الإصدار: الأولى – آب/ أغسطس 1998

دار النشر: دار العلم للملايين – بيروت

هذا الكتاب

تجويد التربية وتجديدها في الأقطار العربية جميعها مطلبان أساسيان تمليهما أزمة التربية في تلك الأقطار، تلك الأزمة التي تتجلى في تقصير مواردها المالية والبشرية عن الوفاء بمتطلبات نموها الكمي والنوعي معاً. ويزيد في أهمية هذين المطلبين عجز التربية فيها عن الإسهام الفعّال في تحقيق التنمية المرجوة في شتى ميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتشير الدراسات الكثيرة إلى أن هذا القصور الكمي والنوعي الذي تشكو منه التربية في جملة الوطن العربي، لا تكفي لمعالجته جهودُ كل قطر عربي على حِدة ومواردهُ المالية والبشرية المحدودة، بل لابد لعلاجه من اجتماع القدرات العربية كلها والثروات البشرية والمادية جميعها متكاملةً متفاعلة.
عن هذا التفاعل والتكامل في ميدان التربية بين أقطار الوطن العربي يتحدث هذا الكتاب الذي بين يدينا، منطلقاً من حقيقة علمية غدت راسخة، وهي أن التجربة القطرية في أي ميدان من ميادين التنمية، وعلى رأسها ميدان التربية، تجربة أثبتت فشلها.
ومن هنا يبحث الكتاب في وسائل التعاون العربي والعمل العربي المشترك في ميدان التربية، متحدثاً عن جهود المنظمات والهيئات المعنية به، محللاً عطاءها، مبيّناً حدود عملها وقيوده.
وبالإضافة إلى هذا كله يبين الكتاب دور العمل التربوي العربي المشترك في تأكيد الهوية الثقافية العربية الخاصة، وفي بناء معالم الثقافة العربية الذاتية، الأصيلة والحديثة، من خلال التراث المشترك وما يحمل من تجارب وقيم، ومن خلال الواقع العربي وما يومئ إليه من حاجات، ومن خلال مسيرة التقدم في العالم وما تمليه من تغيير، ومن خلال مطالب المستقبل العربي ومستلزمات بناء الكيان الحضاري القومي القادر المحمَّل بالوعود.

تصدير 5
الفصل الأول: دور التربية في تأصيل الفكر القومي لدى الناشئة 9
– تعريفات 14
– المشكلة: 17
1- الواقع القومي في الوطن العربي وأساليب تطويره 18
2- الواقع التربوي في الوطن العربي ووسائل تطويره تحقيقاً للأغراض القومية 20
– الوجه الكمي للتربية 21
– الوجه الكيفي النوعي للتربية 24
– خاتمة 33
الفصل الثاني: العمل العربي المشترك في مجال التربية 39
– مدخل 39
– أولاً: مؤسسات العمل العربي المشترك 41
1- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 42
2- مكتب التربية العربي لدول الخليج 47
3- اتحاد الجامعات العربية 53
4- اتحاد المعلمين العرب 56
5- التعاون العربي عن طريق التعاون الدولي 60

– ثانياً: أهم المبادئ التي يشملها العمل العربي المشترك في مجال التربية 62
– أهم جوانب التعاون 62
– المؤتمرات والحلقات 64
– المؤسسات العربية التربوية المتخصصة 68
– ثالثاً: نظرة تقويمية مستقبلية إلى التعاون العربي المشترك في ميدان التربية 72
1- التفاعل 72
2- التكافل 76
3- التكامل 78
4- التماثل 81
خاتمة 83
الفصل الثالث: الآفاق المستقبلية للعمل العربي المشترك في ميدان التربية 88
– مدخل 88
– أولاً: صورة الواقع 93
1- واقع العمل العربي المشترك في ميدان التربية 93
– التعاون القطري 94
– التعاون القومي 96
2- واقع التربية في الوطن العربي 102
– ثانياً: صورة المستقبل 107
1- صورة المستقبل حين يكون مجرد امتداد للحاضر 108
2- صورة المستقبل المرجوّ 113
خاتمة وتلخيص 122
الفصل الرابع: تكامل الأقطار العربية والتعاون العربي الدولي في مجال
التعليم العالي 124
– مدخل: مفهوم التعاون العربي الدولي 124
– أولاً: التعاون العربي في مجال التعليم العالي 128
– مفهومه 128
– التعاون في مجال تبادل الطلاب 134
– التعاون في مجال تبادل الأساتذة والإداريين 136
– التعاون في المجالات الأخرى: 138
– التعاون في مجال البحث العلمي 138
– التعاون في مجال التعريب وتأصيل الثقافة القومية 140
– ثانياً: التعاون العربي الدولي في ميدان التعليم العالي 148
– ثالثاً: مشكلات التعاون العربي الدولي في مجال التعليم العالي 154
– رابعاً: مقترحات وإطلالة على المستقبل 158
– خاتمة 163
– ملحق: جداول إحصائية 166
الفصل الخامس: تطوير التربية العربية لمواجهة الصراع العربي الإسرائيلي 171
– مدخل 171
– منطلقات أساسية 172
– نظرة خاطفة إلى الواقع العربي والمستقبل العربي في ميادينه المختلفة 177
1- في الميادين الاقتصادية 177
2- في النظام التربوي 179
– الفلسفة التربوية العربية المنشورة وأهم معالمها وقيمها 182
– خاتمة 202
الفصل السادس: المعجزة اليابانية وفلسفة التربية العربية 207
– مدخل: 207
– المنطلقات التاريخية والفلسفية للعناية بالتربية الخلقية في اليابان 208
– من التقاليد التعاونية في العمل الزراعي إلى المعمل والمصنع 209
– الرباط الوثيق بين المعجزة اليابانية والتربية اليابانية 210
– التكامل بين التطور العلمي التكنولوجي والقيم التربوية في العصور اليابانية الحديثة 211
– من الدرس الياباني إلى الواقع العربي والمستقبل العربي 214

يجمع بين فصول هذا الكتاب أنه يشتمل على دراسات كتبت في مناسبات متباينة ينظمها جميعها خيط رائد واحد، هو أنها تبحث في العلاقة العضوية التي يجب أن تقوم بين نظم التربية في البلاد العربية، عن طريق العمل المشترك بأشكاله ومؤسساته المختلفة، أو عن طريق صيغ أخرى جديدة أكثر تقدماً ونجعاً.
والموضوعة الثاوية وراء فصول هذا الكتاب موضوعة بدهية، قوامها أن التجربة القطرية، سواء في التربية أو الاقتصاد أو سواهما، تجربة أثبتت فشلها، وأن لا بديل عن العمل العربي المشترك من أجل إجزال (تعظيم كما يقول بعضهم) جهود التنمية المختلفة في شتى البلدان العربية، وبوجه خاص لابد من اللقاء واللقاح بين تنمية الموارد البشرية وبين تنمية الموارد المادية، أي بين التربية، بوصفها أهم أدوات تنمية الموارد البشرية، وبين سائر أشكال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا اللقاء لابد أن يتم من خلال العمل العربي المشترك، انطلاقاً من استراتيجية واضحة المعالم، ترسم الصورة المتكاملة لشتى أوجه هذا العمل المشترك في التربية أو الاقتصاد أو الحياة الاجتماعية أو الحياة الثقافية أو سواها.
وقد تريثنا في الدراسات التالية عند العمل العربي المشترك في مجال التربية، مغفلين الربط بين هذا الجهد الخاص بالتربية بين الجهود المتصلة بالعمل المشترك في شتى ميادين التنمية. ولم نقصر حديثنا على العمل التربوي العربي المشترك في نطاق المؤسسات المعنية بذلك (كالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وكاتحاد الجامعات العربية، وكمكتب التربية العربي لدول الخليج، الخ..)، بل أشرنا إلى بعض أوجه التعاون الثنائي المباشر بين البلدان العربية، لما له من دور كبير في تطوير التربية العربية، مبينين فضائله وحدوده في آن واحد.
وقد حاولنا فوق ذلك أن نلقي نظرة تقويمية على العمل العربي المشترك في ميدان التربية، كيما نخلص من وراء تلك النظرة إلى تحديد أهدافه المستقبلية في أهداف أربعة رئيسة: التفاعل – التكافل – التكامل – التماثل.
وسوف نرى من تقرّي بعض ما حوته الفصول التالية كيف أن العمل العربي المشترك بأشكاله المختلفة – رغم عراقته ورغم ما بذلت فيه من جهود – ما يزال مقصراً عن مداه تقصيراً غير مقبول. لا سيما أن الصورة المستقبلية للتربية في الوطن العربي – إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية في المستقبل – صورة غير مشرقة، بل صورة تتهم التعاون العربي وتفضح قصوره. ولا أدلّ على ذلك من أن بعض البلدان العربية لن تتمكن من تعميم التعليم الابتدائي (في عصر الفضاء والذرة والإلكترون) قبل العقود الأولى من القرن القادم، ولن تقوى على القضاء على الأمية قبل ذلك الحين في أفضل الأحوال. هذا إذا تناسينا النقائص النوعية الكيفية التي تصم التربية في الأقطار العربية جميعها، فضلاً عن ضعف الصلة بين هذه النظم التربوية وبين حاجات التنمية الشاملة.
ورغبة منا في أن نضع مسألة التعاون العربي في ميدان التربية في إطار التجربة العالمية الأوسع، تحدثنا في الفصل الرابع بوجه خاص عن الصلة بين التعاون العربي والتعاون الدولي، مبينين أن هذا الأخير لا يأخذ معناه ومداه إلا إذا نضج التعاون العربي وعرف منطلقاته وغاياته، وحدّد بالتالي حاجاته من التعاون الدولي في ضوء تلك المنطلقات والغايات. وبينا أن التعاون الدولي (أو التعاون الثنائي مع الدول الأجنبية) لن يكون بحال من الأحوال بديلاً عن التعاون العربي من جانب وعن الجهد الذاتي لكل قطر عربي من جانب آخر.
وطبيعي أن نتصدى في مثل هذا البحث عن التعاون العربي للحديث عن جانب أساسي وحيوي منه، نعني دور التعاون العربي في بناء الفلسفة التربوية العربية التي من شأنها أن تولّد نظاماً تربوياً قادراً على الصمود أمام التحدي الإسرائيلي، ذلك التحدي الذي هو في خاتمة المطاف تحدّ حضاري يستلزم بالتالي ردّاً حضارياً. والبحث عن معالم الفلسفة التربوية العربية القمينة بتكوين المواطن القادر على مواجهة ذلك التحدي، لابد أن يكون من أهم أهداف العمل العربي المشترك في مجال التربية. والحق إن تكوين المواطن القادر على مواجهة التحدي الإسرائيلي هدف كبير بل هدف أول تندرج تحته سائر الأهداف التربوية، فضلاً عن الأهداف التنموية الشاملة. ومن خلاله يأخذ العمل العربي المشترك معناه، سواء في التربية أو في شتى مجالات التنمية.
ولعلنا لا نغلو إن قلنا إن العمل العربي المشترك، في التربية وسواها، ما يزال يفتقد إلى حد بعيد نقطة الانطلاق هذه، وما يزال يعمل عملاً بطيئاً متثاقلاً، في آونة لا يجدي فيها إلا العمل الحار والمبأور، العمل لمواجهة تحدٍّ يهدد الأمّة العربية في وجودها نفسه ولبناء كيان عربي منيع صامد تفتحت فيه أكمام الحضارة غنية ولوداً.

دمشق في 14/1/1988
عبد الله عبد الدائم