للتقدم العلمي التكنولوجي ولخلق مجتمع العمل والإنتاج 171
د- عجز التربية عن خلق القدرة على الإبداع والابتكار 172
هـ- البنى التربوية الصلبة 174
و- تقصير الجهود في ميدان إعداد القادة التربويين 175
ز- تقصير الجهود في ميدان التدريب أثناء الخدمة لسائر العاملين
في التربية 176
– رابعاً: انتقال الكفاءات وهجرتها 177
– خامساً: كلفة التربية وتقصير الموارد عنها 181
– سادساً: نحو استراتيجية لتنمية التربية من أجل تنمية القوى العاملة
في البلاد العربية 184
1- على المستوى العربي الشامل 185
2- على المستوى القطري 188
– سابعاً: خاتمة 191
– ملحق إحصائي 197
الفصل الرابع: التعليم الجامعي والعالي في مواجهة التغير الجذري
السريع في البنى الاقتصادية والاجتماعية للعالم الحديث اليوم وفي
مواجهة وعود المستقبل 216
– مدخل 216
– معالم ثورة التقدم في العصر الحديث 220
آ- الثورة العلمية التكنولوجية 220
ب- تطوير الدراسات حول ثورة التقدم العالمية 222
جـ- التغيرات الجذرية في هياكل حياتنا 230
د- الثورة العالمية الجديدة والبلدان النامية 238
– الثورة العالمية الجديدة والتعليم العالي 239
آ- العلم قوة إنتاجية مباشرة 240
ب- الاختصاصات حُوَّل متغيرة سريعاً 243
جـ- تقنيات التعليم العالي وطرائقه 244
د- التعليم العالي والإنتاج 246
– الثورة العالمية والتعليم العالي في البلاد العربية 247
– خاتمة 256
الفصل الخامس: التعليم العالي وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية
في الوطن العربي 264
الفصل السادس: التربية بين وعودها وحدودها 301
1- مدخل 301
2- معالم التربية المؤدية إلى التنمية الحضارية الحقة 304
1- التربية وحاجات العمالة 306
2- التربية والعوامل الاجتماعية الثقافية 311
3- التربية وتنمية طاقات الفرد 317
4- خاتمة حول التربية المرجوة لتحقيق التنمية الحقة 320
3- عوامل التنمية التربوية الخارجة عن سلطانها 321
1- التربية والموارد المالية 322
2- التربية والقيود السياسية 327
3- القيود الثقافية الاجتماعية 329
4- العوامل الاجتماعية البنيوية 337
4- خاتمة حول معوقات التربية وأساليب معالجتها 338
5- خاتمة 346
الفصل السابع: اتجاهات التجديد في النظام التربوي وأساليبه 349
– مدخل 349
– جوانب التجديد في النظام التربوي 354
1- التجديد في البنى والهياكل التربوية 354
2- التجديد في محتوى التربية 357
3- التجديد في ميدان إعداد المعلم 359
4- التجديد في إدارة النظم التربوية 361
– نظرة مستقبلية 365
1- العوامل السكانية 366
2- الاقتصاد 366
3- تقدم العلم والتكنولوجيا 367
4- البيئة 369
5- العوامل الاجتماعية الثقافية 369
6- العوامل السياسية 370
7- العلاقات الدولية 371
الفصل الثامن: تنمية الإنسان والاتجاهات الجديدة في التخطيط التربوي 372
– مدخل 372
– أولاً: لماذا قصّر التخطيط التربوي عن مداه؟ 373
– ثانياً: اتساع ميدان التربية وتعدد أشكالها 375
– ثالثاً: انعكاسات التطور العلمي والتكنولوجي على التربية
والتخطيط التربوي 377
– رابعاً: التخطيط التربوي بين المركزية واللامركزية وبين العزلة والمشاركة 382
– خامساً: عود على بدء 384
خاتمة 388
صدرت الطبعة الأولى من الكتاب الذي بين يدينا في أواخر عام 1988. وقد رأينا من المفيد أن نضيف إلى طبعته الثانية التي نقدمها اليوم للقراء فصولاً جديدة تتحلق جميعها حول الموضوع الأساسي للكتاب، نعني «تنمية الإنسان في الوطن العربي».
هكذا أضفنا الفصل الثاني عن «المعوقات الثقافية والاجتماعية والنفسية للتنمية في الوطن العربي» وهو موضوع رأينا أن أي حديث عن تنمية الإنسان العربي
لا يكتمل بدونه، ما دامت التنمية أولاً وآخراً شأناً إنسانياً يسوقها الإنسان من خلال تراثه الثقافي ومنازعه النفسية والاجتماعية، وما دام موقف الإنسان من التنمية أهم شيء فيها، وما دامت الثقافة وسيلة التنمية وغايتها في آن واحد، كما قيل ويقال في الأدب العالمي.
وأضفنا كذلك الفصل الخامس عن «التعليم العالي وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي». وعلى الرغم من أننا تحدثنا عن التعليم العالي ودوره في التنمية في أكثر من موضع من الطبعة الأولى للكتاب، فإن كثيراً من الجوانب التي يتريث عندها هذا الفصل الجديد المضاف لم تطرقها تلك الطبعة الأولى، فضلاً عن أن هذا الفصل الجديد يقدم نظرة شاملة متكاملة لمسألة التعليم العالي ولا سيما في علاقتها بمشكلات سوق العمل وبحاجات القوى العاملة. وهكذا تتم معالجة موضوع التعليم العالي والتنمية في هذا الكتاب، من خلال فصوله القديمة والجديدة، معالجة متعددة الزوايا، تسلط الأضواء واضحة على قسماته المختلفة، وتجلو معالم هذا الموضوع الذي يكتسب اليوم شأناً خاصاً في الوطن العربي وسواه، لا سيما بعد تفاقم أزمة بطالة المثقفين، نعني موضوع التغيير الذي ينبغي أن يحدث في بنى التعليم العالي (ومن قبله الثانوي) ومناهجه وأهدافه وارتباطه بمؤسسات العمل ومواقع الإنتاج إذا أراد هذا التعليم أن يستجيب للتغيرات الكبرى التي تحدث في سوق العمل وبنية المهن ووسائل الإنتاج وإدارة الإنتاج.
كذلك ضمّنّا الطبعة الجديدة فصلاً جديداً (هو الفصل الثامن) عن «تنمية الإنسان والاتجاهات الجديدة في التخطيط التربوي»، شعوراً منا بأن الحديث عن مختلف جوانب تنمية الإنسان، اقتصادية كانت أو اجتماعية أو ثقافية أو غير تلك، لا يكتمل إلا إذا تحدثنا عن الأداة الفنية التي تحقق الربط بين تنمية الإنسان وسائر جوانب التنمية الشاملة. وهذه الأداة الفنية هي التخطيط التربوي المتكامل مع التخطيط الاقتصادي والاجتماعي الشامل. وقد حرصنا بوجه خاص، في هذا الفصل الجديد، على أن نبين كيف تغيرت أهداف التخطيط التربوي وتقنياته في العقدين الأخيرين نتيجة لتغير أهداف التعليم وبنيته، ونتيجة لما يتحقق فيه من مزيد الربط بينه وبين ما يصيب سوق العمل وحاجات المجتمع بوجه عام من تطور ومن تسارع في السير ومن انقلاب في الأدوات والوسائل.
وهكذا، يكتمل فيما نرى العقد الذي ينظم الجوانب المختلفة المتصلة بالعلاقة بين التربية وبين تنمية الإنسان في الوطن العربي، وتتآزر فصول الكتاب الثمانية لتطوّق هذا الموضوع الهام من مداخله المختلفة ولتقلّبه على وجوهه المتعددة، بحيث تستبين للقارئ على نحو واضح شتى أبعاد المسألة، وبحيث يقوى على امتلاك النظرة الشاملة المتكاملة حوله.
ويظل الخيط الرائد الذي يسري عبر الكتاب كله هو أن التنمية في الوطن العربي وفي سواه – بأبعادها المختلفة – لا يمكن أن تبلغ مداها وأن تحمل وتتئم وتثمر إلا إذا كان رائدها تنمية الإنسان، عن طريق التربية بأشكالها المختلفة (نظاميها وغير نظاميها) وعن طريق شتى وسائل الإعداد خارج المدرسة، وعن طريق الانطلاق من القيم الثقافية والتقاليد والعادات الثقافية التي تحكم سلوك الناس في الوطن العربي. فالتنمية الحقة في الوطن العربي تعني في أعماقها بناء المشروع الحضاري العربي الجديد. ومثل هذا البناء تتعانق فيه الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وسواها مع الجوانب التربوية بأشكالها المختلفة ومع الثقافة الشائعة والمرجوة بشتى أبعادها. إنه مشروع يعني أولاً وقبل كل شيء بناء الثقافة الذاتية للأمة العربية (بالمعنى الواسع لكلمة ثقافة)، وتمكين أبنائها من أن يشقوا بأيديهم وبقواهم الذاتية دروب التقدم العلمي والتكنولوجي وجوانب التقدم المعنوي، الفكري والأخلاقي.
من هنا كانت تنمية الإنسان العربي تعني تنمية الثقافة والحضارة العربية، وكانت تنمية الثقافة والحضارة العربية تعني تنمية الإنسان العربي. ولا يعني هذا أن نقع في حلقة مفرغة، أو بتعبير أدق في «دور فاسد» كما كان يقول المناطقة العرب. بل يعني أن نضع في صلب أهداف تربية الإنسان وإعداده ما يؤهله للاضطلاع بالإسهام في بناء الحضارة العربية المرجوة، كما يعني من جانب آخر أن ندرك أن المشروع الحضاري العربي ينبغي أن يكون مشروعاً نبنيه من أجل الإنسان العربي، وأن يلبي بالتالي أعمق حاجاته وصبواته الإنسانية.
وهذا كله لا يتأتى إلا عن طريق تجويد وتجديد تلك الصناعة الكبرى، «صناعة التربية» التي تفوق في حجمها ونتاجها أي صناعة أخرى. وتجويدها وتجديدها يعنيان، كما قلنا ونقول، أن نضع في صلبها أهداف التنمية، وأن نصوغ بنيتها ومناهجها ووسائلها وإدارتها صياغة تقيم رباطاً وثيقاً بينها وبين التنمية الشاملة بأوسع معاني هذه الكلمة، وعلى رأسها التنمية الثقافية.
إن البناء الحضاري عسير المنال وسهله في آن واحد. ودخول الأمور من أبوابها هو الذي يذلّل صعبه. ودخول الأمور من أبوابها ههنا يعني أن نجوّد إعداد الإنسان، أن نعبئه وأن نحمّله الأمانة، أمانة تحقيق المشروع الحضاري العربي، بعد أن نزوده بالزاد اللازم لذلك، وبعد أن نسلّحه بالوسائل والتقنيات الفعّالة، وبعد أن نربط ربطاً وثيقاً بين أهداف تنميته وأهداف التنمية الشاملة.
دمشق في 20/3/1991
عبد الله عبد الدائم
تصدير الطبعة الأولى هذه بحوث ومحاضرات كتبت في مناسبات عديدة (بين عام 1982 وعام 1987)، آثرنا أن نلمّ شتاتها وأن نجمعها في هذا السفر، لا سيما أنها تتحلق جميعها حول ذلك الموضوع الرائد، موضوع دور التربية في تنمية الإنسان العربي من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة، ومن أجل تلبية مطالب عالم العمل والإنتاج بوجه خاص. ولا حاجة إلى القول إن موضوع الربط بين نظام التربية – بوصفه نظاماً فرعياً – وبين النظام الاقتصادي والاجتماعي الشامل، كان وما يزال ضآلة المربين وسواهم منذ أربعين عاماً ونيِّف. على أنه اتخذ في عقدنا هذا شأناً خاصاً، بعد التغيرات الجذرية الضخمة التي جرت في هياكل الحياة في عصرنا، وبعد أن أصبحت حاجات عالم العمل حاجات سريعة التغير، لا تستقر على حال، بحيث غدا من العسير على التربية – وهي المحافظة بطبعها – أن تلحق بها وتستجيب لها، بل أن تصحح مسيرتها وتضبط انطلاقتها، إن هي لم تبذل جهوداً فذَّة استثنائية من أجل إعادة النظر في ذاتها، بنىً ومحتوى وطرائق. ومن هنا ارتفعت دعوة الداعين قوية صارخة، تنادي بتربية مرنة مرونة العصر الحُوّل، طريّة الهياكل والمحتوى طراوة حاجات سوق العمل وعوامل الإنتاج وأدوات الإنتاج، متنوعة الأشكال متعددة الشعاب تَعَدُّدَ شعاب عالم العمل ودروبه، متغيرة الزي والإهاب تغيّر «زبائن» التعليم ومطالبهم الجديدة، مما سنراه مفصلاً عبر هذا السفر. وفي الوطن العربي – وفي سائر البلدان النامية – بل وفي بعض البلدان المتقدّمة تطرح أمر التواصل بين التربية وبين حاجات العمل والإنتاج مطالب أربعة حادّة وراهنة: أوّلها التكاثر السريع في أعداد المنتسبين إلى التعليم (ولا سيما التعليم الثانوي والعالي) وما يتبعه من تكاثر الخريجين تكاثراً لا يوازي تزايد فرص العمل المتاحة لهم، الأمر الذي يجعل ظاهرة بطالة المثقّفين ظاهرة آخذة في التزايد والنمو السريع. وثانيها فقدان التوازن اللازم غالباً بين المنتسبين إلى الفروع والاختصاصات المختلفة في التعليم الثانوي والتعليم العالي، ولا سيما بين المنتسبين إلى الفروع والدراسات الإنسانية وبين المنتسبين إلى الفروع التقنية والعلمية والعملية والتطبيقية. وثالثها الضغوط التي تمارسها سوق العمل على التربية، سعياً وراء الحصول على خريجين يستجيبون لحاجات القوى العاملة المتغيرة، في عصر تنقرض فيه بعض المهن أو يتضاءل شأنها بينما تبزغ مهن جديدة (ولا سيما المهن المرتبطة بعلوم الاتصال وبالدراسات الإلكترونية والحاسبات والبحث العلمي وإدارة الإنتاج). ورابعها الحاجة المتزايدة إلى تغيير محتوى الإعداد ومناهجه وطرائقه حتى في المهن العلمية والعملية والتقنية وسواها، بحيث يتفق مضمون ذلك الإعداد والمطالب الفعلية لعالم العمل. وليس قصدنا في هذا التصدير أن نستبق شؤوناً وشجوناً كثيرة سترد مفصّلة في صلب هذا الكتاب. وكل ما قصدنا إليه أن نبين خطورة الموضوع الذي تتصدى الفصول التالية لمعالجة بعض جوانبه. بل لعلنا أضمرنا وراء ذلك التلميح إلى تقصير مثل هذه الفصول المحدودة بالضرورة عن الوفاء بما يستلزمه مثل هذا الموضوع من دراسات مديدة وعديدة ومستأنية، لعلها تلتهم أسفاراً. على أننا نأمل أن نكون قد استطعنا، من خلال عرضنا الناقص هذا، أن نومئ إلى أهم معالم هذا الموضوع وأن نتريث عند صواه الأساسية، وأن نبيّن طبيعة المشكلة وسبيل معالجتها، تاركين التفصيل في هذا كله لأبحاث تكاثرت وتتكاثر في الوطن العربي، أشرنا إلى بعض مظانّها. والحق إن السعي الجادّ والحازم لتحقيق الترابط والتكامل الوثيقين بين التربية في البلاد العربية وبين حاجات التنمية الشاملة، وعلى رأسها حاجات عالم العمل والإنتاج، لابد أن تسهم فيه الكثرة الكاثرة من أولي الرأي، لا في مجال التربية وحدها، بل في شتى مجالات التنمية، ولابد أن يكون سعياً موصولاً متنامياً. وحسبٌنا أن قدّمنا بين يدي مثل هذا الجهد الكبير المتآزر، ما يصلح في نظرنا أن يكون مدخلاً ومنطلقاً له.
دمشق في 14/1/1988
عبد الله عبد الدائم